حكايات أُسَرٍ مزّقها "القانون"

حكت لنا فلسطين، كما حكت لنا لانا عن تفاصيل معاناتها، الفرق بينهما أنّ كلّ واحدة تقف في الطرف الآخر لمعادلة الفصل، بين هنا وهناك الذي من المفروض أن يكون ال"هنا" نفسه. تقول فلسطين "إلى جانب المعاناة النفسية والمعنوية والتربوية على الأطفال، هناك تكاليف مادية كبيرة لمحامين وسفريات وغيرها، تكاليف أثقلت علينا خلال سعينا على مدار 12 سنة من المحاولات للم شمل العائلة، فيأتي القرارالظالم الذي شكّل لنا صدمة كبيرة لينسف كل بصيص من الأمل من لم شمل العائلة كسائر بني البشر في العالم".

حكايات أُسَرٍ مزّقها

- تيسير ولانا مع عدنان ويسرا -


أثار قرار المحكمة العليا بالمصادقة على قانون المواطنة، الأسبوع الماضي، اهتمامًا كبيرًا لدى وسائل الإعلام والمؤسسات الحقوقية والإنسانية كونها تضيف لبنة أخرى في جدار التشريعات العنصرية ومأسسة الأبرتهايد، لكنها أثارت أكثر ألم وغضب آلاف الأسر المقطعة أوصالها لتضعها أمام متاهة ومصير مجهول لا تعرف عواقبه.

 

 

تيسير ولانا، ما بين عكا وجنين
تزوّج تيسير ولانا خطيب في العام 2005، تيسير من مدينة عكا أنهى في ألمانيا اللقب الثاني في ويعكف حاليًا على إنهاء كتابة أطروحة الدكتوراه في جامعة حيفا في المجال ذاته، ويعمل محاضرًا في كلية الجليل الغربي-عكا، أما لانا فهي حاصلة على دبلوم في إدارة الأعمال من جامعة النجاح الوطنية في نابلس، يعيشان اليوم في مدينة عكا.
 
آمن الزوجان أنّه ليس من حق أية دولة أو شخص في العالم أن يقرّر لهما حياتهما، وأصرّا على التحدي، عاشا لفترات متقطعة منفصلين عن بعضهما بسبب القانون الظالم والمجحف الذي حرم لانا من تصاريح الإقامة، فكان تيسير يذهب لقضاء بعض الأيام في جنين، مما أدى لعدم استقرار في حياته العملية والعلمية وسبّب لهما الكثير من المشقات والتوتر النفسي.
 
حصلت لانا على تصريح إقامة بعدما بلغت جيل 25 عامًا، وهو العمر الأدنى المطلوب بحسب التعديل ليسمحوا لابنة الضفة أن تحصل على التصريح، وولد لهما ابن وبنت؛ عدنان وُلد في 2007 وولدت يسرى في 2008.
 
ذلّ التصريح
يحكي تيسير عن المعاناة في الحصول على التصاريح من وزارة الداخلية، "عليك أن تُحضر الكثير من الأوراق لتثبت ان مركز حياتك هو إسرائيل، وقد سمعت وشاهدت بأم عيني في السنين السابقة كيف كان أحد موظفي الداخلية، وهو عربي للأسف، "يمسح الأرض" (عذرًا على التعبير) بشاب من منطقة طولكرم، شاب مسكين لم يردّ عليه ليحصل على مبتغاه: التصريح، تصريح الذل هذا ليبقى مع زوجته وأطفاله، أذكر كيف طلب الموظف مغادرة طاولة الاستقبال ليلوم الزوجة أمام الناس: لماذا تزوجتيه؟ انت تعرفي ما هي المشاكل التي تحصل لك! انا مش فاهم ليش تزوجتيه؟".
 
لانا تحكي تفاصيل المعاناة
لا تختفي ابتسامة لانا رغم إدراكها الواضح لخطورة الوضع،ربما لا تريد أن تمرّر غضبها إلى أطفالها أو لا تريد أن تتخاصم نهائيًا مع الأمل، تقول "تبقى لي قليل من الوقت، بعد ثلاثة أسابيع ينتهي تصريحي، لا أعرف ماذا سيحصل بعد ذلك بسبب القانون الجديد الذي سنته محكمة "الظلم" العليا، هذه ليست محكمة تحكم بالعدل، أن تحرمني كامرأة من الحياة الطبيعية مع زوجي وأبنائي وفي بلادي، حياتي لن تكون طبيعية بعد الآن، أعيش حالة قلق وخوف مستمريْن ولا أقدر على تخطيط المستقبل في ظل كلّ هذه الضبابية التي تبعث على التفاؤل أبدًا"، تقول هذا وتبتسم.
 
وتضيف لتدخلنا إلى تفاصيل واقعها "يصعب عليكم أن تفهموا معاناتي وخاصة القارئ الذي لم يشعر بالحرمان مثلا من أمور بديهية وطبيعية مثل الذهاب إلى الطبيب لأنك تشعر بوعكة صحية، فيقول لك الطبيب: "متأسف بقدرش اساعدك واستقبلك حتى لو وجعك كبير بس انت مش مأمنة بكوبات حوليم!"، وبسسب هذا الوضع تضاف تكاليف أي علاج عادي إلى التكاليف الأخرى الكثيرة، وزوجي هو المعيل الوحيد للعائلة، حيث أمنع طبعًا من العمل!، أو أنك تريدين الذهاب بالسيارة لقضاء بعض الوقت مع أطفالك في أي مكان كان، ورغم أنّه بحوزتي رخصة سياقة دولية لكن أحرم من هذا الحق البسيط والبديهي، لماذا كل هذا؟ لا لسبب آخر سوى انك امرأة فلسطينية متزوجة من فلسطيني يحمل الجنسية الإسرائيلية!"
"هذا هو حالي" تقول لانا، "وبعد قليل ربما شهر أو أقل قد أحرم من حقي الأساسي والطبيعي والإلهي والاجتماعي في أن أكون مع أولادي!". 
 

سمير وفلسطين

 

دنيا الصغيرة بكت مرًا بعد أن فهمت أنّها لن تلتقي بوالدها 
تزوج سمير وفلسطين في العام 2000، قبل أن يصارع قانون الحبّ العاطفي قانون "المواطنة" العنصري، وقبيل ابتداء آخر فصول القضية الفلسطينية. هي (32 عامًا) من قرية كوكب أبو الهيجاء في الجليل وهو (35 عامًا) من قرية صيدا قضاء طولكرم، سكنا بعد زواجهما في تلك السنة المصيرية في قرية صيدا لأربعة شهور فقط، ثمّ اندلعت الانتفاضة الثانية وسرعان ما عادت الزوجة لتسكن في بيت والدها في كوكب. منذ ذلك اليوم خضع حبهما وتعلّقت لقاءاتهما الحميمية لتصاريح الإدارة المدنية ورقابة الحاكم العسكري، وعندما تعذّر الحصول على التصاريح لم يكن أمام سمير سوى المغامرة للوصول لزوجته متحديًا الخوف والمصاعب، إلى أن قُبِض عليه وسُجن مدة 6 أشهر.
 
لم تنته فصول المعاناة مع السجن، بل ربما كان ذلك بدايتها، فقد تزايدت الأمور تعقيدًا بعد أن أنجبا أطفالهما الأربعة محمد (10 أعوام)، ودنيا (8 أعوام)، ودعاء (5 أعوام) وكريم عامان. تواصلت جولات سمير المكوكية مدة 12 عامًا، لكن هذه الأسرة وقفت الأسبوع مشدوهة أمام إقرار المحكمة الإسرائيلية العليا لقانون المواطنة لتواجه المستقبل المجهول.
 
- فلسطين وأبنائها -

حكت لنا فلسطين، كما حكت لنا لانا عن تفاصيل معاناتها، الفرق بينهما أنّ كلّ واحدة تقف في الطرف الآخر لمعادلة الفصل، بين هنا وهناك الذي من المفروض أن يكون ال"هنا" نفسه. تقول فلسطين "إلى جانب المعاناة النفسية والمعنوية والتربوية على الأطفال، هناك تكاليف مادية كبيرة لمحامين وسفريات وغيرها، تكاليف أثقلت علينا خلال سعينا على مدار 12 سنة من المحاولات للم شمل العائلة، فيأتي القرارالظالم الذي شكّل لنا صدمة كبيرة لينسف كل بصيص من الأمل من لم شمل العائلة كسائر بني البشر في العالم".
 
أطفالها، رغم صغر سنهم، أدركوا مأساوية قرار المحكمة، "لقد صعق أطفالي مثلي وأكثر، خصوصا دنيا التي بكت مرًا ورفضت الذهاب الى المدرسة لأنّها فهمت أنها لم تعد لتلتقي بوالدها، أي عدل هذا؟ وكيف لدولة تدعي الديمقراطية وحقوق الانسان وسلامة الطفل وغيرها تحرم مواطنيها من العيش الطبيعي وتجلب اليهود من كل أصقاع العالم مع كل الامتيازات والإغراءات بينما تحرمنا نحن المواطنين الاصليين في بلادنا وتحرم اطفالنا من أبسط حق انساني في ان نحب ونتزوج ونجتمع كاسرة ونربي أطفالنا دون قلق؟ هذا كابوس يعرقل مجرى حياتي وأطفالي وزوجي الذي لم نعرف متى وأين سنلتقي به، وما هو المصير؟!".
 

"أ" وزوجته وبناته

 

حالة إرباك 
"أ" هو من إحدى مدن الضفة الغربية تزوج، من خلال صداقة عائلية، من إحدى الفتيات من مدينة في الجليل قبل نحو 13عاما وهو اليوم أبٌ ل3 بنات أكبرهن 12 سنة، وكان قد حصل على إقامة بعد سنة ونصف السنة ليبدأ وزوجته حياتهما الطبيعية في بناء اسرة واستقرار معيشي، حيث يعمل بشكل منتظم و مستقل بينما تعمل الزوجة موظفة في المدينة، وظلا على أمل أن يحصل "أ"على الهوية والإقامة الدائمة وتحقيق حلمهما بتعليم بناتهما الثلاث وتوفير الحياة الكريمة لهن.
 
إلا ان هذا الحلم المتواضع توقف عند حدود قانون المواطنة، حيث يشعر الزوجين بأنّ عالمهما الخاص قيد الانهيار ولا يعرفان ما ينتظرهما في
 الغد ويقول: "أنا في حال ليس لدي الكثير ولا أدري ماذا أقول لكننا، أنا وبناتي وزوجتي، نشعر أننا أمام حالة تهجير قسري يصعب علينا استيعابها، نحن
 في حالة إرباك ومتاهة لا نعرف أين سيلقى بنا القدر، واعتقد أن الأمر يستحق أن يُطرح في المحافل الدولية، نحن نتوجه لكل أصحاب ضمير
 بأن يعملوا لرفع هذا الغــــــــــــــبن عن آلاف العائلات التي تواجه نفس المصير الذي سيحرم آلاف الأطفال والأسر من أبسط الحقوق".
 

طلبات غير مستجابة

 

130 ألف: عدد طلبات لم الشمل التي قدمت من عام 1994 حتى عام 2006
منذ عام 2002 حتى 2008 تم تقديم 14,946 طلب لم شمل، قُبِل منها  3156  طلب (21%) ورفض 392 طلب فيما بقيت بقية الطلبات معلقة. غالبية طلبات لم الشمل التي قُبلت هي لأطفال تم تسجيلهم في بطاقة هوية والدهم الذي يحمل المواطنة الإسرائيلية وليس منح لم شمل لشخص من المناطق المحتلة أو الدول المعرّفة إسرائيليًا "كدول عدو". الهبوط الحاد في عدد مقدمي طلبات لم الشمل بين الأعوام 2002-2008 هو لأن وزارة الداخلية الإسرائيلية صعّبت حتى عملية تقديم الطلبات، الأمر الذي منع الكثيرين من تقدم طلبهم. وبالتالي فإن وصول نسبة قبول الطلبات إلى 21% هو بسبب تقليل عدد الطلبات المقدمة وليس بسبب الاستجابة لها.
 
________________________________________________________________________________
 

قانون الإبعاد

حذّر مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية من تهجير نحو مائة ألف فلسطيني مقدسي، تقدموا بطلبات لم شمل لأسرهم منذ العام 1993، ما سيفاقم من سياسة فرض الحقائق على الأرض، تمهيدًا للعزل الكامل والشامل للقدس، وإنكار حقوق المواطنين الفلسطينيين فيها.

 
وأكد المركز في بيان له أنّ قرار محكمة "العدل" الإسرائيلية برفض الالتماسات المقدمة ضد قرار منع شمل الأسر المقدسية، يعتبر مصادقة من أعلى سلطة قضائية احتلالية على التهجير القسري والإبعاد الصامت للمقدسيين عن مدينتهم.
 
وكانت محكمة الاحتلال العليا رفضت في 11 من هذا الشهر جميع استئنافات الجهات الحقوقية المتعددة ضد مواصلة العمل في قانون تجميد لم الشمل العائلات المقدسية، وذلك بأغلبية ستة قضاة مقابل خمسة.
 
سلطات الاحتلال سحبت إقامات 14.561 مقدسيا منذ 1967
وأكد المركز أن قرار المحكمة يؤكد حقيقة كونها مجرد أداة تساهم في عمليات الإبعاد الصامت للمواطنين عن مدينتهم، وتعمل في صلب السياسة الاسرائيلية القديمة الجديدة في القدس، القائمة على زيادة عدد المستوطنين في المدينة مقابل الحد من نمو المقدسيين والضغط عليهم لمغادرة مدينتهم.
ولفت بيان المركز إلى أن سلطات الاحتلال كانت صادرت حق الإقامة لـ 14,561 فلسطينيا منذ بداية الاحتلال عام1967 ولغاية نهاية العام الماضي.
 
وتعتبر سلطات الاحتلال المواطنين المقدسيين أغراب في مدينتهم، ومنحتهم منذ العام 1967 وضع "الإقامة الدائمة"، حيث تنص المادة 11(أ) من قانون الجنسية الاسرائيلي الذي يعود للعام 1952، بأن وضع الإقامة الدائمة تلغى عندما يعيش حاملها في دولة أجنبية لمدة 7 سنوات، حيث يشمل ذلك المقدسيين القاطنين خارج الحدود البلدية التي رسمتها السلطات الاسرائيلية للمدينة.
 
وكانت محكمة الاحتلال العليا رفضت في عام 2006 العديد من الاستئنافات المطالبة بتعديل قانون المواطنة الاسرائيلية، لما يشكله ذلك، وباعتراف العديد من القضاة الاسرائيليين، من انتهاكات للحقوق الأساسية وبخاصة الحق في الحياة الأسرية.
 
تحويل القدس إلى قنبلة موقوتة
ودعا مركز القدس الدول الأطراف في معاهدة جنيف الرابعة على الوفاء بتعهداتها بموجب المادة 1 "بأن تحترم هذه الاتفاقية وتكفل احترامها في جميع الأحوال."
 
ودق المركز ناقوس الخطر بالتحذير بأنه "في حال استمرار التقاعس الدولي عما يجري من تعديات وسلب حتى لأبسط حقوق المقدسيين، سيأتي يوم لن يبقى من القدس ما يمكن التفاوض عليه، مما ينذر بانفجار لا تحمد عقباه"، وناشد المجتمع الدولي بالتدخل الفوري والعاجل لوقف الأنشطة الإسرائيلية التي تحول القدس إلى قنبلة موقوتة.

التعليقات