في ذكرى قرار التقسيم: وحدة أرض فلسطين التاريخية أم تقسيمها؟/هاشم حمدان

-

في ذكرى قرار التقسيم: وحدة أرض فلسطين التاريخية أم تقسيمها؟/هاشم حمدان
قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 29/11/1947 " خطة الأمم المتحدة للتقسيم"، والذي إقترح إقامة دولتين مستقلتين على أرض فلسطين التاريخية، إحداهما فلسطينية عربية والثانية يهودية مع وجود إتحاد إقتصادي بينهما، وتكون القدس كياناً مستقلاً يخضع لنظام دولي خاص وكان من المقرر أن تدار من قبل مجلس الوصاية التابع للأمم المتحدة لفترة عشر سنوات.

وفي الذكرى السابعة والخمسين لقرار التقسيم فقد ارتأينا في موقع عرب 48 أن نستشف آراء قيادات سياسية فلسطينية على جانبي الخط الأخضر، في الموقف من قرار التقسيم بمنظار الوضع الحالي خاصة بعد 57 عاماً، مع الأخذ بعين الإعتبار الظروف الحالية التي تمر بها القضية الفلسطينية وآفاق الحلول المطروحة والممكنة، وبالنظر الى التقلص في المساحة التي "تعرض" على الشعب الفلسطيني لإقامة دولته المستقلة (وليس القصد هنا ما يطالب به الشعب الفلسطيني)، وذلك إبتداءاً من قرار التقسيم مروراً بحدود عام 67 وحدود أوسلو وانتهاءاً بحدود خارطة الطريق الأمريكية وحدود خطة فك الإرتباط أحادية الجانب الإسرائيلية.

وغني عن البيان التأكيد على أن القضية الفلسطينية ليست مجرد خلافات على مساحة الدولة الفلسطينية، فالقضية الجمعية للشعب الفلسطيني مؤلفة من عدد مخيف من قضايا فردية هي بعدد أبناء الشعب الفلسطيني، إذ قلما نجد بيتاً فلسطينياً لم يذق أحد أفراده مرارة التهجير والإبعاد أو الإعتقال والسجن أو الإستشهاد أو الإصابة أو المصادرة أو الهدم. هذه التفاصيل تشكل لب القضية الفلسطينية، وبالتالي فإن أي حل يطرح للقضية الفلسطينية إذا لم يأخذ بعين الإعتبار هذه التفاصيل " الصغيرة" يضع ألف علامة سؤال على مدى تقبل الشعب الفلسطيني لهذا الحل.

د. عمر سعيد من قرية كفركنا في الجليل، حاصل على دكتوراة في علم العقاقير والأدوية من معهد التخنيون، وهو أحد مؤسسي حركة أبناء البلد والتجمع الوطني الديمقراطي، تعرض للإضطهاد بسبب مواقفه السياسية حيث فرضت عليه الإقامة الجبرية 10 مرات كل مرة لمدة ستة شهور، وسجن لمدة سنة ونصف، ناهيك عن عشرات الإعتقالات المتفرقة. ويشار الى أن د. سعيد هو من أبرز المتخصصين في مجال دراسة الطب العربي التاريخي وإخضاع هذا الموروث الحضاري للتجربة العلمية البحثية الحديثة، حيث استطاع على هذا الأساس تقديم عدة براءات اختراعات أدوية استناداً الى هذا الموروث، ويسوّق قسم كبير من هذه الأدوية ضمن شركة "الأنطاكي" في أوروبا، لكن الأمر الأبرز هو عرض هذا الموروث الى العالم بلبوس علمي يهدف الى تسليط الأضواء عليه والإفادة منه وإعادة الإعتبار اليه في ظروف استبعاد العرب والمسلمين من الساحة الدولية وعدم اعتبار المخزون الحضاري الهائل في التاريخ العربي.

وفي حديث لعرب 48 مع د. عمر سعيد حول قرار التقسيم أشار الى أنه في المنظار الحالي وبنظرة مسقطة الى الوراء، قد يعتقد الإنسان الفلسطيني الذي يعيش انهياراً شاملاً من حوله في مفاهيم المقاومة والنضال ضد الإحتلال، إن رفض قرار التقسيم كان أمراً خاطئاً وأنه كان ينبغي على القيادة الفلسطينية التمتع بمرونة أكثر وقبول قرار التقسيم باعتباره بداية لتأسيس دولة مستقلة. ولا يخلو الأمر من كثير من المماحكات السياسية والمزايدات التي تنطوي على إشارات ساخرة متشابهة صادرة عن قوى كانت تاريخياً مؤيدة لقرار التقسيم انطلاقاً من أفقها السياسي والفكري المتجانس مع أحقية ومشروعية قيام اسرائيل على أرض فلسطين باعتباره تعبيراً عن حق تقرير مصير.

ويضيف د. سعيد: "لكنني مع ذلك ما زلت أعتقد أننا كجماهير وحركات فلسطينية آنذاك، كان من الطبيعي ولزاماً علينا أن نرفض فكرة مشاركة المحتل الغازي في أرضنا. وهذا أمر بديهي يتجاوز الفذلكات السياسية، لأنه حتى ولو كان ميزان القوى والمناخ الدولي في صالح الطرف الآخر، فستبقى مسائل الحق والعدل هي جزء أساسي من نفسية العامل والفلاح والمناضل والمثقف وغير قابلة للتعمية والتضليل. خاصة وأن زمن قدوم المحتل المستوطن ولقائه الإنتفائي معنا، كان حديث العهد ولم يكن التعامل معه ممكناً إلا من هذا الباب. وباعتقادي يبقى هذا الموقف صحيحاً حتى هذه اللحظة إذاً أردنا أن نبقى أمناء وصادقين من الوجهة التاريخية".

ويقول أيضاً أنه في هذه الظروف المتردية التي تلف العالم العربي بكل قطاعاته وبعد سلسلة من عمليات خلق حقائق على الأرض في غير صالح الحركات القومية بالإضافة الى التغير الجذري في المناخ الدولي وسيادة القطب الأمريكي، لا بد وعلى خلفية التجربة بمجملها، أن يكون التحرك ضمن الفهم الصحيح لقوة هذه المعطيات في سلوكنا السياسي. ولا يعني هذا أن نستدعي الندم والأسف واعتبار أن تضحياتنا كأنها ذهبت سدى، وإنما يعني بذل المزيد من الإنتباه الى المعادلات الدولية الراهنة والى كيفية عرض خطابنا السياسي وإعادة صياغة المجتمع الفلسطيني بكل شرائحه مما يضمن له التأكيد على الثوابت وإعادة ترميم الحركة الوطنية ومراكمة إنجازات يكون حدها الأدنى القرارات الدولية بشأن قضية فلسطين بما في ذلك القدس واللاجئون والأسرى.

وبالإشارة الى ما تعرضه اليوم حكومة اسرائيل كأساس للتسوية مع القيادة الجديدة للشعب الفلسطيني وهي أقل بكثير من سقف الشرعية الدولية، يؤكد د. سعيد على ضرورة تعزيز نضال شعبنا الفلسطيني في الجبهة الدولية وإعادة الإعتبار لتلك القرارات وضرورة تطبيقها من جهة، ومن جهة أخرى ضبط أداء القيادة الفلسطينية الحالية لمنعها من التفريط في ذلك الحد الأدنى المقبول في هذه اللحظة التاريخية.

ويضيف: "اسرائيل ومن خلال ضغطها العسكري والإقتصادي على الشعب الفلسطيني وتنكرها المستمر لحقوقه الأولية والأساسية، فإنها تدفع عملياً باتجاه معادلة جديدة / قديمة ترفضها هي أصلاً وتناقض جوهر مشروعها الصهيوني في يهودية الدولة. وهي بذلك تضع نفسها أمام خيارين لا ثالث لهما، إما القضاء المبرم على الشعب الفلسطيني بمعنى الإبادة وهذا أمر مستحيل، وإما أن تخلق حالة من التعايش وإن كانت غير متوازنة - دولة أبرتهايد - الأمر الذي يفضي بالضرورة الى دولة ثنائية القومية. ومن ناحية المبدأ فإننا نرى أن أرض فلسطين التاريخية هي وحدة واحدة جغرافية وسكانية الأمر الذي يعني أن الحل الأمثل يكمن في إقامة الدولة الديمقراطية العلمانية لكافة سكانها.

وفي اللحظة التاريخية الراهنة فإن إنشدادنا السياسي يجب أن ينصب على تطبيق قرارات الشرعية الدولية الخاصة بفلسطين ومواجهة وفضح الممارسات الصهيونية القمعية.









قيس عبد الكريم، مواليد 1940 في بغداد، وهو أحد مؤسسي الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين وعضو المكتب السياسي للجبهة منذ عام 1969، يعيش في مدينة رام الله منذ العام 1996.

أكد قيس عبد الكريم في حديث خاص لموقع عرب 48 معه، أن قرار التقسيم هو بلا شك كان يشكل ظلماً تاريخياً للشعب الفلسطيني، لأنه سلم بأحد أبرز دعائم الأيديولوجية الصهيونية بتقسيم أرض فلسطين وإقامة دولة يهودية على 56% منها. لكن الأخطر فيما جرى بعد إصدار هذا القرار وبعد قيام دولة اسرائيل أن توافقاً دولياً وإقليمياً قد حصل لمنع قيام الدولة الفلسطينية التي نص عليها القرار. وبذلك استكملت هذه الكارثة بمزيد من الطمس للشخصية الوطنية المستقلة للشعب الفلسطيني والمزيد من التبديد لكيانه الوطني وإخضاعه للوصاية من قبل الدولة المحيطة.

ويقول عبد الكريم:" الثورة الفلسطينية المعاصرة كانت رداً على هذا الواقع، وهي في جوهرها كانت عملية إحياء للكيان الوطني المستقل للشعب الفلسطيني ورفض الوصاية عليه من الخارج. وهذه الفكرة المبدئية الغامضة تبلورت في مشروع سياسي ملموس يأخذ بعين الإعتبار الواقع الدولي الراهن ويركز على المطالبة بالحق الذي اعترفت به الشرعية الدولية للفلسطينيين منذ قرار التقسيم، وهو حقهم في إقامة دولتهم المستقلة. فضلاً عن حق العودة للاجئين وفق القرار 194. والآن بات هذا هو الأساس المعترف به على نطاق واسع دولياً وإقليمياً كأساس لأي حل سياسي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ولكنه ما زال يصطدم بالطموحات التوسعية الإسرائيلية وبالرعاية الأمريكية لهذه الطموحات. ولذلك فإن الخروج من هذه الدوامة في المدى المرئي يتطلب جهداً دولياً فائقاً للضغط على اسرائيل لحملها على قبول هذه الأسس التي كانت في الأصل شرطاً لاعتراف المجتمع الدولي بها كدولة".

ويتابع عبد الكريم بأن هذا الحل الذي نناضل من أجله حالياً لن يكون كافياً لإنهاء الصراع الجاري ما بين القوميتين، فالكثير من القضايا التي ينطوي عليها هذا الصراع ستبقى معلقة، والكثير من المرارات والحزازات المنبثقة من هذه القضايا ستبقى تغذي التوترات ما بين الشعبين، وما يترتب عليه من عدم استقرار في المنطقة، ولذلك فالمستقبل البعيد ينبغي أن يقود الى دولة ديمقراطية موحدة، يتعايش فيها الشعبان على أساس من المساواة القومية الكاملة، لكننا نؤكد أن الممر الى هذا الحل بعيد الأمد هو بالضرورة التكافؤ ما بين الشعبين من خلال حل الدولتين الذي يضمن درجة من المساواة الفعلية بينهما؛ وبدون هذه المساواة فإن الدولة ثنائية القومية، يمكن أن تكون غطاء لممارسة هيمنة ضمنية أو معلنة للطرف الأقوى الذي هو الصهيونية.


.
سامي مطير من بلدة دورا الخليل ويشغل منصب رئيس مركز حيفا للسلام، وهذا المركز يسعى الى تعميم أن الحل الأمثل والذي يحقق السلام التاريخي لن يكون إلا في وحدة فلسطين التاريخية لكل مواطنيها بغض النظر عن الدين أو القومية أو الجنس. ونشير هنا الى أن سامي مطير هو سجين سياسي سابق، فقد حكم عليه بالسجن عام 1982 لمدة 12 سنة وتحرر في صفقة تبادل الأسرى عام 1985، وفي عام 1987 حكم عليه بالسجن لمدة 7 سنوات وتحرر عام 1994، وفي عام 1996 اعتقل إدارياً مرتين متتاليتين كل مرة ستة شهور، وتتلخص التهم الموجهة اليه بمقاومة الإحتلال.

ويعتقد سامي مطير أنه لا يمكن أن يكون تقسيم في فلسطين بحيث يضمن السلام والتعايش في هذه البلاد، ويعزو ذلك الى وجود تلاحم واندماج في فلسطين بين الأرض والتاريخ والأيديولوجيا سواء الدينية أو القومية أو الإنسانية عامة.

يقول مطير في حديث لعرب 48 معه: "إن أي تقسيم في فلسطين سوف يخرق قانون العدالة لأنه لا سلام بدون عدل، وسواء اعتبر هذا التقسيم تسوية أو حل مرحلي فهو سيخترق مبدأ العدالة، ولذلك فهو إن حصل فسيكون مجرد هدنة مؤقتة في أحسن الأحوال، تعيد إنتاج الصراع بآليات جديدة وأشكال جديدة وبمستويات قد تكون أكثر حدة وترسيخاً للكراهية والعداء والتناقض، وأكبر دليل على ذلك هو الصراع الحلي الذي بدأ في 29/09/2000 بين الإسرائيليين والفلسطينيين، ووصل الى درجة أنه اخترق كل قيم ومعايير وأخلاق الحرب، بمعنى أن الصراع أصبح سافراً بعدوانيته".

ويتابع مطير أن قرار التقسيم 181 بني في الأصل على أساس غير عادل وهو يعطي الجزء الأكبر من أرض فلسطين لليهود، ولم يتم استخدام آليات فعلية لأجل تأسيس كيان فلسطيني على ما تبقى من الأرض، ولذلك فإن القرار، برأي مطير، قد أسس لاستمرار الصراع في وقت كان بالإمكان، لو كانت هناك نية حقيقية لدى الأمم المتحدة لإيجاد استقرار وسلام حقيقي في فلسطين، العمل على إقامة دولة فلسطين الديمقراطية لكل مواطنيها، حيث كان الوضع أقل تعقيداً مما هو عليه الآن لدرجة أن قرار التقسيم أبقى على وحدة اقتصادية بين الكيانين، الأمر الذي يؤكد رأي مطير على حد قوله.

ويشير مطير الى أن مصالح الإستعمار ومطامع الحركة الصهيونية في المنطقة والدور الوظيفي المناط بما يسمى دولة اسرائيل، حالت دون ذلك وقامت دولة اسرائيل على أساس عنصري على اعتبار أنها دولة يهودية رغم وجود غالبية عربية في المناطق التي يفترض أن تكون في إطار الدولة اليهودية.
ويضيف: "إن قرار التقسيم لم يكن منصفاً أو عادلاً بالنسبة للفلسطينيين، ولم يكن يشكل أرضية لسلام حقيقي قابل للحياة، ولهذا لا يجوز التباكي على قرار التقسيم لأنه لم يحدث، فنحن كعرب لا يمكن أن نستوعب وجدانياً أي علاقة في فلسطين تقوم على تجزئتها. وبالنسبة لنا لا يوجد أي إطار أيديولوجي يستوعب ويسوغ عقلياً ووجدانياً أي تقسيم في فلسطين، ولهذا فالحل الواقعي هو أن نتمسك بوحدة الشعب الفلسطيني وبوحدة أرض فلسطين ووحدة قضية فلسطين في إطار الدولة الديمقراطية العلمانية المعادية لكل أشكال التمييز والعنصرية".

ويؤكد مطير أن أي تقسيم لأرض فلسطين سيعيد تفجير الصراع مستقبلاً في مناطق 48، ارتباطاً بالتناقض الموضوعي الذي سيحدث في ما بين صيغة الدولة التي تعرف نفسها كدولة يهودية، وبين التركيبة السكانية لمواطني الدولة العبرية، حيث أن العدد سيصبح متساوياً من الناحية القومية. وربما سيكون عدد الفلسطينيين في الداخل أكثر من عدد اليهود. وعند هذه الحالة فهل سيعاد تقسيم منطقة 48 أم ستحكم القومية العبرية بالحديد والنار في إطار أبرتهايد اسرائيلي؟
وينهي مطير حديثه بالتأكيد على أن "أي تقسيم لفلسطين لا يشكل تصالحاً لا مع الماضي ولا مع الحاضر ولا مع المستقبل، ولا نجد له تسويغاً أو استيعاباً في أي ايديولوجية كانت سوى أيديولوجية الإستسلام والعنصرية".


يقول عوض عبد الفتاح السكرتير العام للتجمع الوطني الديمقراطي في حديث خاص مع عرب 48 أنه مثلما أثبتت الوقائع التي سادت في فلسطين عشية قرار التقسيم، تثبت وقائع اليوم الجريمة الكبرى التي ارتكبتها القوى الدولية - الإستعمارية بحق شعب فلسطين من خلال فرضها قرار تقسيم فلسطين ومنح حركة استعمارية هي الحركة الصهيونية حقاً في إقامة كياناً سياسياً على أكثر من 50% من الوطن. لقد كان الحل العادل والمنطقي أن تقوم دولة واحدة كما طرحتها عصبة التحرر آنذاك، والتي عاد بعض قادتها - قادة الحزب الشيوعي فيما بعد، الى لحس هذا الموقف انجراراً وراء الزعامة الستالينية التي راهنت على "اشتراكية" التيار المركزي في الحركة الصهيونية.

ويضيف عبد الفتاح:" وها هي اليوم تسيطر الحركة الصهيونية على كل فلسطين، وتحدث تغييرات ديمغرافية عميقة تكاد تكون بلا رجعة في ظل الدعم المطلق لاسرائيل من جانب الإمبريالية الأمريكية والمساندة من حكومات الغرب. وإن عدم قدرة الكيان الإسرائيلي على هضم اتفاق ظالم وهزيل على شاكلة أوسلو يؤكد أن قرار التقسيم الذي يمنح الفلسطينيين أكثر بكثير مما نص عليه هذا الإتفاق، لم يكن يمرّ حتى لو وافق عليه العرب ومنحوا الشرعية لتقسيم وطنهم مع حركة استعمارية غازية.

ويشير عبد الفتاح إلى أنه إذا كان بعض الفلسطينيين قد يئسوا وذهبوا الى أبعد مما تحمله الواقعية السياسية، وهبطوا بسقف الحل، ليكسبوا دعم حلفاء اسرائيل، فإن الوقائع الراهنة على الأرض، ومنطق الصراع القائم بين محتل وواقع تحت الإحتلال، وعدالة القضية. كل ذلك ربما يقتضي إعادة النظر في مجمل المقاربة السائدة المعتمدة حتى الآن وطرح حل الدولة الواحدة - ثنائية القومية.

ويتابع:" ربما حان الوقت لأن تتحول الجهود الضخمة المبذولة حتى الآن، والضحايا التي سببها إحتلال فلسطين، والصراع المستمر، الى مسارٍ آخر، لأن مواصلة المراهنة على ضغوط من جانب الإمبريالية الأمريكية، قد يضيع عقدين إضافيين أو أكثر والمزيد من التضحيات لتصل بعدها الى حل يقسم الأرض المحتلة عام 67 وليس فلسطين التاريخية، أليس أكثر واقعياً، بعد كل الذي حصل، أن نعيد بناء المقاربة للحل، وبالتالي إعادة بناء مضامين الحركة النضالية لتتخذ طابعاً ديمقراطياً وحلاً أكثر ديمقراطياً - للمسألة الفلسطينية واليهودية في فلسطين".

ويصل عبد الفتاح إلى النتيجة أنه ليس أمام الفلسطينيين بعد جولات الصراع الدامية وبعد جعل القضية الفلسطينية في مركز للأجندة الدولية بفضل التضحيات الكبيرة، سوى خيارين، أما إعادة تنظيم النضال داخل الأرض المحتلة عام 67 بمنطق حركة تحرر وطني، تحت سقف استراتيجية نضالية واحدة وقيادة وطنية موحدة، تُستعمل فيها كل أشكال النضال التي أقرتها الأعراف الدولية ضد الإحتلال، وأما طرح حل الدولة الواحدة عبر حركة ديمقراطية مناضلة يشارك فيها كل الرافضين للعنصرية والهيمنة ونهب الحقوق.


بشير الخيري عضو المجلس الوطني الفلسطيني، من مواليد الرملة عام 1942، وهجر مع أسرته عام النكبة، وقد حكم عليه بالسجن عام 1969 لمدة 15 سنة وتحرر عام 1984، وبعدها سجن لمدة سنتين على فترات متفرقة حتى العام 1988 حيث أبعد الى لبنان لمدة ثماني سنوات ليعود الى مدينة رام الله حيث يعيش الآن.

وبشير الخيري مثل كثيرين عاد بعد احتلال الضفة الغربية عام 1967، ليبحث عن بيته والأملاك التي تركتها أسرته عام 1948، ليكتشف أن "داليا" اليهودية تعيش في بيته مع والديها، وجرى نقاش معها حول الهجرة والدولة والمعاناة، وتوقف النقاش بعد أن سجن لمدة خمسة عشر عاماً، قضاها في سجن الرملة الذي أقيم على أرض جده!! في هذه الأثناء توفي والدا "داليا"، وبعد أن تحرر الخيري من سجنه عرضت عليه أن تعيد البيت له ولكن ذلك لم يكن ممكناً من الناحية القانونية باعتبار بيته من أملاك الغائبين، فعرضت على الخيري أن تقوم بتأجير البيوت وتدفع له أجرته لكنه رفض، وعرضت عليه أن تبيع البيت وتعطيه ثمنه ولكنه أيضاً رفض، (بالنسبة للخيري لم يكن بيته في الرملة بضاعة معروضة للبيع، بل كان البيت يمثل فلسطين بالنسبة له). وتقرر في النهاية أن يحول البيت الى روضة أطفال تخدم الأطفال العرب في مدينة الرملة، في هذه الأثناء أبعد الخيري الى لبنان، وتابعت داليا تنفيذ الفكرة وأقيمت روضة لأطفال الرملة باسم "البيت المفتوح".

وعن التقسيم يؤكد الخيري، في حديث خاص مع عرب 48 رفضه لقرار التقسيم وأنه كان من الطبيعي أن يرفض الشعب الفلسطيني هذا القرار، فيقول: "أرفض التقسيم باعتبار أننا أصحاب الحق التاريخي والطبيعي في أرض فلسطين، وليس من المعقول أن نتنازل عن جزء من "اللحم الحي" للشعب الفلسطيني لفريق ثانٍ ليس لنا علاقة بالمأساة التي ارتكبها آخرون بحقه".

ويضيف الخيري: "لقد أعطى قرار التقسيم لليهود ما نسبته 56% من أرض فلسطين، وإذا قيس هذا بما طرح لاحقاً من قرارات دولية أو مبادرات لأمكن ملاحظة العملية التناقصية، مما يؤكد أن قرار التقسيم هو حلقة من سلسلة، نحن اليوم في إحدى حلقاتها التي تنص على الحدود المطروحة حالياً ضمن خطة فك الإرتباط - خطة شارون - أحادية الجانب، والتي تعني سجن قطاع غزة دون سماء أو بحر أو يابسة، وفي المقابل في الضفة الغربية يجري تكريس الإحتلال، فيما عدا بعض المعاجل - الجيتوات - ليحكمها قائد مخفر أو مختار، وهنا أترك لقائد المخفر أو المختار أن يسمي هذه المعاجل امبراطوريات إذا أراد!!

ويلخص الخيري: "الحل يكمن في دولة واحدة فلسطينية مستقلة ديمقراطية على كامل التراب الفلسطيني، يتساوى فيها جميع ساكنيها دون تفرقة بلون أو جنس أو لغة أو دين، وإن عكس ذلك يعني ديمومة الصراع وإن تخلله هدنة هنا أو وقف لإطلاق النار هناك".

التعليقات