"حرب القبيلة على غزة": مشاركة واسعة في ندوة سياسية بالناصرة

قدم المؤرخ الإسرائيلي إيلان بابيه آخر مداخلات الندوة، وتحدث فيها عن بداية نهاية المشروع الصهيوني في فلسطين قائلا "هذا لن يكون في القريب العاجل أي بعد قرار محكمة العدل الدولية لكنه في القريب المنظور

جانب من الندوة في الناصرة (عرب 48)

عقد "مدى الكرمل" - المركز العربي للدراسات الاجتماعية التطبيقيّة، ندوة سياسية مساء أمس الجمعة تحت عنوان "حرب القبيلة على قطاع غزة"، وذلك بالتعاون مع مقهى "ليوان" في البلدة القديمة في مدينة الناصرة.

تغطية متواصلة على قناة موقع "عرب 48" في "تليغرام"

وشارك في الندوة مدير عام "مدى الكرمل"، د. مهند مصطفى، الباحثة والناشطة د. عرين هواري، بروفيسور محمود يزبك، والمؤرخ الإسرائيلي إيلان بابيه، وأدارت الندوة د. أريج صباغ خوري، وذلك بمشاركة واسعة.

وقدم د. مصطفى مداخلة تحت عنوان "دولة القبيلة الإسرائيلية وحدودها"، تحدث فيها عن سلوك القبيلة الذي انتهجته إسرائيل في حربها على غزة وهو سلوك غير مفصول عن البنية التحتية الاستعمارية لإسرائيل والتي تولّد بنى تحتية جديدة مثل "بنية القبيلة" والتي تجيء استمرارا لنهج سبقتها إليه الولايات المتحدة الأميركية في حربها على العراق بزعم وجود "أسلحة دمار شامل" قامت من خلالها أميركا بتدمير حضارة كاملة استصرخت العالم بأسره وخرجت مظاهرات منددة بهذا العدوان في جميع انحاء العالم باستثناء إسرائيل.

وأشار إلى أن إسرائيل وضعت حدودا خارجية وداخلية لها مع بدء الحرب على غزة ضمن سلوك القبيلة، وحددت من هو العدو من ثم شنت عملية "انتقام" على كامل غزة بصفتها الحاضنة الاجتماعية لحركة "حماس"، مبينا أن كلمة "حرب انتقام" ذكرت بشكل جلي في إسرائيل مع بداية الحرب.

وأضاف د. مصطفى، أن "الأهداف التي وضعتها إسرائيل للحرب هي ليست أهداف"، وتساءل "ماذا يعني القضاء على حماس وهي حركة لها مؤسسات اجتماعية وتربوية واجتماعية وهي السلطة الحاكمة في غزة وهذا بحد ذاته تفكير قبلي؟ هل هنالك من نجح في القضاء على حركة سياسية – دينية؟".

وقال إنه لاحقا أضيف لهذا الهدف تحرير الأسرى، وهو أيضا هدف غير واقعي ويتناقض مع الهدف الأول متسائلا "هل يعقل أن يتم تحرير أسرى يتواجدون بأيدي حماس وتحت حراسة مشددة؟".

وتابع "أما على صعيد الحدود الداخلية التي وضعتها القبيلة (إسرائيل) فقد تم تحديدها حسب معيارين إثني وديني يحظر من خلاله التضامن مع غزة لا بالموقف ولا حتى بالمشاعر، لا بل إنها ذهبت إلى أبعد من ذلك في أنها تحظر التضامن مع القتلى في الهجوم على ’غلاف غزة’ وضحايا قطاع غزة، فهو محظور في العقلية القبلية لأنه يساوي بين ’شعب الله المختار وبين الحيوانات البشرية’".

وقدمت الباحثة د. عرين هواري مداخلة تحت عنوان "فلسطينيو 48 والفاعلية المعاقة"، تحدثت فيها عن حالة الخمول التي سيطرت على المجتمع الفلسطيني في الداخل الذي بدا مردوعا إزاء سياسة الاعتقالات والملاحقات السياسية التي مارستها إسرائيل ضد كل من حاول التعبير عن موقف معرض للحرب على غزة، وحاولت د. هواري تسليط الضوء على الأسباب التي جعلت الحركة الوطنية معاقة لا بل مشلولة في مقابل التحديات.

وقالت د. هواري، إن "إسرائيل تبدو بحالة غير مسبوقة منذ هجوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر، وتوجيه ضربة عسكرية وسياسية ومخابراتية هي الأقسى منذ حرب عام 1973، وبالمقابل هناك حالة غير مسبوقة من الصمت والخمول والإخراس داخل الحركة الوطنية التي وصلت حد التواطؤ".

من جانبه، تحدث بروفيسور محمود يزبك عن "تهاوي وسقوط الإستراتيجيات الإسرائيلية"، مشيرا إلى طبيعة المستوطنات الإسرائيلية التي تعتبر خط الدفاع الأول للدولة على جميع الحدود والجبهات، وقال إن "هذه المستوطنات تمتاز بأنها محاطة بجدران وأبراج مراقبة تشرف على الحدود وهدف هذه الجدران هو عزل البيئة الاستيطانية عن محيطها الذي غالبا ما يكون أرضا فارغة من السكان (مناطق عازلة)".

وذكر أنه "في 7 تشرين الأول/ أكتوبر أصبحت مستوطنات الغلاف عبئا على الدولة، وهذا تغير جذري في الإستراتيجية منذ بداية المشروع الصهيوني، وقد اضطرت الدولة إلى إفراغ مستوطنات وبلدات في شمال البلاد وجنوبها والتي تعتبر جذرا من جذور الحركة الصهيونية".

وقال إن "الإستراتيجية الثانية التي سقطت هي إستراتيجية ما يسمى بإدارة الصراع بدل حل الصراع، إذ أنه في العشرين سنة الأخيرة أجهزت إسرائيل على ما يسمى بحل الدولتين بفعل الاستيطان، واختار رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو بدلا من حل الصراع، ما أسماه بسياسة إدارة الصراع والإصرار على عدم إقامة دولة فلسطينية، ليجيء هجوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر ويذكّر العالم بأن إستراتيجية إدارة الصراع فشلت ويجب حل الصراع إزاء مطلب التحرر الوطني الفلسطيني".

وأضاف "أما الإستراتيجية الثالثة التي تهاوت بفعل هجوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر فهي قوة الردع الرهيبة التي سقطت سقوطا مدويا، واليوم نعد 100 يوم على الحرب وإسرائيل تقتل وتشرد وتدمّر لكنها لم تنجح بقوتها هذه ردع مقاتل واحد في غزة، أما الإستراتيجية الوحيدة التي لم تجربها إسرائيل حتى اليوم فهي إستراتيجية السلام".

وقدم المؤرخ الإسرائيلي إيلان بابيه آخر مداخلات الندوة، وتحدث فيها عن بداية نهاية المشروع الصهيوني في فلسطين قائلا "هذا لن يكون في القريب العاجل أي بعد قرار محكمة العدل الدولية لكنه في القريب المنظور أي بعد 10 أو 20 عاما".

ورأى أن "هنالك مؤشرات على بداية زوال المشروع الاستعماري الاستيطاني في فلسطين، وهذه المؤشرات واضحة وقوية وليست مجرد أوهام"، وحذر من أن "زوال الكيان سيترك فراغا، وإذا لم تكن الحركة الوطنية الفلسطينية جاهزة لملء هذا الفراغ فإنه قد يملأه كيان آخر".

ومن أبرز المؤشرات التي قال بابيه إنها تنذر بنهاية المشروع الصهيوني هي الحرب الأهلية بين دولة إسرائيل المتمثلة بأصحاب الرؤية الواسعة التي ترى بأن الديمقراطية الليبرالية لا تتناقض مع وجود الاحتلال، وبين دولة "يهودا" الاستيطانية المتطرفة التي أصبحت تشكل قوة متنفذة حقيقية تسيطر على عدد من الوزارات بضمنها وزارة المالية، بعد أن كانت هذه القوة هامشية في المجتمع الإسرائيلي قبل سنوات، وهي قوى عنصرية لا يهمها أن تكون إسرائيل ديمقراطية. ويرى بابيه أن "الوحدة المزعومة التي يجتمع عليها الإسرائيليون اليوم لا يجمعها سوى هجوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر".

وذكر أن "المؤشر الثاني على زوال المشروع الصهيوني هو عدم قدرته على حماية المدنيين، ولا حتى تقديم المساعدة لهم بعد الهجوم وهو ما سبب شرخا كبيرا وعدم ثقة بين المواطن والمنظومة الأمنية التي تحميه. وأخيرا تحدث بابيه عن الاقتصاد الجزئي الذي يقسم المجتمع الإسرائيلي إلى أغنياء وفقراء، وعدم قدرة الدولة اليوم على تلبية احتياجات 35% من المواطنين بعد هجوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر. وتطرق إلى الرأي العام العالمي تجاه فلسطين والتضامن الواسع مع قضيتهم على مستوى الشعوب، وإن لم ينعكس هذا الموقف في الحكومات، لكن هؤلاء الشباب الذين انكشفوا على الحالة اللاأخلاقية لدى حكوماتهم، وهو ما يعزز قوة تيار مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها، وهؤلاء الشباب هم من سيقودون دولهم في السنوات المقبلة.

التعليقات