كتلة التجمع تعقد يوماً دراسياً في يافا وتحذر: تراكم الغضب يولد الانفجار

زحالقة: في قضية الأرض والتخطيط، لا توجد دولة، بل هناك أيديولوجيا ومشروع صهيوني * أبو ربيعة: برافر يبقي لنا أقل من 1% من أرض النقب * غطاس: بمقدورنا الانتصار في هذه المعركة الوجودية

كتلة التجمع تعقد يوماً دراسياً في يافا وتحذر: تراكم الغضب يولد الانفجار

نظمت كتلة التجمع الوطني الديمقراطي يوم السبت (13 نيسان)، يومها الدراسي الأول حول قضية "الأرض والمسكن"، ما اعتبرتها قضية "الصراع المركزي والحارق" بيننا وبين الدولة. وقيمت كتلة التجمع النشاط بأنه كان ناجحا، وذلك من حيث مستوى المساهمات المهنية، ومن حيث شمولية المعلومات ومهنية التحليل والرؤية السياسية النقدية، والخروج بتوصيات عملية.

الكلمة الافتتاحية لليوم الدراسي كانت للنائب د. جمال زحالقة، رئيس كتلة التجمع البرلمانية، الذي قال إن الكتلة اختارت التركيز هذه المرة على قضيتي النقب و"المدن الفلسطينية المختلطة"، بناء على معياري الأهمية والإلحاح، دون أن يعني ذلك استثناء تحديات حارقة أخرى تلتهم أراضينا وتهدد بمصادرة آلاف منها.

وجاء في كلمة زحالقة: "في قضية الأرض والتخطيط، لا توجد دولة، بل هناك أيديولوجيا ومشروع صهيوني، وعملياً، ليست هناك مواطنة بهذا المجال. أسوأ مؤسسة في الدولة هي مؤسسة التخطيط ومؤسسة الأراضي (ما يسمى بـ"دائرة أراضي إسرائيل")، فهي أسوأ من الشاباك والشرطة وأجهزة الأمن المختلفة، وأخطر منها. إذ أنها تتعامل معنا  بشكلٍ عدائي، وتنظر إلى أرضنا كأرض عدو يجب احتلالها. ما يجري اليوم في النقب، هو مثال صارخ على هذه السياسة، التي هي تتمة لاحتلال ما لم يكتمل احتلاله خلال النكبة، فالأراضي التي لم يكتمل احتلالها في ذلك الحين بقوة السلاح، يريدون أخذها اليوم بقوة قوانينهم".

وتطرق زحالقة إلى القوانين الأربع الأخيرة المتعلقة بالأرض التي صادقت عليها الكنيست، وهي قانون يتيح بيع الأراضي المُصادرة وأملاك اللاجئين، ويمنع بيع أراضي لمن هو غير يهودي، ومن خارج البلاد، وقانون لجان القبول، الذي جاء ليمنع العرب من السكن في حوالي 70% من أراضي وطننا، وقانون "المزارع الفردية" حيث يمنح مجانا مئات الدونمات ليهود أفراد في النقب، مقابل قرى غير المعترف بها وفيها آلاف المواطنين، وقانون عدم استحقاق العرب لاستعادة أراضيهم التي صودرت. وقال زحالقة: "هذه القوانين سنت في الكنيست الأخيرة، وهي عبارة عن استمرار ما بدأته إسرائيل في النكبة من احتلال للأرض، إذا نحن لا نتحدث هنا فقط عن تمييز، ولا عن عنصرية فحسب، بل عن استعمار داخلي، نحن نواجه مشروعا كولونياليا".

مخطط "برافر" – المخطط الذي يستكمل ما لم يؤخذ بقوة السلاح

كانت الجلسة الأولى في اليوم الدارسي حول موضوع مصادرة الأرض في النقب ومواجهة مشروع برافر، وأدارها النائب د. باسل غطاس. خلال الجلسة ألقى كل من المحامية راوية أبو ربيعة والبروفيسور أورن يفتاحئيل، مداخلة مهنية حول قضية الأرض في النقب، تلتها حلقة نقاش شارك فيها ناشطون ميدانيون.

أبو ربيعة: "برافر يبقي لنا أقل من 1% من أرض النقب"

في مداختلها، اعتبرت المحامية راوية أبو ربيعة، أن مخطط "برافر" هو استمرار للنكبة التي هدفت إلى تفريغ مساحات واسعة في النقب، وتحويلها إلى اليهود، بما في ذلك لصالح البلدات اليهودية، التي تُسيطر مجالسها الإقليمية اليوم على الغالبية العظمى من فائض الأراضي في النقب.

وأكدت أبو ربيعة أن الخرائط الهيكلية الرئيسية التي وُضعت للنقب الشمالي، تمحو ملكية العرب لأراضيهم، وتشير إلى أنها معدة لأغراض مثل الصناعة واستخدامات الجيش، والبنية التحتية، أي تنكر عليهم حقهم في استعمالها والبناء عليها، بينما تقوم الدولة ببناء عشرات البلدات اليهودية الريفية وعشرات مزارع الأفراد في معظم أرجاء النقب. الخرائط الهيكلية تعمل على توزيع اليهود ونشرهم في أكبر حيز جغرافي في مئات البلدات الريفية، وعلى تركيز العرب على أصغر مساحة ممكنة، ضمن 7 بلدات فقط! دون الاعتراف ب 46 قرية لهم. 

وحدة عسكرية لتنفيذ مخطط برافر!

أما لجنة جولدبرغ، وهي الأساس الذي يعتمد عليه برافر في مخططه، فقد وضعت قواعد لنقل البلدات من مواقعها، ولعدم الاعتراف بالملكية على الأرض، والاكتفاء بالاعتراف بالصلة التاريخية للعرب على أراضيهم!

مخطط برافر الحالي يبقي بحوزة المواطنين العرب أقل من 1% من أرض النقب، الأمر الذي يعني إجلاء غالبية القرى العربية في النقب، من أماكن تواجدها التاريخية، أي تهجير 45000 فلسطيني. بالإضافة إلى لغة القوة التي يستعملها القانون المقترح، حيث يجيز الهدم واستعمال القوة والعنف والغرامات الباهضة على المواطنين، بما فيها السجن، وهنالك قرار بإقامة "وحدة خاصة" لهذا الغرض، وهي وحدة شبه عسكرية يقف على رأسها القائد العسكري دورون ألموج، قائد الحملة العسكرية على غزة 2008.  

يفتاحئيل: "يجب فضح أكاذيب الدولة وكشف حقيقة ملكية العرب للأراضي في النقب"

أورن يفتاحئيل، وهو من الأكاديميين المنخرطين في النضال السياسي من أجل حقوق العرب، أكد في مداخلته أن المصادرة تتطلب اعتراف الدولة بملكية العرب على الأرض، وهو ما حدث في الجليل والمثلث، أما ما يحدث في النقب فهو أسوأ من هذا إذ لا تريد الدولة أصلا الاعتراف بملكية المواطنين العرب على أرضهم، والتي هي فعليا 800 ألف دونم، مما يعني أهمية البحث التاريخي للتأكيد العلمي وليس فقط السياسي على تلك الملكية. ونوه يفتاحئيل إلى أن الدولة قد منعت الكثير من المواطنين العرب من تسجيل الأراضي باسمهم في سنوات السبعينيات، بحجة أن الأمر "مكلف" لهم! والآن بعد 45 سنة، تأتي لتقول أن تلك الأراضي ليست لسكانها، لأنها غير مسجلة باسمهم.

وكشف يفتاحئيل، الذي يؤمن أن كل مشروع استعماري يحتاج لشبكة من الأكاذيب، عن شبكة الأكاذيب الخاصة بالنقب، والتي تعيد بها الدولة كتابة التاريخ. فهي تدعي أنه لم تكن هناك زراعة أو تجمعات سكنية ثابتة في النقب قبل عام 1921، وأن العرب البدو تنقلوا طوال الوقت، وهي في ذلك تعتمد كما يقول، "على ضعفنا"، وعلى أننا لن نفحص تلك الادعاءات ولن نمحص في التاريخ.

وفعلا، قامت المحاكم الإسرائيلية بالتوصل لـ 200 قرار حكومي، لم يتم فيه فحص ادعاءات الدولة تلك، التي اعتمدت على قانون "الموات" البريطاني الذي اعتبر كل أراضي النقب أراض "موات"، أي أنها لم  تستغل، على عكس القانون العثماني الذي اعترف بالأراضي المرزوعة وشجع الزراعة واعترف بأن كل من يستغل أرضا في النقب فهو مالكها الفعلي.

أما بالنسبة لإسرائيل فالقضية المهمة ليست زراعة الأرض وفلاحتها، بل السيادة عليها وعملية تهويدها، وإسرائيل تفضل أرضا يهودية غير مزروعة على أرض عربية مزروعة، بالتالي سارعت الدولة للإعلان عن أن كل من لم يسجل أرضه حتى عام 1921 حتى لو قام بفلاحتها، فهي ليست ملكا له، وهو يعتبر متعديا على "أملاك الغير"!، والغير هنا هي "دولة إسرائيل". 

وأوضح يفتاحئيل بصور موثقة سندات الملكية لعائلات كثيرة منها الترابين، وبين وثائق تاريخية تكشف عن الطبيعة الخصبة لعشرات آلاف من الدونمات امتدت حتى غزة وزرعت فيها الحنطة والشعير والذرة. وكشف يفتاحئيل عن عملية التضليل التي تقوم بها الدولة في المحاكم حيث تنتزع صفحة من كتاب لمؤرخ يتكلم فيه عن سنة لم ترزع فيه الأرض بسبب القحط. 

إلى جانب أهمية البحث التاريخي الجغرافي أكد يفتاحئيل على أهمية وضع مخطط بديل، الذي استمر طاقم مختصين مكلف من قبل جمعية "بمكوم"، المجلس الإقليمي للقرى غير المعترف بها، وجمعية سدرة، في وضعه لمدة 3 سنوات ونصف، واعتمد المخطط على دراسات نظرية، جولات ميدانية، ورشات ولقاءات مكثفة مع السكان، في الوقت الذي لم تلتق فيه لجنة جولدبرغ مع السكان.

وبين المخطط المنطق الذي يقف وراء القرى غير المعترف بها، حيث لكل قرية منطقها الخاص بها، تاريخها، مستنداتها، آثارها، قبورها، وأسلوب حياة خاص يحمل اكتفاء ذاتيا معينا. وأكد يفتاحئيل على أن الدولة عليها أن تقبل القرية البدوية كما تقبل الكيبوتسات كأسلوب معين من الحياة.  

غطاس: بمقدورنا الانتصار في هذه المعركة الوجودية

واختتمت الجلسة الأولى بحلقة نقاش مع أبناء النقب شارك فيها كلٌ من: جمعة الزبارقة، ود. عواد أبو فريح، وعطية الأعسم.
وفي مستهل حلقة النقاش قال الدكتور باسل غطاس: نريد أن نستفيد من خبرة أهلنا في النقب، ولنستكشف معًا جميع النقاط الهامة، في كل ما يتعلق بالهجمة على أراضي النقب، لمواجهة القانون الذي سيتم تقديمه إلى الكنيست لتطبيق مخطط برافر. وأكد غطاس على الحاجة في مؤازرة ومشاركة جميع الجماهير العربية في الداخل وليس فقط تضامنًا من أهل الشمال تجاه أهل الجنوب، مشيرًا إلى قضية المل، التي ولّدت يوم الأرض الخالد، وقال: "كان النضال حينها حول مساحة أرض أقل بكثير مما نتحدث عنه في النقب، وأيضًا أصبحت الجماهير العربية اليوم أكثر قوة مما كانت عليه في السابق، وعليه فإنّ بمقدورنا الانتصار في هذه المعركة الوجودية".

الأعسم: القرى مسلوبة الاعتراف قائمة قبل إسرائيل

وتحدث عطية الأعسم، رئيس المجلس الإقليمي للقرى غير المعترف بها، عن تجربته وعن النضال في مواجهة المخطط قائلاً: "نحن نتحدث فعلاً ليس فقط عن قرى غير معترف بها، بل مسلوبة الاعتراف وهذه القرى موجودة قبل احتلال النقب – قبل النكبة وقبل قيام دولة إسرائيل –  ومنذ احتلال إسرائيل للنقب، باتت هذه القرى غير موجودة على الخارطة الرسمية للدولة، وهو أمرٌ مقصود ومخططات مستقبلية، ألا تكون هذه القرى على الخارطة".

أبو فريح: حرب إعلامية لتشويه صورة النقب العربي

أما د. عواد أبو فريح، عضو لجنة قرية العراقيب، ومحاضر في كلية "سابير" فاستعرض قضية أهل النقب، من خلال تجربته الشخصية وهدم بيته عدة مرات، وجاء في كلمته: "نحنُ نواجه حربا إعلامية تشويهية كاذبة يقودها بعض الإعلاميين اليهود، بمشاركة بعض الجهات التي تنقل الواقع بصورة خاطئة، بينما يواجه أهل النقب ظلمًا واضطهادًا داخليًا، ويعيش كل فردٍ من أفراده عذابات صعبة جدًا. وعليه يجب أن يكون لنا صوت وخطاب إعلامي قوي ينقل قضيتنا بشكلٍ صحيح دون تشويه".

الزبارقة: "سطو مسلح تحت غطاء القانون"

وفي كلمته تطرق جمعة الزبارقة – عضو المكتب السياسي للتجمع، إلى قانون برافر حيثُ قال: "هذا سطو مسلح تحت غطاء القانون، وهناك لجنة استبدال في القانون، ولديها صلاحية أكثر من رئيس الحكومة، ومن الممكن أن تتفق معهم وتتنازل، وفي النهاية هي التي تقرر ما يحق أو لا يحق لك، والأمر الثاني تغيير جذري في قانون الإرث، وهناك شروط تعجيزية وضعت في القانون وبموجبها لا تسترد الأرض، بل قد يكتفون بتعويضك ماليًا". 

وتطرق الزبارقة الى لجنة التوجيه معتبرًا اياها في المرحلة الحالية "بوابة بلا بواب"، لأنها مُتاحة أمام الجميع، وعليه هناك الحاجة لإنقاذها، وهي نتاج  قرار أصدرته لجنة المتابعة العليا، ومركبة من الأحزاب  السياسية والجمعيات الأهلية الفاعلة في المجتمع العربي في النقب، وبهذا هي إطار وحدوي، ورغم صعوبة العمل من خلالها، إلا أنه لا يصح التنازل عنها إذ لم يكن ثمة بدائل لها، ومن الأفضل محاولة تصحيحها.

المدن الفلسطينية المسماة بـ"المدن المختلطة" ونكبة المدينة الفلسطينية

أما المحور الثاني فقد عالج قضايا الأرض والمسكن في المدن الفلسطينية، المسماة ب"المدن المختلطة".  قدمت له وأدارته النائبة حنين زعبي، التي أشارت إلى أننا نتحدث عن المدن الفلسطينية التاريخية التي تهوّد والتي هي النموذج الأكثر تكثيفا لمشروع الدولة اليهودية، حيث لا يتم مشروع الدولة اليهودية ببقاء المدن الفلسطينية، دون هدم معالمها وملامحها الفلسطينية ودون محاصرة الوجود الفلسطيني وتهميشه فيها. ونوهت إلى أنه رغم شراسة تحدي واقع التهويد في المدن المختلطة، إلا أنه يكاد لا يكون موجودا على أجندتنا السياسية، قد يكون لأن الجريمة الكبرى وهي طرد معظم السكان والاستيلاء على الأرض تمت عام 48، وما يجري الآن هي عملية تهويد تدريجية وبطيئة وهادئة نسبيا.   

يوسف جبارين يحذر من المخطط الحالي ٌلإقامة مدينة عربية جديدة

وفي مداخلته حول المدن المختلطة حذر بروفيسور يوسف جبارين من مخطط إقامة مدينة عربية جديدة في الطنطور، وهي تلة تقع بين جديدة والمكر وعكا، على مساحة لا تتعدى 5000 دونم، أي نصف مساحة المنطقة الصناعية في نتسيرت عيليت! و8/1 مساحة نتسيرت عيليت، وهو مشروع يسوق من قبل "سلطة التطوير للأقليات"، حيث يهدف هذا المخطط لإقامة مدينة عربية كثيفة السكان، لتشجيع العرب من ترك "المدن المختلطة"، ولهذا السبب وافق على المخطط أفيغدور ليبرمان، وأضاف جبارين أن مخطط هذه المدينة يرتبط بالمخطط الهيكلي الجديد لعكا القديمة، الذي يهدف إلى تفريغ عكا القديمة من سكانها العرب، كما جرى في بداية سنوات الثمانينيات، حيث انتقل بعض سكان عكا العرب إلى الجديدة والمكر. وأضاف أنه لا يمكننا أن نقبل مدينة عربية مكتوب لها أن تنشأ فقيرة وأن تبقى فقيرة، محاطة بنسبة فقر تبلغ 55%. ونوه إلى أنه يمكن إقامة مدينة عربية جديدة ما بين عكا وحيفا، أو في منطقة المركز أو يافا أو اللد أو الرملة وحيفا.

المدينة الفلسطينية – حداثة ومدنية حتى عام 48

وفي عرضه لتاريخ المدنية الفلسطينية، أكد جبارين أن النكبة الفلسطينية هي عمليا نكبة المدنية الفلسطينية، التي منعت من يافا مثلا أن تشكل اليوم متروبولينا كبيرا يضم 3 ملايين نسمة، والتي منعت  حيفا من أن تتطور لتشكل حاضرة كبيرة تضم مليوني نسمة، "عمليًا النكبة الفلسطينية مركّبة في المدن بشكلٍ خاص بالأساس وهي نكبة مدن، فهذه الخمسة مليون نسمة التي تتركز في ميتروبولين حيفا ويافا هذه القضية الأساسية". وقد بترت إسرائيل عملية تطور المدينة الفلسطينية، عملية الهجرة من الريف للمدينة وتطور المدينة، بصناعتها، بموانئها وحركتها التجارية العالمية. وأشار جبارين إلى أن الفلسطينيين لم يكن لهم حق على مدنهم منذ الانتداب البريطاني، على خلاف كل شعوب العالم التي تخطط لمدنها المركزية، بما فيها مدينة بئر السبع التي على خلاف ما يعتقد لم تكن تجمعا بدويا، بل كانت مدينة حضارية قائمة، ولها ريفها، وبلداتها، لكن كل ذلك هدم عام 48. 

آليات تفريغ المدينة الفلسطينية من السكان، الهدم والسيطرة على بيوتها

واستعرض جبارين آليات الهدم الإسرائيلية، من طواقم تفجير "مهنية" سميت في الإعلام الإسرائيلي ب"التفجير البناء"، والتي عن طريقها تم هدم 70% من بيوت يافا وحيفا، مرورا باستعمال ما لم يهدم "كمدن للفنانين"، انتهاء الآن، بما يسمى "جنيفيكاتسيا"، وهي أن تعمل قواعد السوق الحر على إخراج العرب، بصفتهم الأفقر والذين لا يستطيعون تملك الشقق السكنية والأبنية بالأسعار الباهظة المعروضة، وإدخال أغنياء اليهود كمتملكين حصريين.   

أما التخطيط الحالي لهذه المدن فيتم، كما يوضح جبارين، بمعزل عن سكانها العرب، ومالكي شققها و"فولكلورها" أو بالأحرى حضارتها المعمارية. وقد فحص جبارين 50 بلدة عربية تم تخطيطها خلال السنوات العشر الأخيرة، تبين فيها فيها أن التخطيط يجري في وزارة الداخلية في القدس ولجان التوجيه، بمشاركة غير حقيقية من قبل رئيس السلطة المحلية.

وشدد جبارين في نهاية مداخلته على أهمية أن نقوم كأقلية وطن بالمشاركة في هذه المخططات الهيكلية، وبإعادة بناء أجندتنا السياسية لتمثل حقوقنا المدنية في "المدن المختلطة"، حيث لنا حق، كما شدد، في هذه المدن، ليس فقط كسكان أصليين، بل أيضا كسكان، لنا حق أن نعيد صياغة هذه المدن ونحافظ على الميراث الفلسطيني القائم، ونسكن هذه البيوت المغلقة والمعروضة للهدم.

 

إسرائيل توثق المدنية الفلسطينية المتطورة، لكنها تدعي أنها استلمت مدنا مهملة

وقد أكمل د. حاييم يعقوبي موضحا عملية التهويد التي مرت بها المدن الفلسطينية، والادعاءات الإسرائيلية بأن إسرائيل استلمت مدنا ضعيفة، مهملة قذرة دون كهرباء أو ماء. ويكرر يعقوبي ما أكد عليه يفتاحئيل من أن التمحيص والبحث العلميين ضروريان للكشف عن كذب المحتل، ويوضح أنه ما من أحد يستطيع الكشف عن كذب الادعاءات السياسية الإسرائيلية أكثر من الأرشيف الإسرائيلي نفسه! حيث يوضح الأرشيف مستوى الحياة والتطور والعمارة الفلسطينية، لكن الجرائم تحتاج لكم هائل من الأكاذيب لكي تبرر بشاعتها.

ويوضح يعقوبي كيف تحولت اللد لمدينة مزدهرة بالاقتصاد والتجارة والثقافة، قبل قيام إسرائيل، ثم شيئا فشيئا تفقد المدينة مكانتها ودرجة تطورها، ويتناسب الإهمال الإسرائيلي لها تناسبا طرديا مع الوجود الديمغرافي للسكان الفلسطينيين فيها. إذ كانت نسبة اليهود فيها عام 1950، 91%، واليوم تبلغ نسبتهم 70-75%، يتمركزون شمال المدينة، والزيادة الطبيعية هي ليست السبب الوحيد في الزيادة الديمغرافية للفلسطينيين، إنما يعود ذلك إلى تهجير اسرائيل للبدو من النفب.       

مطالبات عينية لمواجهة تخطيط ديمغرافي عام

وأكد يعقوبي أن التخطيط المتبع في إسرائيل هو تخطيط ديمغرافي، تخطيط يهدف إلى السيطرة الديمغرافية، وأن أفضل طرق مواجهته هي سياسية من جهة، ومطالب عينية من جهة أخرى تتمحور حول المطالبة بتحويل أراضي الدولة للسكن في اللد ومطالبات عينية أخرى تتعلق بالتربية والبنية التحتية وغيرها. التوجهات العينية لبلدية اللد تحيد أيضا تدخل السوق الذي يتدخل دائما لصالح اليهود، حيث هم أكثر غنى وإمكانية شراء وتملك من العرب.

إسرائيل تبدأ ببيع أملاك الغائبين  - بعد أوسلو!

أملاك الغائبين وكيفية التصرف الإسرائيلي غير القانوني بها، كان محور مداخلة إميلي سيلفرمان، التي أشارت في بداية مداخلتها إلى القرار الحكومي لسنة 1996، القاضي ببيع أملاك الغائبين. وتدعي إسرائيل أن قرارها ذلك يعود إلى التكلفة المالية للسيطرة عليها. أما السبب الحقيقي لهذا القرار فيعود إلى أن إسرائيل كانت تخشى مطالبة فلسطينية حقيقية – لم تأت- بعودة اللاجئين أو التعويض، فتسارع إلى التخلص من "عهدتها"، رغم أن القانون الدولي والقانون الإسرائيلي نفسه آنذاك (الذي تغير بعد أكثر من عقد على القرار الحكومي) كان يمنع التصرف الإسرائيلي بتلك الأملاك، لحين الوصول إلى اتفاق مع الفلسطينيين.  

وتتمكن إسرائيل من بيع بيوت اللاجئين، حتى تلك التي يسكنها أصحابها، لأن القانون الإسرائيلي قام بتأجير تلك الأملاك بأسعار زهيدة جدا 10-2-% من سعر السوق، فقط للجيل الأول الذي سكن تلك البيوت، وجزء كبير منهم من الفلسطينيين أنفسهم الذين طردوا من بيوتهم لكن بقوا في المدينة. أما الجيل الثاني فتفرض إسرائيل شروطا كبيرة صعبة على تملكهم، مما يتيح لها بيع الأملاك لطرف ثالث.        

وأشارت سيلفرمان إلى أن 40% من أهالي يافا القاطنين في تلك الأملاك (ما يسمى بالمستأجر المحمي) مهددون بالطرد، وهم يشكلون حوالي 2000 بيت، عدا 37% لم يقوموا بشراء بيتهم بعد، أي أنهم يدخلون أيضا دائرة خطر الطرد.

أما أسباب الطرد فتعود إلى توسع العائلة وبناء غرف إضافية أو إجراء تصليحات وترميمات في البيوت، نتيجة الضيق أو القدم، وهو أمر تمنعه إسرائيل، كإحدى سياسات محاربة الوجود العربي وتضييق الخناق عليه.   

الفلسطينيون الذين دخلوا بيوتا فلسطينية  -  غزاة

وتشدد سيلفرمان أن إحدى نتائج قرار بيع تلك الأملاك، هو ليس بالضرورة بيعها الفعلي، إنما تعريف من بقي فيها على أنه غاز!  فقرار البيع يعزز من البحث عن أولئك الذين لم يفوا بشروط الملكية الإسرائيلية ومن ثم تعريفهم على أنهم غزاة.

وأكدت سيلفرمان على أهمية النضال ضد عملية الخصخصة هذه، وأهمية توفير الدعم والمشورة القانونية والمادية والسياسية للسكان للبقاء في بيوتهم من جهة، أو لمساعدتهم في تملك تلك البيوت، بشكل يحفظ حق صاحب البيت الأصلي (اللاجئ الفلسطيني)، وذلك عن طريق بند يكتب في سند الملكية يشير إلى أن تلك الملكية تعود لأصحابها الحقيقيين في حال ظهورهم أو مطالبتهم. واقترحت سيلفرمان، إقامة صندوق مالي لمساندة "السكان المحميين" لشراء تلك البيوت.

المدن المختلطة – ما العمل؟  

تلا المحور النظري من هذه الجلسة حلقة عرض ميداني وتوصيات عملية، شارك بها أبناء المدن المختلطة، سامي ابوشحادة من يافا وعارف محارب من اللد ود. رائدغطاس من نتسيرت عيليت وعروة سويطات من حيفا وسامي هواري من عكا.

وتحدث عارف محارب- عن قانون التخطيط والبناء قائلاً: "الحق في المسكن هو حق طبيعي وأي قانون لا يوفر الحق الطبيعي هو قانون غير جدير بالاحترام، ومشكلتنا أنّ هذا القانون يحرمنا من امتلاك أو بناء بيت.

أبو شحادة: إخطارات لإخلاء 400 عائلة عربية من يافا

واستعرض سامي ابو شحادة – عضو المجلس البلدي في يافا-تل أبيب، المشاكل الأساسية التي يعاني منها سكان يافا، وأهمها مشكلة السكن، مشيرًا الى أنّ هناك نحو 70% من السكان العرب يسكنون في شقق حسب قانون "المستأجر المحمي"، علمًا أنه غير محمي من أي شيء، إذ أنّ هناك 400 عائلة عربية لديها أوامر إخلاء، وهناك أسباب تافهة لطردهم. إضافة لذلك هناك 200 عائلة تنتظر دورها، للحصول على مساكن شعبية، علمًا أنّ عدد سكان يافا يقدر بـ 20 ألف شخص، وهم يشكلون 5% من مجموع سكان المدينة. والمشكلة الأخرى هي دخول المستوطنين إلى يافا بتشجيع من السلطة والبلدية".

وأجاب د. رائد غطاس، عضو بلدية نتسيرت عيليت عن السؤال: لماذا سكن العرب في نتسيرت عليت؟ ويرى أن هناك أربع مجموعات من السكان: المجموعة الأصلية التي بقيت في بيوتها، في حي عربي، وجرى ضمها لنتسيرت عليت عند إقامتها، والمجموعة الثانية الأساسية لسكان نتسيرت عليت هي الأغلبية التي جاءت إلى نتسيرت عليت نتيجة للضائقة السكنية، والمجموعة الثالثة هي فئة اجتماعية قدرتها الاقتصادية عالية ومثقفون بحثوا عن حياة عصرية ووجدوها في نتسيرت عليت، قرب الناصرة والقرى المجاورة، فاشتروا في تلك المنطقة. والقسم الرابع الفئة المنسية والضعيفة من المجتمع وهم بالأساس "أمهات معيلات وحيدات – مطلقات أو أرامل"، وجدن في نتسيرت عليت ملاذا لهن كي يُقمن بعيدًا عن تدخل العائلة أو محيطهن".

هواري: تنظيم قطري للمدن المختلطة

وأشار سامي هواري من جمعية الياطر في عكا إلى التشابه بين المدن المختلطة القديمة من حيث التركيبة السكانية والمشاكل التي يتم مواجهتها وعلى رأسها قضية الإسكان وأجهزة التربية والتعليم الحكومية المتدهورة جدًا، مشيرا أن في عكا يوجد أكثر من 600 بيت مؤجر بحسب قانون حماية المستأجر، وهناك أكثر من 250 بيتا مغلقا في مدينة عكا، وهي بيوت تابعة لشركة "عميدار"، بينما يُمنع العرب من السكن فيها، أو استئجارها أو شرائها، وفي الآونة الأخيرة يتم ترميم البيوت وبيعها في المزاد العلني باسعار عالية لا يقدر عليها العرب. مؤكدًا على أنّ هناك الكثير من البيوت الإستراتيجية بينها التي تطل على شاطئ عكا تمّ بيعها، ويتم تحضيرها لتكون بمثابة استثمار اقتصادي.

واقترح هواري إيجاد تنظيم قطري للمدن المختلطة، للناشطين والجمعيات بهدف التعاون المشترك ونقل التجربة وفحص إمكانية الحصول على قروض من بنوك إسلامية أو عربية، بهدف تطوير مشاريع سكنية تعود بالمنفعة على الفلسطينيين في المدن المختلطة.

سويطات: حيفا تستقبل ألف عربي للسكن كل عام، ويتركها نحو 2500 يهودي

أما المستشار التنظيمي والناشط عروة سويطات فشدد في بداية كلامه على موقع حيفا المتميز فلسطينيا الذي "يجعلها تمثّل مركزا حضريا لمئات الآلاف من الفلسطينيين في المثلث والشمال والجليل، وفيها حيز للفرد ولخصوصيته ولاستقلاله ولتطوره الشخصي وفي نفس الوقت هناك حيز للجماعة، للمجموعة وللميراث الفلسطيني وللتطور الجماعي، وهذا الأمر هو مميز في حيفا، بمعنى أن فيها حياة مدينية بهذا المفهوم، وهي نقطة قوة يجب النظر اليها بهذه الطريقة، بينما لا يعترف المخطط الهيكلي الجديد لمدينة حيفا بتلك المكانة".

وقدم سويطات عرضا تفصيليا لمخططات الأحياء العربية ومنها المحطة ووادي النسناس، وطرح الإشكاليات المتعلقة بالمساكن الشعبية وسياسة "عميدار" وقضية قروض الإسكان البنكية، وسياسة تسويق المساكن في الحليصة ووادي النسناس من قبل وزارة الإسكان. وعرج على المخطط الذي يتم إعداده منذ سبع سنوات، الذي لا يتعامل مع حيفا على أنها مركز ثقافي للعرب، بل هناك تجاهل تام للتاريخ والهوية والميراث والمباني، بما في ذلك الهدم الذي جرى في وادي الصليب، 40% من المباني العربية تمّ هدمها والفيلم مستمر، ولا يرى المخطط الأحياء العربية أصلا".

وشدد سويطات على أهمية التخطيط للمدينة كمدينة، وليس فقط لأحيائها العربية، وذلك نظرا لأهميتها التاريخية، وإلى حقيقة أن  نحو ألف عربي سنويا يأتي للسكن في حيفا بينما يتركها نحو 2500 يهودي.

هذا وفي الختام، قدم النائب جمال زحالقة، تلخيصا لليوم الدراسي وعرضا لأهم التوصيات السياسية والمهنية التي تخللته. 


 

التعليقات