26/03/2022 - 21:35

"رفقة عمر" مذكرات أم جهاد تلقي حزمة من الضوء على التجربة الفلسطينية المعاصرة

"جاء الأخ أبو عمار وبرفقته الأخ صلاح خلف "أبو إياد" وسليم الزعنون بالقطار إلى غزة، وقابله أبو جهاد بصفته مسؤولا عن مجلة فلسطين في مدرسة فلسطين الثانوية في غزة وأجرى معه مقابلة صحافية للمجلة..."

خليل وانتصار الوزير

صدر مؤخرا عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كتاب "رفقة عمر: مذكرات انتصار الوزير - أم جهاد" ضمن سلسلة "ذاكرة فلسطين"، وتروي انتصار الوزير - أم جهاد كما جاء في مقدمة الكتاب، سيرتها ورحلة نضالها مع زوجها ورفيق دربها خليل الوزير - أبو جهاد، وتوثّق بدايات تأسيس حركة فتح، كما عاشتها واطّلعت عليها، بما تخللها من تحولات ومنعطفات في مسار الحركة الوطنية الفلسطينية وتتوقف عند أبرز محطات هذه المسيرة ابتداء من غزة والقاهرة والكويت وسورية والأردن ولبنان وانتهاء بتونس.

وهي التي أسست أول خليّة نسائية لحركة "فتح"، وتولّت قيادة قوات العاصفة مؤقتًا ورحلت وتنقّلت حيثما تطلّب الواجب النضالي، فطبعت البيانات ونقلت الرسائل والسلاح، وشاركت في معسكرات التدريب.

توثق أم جهاد كذلك تجربتها في العمل النسائي، وتأسيس الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية، وكيف استطاعت المواءمة بين دورها أمًا وزوجة ومناضلة، وصمودها في جميع المراحل الصعبة، ولعل أقساها اغتيال رفيق دربها أمام عينيها.

غلاف كتاب "رفقة عمر: مذكرات انتصار الوزير - أم جهاد"

ويأتي هذا الكتاب في إطار الجهد الذي يقوم به "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" في نشر مذكرات العديد من الشخصيات الوطنية الفلسطينية أمثال أكرم زعيتر وأبو ماهر اليماني ومعين الطاهر وغيرهم، بوصفها امتدادا ثريا للمسيرة الفلسطينية ورافدا من روافد توثيق تجربتها.

وبخلاف مذكرات نسائية فلسطينية أخرى، على قلتها، كما يقول الناشر في مقدمة الكتاب، جاءت مذكرات انتصار الوزير - أم جهاد مشحونة بالعاطفة فيلمح في كلماتها كثير من الحنين تجاه أبو جهاد - خليل الوزير، في حين تسهب في تذكر حكايتها مع رفيق دربها حتى استشهاده في عام 1988... وتعترف "كنت أفتقده وأشتاق إلى رؤيته"، ثم تنثني إلى تذكر "اللحظات الحلوة التي عشتها معه" وتنبش تفصيلات "سعادة اللقاء بعد طول غياب"، بينما كانت رسائلهما تزحم البريد بين غزة والكويت.

وتكمن أهمية سيرة انتصار الوزير في أنها عايشت تحولات سياسية كبيرة، وكانت شاهدة على كثير من المحطات الفاصلة، وتعايشت مع الخطر والحروب والاغتيالات والصراعات الدائرة في كل مكان، وفي هذه المذكرات تسرد أم جهاد حكاية الشهيد خليل الوزير منذ وصوله مع عائلته من الرملة إلى غزة في عام النكبة.

ياسر عرفات على يمين الصورة وبجانبه خليل وانتصار الوزير

"وتوثق كذلك بدايات تأسيس حركة فتح، كما عرفتها أم جهاد، وقصة الترحال بين الكويت والجزائر ولبنان وسورية والأردن وتونس، إلى أن تمكنت من العودة في تموز/ يوليو 1994 إلى فلسطين بعد 32 عاما أمضتها في الغربة والمنافي وبين خروجها من فلسطين وعودتها إليها شهدت بعينيها كيف تناوب القتلة الإسرائيليون على جسد خليل الوزير فخرقوه بالرصاص، وهو ليس زوجها فحسب، بل رفيق كفاحها وشريكها في دروب النضال وقائدها".

تقول أم جهاد في تمهيدها للكتاب، إنه جاء ليلقي الضوء على رحلة حياتي مع رفيق دربي خليل الوزير، خليل الذي أثرَ في منذ لقائنا الأول في الرملة وأنا ابنة خمسة أعوام، خليل الذي انتمى بجوارحه كلها إلى الوطن، خليل الذي دعمني وآمن بعملي ودوري طوال مسيرة حياتنا، ونحن نحلم بالوطن والحرية، خليل الذي عاش المعاناة مع أبناء شعبه، من اللجوء إلى المطاردة والسجن والشتات والحرب والاستهداف والاغتيال، خليل الذي رفض أن يقف على الهامش بينما وطنه يغتصب وشعبه يجرد من حريته، خليل الثائر منذ صباه، وهو الذي تعاهد بالدم مع رفيق دربه أبو عمار على شاطئ البحر، وفجرا الثورة الفلسطينية المعاصرة، وبقيا رفيقي درب حتى النهاية.

توقيع كتاب "رفقة عمر"

لاستيضاح بعض جوانب هذه السيرة الفريدة فلسطينيا وعربيا، والتي تتكامل فيها الشراكة العاطفية والزوجية مع الشراكة السياسية الوطنية الكاملة، ويتحول معها عش الزوجية إلى خلية ثورية في العمل الوطني المقاوم كان هذا الحوار مع انتصار الوزير - أم جهاد.

"عرب 48": ما أفدته شخصيا من هذه المذكرات، إلى جانب جوانب أخرى مهمة، هو التعرف على دورك الشخصي والوطني كانتصار الوزير وليس كزوجة أبو جهاد فقط، بل كعضو فاعل في حركة "فتح" منذ انطلاقتها وهو دور يتعدى "العمل النسائي" الملحق عادة في الحركات السياسية إلى الشراكة الحقيقية في التنظيم والتعبئة والتدريب على السلاح والعمل السري والحضور في المحطات المفصلية المختلفة في مسيرة حركة "فتح" والثورة الفلسطينية، وهو دور يبدو أن قامة القائد أبو جهاد كانت قد ظللت عليه؟

أم جهاد: طبعًا أبو جهاد قامة فلسطينية وعربية وعالمية ثورية شامخة وهو يحتل دورا مركزيا في تشكيل حركة "فتح" وإطلاق الثورة الفلسطينية منذ البدايات، فقد شكل تنظيما مسلحا في قطاع غزة منذ عام 54 حيث نسب لهذا التنظيم تفجير خزان المياه "زوهر" في الـ55 وذلك بعد أن ترك الأخوان المسلمين الذين كان قد انضم إليهم لأنهم حملوا السلاح عام 1948.

لقد ترك أبو جهاد الإخوان بعد أن رفضوا مشروع الكفاح المسلح لتحرير فلسطين، الذي قدمه لهم لأنهم كانوا مشغولين بخلافهم مع عبد الناصر، وأثناء دراسته في المرحلة الثانوية كان مسؤولا عن مجلة "فلسطين" التي كانت تحرض وتشحذ الهمم وتدعو لتحرير فلسطين.

وقد التقى للمرة الأولى بياسر عرفات في الأجواء التي سادت عشية العدوان الثلاثي على مصر وكان الأخير يدرس الهندسة في جامعة القاهرة ورئيس رابطة طلاب فلسطين، وجاء عرفات إلى غزة في أعقاب الإضراب عن الطعام الذي نظمه الطلبة الفلسطينيين تضامنا مع المظاهرات التي اجتاحت غزة وطالبت بالتسلح للدفاع عن النفس في وجه تعاظم الهجمات الإسرائيلية، وذلك بعد أن استدعاهم عبد الناصر في أعقابه وطلب منهم إرسال وفد إلى غزة وإحضار تقرير عن الأوضاع هناك.

جاء الأخ أبو عمار وبرفقته الأخ صلاح خلف "أبو إياد" وسليم الزعنون بالقطار إلى غزة، وقابله أبو جهاد بصفته مسؤولا عن مجلة فلسطين في مدرسة فلسطين الثانوية في غزة وأجرى معه مقابلة صحافية للمجلة.

بعدها عندما ذهب أبو جهاد للدراسة في مصر ودخل جامعة الإسكندرية وقع العدوان الثلاثي على مصر فترك الجامعة والتحق بمعسكر كانت تنظمه رابطة طلاب فلسطين لتدريب الشباب وإرسالهم إلى غزة لمقاومة الاحتلال الجديد.

في المعسكر توطدت العلاقة مع أبو عمار وبعد الانسحاب الإسرائيلي جاءا إلى غزة بالقطار هو وأبو عمار لتفقد الأوضاع في غزة وانطلق المشوار، حيث جمعهما السلاح وبقيا رفاق سلاح حتى الشهادة التي سبق أبو جهاد ياسر عرفات إليها.

"عرب 48": المحطة الثانية بدأت في الكويت؟

أم جهاد: بعد زواجنا سافرنا مباشرة إلى الكويت إلا أن إقامتنا هناك كانت قصيرة ودامت بضعة أشهر فقط، كان الأخ أبو عمار الذي سبقنا إليها يعمل مهندسا هناك وقد استقبلنا لدى وصولنا أمام سلّم الطائرة، حيث تعرفت إليه لأول مرة، وظل رفيقنا الدائم طوال فترة إقامتنا هناك وتحول بيتنا إلى مقر لاجتماعات حركة "فتح" التي كانت قد بدأت بالانتشار من خلال مجلة "فلسطيننا"، فيما كانت مجموعات ثورية وصلت إلى 65 مجموعة قد انتشرت في الضفة الغربية وغزة ودول الشتات وانضوت لاحقا تحت لواء الحركة، التي أطلقت الرصاصة الأولى في المسيرة الفلسطينية المتواصلة لتحرير الأرض والإنسان الفلسطيني، ودفع عشرات الآلاف من الكوادر والقادة حياتهم على طريقها وعلى رأسهم أبو جهاد وأبو عمار.

"عرب 48": عودة إلى دورك كرفيقة درب وطني وسياسي لأبو جهاد، فقد أوردت أنه جرى تنظيمك في الحركة وأنت في غزة وكنت تساهمين في طباعة المنشورات وتوزيعها، ولاحقا جرى تكليفك بمهمات سرية ونشطت في تأسيس اتحاد المرأة الفلسطينية وفي إنشاء الخلية النسائية الأولى لحركة "فتح" كأساس للتنظيم النسائي الذي نشط في مجالات متنوعة شمل تدريب الفتيات والنساء على السلاح؟

أم جهاد: كنت شريكة فعلية لأبي جهاد في العمل الحركي والوطني على مختلف المستويات وعملت في إطار هذه الشراكة على تعزيز دور النساء في الحركة وفي العملية التحررية، ومعروف أن المرأة شاركت في مختلف نشاطات الحركة الاجتماعية والسياسية والعسكرية وقد قدت عمليات تدريب الفتيات والنساء في معسكرات الحركة في دمشق، إلى جانب العديد من المهمات السياسية السرية والعلنية والقيادية.

وليس سرا أن بيتنا في دمشق كان مخزنا للسلاح قبل توافر المخازن الضرورية لذلك، مثلما كان مقرا سياسيا للحركة، لأن الحديث يجري عن تنظيم سري تأسس على الكفاح المسلح كوسيلة لتحرير فلسطين، وهكذا كان بيتنا في كل مكان حللنا به في رحلة الترحال الفلسطيني التي مرت من الرملة وغزة في فلسطين مرورا بالقاهرة والكويت والجزائر والأردن ولبنان وسورية وصولا إلى تونس وعودتي وحيدة إلى رام الله بعد استشهاد أبو جهاد.

"عرب 48": لاحظت أن الكتاب روى الأحداث كما جرت دون التدخل والتوقف عندها بالتحليل والنقد، وهو أسلوب ربما يترك للقارئ هذه المهمة دون أن يضعه أمام استنتاجات جاهزة؟

أم جهاد: لقد أوضحت في تقديمي للكتاب أنني لا أتوخى أن أقدم أي تحليلات سياسية للأزمات أو المواقف التي مرت بها الثورة الفلسطينية، وإنما أحاول أن أسرد تجربتي الشخصية، وأهم ما عايشته خلال تلك المراحل.

"عرب 48": لاحظت إغفال بعض القضايا، مثلا تحدثت عن انشقاق أبو موسى عن حركة "فتح" عام 1984 ولم تتحدثي عن انشقاق أبو نضال عام 74 كذلك جرى إغفال "الصراع" داخل منظمة التحرير الفلسطينية والانشقاقات والتكتلات الفلسطينية مثل جبهة الرفض عام 1974 وجبهة الإنقاذ عام 1985؟

أم جهاد: أنا لم أشأ كتابة تاريخ التجربة الفلسطينية بل سرد تجربتي الشخصية، كما قلت، وقد يكون أن هناك أحداثا قد جرى تسليط الضوء عليها أكثر من غيرها، والمعيار في هذا المجال هو ليس أهمية هذه الأحداث فقط بل بمدى تقاطعها أو تماسها الفعلي مع سيرة حياتي وحياة رفيق دربي أبو جهاد.

وبالنسبة لأبو نضال فإنه شخص ترك حركة "فتح" وليس انشقاقا له تداعيات على الحركة مثل انشقاق أبو موسى الأخير، أما بالنسبة لـ"الصراع الفلسطيني الداخلي" فإنه يدخل أكثر في إطار تحليل التجربة وهو ما لم أقم به في الكتاب.

"عرب 48": لوحظ أيضا غياب الانتفاضة الثانية وحصار واستشهاد ياسر عرفات عن الكتاب؟

أم جهاد: المذكرات تنتهي بعودتي إلى أرض الوطن عام 1994، وقد أثرت عدم التطرق للفترة التاريخية القريبة لأن أحداثها ما زالت متفاعلة ولا يصلح التعامل معها كتاريخ، ناهيك عن أنها لا زالت حاضرة أو قريبة من متناول الجيل الجديد الذي نريد له أن يقرأ هذا التاريخ ويستفيد منه ليكمل المسيرة التي بدأناها.

التعليقات