19/09/2020 - 21:17

د. أحمد رفيق عوض: بيان القيادة الموحدة... "اتفاق ضرورة"

د. أحمد رفيق عوض: النتائج على الأرض هي من يقرر جدية اتفاق الفصائل والقيادة الموحدة والبيان رقم 1* الفلسطينيون متفائلون بطبعهم ولكن الأمور تقاس بخواتيمها وبتطبيقاتها في الميدان* لا أعرف إذا كان اتفاق التطبيع الإماراتي البحريني - الإسرائيلي هزة كافية

د. أحمد رفيق عوض: بيان القيادة الموحدة...

مواجهات مع الاحتلال في الخليل، الجمعة (أ.ب.أ)

د. أحمد رفيق عوض:

* النتائج على الأرض هي من يقرر جدية اتفاق الفصائل والقيادة الموحدة والبيان رقم 1

* الفلسطينيون متفائلون بطبعهم ولكن الأمور تقاس بخواتيمها وبتطبيقاتها في الميدان

* لا أعرف إذا كان اتفاق التطبيع الإماراتي البحريني - الإسرائيلي هزة كافية لمغادرة فكرة أوسلو

* نحن في حالة انتكاسة شديدة ولكن من الأفضل أن ننهزم على أن نوقع وثيقة استسلام


في محاولة لمحاكاة الانتفاضة الأولى، أصدرت الفصائل الفلسطينية "البيان رقم 1 للقيادة الوطنية الموحدة للمقاومة الشعبية"، فيما وصفته "تعبيرًا عن انطلاقة مسيرة كفاحية شعبية شاملة، تبدأ ولن تنتهي، إلا بإنجاز الاستقلال الوطني لدولة فلسطين والقدس عاصمتها"، كما ينص البيان.

ودعا البيان إلى "سلسلة خطوات احتجاجية مناهضة لاتفاق التطبيع الإماراتي البحريني - الإسرائيلي، وعلى رأسها اعتبار يوم الثلاثاء الذي يصادف توقيع الاتفاق في البيت الأبيض يوم رفض شعبي انتفاضي في الوطن ترفع فيه راية فلسطين في مختلف الأماكن".

البيان الذي صدر غداة اجتماع الفصائل الفلسطينية الذي في بيروت ورام الله بالتزامن، استقبل بتفاؤل حذر في الشارع الفلسطيني الذي زفت إليه أكثر من مرة اتفاقيات ناجزة عن الوحدة وإنهاء الانقسام، حملت أسماء القاهرة ومكة والدوحة وغيرها من العواصم، وذهبت جميعها أدراج الرياح، وقد انعكس ذلك في التجاوب المحدود مع دعوات الفصائل.

د. أحمد رفيق عوض

ورغم الخطابات التصالحية التي ميزت الاجتماع وإجماع المتحدثين على أن القضية الفلسطينية تمر بمرحلة تاريخية "خطيرة" في ظل "صفقة القرن" الأميركية، وخطة الضم الإسرائيلية لأجزاء من الضفة الغربية المحتلة، والتطبيع العربي مع إسرائيل، يرى مراقبون أن الفجوة بين الفصائل ما زالت كبيرة في ما يتعلق بالبرامج السياسية، وموقفها المُتباين من إصلاح منظمة التحرير الفلسطينية.

حول البيان والاجتماع ومدى ثقة الشارع الفلسطيني بمحاولات إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية، وفي ظل التحديات التي تواجهها القضية الفلسطينية، أجرينا هذا الحوار مع د. أحمد رفيق عوض، أستاذ الإعلام في جامعة القدس.

عرب 48: البيان بدا وكأنه محاولة لاستنساخ تجربة الانتفاضة الأولى دون الالتفات إلى حالة التراجع والإحباط التي تسود الشارع الفلسطيني بسبب الانقسام والفشل القيادي؟

عوض: البيان جاء ترجمة لاجتماع الأمناء العامين ومحاولة للوصول إلى حد أدنى من الاتفاق بين الفصائل، وهو ضروري جدًا لأن من دونه ستفقد هذه الفصائل ثقة الجمهور بها وسيتم تجاوزها، وبالتالي فإنه "اتفاق ضرورة".

هو يمثل الحد الأدنى من الاتفاق، والحد الأدنى من الفهم لخطورة المرحلة الحالية على القضية الفلسطينية، وبالتالي فإن تشكيل القيادة الموحدة هو محاولة لاستعادة ثقة الجمهور، ورسالة لإسرائيل بأننا نستطيع تغيير الأدوات، وأيضًا رسالة لأطراف عربية وغير عربية، تفيد بأن هناك قيادة واحدة، وأنه لا يمكن لأي طرف أن يفرض على الفلسطينيين حلول لا تتجاوب مع طموحاتهم وقيادة لا تمثل هذه الطموحات.

عرب 48: أترى أن البيان سيكون مصيره مختلفًا عن الاتفاقات السابقة التي ذهبت جميعها أدراج الرياح؟

عوض: هو بادرة خير ولكن الأمور تقاس بخواتيمها، والسؤال كيف سيترجم على الأرض، وهل سيتبعه بيان آخر أم سيبقى يتيمًا، علمًا بأن التجاوب مع دعوات البيان كانت جيدة ولكن ليس بالمستوى المطلوب، وبالنظر إلى أن الجمهور اليوم هو ليس جمهور سنة 2000 ولا جمهور سنة 1987.

فإلى جانب التحولات الاقتصادية الاجتماعية الموضوعية التي طرأت على المجتمع الفلسطيني، جرى خلال سنوات طويلة تحييد الجمهور عن الفعل السياسي بدعوى أن هناك من يمثله في هذا الفعل الذي اقتصر على المفاوضات، ويجب ألا ننسى أيضًا الآثار الذي تركتها حالة الانقسام السياسي المتواصلة، وما خلفته من تراجع وإحباط في الشارع الفلسطيني.

عرب 48: على صعيد إنهاء الانقسام وبناء الوحدة الوطنية في إطار منظمة التحرير الفلسطينية، هل أسفر الاجتماع عن خطوات جدية مُبشرة؟

عوض: هناك لجنة ستعمل على استكمال المصالحة وترتيب البيت الفلسطيني، وربما توسيع النظام السياسي وإعادة هيكلة منظمة التحرير الفلسطينية، كي تتسع لفصائل إضافية وحتى تعبر عن الشعب الفلسطيني وكافة مكوناته السياسية.

عرب 48: سمعنا هذا الكلام في اجتماعات واتفاقيات سابقة جرت في القاهرة ومكة وغيرها، فما هو المختلف في اتفاق بيروت/ رام الله؟

عوض: يفترض أن نكون متفائلين ونرجو ألا يكون الهدف هو "تقطيع الوقت" بانتظار الأمل الذي قد تجلبه الانتخابات الأميركية بتغيير دونالد ترامب، ونرجو ألا يكون الاتفاق هو اتفاق ضرورة هدفه تجاوز تداعيات هذه المرحلة الصعبة، التي تحمل تحديات كبيرة تتمثل في محاولة أميركا وإسرائيل وأطراف عربية فرض حلول وقادة على الفلسطينيين.

وبالتالي، نرجو أن يطرح الاتفاق حلولا حقيقية تخرجنا من عنق الزجاجة، وتأتي بإستراتيجية موحدة وقيادة موحدة واحدة وأساليب نضال موحدة، لأن هذا الانقسام الفلسطيني لا يخدم إلا المحتل والأطراف المعادية للشعب الفلسطيني.

عرب 48: من الواضح أن عملية تجاوز القضية الفلسطينية قد بدأت وهي تسير بشكل متسارع عربيًا...

عوض: يجب التصدي لهذا الخطر لأن أي اتفاق عربي مع إسرائيل دون المرور بالبوابة الفلسطينية، يعني المزيد من الحصار الاقتصادي والأمني والسياسي للفلسطينيين، والحد من قدرتنا على الحركة السياسية وإقناع العالم بقضيتنا.

الخليل، الجمعة (أ.ب.أ)

كذلك فإنه بمثابة نجاح لنهج اليمين المتطرف الإسرائيلي، الذي يدعي أنه يمكن الوصول إلى سلام وتطبيع مع العرب دون حل القضية الفلسطينية والوصول إلى سلام مع الفلسطينيين، ولذلك يجب توظيف جهد فلسطيني مكثف لوقف هذه الهرولة المجانية نحو التطبيع مع إسرائيل، والتي ستؤدي إلى تداعي الموقف العربي.

عرب 48: ولكن هناك من يقول إن القيادة الفلسطينية هي التي بدأت بمسيرة أوسلو العبثية وبقيت متمسكة بها على مدى 26 عامًا، رغم اكتشافها بأنها لم تحقق شيئًا، وهو ما فتح الباب لهرولة دول عربية أخرى، فهل تستنتج هذه القيادة أن مقاومة هرولة التطبيع العربي يتطلب فك الارتباط مع أوسلو والعودة إلى إطار حركة تحرر وطني؟

عوض: اعتقد أن الأمور تذهب بهذا الاتجاه، بمعنى أن أوسلو لم يصل بهم إلى دولة ولا إلى تقرير مصير ووقف الاستيطان وإعادة اللاجئين وتحرير الأسرى، وأن إسرائيل أفرغت أوسلو من مضمونه وجوفته بما يخدم أهدافها، حتى أصبح أحد معيقات تحقيق الحلم الفلسطيني.

برأيي أن الشعب الفلسطيني والسلطة والفصائل سيستخلصون النتائج، والسؤال هو إذا كان ذلك سيحدث بالسرعة المطلوبة، وفيما إذا كان اتفاق التطبيع الإسرائيلي - الإمارتي البحريني، هو "خضة" كافية أم إننا بحاجة إلى هزة أكبر للوعي الفلسطيني لكي يغادر فكرة أوسلو نهائيًا؛ أو ربما نشهد المزيد من البراغماتية من قبل السلطة الفلسطينية، هذا ما ستخبرنا به الأيام المقبلة، علمًا أن المجتمع الفلسطيني كله يقول إن أوسلو قد استنفذ.

كذلك يجب التذكير بأن القيادة الفلسطينية ذهبت إلى مسيرة مدريد - أوسلو بدفع من العرب وضغط من أميركا وإسرائيل، وأن الفلسطينيين عندما يتعاملون ويشتبكون مع إسرائيل في المفاوضات، فإن هدفهم هو الانفكاك عن إسرائيل وليس الارتماء في أحضانها، وذلك على عكس اتفاقيات التطبيع العربية. هدفنا الخلاص من الاحتلال وليس البقاء في حضن الاحتلال وهذا هو الفرق.

عرب 48: هناك من وصف حال الفلسطينيين مع أوسلو بـ"العلقة" بالتعبير الفلسطيني، التي يصعب البقاء فيها ويصعب الخروج منها؟

عوض: صحيح أن الفلسطينيين وجدوا في وضع صعب ولكن بالنهاية فإن الحقوق الوطنية أكبر من اتفاق، والشعب الفلسطيني أكبر من أن يبقى ملتزمًا باتفاقية مذلة جدًا، حتى بعد أن خرج منها الاحتلال، فهذا مُعيب ومضر بأهدافنا الوطنية والحياتية.

الخليل (أ.ب.أ)

لذلك أنا اعتقد أننا على أعتاب البحث عن شكل جديد للعلاقة مع المحتل، قد لا تكون سلطة وقد تكون سلطة بشروط أو بوظائف مختلفة، ولكن هناك اتفاق فصائلي ومجتمعي على البحث عن شكل آخر مفيد وناجع ومشرف لمواجهة المحتل، لأن البقاء على ما نحن عليه مُعيب، والإسرائيلي لا تتوقف شهيته الاستعمارية في ابتلاع الأرض وتقسيم الفلسطيني وشطبه، ولا يعقل أن نواصل استخدام أدوات قديمة في تاريخ جديد، فهذا الأمر ليس ضارًا فقط بل هو مُذل ومُهين أيضًا.

عرب 48: ولكن يبدو أن القيادة الفلسطينية تتعامل مع المواضيع بشكل "وقتي"، فقد تعاملت مع الضم على أنها مسألة وقتية حتى تم استبدالها بالتطبيع، والآن تتعامل مع التطبيع بشكل وقتي حتى حلول الانتخابات الأميركي التي قد تودي بترامب، بمعنى أنها غير ذاهبة إلى تغيير في قواعد اللعبة؟

عوض: نحن في حالة ضعف شديد ولحظة انتكاسة، لأنه وكما يبدو فإن المنطقة العربية في مرحلة تغيير تعاملها مع القضية الفلسطينية وأسلوبها في التعامل مع المحتل، بحيث تتحول إسرائيل من عدو إلى حليف، وبالتالي هذا تغيير كبير.

النظرة العربية إلى الفلسطينيين تحولت من الدعم الكامل إلى الانتقاد الكامل والشيطنة الكاملة، وبالتالي نحن في مرحلة انتكاسة كبرى، ولذلك تكاثرت علينا الأمور، حصار اقتصادي، رفع الغطاء السياسي، اتفاقيات التطبيع والضغط الأميركي وبالتالي هذه حالة انتكاسة شديدة، مطلوب منا حيالها البقاء على ثوابتنا وأهدافنا لأن الموافقة على ما يطرح علينا هو دمار لنا ولمستقبلنا، ومن الأفضل أن ننهزم على أن نوقع وثيقة استسلام.


د. أحمد رفيق عوض: رئيس مركز القدس للدراسات المستقبلية في جامعة القدس وأستاذ الإعلام في الجامعة، له عشرات الكتب في السياسة والأدب والإعلام، وهو حاصل على جوائز فلسطينية وعربية وعالمية وترجمت بعض أعماله للإنجليزية والإيطالية.

التعليقات