جمعيّة الثّقافة العربيّة وبلديّة سخنين تتناولان أدب الأطفال ولغته

-

جمعيّة الثّقافة العربيّة وبلديّة سخنين تتناولان أدب الأطفال ولغته
في إطار مشروع "تعلّموا العربيّة وعلّموها النّاس" الهادف إلى الحفاظ على العربيّة وتعزيزها لدى فلسطينيي الدّاخل، عقدت جمعيّة الثّقافة العربيّة وبالتّعاون مع بلديّة سخنين مؤتمرًا أكاديميّا وسم بـ"في اللّغة وأدب الأطفال"، وذلك يوم الأربعاء، 17-6-2009، في المركز الثّقافيّ التّابع لبلديّة سخنين، حيث حضره العشرات من المربيّات ومعلّمات جيل الطّفولة وأهل الأدب والمتذوّقين له.

ترحيبٌ وافتتاح:
جعل المؤتمر في جلستين تقدّمتهما افتتاحيّةٌ ألقى خلالها رئيس بلديّة سخنين، السّيّد مازن غنايم، كلمة ترحيبيّة شكر فيها جمعيّة الثّقافة العربيّة على مبادراتها في الحفاظ على اللّغة العربيّة والهويّة العربيّة، مؤكّدا ضرورة "توفير الأمان لأطفالنا في طفولتهم والحماية في كبرهم، حتّى نستطيع يومًا طلب الشّهادات الجامعيّة منهم وليكونوا مثقّفين ومعطائين لمجتمعاتهم".

واستعرض غنايم أوضاع قطاع جيل الطّفولة في بلديّة سخنين، مشيرًا إلى أنّ هناك 58 صف بستان في سخنين، 21 منها تملكها البلديّة فقط والباقي مستأجر، وهي بمجموعها تضمّ 3400 طفل من أطفال سخنين، وقال إنّ بلديّة سخنين في عهد إدارتها الجديدة بنت وستبني خلال شهور 12 صفّا جديدا، وأنّها بدأت تنفّذ مشروع بناء مركز للطّفولة على مساحة 2700 متر ليكون إطارا جامعا لتثقيف جيل الطّفولة والنّهوض به.

أمّا الدّكتورة روضة عطالله، رئيسة جمعيّة الثّقافة العربيّة، فقد قدّمت كلمة افتتاحيّة معرّفة بالمشروع، مشيرة إلى أنّ اللّغة أهمّ مركّبات الهويّة، وأنّ تشويه الأولى نتيجته تشويه الثّانية، ومن واجبنا الحفاظ على لغتنا العربيّة وتمكين أطفالنا منها، وتقديم كلّ الدّعم لهم ليجمعوا بين لغة الأمّ المحكيّة ولغة الأمّة الفصحى، لغة الفكر والعلم والثّقافة، وفي سبيل ذلك قامت جمعيّة الثّقافة بمبادرات ومشاريع عديدة منها هذا، مشروع "تعلّموا العربيّة وعلّموها النّاس".

وأضافت: في الجامعات الاسرائيليّة يعلّمون عن اللّغة العربيّة ولا يعلّمونها، فالتّدريس يكون بالعبريّة، وموضوعات النّحو والصّرف مهمّشة في المناهج الاسرائيليّة، وكلّ ما يتعلّق بجماليّات العربيّة التي تحبّب اللّغة إلى المتلقّين، وخاصّة الأطفال منهم، هي أيضا لا تدرّس، لذا وجب علينا أن نقدّم كلّ ذلك إلى أطفالنا عبر مبادرات خاصّة نطلقها نحن، وأن نوظّف أدب الأطفال لحماية هويّة أطفالنا عربيّة وفلسطينيّة وصياغتها على هذا النّحو. شاكرة بلديّة سخنين لتعاونها في إنجاز المؤتمر وشاكرة مؤسسة التعاون على دعمها للمشروع.

الجلسةُ الأولى: اللّغة الفنيّة في أدب الأطفال، وطموحات الأهل في موضوعة تعليم العربيّة.

أدار الجلسة الأولى السيّد علي غالية، مدير وحدة جيل الطّفولة في بلديّة سخنين، وتحدّث فيها كلّ من المحامي معين عرموش والأستاذة روزلاند دعيم.

أمّا المحامي معين عرموش فتناولت مداخلته "طموحات الأهل في موضوعة تعليم اللغة العربيّة في المدارس العربيّة"، وجاء فيها:

من الطّبيعي أن تستهدف السّلطات الاسرائيليّة لغتنا العربيّة تسليما بأنها أحد أهمّ مركبات هويتنا الإنسانيّة، الوطنيّة والقوميّة، إذ تؤمن تلك السّلطات بأنّه إذا نسي أبناء شعبنا مع مرور الزّمان لغتهم فإنهم حتمًا سينسون هويّتهم، ومن هنا جاء عدم الاهتمام بالعربيّة في المدارس وغياب الرّقابة على المناهج الدراسيّة، وهي مناهج ضعيفة ولا تفي بشروط جعل الطّالب متمكنا من العربيّة في مراحل دراسته الأولى والجامعيّة.

وفي ظلّ هذه الظروف، وجب علينا خوض نضالنا في مسارين: المسار القضائي والتّشريعي والدّولي لتحصيل حقوقنا والذّود عنها، ومسار إطلاق المبادرات والجهود الخاصّة للحفاظ على العربيّة، تكريسها وترسيخها، وزيادة استخدامها في التربية والتّعليم في المدارس.

فتكون هناك مؤتمرات، مثل مؤتمرنا هذا، دورات، ورشات ودراسات وإعداد مناهج بديلة، وذلك بالتعاون مع المدارس، السّلطات المحليّة، الجمعيّات العربيّة الوطنيّة..

وقدّمت الأستاذة روزلاند دعيم مداخلة حول "اللّغة الفنيّة في خدمة أدب الأطفال"، فتحدّثت عن الجوانب الأدبيّة والفنيّة في لغة الأطفال، مشيرة إلى أن هدف الأدب عامّة، وأدب الأطفال خاصّة، هو الإمتاع بالدّرجة الأولى، وهو الأسلوب الأمثل لإكساب الطّفل لغة سليمة وتدريبه على استعمالها، حيث يحتّم الأدب أخذ الكلمات الأنسب وصياغتها في أجود نظام وترتيب.

كما وتطرّقت إلى عناصر القصّة الفنيّة وكيفيّة معالجتها واستثمارها في أدب الأطفال، من حبكة وشخصيّات، مضمون وأسلوب، زمان ومكان.. مشيرة إلى وجوب استخدام المحسنات اللّفظيّة والصّور البلاغية والتّأكيد على مواطن الجمال في أدب الأطفال، وأن تكون المعاني المراد إيصالها واضحة عبر مفردات منتقاة، يوظّف في نظمها الدّفق الموسيقي، فتلك الأمور تكون دافعا لاستثارة خيال الطّفل وتحفيزه.

وفي حديثها عن اللّغة الفنيّة في أدب الأطفال، أشارت إلى أنّ أهم ما يميز تلك اللغة هو الرّنين (الوزن) والأسئلة البلاغيّة والحوار، إذ أنّ الرّنين يمنح الطّفل قدرة على حفظ كلمات وجمل من القصّة تساعده على تكرار القصّة، ممّا ينمّي قدرته على الكلام ويطوّر الفكر لديه، كما أنّ الموسيقى تساعد في كسر جمود النص وإخباريته، وأمّا الحوار فإنه يمنح القصّة ديناميكيّة وحركة وتشويقا تجذب الطّفل وتمتعه، وأمّا الأسئلة البلاغيّة، فهي تدفع الطّفل إلى التفاعل مع القصّة وتستفز خياله للبحث عن إجابات وحلول.

وأشارت دعيم إلى أن ثلاث أو أربع كلمات يتعلّمها الطّفل مع كلّ قصّة جديدة تعدّ كافية، إذ لا ينبغي الإثقال على الطّفل، مؤكدة على أن القصة الناجحة هي تلك الّتي تكون فيها المفردات سهلة في نطقها واستعمالها، والتي يستخدم لها الكاتب صيغا مختلفة.

الجلسة الثّانية: الشّعر، الوعي القرائي وبلورة الهويّة، التّعليم والإبداع، والعوامل النّفسية في أدب الأطفال.

أدارت الجلسة الثّانية المربية إيمان أبو يونس، وقدّم مداخلاتهم فيها كلّ من الأستاذة نادرة يونس، والأستاذ زاهي سلامة، والأستاذ فاضل علي.

أمّا مداخلة الأستاذة نادرة يونس فقد تناولت "أهداف الأدب بين التّنوير القرائي وبلورة الهويّة"، فتحدّثت عن الوعي القرائي مشيرة إلى أن تطوير مهارات الكتابة والقراءة، وفهم الأنظمة اللغوية الرّمزيّة على اختلافها، لهي مصادر أساسية في تعزيز القدرات العقلية، معددة وظائف الكتابة، والتي تجعل منها أمرا مهما جدّا في حيواتنا، توثيقا وحفظا وفكرا وإنتاجا وتواصلا وتحصيلا لمعرفة وبناء لأمة. كما وعدّدت الأسس التي يبنى عليها الوعي القرائي، ومنها الوعي الصّوتي ووعي المبنى اللّغوي ومعرفة الفروق بين ما هو محكيّ وما هو فصيحٌ مكتوب، ووجوب وجود مخزونٍ لغويّ يحوي ويعبّر عن مخزونٍ مفاهيميّ.

أمّا عن أدب الأطفال ودور القصص في بلورة هويّة الإنسان وصياغة شخصيته، فأشارت يونس إلى أن أدب الأطفال يساعد في عملية التّوعية والتعريف بالسّلوك الذاتي للطفل عبر شرح سلوك البطل والشّخصيات الأخرى، وأنه يحفز القدرة الخياليّة للطّفل ويوسّع مداركه، كما أنّ أدب الأطفال يزيد من الشّفافية لدى الطّفل والقدرة على تفهّم الآخر، ويساهم في تشكيل قيم إيجابيّة تجاه مجتمع الانتماء والطّبيعة والإنسانيّة، فتترسخ تلك القيم لدى الطّفل وتذوّت.

وأدب الأطفال في نظر نادرة يونس يجب أن يوظّف في عملية تعزيز انتماء الطّفل وبناء هويّته، إذ أن الإنسان من غير انتماء واضح لشعب ولمجتمع يغدو ضائعا، والإنسان يبدأ بالبحث عن انتماءاته الفطريّة من جيل 3 سنوات، ونحن يجب أن نوفّره له عبر الأدب، فهو أنجع الوسائل لتحقيق ذلك.

والأدب في نظرها أداة مهمّة لتفسير الأحداث وظواهر الطّبيعة وشرح العالم للطفل وإيضاح ما يدور حوله من أمور، من طقوس دينيّة وعادات وتقاليد ومورث وثقافة، ومعالجة الأحداث الّتي يمرّ بها لأوّل مرّة والتي قد أزمات لديه، مثل حالة موت أو حصوله على أخ جديد، أو ذهابه لطبيب الأسنان.

وتمحورت مداخلة الأستاذ زاهي سلامة حول "قصص الأطفال بين التّعليم والإبداع"، فاستعرض مجموعة من القصص التّعليمية، منها قصّة للشّاعر محمد الهراوي في تعليم حروف الأبجدية العربيّة، وقصّة أخرى للأديب حنّا أبو حنّا (أحمر.. أخضر) والتي تدعو إلى الحذر والاحتراس أثناء قطع الشّارع، مشيرا إلى أن ما يكتب للأطفال في الأغلب الأعم هو تعليميّ وليس إبداعيّ، مؤكدا أن الطّفل محب للاستطلاع ولديه قدرة على الاستفسار وهو ينتظر الإجابة دائما، وأنه قادر على الإبداع، لذا يجب عدم إهمال قدراته، ويجب تصنيف ما ينتجه الأطفال على أنه من أدب الأطفال وليس فقط ما يكتب لهم.

ويرى زاهي سلامة أن الإبداع تحطيم للمألوف وخروج عن القواعد، لذا يجب علينا أن ننظر إلى ما يعتبر شذوذا لدى الطّفل على أنه إبداع وتجديد، وأن نطوّر أدوات استيعاب ذلك (الخروج عن المألوف) واستثماره، موضحا أن الابداع يكون فطريّا في بداياته، ويبدأ يقلّ شيئا فشيئا كلّما تقدّم العمر بالطّفل، فإما أن يتمّ تحفيز ذلك الإبداع ويطلق باكرا أو يضمحلّ فلا نعود قادرين على استثماره إلاّ بصعوبة بالغة.

وعالجت مداخلة الأستاذ فاضل علي موضوعة "العوامل النّفسيّة والشّعر في أدب الأطفال"، فتحدّث عن دور الأدب في تحقيق ذات الطّفل وتمكينه ووضع الطّفل في المركز، ومساهمته في تحقيق حاجاته النّفسية عبر الإمتاع والتّشويق، ومساعدته في تطوير الذّكاء العاطفي لديه، وترسيخ قيم احترام الآخرين ومراعاة المشاعر وتفهّم ظروف الآخر المختلف، مثل ذوي الاحتياجات الخاصّة، ممثّلا لكلّ ذلك بنصوص قصصيّة مختلفة.

وعن الشّعر في أدب الأطفال، يرى فاضل علي أنّ الشعر هو قمّة الإبداع وغاية التّعبير الأدبيّ، وهو رقص مقابل نثر يمشي، وهو يضاعف من خاصيّة الأدب الامتاعيّة والتّشويقيّة، ويساهم في نقل جماليّات اللّغة وصورها البلاغيّة إلى الطّفل بصورة سلسة جميلة، فتترسّخ لديه وتتعزّز في نفسه.
..........

التعليقات