وادي النسناس في حيفا: تهميش وتهويد تحت مظلة "التعايش"

في وادي النسناس، حيث أصبح الفقر والتهميش ميزة تحاول السلطات الحفاظ عليها بهدف الترفيه عن "الرجل الأبيض"، بهدف التقاط صورة مع مرأة عجوز تنشر غسيلها من على شرفة وجب أن تكون آيلة للسقوط وحديدها متآكل كي تصبح الصورة أجمل

وادي النسناس في حيفا: تهميش وتهويد تحت مظلة

استمراراً لمسلسل التهميش الذي تعاني منه الأحياء العربية في مدينة حيفا بصورة ممنهجة، إلّا أن الفقر والتهميش في وادي النسناس أصبح ميزة من ميزات هذا الحي الذي تحاول البلدية الإبقاء عليها لتكون ملائمة لسياسة البلدية والمركز العربي اليهودي القريب والمسؤول عن الحي الذي من مصلحته أن يبقى الحي 'تراثياً'، ليلائم الزوار اليهود ويشكّل نموذجاً للتعايش المزعوم. 

في وادي النسناس، حيث أصبح الفقر والتهميش ميزة تحاول السلطات الحفاظ عليها بهدف الترفيه عن 'الرجل الأبيض'، بهدف التقاط صورة مع مرأة عجوز تنشر غسيلها من على شرفة وجب أن تكون آيلة للسقوط، وحديدها متآكل كي تصبح الصورة أجمل، وفي حال أضفنا بعضا من الأطفال يلعبون في الشارع بين السيّارات لهذه الصورة سيصبح الجو ملائماً أكثر لأبيض ترك الكرمل، ووصل بهدف الترفيه عن نفسه ورؤية الآخر الذي وجب على البلدية إبقاؤه مهمشاً حفاظاً على الصورة النمطية الموجودة في عقل اليهودي. 

حدّاد: وادي النسناس تحوّل لمسرح لبيت الكرمة

وقال الناشط الاجتماعي في الحي، حليم حدّاد، لـ 'عرب 48' ، إن “وادي النسناس أصبح جزءا من مشروع بيت الكرمة، وكما يملك المركز مكتبة وملعب كرة قدم ونشاطات، يملك أيضاً وادي النسناس الذي تحوّل لمسرح تابع لبيت الكرمة بسكّانه وبناياته ومع الوقت تحوّل هذا المسرح لجزء لا يتجزأ من بيت الكرمة وأصبح سكّانه ممثلين دائمين رغماً عنهم'.

ومن المثير للاهتمام، أن نشاطات بيت الكرمة في الواد لا تقتصر على فترة الأيام الأربعة لعيد الأعياد، بل إن عيد الأعياد مشروع سنوي متكامل يكون المهرجان الذي يُقام في الواد جزءا منه فقط. فالنشاطات التي يقيمها بيت الكرمة في وادي النسناس تستمر طيلة أيام العام من وفود تأتي لزيارة الواد من خارج البلاد وداخلها، بالإضافة إلى مسارات مشي على الأقدام في الواد وسياحة وتعريف بتراث أهاليه متجاهلين ظروفهم، وكونهم يعيشون في هذه الظروف مرغمين. أمّا في حال أراد بيت الكرمة أن يمنح شيئاً قليلاً لأهالي الواد، فيمنحهم قرابة الـ 15 حافلة لرحلة في منطقة الحمّة، وليس لرؤية اليهود في أماكن سكنهم كما يأتون للواد.

وأضاف حدّاد، إن 'البلدية تمنحنا مرافق كالمركز الجماهيري ومرفقا اجتماعيا مشروطا بتجاوبنا مع بيت الكرمة ونشاطاته، إلّا أنه وفي الوضع الطبيعي علينا أن نحصل على كل ما نحتاجه كونه حقاً لنا وليس معروفاً من أحد، وليس مقابل شيء ما فنحن ندفع الضرائب والواجبات التي علينا بصورة كاملة. في المقابل تحاول لجنة الحي تسجيل الحصول على جدار مقابل المدرسة، أو بعض الحواسيب لمدارس الواد كإنجاز تحصل عليه مقابل عيد الأعياد ونشاطات بيت الكرمة، إلّا أن هذه كلها حقوق لنا كما هي حقوق لأي حي آخر في المدينة”. 

وأشار حدّاد إلى لجنة الحي، وقال إنها 'ذات اللجنة وبذات الرئيس منذ قرابة الـ 15 عاماً. لا تخدم الحي بل تخدم بيت الكرمة وتشكّل مخدراً للناس بإنجازات هي حقوق لنا وليست منة من أحد'. 

حجّار: العريضة مزيّفة، والذين وقّعوا عليها لا يمثّلون أحداً

أمّا رئيس لجنة حي وادي النسناس، فيكتور حجّار، فقال لـ'عرب 48'، إن 'العريضة التي قدّمت من قبل أهالي وادي النسناس ضد مهرجان عيد الأعياد، هي عريضة مزيّفة لا تمت للواقع بصلة، والموقّعون عليها لا يتعدّى عددهم الـ 20 شخصاً وهم لا يمثّلون أحداً'.

ومن الجدير بالذكر أنه لم يقم أي من أهالي وادي النسناس بدعم عيد الأعياد ونشاطات بيت الكرمة في الحي عموماً، وعلى عكس ذلك عبّر العديد من أصحاب المحال التجارية عن رفضهم لعيد الأعياد في تقرير سابق أعدّه موقع 'عرب  48'.

وعمّا يتقاضاه الحي مقابل نشاطات بيت الكرمة عموماً، فقال حجّار، إن 'بيت الكرمة منح وادي النسناس غرف حواسيب في المدارس، وملعب كرة قدم وناديا للشبيبة بالإضافة إلى إفطار جماعي خلال شهر رمضان لـ 350 شخصا من أهالي الحي'. وفعلاً، هذه الأمور كما أكد حدّاد عليها أن تتوفّر في الحي بلا مقابل، كما متوفرة في باقي الأحياء اليهودية في المدينة. 

أمّا عن التجارة وسوق وادي النسناس، فقال حجّار وهو يشغل منصب رئيس لجنة تجّار الواد أيضاً، إن 'الأسعار في وادي النسناس مرتفعة شيئاً ما نسبة لسوق (تلبيوت)، والمتاجر الكبيرة، والتجار في الواد لا يستطيعون منافسة هؤلاء التجّار ممّا يجعل من عمدة التجّار في الواد على الوافدين اليهود نهاية الأسبوع، وهو ما يفاقم من أزمة الواد حيث يبتعد الوافدون العرب عن الواد بسبب عدم وجود مواقف سيارات وكون الأسعار في الواد موجّهة إلى الجمهور اليهودي أكثر ممّا هي للجمهور العربي”.

وعند سؤاله عن سبب عدم التزام المحال التجارية في وادي النسناس بالإضراب الذي أعلنته لجنة المتابعة العليا تنديداً بإعدام الشابين في النقب الشهر الماضي، قال حجّار إن “التجّار في وادي النسناس لم يلتزموا في الإضراب لفقدان الثقة بالقيادة السياسية، فعندما نغلق أبواب المحال التجارية في الواد يذهبون ذاتهم الذين طلبوا منّا الالتزام بالإضراب لشراء حاجياتهم من المتاجر اليهودية. وهذا ما حصل فعلاً معي”.

وعن التجارة في وادي النسناس، قال صاحب مخبز الوادي، إحسان أبو ردينة، إن 'التجارة في وادي النسناس أخذت بالإنخفاض شيئا فشيئا منذ العام 2000، وتحديداً بعد موجات التحريض المباشر على العرب كون التجّار في الواد يعتمدون مباشرة على اليهود الوافدين إلى الحي، الأسعار في الواد ملائمة للزبون اليهودي أكثر ممّا هو للزبون العربي، وهذه حقيقة'.

وعلم موقع 'عرب 48'، بأن البلدية قدّمت قطعة أرض موجودة وسط وادي النسناس لمزاد استطاع خلاله مستثمر يهودي شراءها، وتشغل في هذه الأيام موقف سيّارات يستوعب أكثر من 50 سيّارة، وينوي إقامة بناية سكنية كبيرة فيها ممّا سيفاقم من أزمة الواد، وأزمة مواقف السيارات التي يتبيّن من دراسة أجرتها 'جمعية التطوير الاجتماعي في حيفا'، أن وادي النسناس يعاني من نقص في 150 موقف سيّارة وأكثر.

بروفيسور فوراني: هل انتهى العام 1948، ومسلسل التهجير؟

وقال البروفيسور في جامعة تل أبيب والقاطن في الحي، خالد فوراني، لـ 'عرب 48'، إن 'الكلام عن التعايش غريب ووهمي في ظل ظروف الواد التي تطلب أن يكون هنالك عيشة أصلاً في البداية قبل أن نتحدّث عن تعايش. حال المدارس والبنى التحتية في الحي كارثي، فلا مختبرات ولا مراكز ولا ساحات وحتى الأمان معدوم فيها'. 

وأضاف: 'النظر إلى الواد يطرح سؤالين أساسيين، الأول: هل انتهى العام 1948  ومسلسل التهجير؟، فالحياة في الواد شبه مستحيلة في هذه الظروف الموجودة هنا، البيوت في الواد تعاني من الإهمال الممنهج، وفي ذات الوقت يمنع سكّان الواد من الحصول على قروض إسكان لسبب أن أسعار البيوت رخيصة شيئاً ما، وبالتالي لا يستطيع الشاب العربي في الواد شراء منزل جديد. وفي ذات الوقت يستطيع المستثمر اليهودي وسماسرة البيوت من المركز شراء المنازل كونهم يملكون المال، وبالتالي تفريغه من أهله'. 

وتابع: 'الأسباب التي تدفع السكّان للهجرة وترك الواد موجودة، فالأزمة السكّانية وعدم الإحساس بالراحة بالإضافة إلى حال البنايات وانعدام فرص العمل وبالتالي انعدام التطوّر في الواد يدفع الناس لهجر الواد، وإحساس عدم الراحة نابع أساساً من عدم توفر الخدمات، ومن يريد التعايش فعلاً عليه أن يوفّر مقوّمات الحياة في الواد”.

أمّا السؤال الثاني، فقال فوراني إنه 'إلى أي مدى يخدم الحي سكّانه؟، منذ أعوام قليلة أقامت البلدية حديقة جميلة كعمل فنّي مشترك يهودي عربي في الحي، وفي المقابل فإن أولادنا في الحي لا يملكون أي حديقة عامّة أو مساحة خضراء آمنة، فهم يلعبون في الشارع وبين السيّارات وهذا ليس آمناً'.

المغسلة والغسّال

وهنا نستطيع أن نستنتج من خلال المثال الذي أعطاه بروفيسور فوراني، بأن الحي فعلاً لا يخدم السكّان بقدر ما يخدم الوافدين إليه والزوّار، وحديقة جميلة تدل على التعايش أهم فيه من وجهة نظر البلدية من ملعب يشكّل مساحة آمنة للأطفال'. 

 واعتبر فوراني الواد، وكأنه مغسلة وبيت الكرمة هو الغسّال، حيث تحوّل إلى مكان يحاول اليهودي من خلاله إراحة ضميره عبر النظر إلى المهمّش والآخر، وأكل الحمص ولا يخجل بتاتاً من الفرجة علينا وكأنه في 'سافاري'، واختتم حديثه بالسؤال: 'هل ينتظر الواد في حيفا ذات المصير الذي حل بحي العجمي في مدينة يافا ؟'. 

>> عودة إلى "ملف حيفا"

 

 

 

 

 

 

 

التعليقات