باحثون يناقشون الحرب على غزة في حيفا: "الهدف الأول هو التهجير.. القضية الفلسطينية عادت للواجهة"

تمحور المؤتمر حول تداعيات وأهداف إسرائيل من حربها على قطاع غزة، وتخلل مداخلات سياسية واجتماعية وثقافية وتاريخية من قبل العديد من الباحثين والأساتذة الجامعيين وطلبة الدراسات العليا والأدباء والناشطين.

باحثون يناقشون الحرب على غزة في حيفا:

جانب من المؤتمر في حيفا (عرب 48)

عقد مؤتمر أكاديمي في صالة "مجدلاني" بمدينة حيفا أمس الجمعة تحت عنوان "الحرب على قطاع غزة: مقاربات سياسية، اجتماعية، ثقافية"، بالتعاون بين "مدى الكرمل – المركز العربي للدراسات الاجتماعية التطبيقية" وجمعية "الشباب العرب – بلدنا" وجمعية الثقافة العربية.

تغطية متواصلة على قناة موقع "عرب 48" في "تليغرام"

وتخلل المؤتمر مداخلات سياسية واجتماعية وثقافية وتاريخية قدمها عدد من الباحثين والأساتذة الجامعيين وطلبة الدراسات العليا والأدباء والناشطين، وهم: أسماء عزايزة، إمطانس شحادة، أنطوان شلحت، جاد قعدان، جوني منصور، طارق خطيب، عبد كناعنة، عرين هواري، علي حبيب الله، علي مواسي، غادي الغازي، فاتنة إبريق زبيدات، وليد حباس، محمود يزبك، مهند مصطفى، نادرة شلهوب كيفوركيان، نداء نصار، هبة يزبك، يهودا شنهاف.

وتطرقت مديرة جمعية "الشباب العرب – بلدنا"، نداء نصار، إلى الهدف من المؤتمر بالقول "في ظل القهر والقتل والصمود، هدفنا من خلال هذا المؤتمر وعلى الأقل من وجهة نظرنا كمنظمين ليس الخوض بأسئلة كبرى بينما الإبادة مستمرة، فالعين كل يوم تتجه إلى غزة والأولوية وقف حرب الإبادة وإحباط محاولة تصفية القضية الفلسطينية، وعلى ذلك وكغطاء للإبادة والتصفية تجري حرب سياسية بدأت مبكرا، بادرت لها الأنظمة الأجنبية والعربية المتواطئة مع إسرائيل. حرب عنوانها حل الدولتين ليس بمفهوم تحرير القرارات الدولية أو العدالة للناس، إنما كغطاء لعدم إحراج هذه الأنظمة أمام حركات التضامن في الشارع. في هذا السياق وأيضا من باب ضرورة طرح فعاليتنا كفلسطينيين في مناطق الـ48 لهذا الفصل الدموي من تاريخ شعبنا الفلسطيني، توجب علينا عقد هذا اللقاء".

وكانت كلمة الافتتاح للمؤتمر لبروفيسور نادرة شلهوب كيفوركيان ألقاها بالنيابة عنها الشاعر والباحث في الدراسات الثقافية وعضو اللجنة التحضيرية، علي مواسي، الذي قال "علينا فضح وتفكيك التاريخ والواقع السياسي التدميري، وتشريح في الدولة في مشرحة الطب الشرعي الفلسطيني وأخلاقيات كتلك التي أبرزها زميلي الغزي الطبيب غسان أبو ستة، ونشطاؤنا واطفالنا ورجالنا ونساؤنا ومراسلونا، وكشف السلطة والقوة التدميرية للدولة وحلفائها كما أشار الكثير من ناشطينا وباحثينا ومحللينا وسياسينا. علينا قرع الخزان ليس فقط لطرح تحرير نقدي بديل، بل لتحرير أهلنا وفلسطيننا، والحد من منظومات وأهوال الإماتة المتراكمة والمستمرة".

"الحرب على غزة أعادت القضية الفلسطينية على المستويات المحلي والإقليمي والدولي"

وتطرق الباحث ومدير مؤسسة "مدى الكرمل"، د. مهند مصطفى، في مداخلته إلى تبعات الحرب على غزة على القضية الفلسطينية قائلا: "سوف تنعكس نتائج الحرب على تموضع القضية الفلسطينية وتحدد مكانتها، ما سيكون مختلفا عن مكانتها قبل حرب السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، وإسرائيل تهدف من خلال الحرب إلى تهميش القضية الفلسطينية التي عادت بقوة على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، والهدف الأكثر وضوحا هو تهجير أهالي غزة من خلال القضاء على حماس وبنيتها العسكرية وتدمير البنى التحتية في غزة والانتقام من أهالي غزة، فالهدف الأول هو إفراغ قطاع غزة وإغلاق هذا الملف وصولا لتصفية القضية الفلسطينية، ولكن إسرائيل أخفقت في تحقيق هذا الهدف نتيجة للموقف المصري الرافض لتهجير أهالي القطاع وبالتالي فشل أهداف العملية العسكرية الإسرائيلية".

"المحاكم الميدانية لمحاسبة فلسطيني الداخل على يد أفراد مدنيين إسرائيليين"

يتساءل الباحث في الدراسات الثقافية، جاد قعدان، ضمن مداخلته "عن المركبات الأساسية التي تؤدي إلى المشاركة الفعلية لمعظم الجمهور الإسرائيلي في اضطهاد واحتلال وتهجير وقتل الفلسطينيين على مرّ أكثر من 75 عاما، وبالذات في ما يجري الآن في غزة باعتباره حدثا غير مسبوق من ناحية قسوة المشاهد وبشاعتها. ما هي تلك العقيدة السياسية والأخلاقية؟ وما هي الحالة النفسية التي تتيح قبول لا بل تشجيع المجزرة الجارية الآن في غزة؟ وما هي التبعيات النفسية الفردية والجمعيّة لأن تكون جزءا من هذا الحدث؟".

وفي إجابة على ذلك تطرق إلى حادثة شخصية مر بها قائلا "بعد أكثر من سنة ونصف من مشاركتي في فرقة لفنون القتال في إحدى المدن اليهودية المجاورة، طلب المدرب مني ومن زملائي العرب عدم العودة للتدريب، لكوننا معارضين للعدوان الإسرائيلي على غزة، إذ تم طردنا أمام جمهور من الإسرائيليين بما فيهم الأطفال كذلك. ذات الحادثة التي تعرضت لها من طردي من فريق الفنون القتالية، تتكرر بأشكال متنوعة مئات آلاف المرات في هامش المدينة الإسرائيلية، مما يساهم في خلق نسيج اجتماعي مترهل هش، لا يفترض فيه أن الفلسطيني الذي يحمل هوية المواطنة بأنه جزء من البنية الاجتماعية وليس فقط على الصعيد الرسمي والمهني أو الزمالة، بل أيضا على الصعيد الشخصي".

وأضاف "كل هذا حدث كجزء من مشاهد فقدان السيطرة الإسرائيلية، فقد تبنى الكثير من الأفراد المدنيين الإسرائيليين مهمة الدفاع عن دولتهم وعن كيانهم بشكل شخصي، فبعد أن تم استدعاء واستجابة ما لا يقل عن 300 ألف جندي من جنود الاحتياط في الجيش الإسرائيلي، بقيت نسبة لا يستهان بها في البيوت، هي عبارة عن شريحة ضالعة بدور في الجهاز الأمني، وضمن هذه الشريحة برزت ظاهرة جديدة وهي ملاحقة الزملاء العرب في العمل في الأطر المشتركة والوشاية بهم إلى منظومات يمينية متطرفة تقوم بـ’محاسبة’ هؤلاء الأشخاص عن طريق ’المحاكم الميدانية’ مثل الوعيد والتهديد بكل أنواع العنف من الفصل من إطار العمل والتهديد المباشر بالقتل، وما يزيد الطين بلة أنه إذا ما حاول هذا الفرد الفلسطيني تقديم شكوى للشرطة الإسرائيلية فإن الشرطة تقوم باعتقاله بدلا من الدفاع عنه، وهذا ما حدث مع الفنانة دلال أبو آمنة وغيرها الكثير".

"إسرائيل تعتبر المواطنين العرب على أنهم جزء من الحرب"

أدت الحرب على غزة بحسب ما ذكر الباحث د. مطانس شحادة إلى "إعادة القضية الفلسطينية إلى الواجهة وطرح سؤال المواطنة ومضمونها وإعادة الارتباط بين القومي والمدني اليومي والتأكيد على أنه لا تغيير ولا استقرار في حالة المواطنين العرب دون تفكيك منظومة السيطرة والاستعمار الإسرائيلية وغياب العرب عن الاحتجاج السياسي ضد الحكومة ومنع العرب من انتقاد الحرب والعمل السياسي خلال الحرب".

وتابع "كذلك فإن الحرب على غزة تظهر هشاشة مواطنة العرب في إسرائيل أو المواطنة الخاوية أو الممنوحة للسكان العرب، إذ أن الحرب وحالة الطوارئ ألغت الشعور بالخوف لدى المجتمع الإسرائيلي حتى معاني المواطنة الشكلية التي حاول العرب التمسك بها واستعمالها في حالات طوارئ سابقة. لا تسمح ’القبلية اليهودية’ للمواطنين العرب التدخل في حالة الطوارئ والقضايا الأمنية المصيرية، هذه الأمور تستدعي التفكير بطرح جديد يستند إلى استنتاجات ما حصل وقت الاحتجاج على الانقلاب القضائي، وما يجري الآن وقت الحرب".

"اليوم التالي للحرب على غزة، الخطوة الأولى للتحرر هي إدارة السكان بالمفهوم السيادي"

وتحدث الباحث في علم الاجتماع، وليد حباس، ضمن مداخلته عن غزة في اليوم التالي للحرب، متطرقا إلى سياسة الحكم العسكري التي تمارسها إسرائيل قائلا "جميعنا نتفق على أن إسرائيل مبنية على مبدأ الاستحواذ على الأرض وتهويدها وإقصاء الفلسطينيين. هنا أتطرق إلى مصطلح ’إدارة السكان’، إذ أن إسرائيل تقوم منذ عام 1967 حتى اليوم بإدارة السكان في الضفة الغربية ولهذا فإن الخطوة الأولى للتحرر هي إدارة السكان بالمفهوم السيادي بأن يتم قطع الحبل السري الذي يربط السلطة مع الحاكم العسكري للتحرر، في جزئية علاقة الدولة أو البنية الاستعمارية بالسكان".

"ينبغي صياغة أفق سياسي يتيح لنا التحرك والعمل ضمن واقع جديد ستتضح معالمه قريبا"

ذكرت النائبة السابقة، د. هبة يزبك، أن "الاستطلاعات تشير إلى أن 90% من المجتمع الإسرائيلي يؤيدون الحرب على غزة، وبالتالي فهذا له تأثير على أماكن العمل المشتركة والجامعات وحتى المدن المختلطة، إذ تحاول إسرائيل انتزاع العنصر الانساني وجعل المجتمع برمته مؤيد للحرب وتتجاهل المبادئ القانونية والأخلاقية والتي تميز المدنيين عن العسكريين، وبهذا تحصل على إجماع داخلي على الحرب وهو ما يحتاجه النظام الإسرائيلي في حالة الحرب".

ولفتت إلى أنه "لم تكن مصادفة أن يقوم مفتش عام الشرطة، يعقوب شبتاي، بعد أيام قليلة من اندلاع الحرب بتهديد كل من يفكر بالتظاهر بنقله إلى قطاع غزة، وهذا مؤشر على أن إسرائيل لا تكترث للانتماء الوطني أي المواطنة، بل تعمل ضمن سياق الانتماء القومي فقط ولذلك يتوجب علينا كفلسطينيين إعادة هيكلة وصياغة المشروع الوطني الفلسطيني، فما قبل السابع من تشرين الأول/ أكتوبر ليس كما بعده، في ضوء المتغيرات العالمية والتوازنات الإقليمية، ويجب إعادة تنظيم الأولويات ضمن مكاشفة صادقة مسؤولة، وصياغة أفق سياسي يتيح لنا التحرك والعمل ضمن واقع جديد ستتضح معالمه قريبا".

"تغييرات جذرية بمفهوم وتنسيق العسكرة داخل المجتمع الإسرائيلي"

وبيّنت يزبك "نشهد منذ الانتفاضة الثانية تغييرات جذرية بمفهوم وتنسيق العسكرة داخل المجتمع الإسرائيلي، فمفهوم العسكرة المجتمعية التقليدية والذي يتم من خلاله بناء مجتمع يحمل هوية جماعية ترتكز على العسكرة، فينشأ لدينا مفهوم العسكرة الصلبة التي تترسخ في كافة مجالات الحياة وفي الذهنية والوعي لتكون جزءا من الحياة اليومية، فلا يحتاج المرء هنا أن يكون مجندا لكي تترسخ لديه هذه الهوية وأنماط التفكير والوعي العسكر، لتخلق حالة جمعية من حالة ’القبيلة’ موضوع بحثنا اليوم، والحال كذلك فالفلسطيني لا يلتقي مع هذه الحالة لا من ناحية عسكرية ولا من ناحية قومية ولا من ناحية أخلاقية، ليتحول لجزء من حالة ’اللاأنسنة’، اي انتزاع الصفات الإنسانية بشكل صارخ وبخاصة في غزة من خلال عمليات القتل وانتهاك الحرمة الإنسانية، والحيز، والثقافة والحضارة، ضمن عملية محو كامل للهوية، وعلى صعيد انتزاع الصفات الإنسانية عن أهالي الداخل فلا يحتاج الأمر هناك لممارسة ذات أساليب القتل وانتهاك الحرمات، بل يكفي أنهم يقومون بها من خلال انتزاع الحق في التعبير وإبداء المشاعر والتضامن والانتماء والتعبير عن الموقف الأخلاقي أو عن الهوية".

"ظاهرة التدين آخذة في الاتساع في صفوف الجيش الإسرائيلي"

وقال الكاتب والباحث، أنطوان شلحت، في مداخلته، إن "عملية الجرف الصامت في العام 2014 كانت اعتمادا على النصوص الدينية، وفي نيسان/ أبريل 2022 كانت هناك عمليات ترميم لقبر النبي يوسف في مدينة نابلس، وقام قائد لواء السامرة بإصدار الأمر العسكري القاضي بالدخول إلى قبر يوسف اعتمادا على النص الديني أيضا، وما حدث في مسجد جنين من خلال الصلوات التلمودية تدل على أن ظاهرة التدين آخذة في الاتساع في صفوف الجيش الإسرائيلي".

التعليقات