التضييق على الحريات والاعتداء على منظمات المجتمع المدني

تعمل الحكومة والكنيست على إعادة رسم "حدود الدولة اليهودية" على الأرض، بشكل يجعل إقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل أمرا غير ممكن بفعل الأمر الواقع، الذي تفرضه من خلال توسيع خارطة الاستيطان، وترسيخ فكرة "الضم والتوسع" في منطقة "ج".

التضييق على الحريات والاعتداء على منظمات المجتمع المدني

(عرب 48)

في خضم سياسة الملاحقات السياسية التي تمارسها السلطات الإسرائيلية بحق الكثير من الجمعيات والمؤسسات الحقوقية والإعلامية والناشطين، أعلنت المؤسسة العربية لحقوق الإنسان في المؤتمر الصحافي الذي عقدته الأول من أمس، الأربعاء، إطلاق تقريرها الجديد: "مساحات ضيقة: التضييق على الحريات والاعتداء على منظمات المجتمع المدني"، الذي يرصد الإجراءات والقوانين والسياسات التي تستخدمها السلطات الإسرائيلية ركيزة للمساس بحرية التعبير والتنظيم لمنظمات المجتمع المدني عامة والمؤسسات الحقوقية خاصة.

وقال مدير المؤسسة، محمد زيدان، لـ"عرب 48": "إن هذا التقرير يرصد التحريض الشعبي والرسمي والحكومي المتعلق باقتراحات القوانين السياسية والإجراءات التي اتخذت ضد جمعيات بعينها، ويستعرض القوانين التي تم إقرارها خاصة في ما يتعلق بتحديد ما يسمى الحيز الديمقراطي، وتضييق قنوات التمويل للجمعيات من خلال تحريض مباشر ضد الصناديق التي تدعم العمل الأهلي".

وأضاف زيدان أن "الأهم أن الأذرع الحكومية تعمل على تصوير الجمعيات على أنها تعمل لأجندات خارجية ضد المصالح الأمنية والعسكرية والسياسية للدولة، هذا التوجه العام الذي تم تعزيزه من خلال قوانين مثل "قانون منع إحياء ذكرى النكبة" وقانون منع الإرهاب وقانون منع المقاطعة وهي قوانين تم تشريعها لوضع حدود وقيود على مجالات عملنا".

وتعمل الحكومة والكنيست على إعادة رسم "حدود الدولة اليهودية" على الأرض، بشكل يجعل إقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل أمرا غير ممكن بفعل الأمر الواقع، الذي تفرضه من خلال توسيع خارطة الاستيطان، وترسيخ فكرة "الضم والتوسع" في منطقة "ج" من المناطق المحتلة، مع التأكيد على أن ذلك لن يشمل منح مواطنة أو جنسية إسرائيلية لسكان تلك المناطق الفلسطينية للحفاظ على التفوق الديمغرافي اليهودي في الدولة "اليهودية" بين النهر والبحر.

وفي الوقت ذاته، العمل على تقوية السياسي وتضييق القضائي والرقابي، وذلك من خلال مشاريع قوانين تهدف لتقليص قدرة السلطة القضائية على مراقبة السلطة التشريعية والتنفيذية، بالعمل على إطلاق يد الحكومة والكنيست في الحكم، بشكل مطلق.

وراجع التقرير الممارسات الإسرائيلية المتعلقة بتضييق مساحات عمل منظمات المجتمع المدني من خلال استعراضها كتهديدات مباشرة من قبل الوزراء والسياسيين، وإضفاء الطابع غير الشرعي على المنظمات غير الحكومية و"شيطنة" عملها، واستهداف موارد تمويلها بشكل مباشر من خلال القوانين التي تصنفها كمؤسسات "عميلة تخدم أجندات خارجية"، والعمل على وضع قوائم سوداء لجمعيات محددة بهدف الضغط المباشر على مصادر التمويل (مع استثناء المنظمات اليمينية والاستيطانية)، وصولا لإغلاق بعض هذه المؤسسات وحظرها.

كما يستعرض التقرير الملاحقات والتهديدات التي يتعرض لها الناشطين، واستهداف أنشطة المرافعة الدولية وخاصة تلك التي تدعم حركة المقاطعة BDS، وتفعيل الآليات الدولية لملاحقة مجرمي الحرب من السياسيين وضباط الجيش.

ويأتي التقرير بنماذج من هذه التهديدات للأفراد والمنظمات الحقوقية وصولا لانتهاج السلطة الإسرائيلية سياسة الاعتقال الإداري، والتلويح بقانون "منع الإرهاب" الذي تم إقراره العام الماضي لإضفاء الشرعية على أنظمة الطوارئ وتوسيعها، إضافة لحملة التحريض ضد المؤسسات الفنية والثقافية ومحاولة منعها من الحصول على حقها في التمويل الرسمي لإسكات وتضييق حرية التعبير الفني والثقافي.

وخصص التقرير حيزا لاستعراض الخطوات العملية لفرض جو من عدم الشرعية على التمثيل السياسي وتنظيم الأحزاب، من خلال حملات التحريض المباشرة وتشويه دور النواب العرب في الكنيست وشيطنة أعمالهم "باعتبارهم عملاء"، "يخدمون أجندات منظمات إرهابية"، وصولا للتحريض على قتلهم أو نفيهم، بالإضافة لفرض قيود فعلية من خلال قوانين مختلفة أبرزها قانون "العزل السياسي" الذي يهدف لإسكات الرأي المعارض للغالبية، علاوة على إبعادهم بشكل فعلي عن جلسات الكنيست والدعوة لتعليق عضويتهم ومنعهم من تأدية وظيفتهم بحجج مختلفة.

وفي ختام المؤتمر الصحافي، استعرض زيدان، التوصيات التي حملها التقرير، والتي وجهت للحكومة الإسرائيلية والحكومات الأجنبية والاتحاد الأوربي بمؤسساته المختلفة والمنظمات غير الحكومية الدولية ومؤسسات الأمم المتحدة ووكالاتها والمجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني المحلية.

وكشف زيدان أن "هذا التقرير الشامل يشكل وسيلة وأداة سيتم استعمالها في برنامج للمرافعة المحلية والدولية، علما بأن جوانب من هذا التقرير قد تم عرضها بأوراق، وقدمت لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وبعض السفارات الأجنبية في البلاد، إضافة لوجود برنامج متكامل من الاتصالات الجارية لتطوير وتعزيز نشاطات المرافعة بمختلف المستويات المحلية والدولية".

وبعد استعراض التقرير قدمت، ريم عامر، من منظمة ائتلاف النساء من أجل السلام، بعض الإرشادات والتدريبات للصحافيين المشاركين حول طريقة التعامل مع تضييق مساحة الحريات الأساسية، وخاصة التعبير والتنظيم، إضافة لملاحقة منظمات المجتمع المدني، وأفضل الطرق لتغطيتها والتعامل معها في وسائل الإعلام، خاصة في القضايا التي تتعلق بالتغطية الإعلامية لحالات الاعتداء على ناشطات وفاعلات في مجال العمل الأهلي، إضافة لتقديم إرشادات في مجال الأمان والأمن المعلوماتي للصحافة.

وقالت عامر، في تصريح لـ"عرب 48"، إن "الوجود النسائي في العمل السياسي أو في العمل التعبيري قليل جدا، وذلك يرجع إلى عدة أسباب أهمها كما تشير الاحصائيات أن 50%، من النساء يهبن الملاحقات السياسية لهن الذي عادة ما يتعرضن له بع النشاط أو الاحتجاج، فيما تخاف 50% من الناشطين أن يخسرن مكان عملهن".

 

التعليقات