في استطلاع جديد بين العرب: 80% مع انتخاب المتابعة، 74% مع الحكم الذاتي الثقافي

لا يمكن الفصل بين توقيت الأبحاث المذكورة، ومحاولات الحكومة الحثيثة لفرض الخدمة "المدنيّة" على الشباب العربي، كذلك محاولات دق الإسفين بين المجتمع العربي وقيادته، بإدعاء الفجوة بين آراء المجتمع العربي وقيادته، وما يحمله هذا الادعاء من تحميل مؤسسات المجتمع العربي مسؤوليّة تردّي أوضاع الجماهير العربيّة.

في استطلاع جديد بين العرب: 80% مع انتخاب المتابعة، 74% مع الحكم الذاتي الثقافي

 يثير مشروع الخدمة "المدنية"- الاسرائيلية، في الآونة الأخيرة، جدلا حادا ومتصاعدًا، ويحتدم النقاش الدائر حول مقترحات لفرض هذا المشروع على الشباب العرب فيما بات يعرف بتعديل قانون "طال"، ومن الملفت في هذا الصدد نشر مجموعة من الاستطلاعات والأبحاث التي تسعى لتدعيم المقترحات بخلفيّة علميّة-نظريّة، كما أنّ بعض هذه الأبحاث يشمل معطيات مثيرة حول مواضيع أخرى تظهر مواقف المجتمع العربي من قضايا مختلفة مثل قضية الاستقلالية الثقافية وانتخاب لجنة المتابعة، كان آخرها بحث معهد "القدس للدراسات الإسرائيليّة".

نقاش مستمر حول الخدمة المدنية؛ بين الافتراض الوهمي والوعي القومي
أثار نشر جزء من نتائج بحث "معهد القدس" نقاشا حادًا، كان أبرزها نقاش بين النائب د.جمال زحالقة ومشرف البحث بروفسور يتسحاق رايتر، ضمن برنامج "لقاء مع الصحافة" على القناة الثانيّة.

خلال البرنامج، ادعّى رايتر خلالها أن العرب في اسرائيل على استعداد للاندماج في الدولة، وذلك في إطار تسويّة تضمن لهم كامل حقوقهم المدنيّة والقوميّة-الجماعيّة، مقابل قبولهم بدولة اسرائيل كدولة يهوديّة-ديمقراطيّة تضمن للعرب المساواة الكاملة، وقبول العرب جعل الخدمة المدنيّة إجباريّة.

في مثل هذه الحالة، قال 62% من المُستَطلَعين في استطلاع رايتر بأنهم يقبلون بالخدمة المدنية، إن أجري عليها بعض التعديلات، الأمر الذي يتنافى مع ما تدعيّه قيادة المجتمع العربي، كما جاء في تفسيره.

من جهته كان رد النائب زحالقة حادًا في هذا الصدد، إذ أكد أنّ هذه الأسئلة حول الخدمة المدنية في الاستطلاع هي افتراضية، وترسم صورة مستقبليّة ورديّة وشبه مستحيلة، وتطرح أمام المستطلع أسئلة حول مواقف العرب من الخدمة المدنيّة في ظروف افتراضيّة غير قائمة، كإخراجها من مكتب رئيس الحكومة وتحويلها لإدارة اجتماعية، وإحقاق المساواة الكاملة للعرب وغيره من الظروف، لذا فلا يمكن اعتبار النتائج كنتائج حول الواقع الحقيقي، إضافة إلى أن استطلاع سموحة الأخير أظهر تأثير القيادة العربيّة على رأي الشباب العربي، حيث تضاعفت نسبة معارضي الخدمة المدنية حين طرح أمام المستطلعين أن القيادة العربية ترفضها. وأضاف النائب زحالقة: "أنتم عمليًا سألتم الناس هل هم مع الخدمة المدنية إذا جاء المسيح المنتظر!"

إشكاليات "مواطنة شمولية"
يذكر أن البحث يأتي ضمن ما يسمى مشروع "مواطنة شموليّة"، التي هي اقتراح تسوية او صفقة بين المجتمع العربي والدولة وتطرح اعتراف العرب بالدولة كدولة يهودية-ديمقراطية وقبولهم بالخدمة المدنية مقابل حصولهم على حقوق مدنية وقومية "كاملة".

ويقول باحثون عرب قاموا بمراجعة الاستطلاع الجديد أن ثمة إشكاليات واضحة في جوانب معيّنة، يعاني منها البحث تؤثر على مهنيّة المعطيات التي تتعلق بالخدمة المدنيّة على وجه الخصوص.

فإلى جانب اعتماد البحث تسويق مشروع الخدمة "المدنيّة"، كحالة افتراضية وكجزء من رزمة إجراءات وقوانين كمنح المساواة القومية الكاملة، والاعتراف بالعرب "كأقليّة قومية" وبالاستقلالية الثقافيّة وغيرها، يظهر من البحث أن الأجيال التي اختارها البحث لم تحدد بالشباب، بل أن الغالبيّة العظمى لم تكن من الشباب، أي لم تكن من جمهور الهدف للخدمة "المدنية"، حيث أن أقل من ثلث العيّنة هي من فئة 18-39 عاما.

كما أن معظم الأبحاث الأخرى تظهر أن غالبيّة الشباب العربي لا يعرف عن مشروع الخدمة "المدنيّة" بالصورة الكافيّة، ففي استطلاع سامي سموحة الأخير يُظهر أن فقط 35.8% من المجتمع العربي لديهم ما يكفي من معلومات حول الخدمة المدنيّة، من هنا يطرح السؤال البديهي؛ كيف تعامل "معهد القدس" مع هذا المعطى؟ وأي تعريف للخدمة "المدنيّة" اعتمد استخدامه في البحث؟ فمن المعلوم أن أسلوب تعريف الخدمة المدنية تؤثر بشكل واضح على أراء المُستَطلَعين.

المجتمع الإسرائيلي يميني بآرائه والعربي ذو توجهات ديمقراطية
بالرغم من بعض التحفظات من جوانب عينيّة في البحث، كما أظهرنا، إلا أن البحث يُظهر سيطرة الأجواء والآراء اليمينيّة على المجتمع الاسرائيلي مقارنة بالمجتمع العربي الذي أبدى تأييدًا أكبر لمقترحات ديمقراطيّة، حيث أن غالبيّة المجتمع اليهودي لا تؤيد اعطاء حقوق جماعيّة للمجتمع العربي كالاستقلالية الثقافية (56%)، او منح تعويضات جراء مصادرة الأراضي (49%)، إضافة للفارق الكبير (32%) بين موقف المجتمع العربي واليهودي حول تأييد "مقترح المواطنة الشمولية".

بين بحت "معهد القدس" وبحث "سموحة"
لا يمكن الفصل بين توقيت الأبحاث المذكورة، ومحاولات الحكومة الحثيثة لفرض الخدمة "المدنيّة" على الشباب العربي، كذلك محاولات دق الإسفين بين المجتمع العربي وقيادته، بإدعاء الفجوة بين آراء المجتمع العربي وقيادته، وما يحمله هذا الادعاء من تحميل مؤسسات المجتمع العربي مسؤوليّة تردّي أوضاع الجماهير العربيّة.

بيد أن استطلاع سموحة يظهر نتائج معاكسة، إذ أن مقارنة بين أبحاث سموحة في السنتين الأخيرتين تظهر تدني بنسبة تأييد الخدمة "المدنية" لدى الشباب، فقط 17% على استعداد لتأدية الخدمة "المدنية" "بالرغم من القيادة المحليّة"، كما أفاد 78.5% أنهم على استعداد لتأدية المشروع لو كانت بإدارة القيادة العربية، هذه المعطيات تؤكد تأثير قيادة الجماهير العربيّة على آراء المجتمع العربي. يذكر أن بحث سموحة الأخير أثار نقاشا حادا، جراء اعتماده تعريفا معينا للخدمة "المدنية" وانتقائه لثلت العيّنة ممن يخدمون بالخدمة "المدنيّة"، بالرغم من ذلك فقد أظهر البحث تدنيا بنسبة الشباب المؤيدة للخدمة "المدنيّة".

آراء المجتمع حول "انتخاب لجنة المتابعة" و "الاستقلاليّة الثقافيّة"
أحد أهم النتائج للبحث الذي أجراه "معهد القدس" كان حول موقف المجتمع العربي تجاه انتخاب لجنة المتابعة انتخابا مباشرا، إذ اظهر البحث أن 80%، أي الغالبيّة الساحقة، من الجمهور العربي يؤيد مشروع انتخاب لجنة المتابعة من قبل المجتمع العربي. كما أبدى 74% من المجتمع العربي تأييدا لمشروع "الاستقلالية الثقافية" في جهاز التعليم العربي.

زحالقة: التأييد الجارف للحكم الذاتي الثقافي وانتخاب لجنة المتابعة دلالة على هيمنة الخطاب القومي الديمقراطي
وعقب النائب د. جمال زحالقة على الاستطلاع قائلاً: "من المستحيل أن تضمن الدولة اليهودية مساواة كاملة للعرب، فالدولة إما أن تكون يهودية تنفي المساواة، أو ديمقراطية تضمن المساواة. أما طرح سؤال على الناس هل أنتم مع خدمة مدنية ومع دولة يهودية تضمن لكم المساواة فهو ضرب من الهرطقة والتلاعب بالكلمات.

السؤال الحقيقي، الذي تمتنع الاستطلاعات الإسرائيلة عن طرحه على جيل الشباب تحديداً، هو السؤال الواقعي والبسيط والمباشر: "هل أنت مع الخدمة المدنية؟". أنا على ثقة بأن الأغلبية الساحقة من شبابنا ستقول "لا"، لكن وفي كل الأحوال نحن نواجه جهاز دولة ومرتبطين به تسوق الخدمة المدنية وعلينا أن لا نتعامل مع الموضوع كهواة وإحداث نقلة نوعية في عملنا لصد خطر الخدمة المدنية الداهم".

وتطرق زحالقة إلى نتائج البحث بخصوص لجنة المتابعة وقال: "الأمر واضح فالغالبية العظمى من شعبنا وفق الاستطلاع مع الانتخاب المباشر للجنة المتابعة ومع الحكم الذاتي الثقافي، وهذا يدل على هيمنة الخطاب القومي الديمقراطي. هذه النتائج تحملنا مسؤولية كبيرة: كيف نترجم هذا الدعم الجماهيري الجارف لانتخاب المتابعة إلى واقع. المطلوب في هذه المرحلة هو نقل قضية انتخاب المتابعة من نقاش بين قيادات الأحزاب إلى حملة جماهيرية ضاغطة لانتخاب المتابعة، تلبية للرغبة الجماهيرية وليس فقط لدعوات بعض الأحزاب".

وأوضح زحالقة: "نحن نرى بأن المساواة حق وليس جزء من صفقة؛ الخدمة المدنية المطروحة هي أداة لنفي الحقوق وتحويلها إلى حقوق مشروطة، والدفاع عن هويتنا الوطنية وعن حقوقنا المدنية يقتضي رفض الخدمة المدنية".

التعليقات