"قانون الإعدام"... بين القانوني والسياسي والحقوقي

وفي هذا السياق استطلع موقع "عرب 48" رأي الناشطة في حقوق الإنسان، المحامية عبير بكر، ومدير مؤسسة 'ميزان' لحقوق الإنسان، المحامي عمر خمايسي.

توضيحية (pixabay)

صادقت الكنيست بالقراءة التمهيدية، مساء أمس، الأربعاء، على مشروع قانون يقضي بفرض عقوبة الإعدام على فلسطينيين أدينوا بتنفيذ عمليات، في أغلبية متواضعة تمثلت بتأييد 52 عضو كنيست، فيما عارضه 49 عضوا آخرين.

ويتيح القانون الإسرائيلي فرض عقوبة الإعدام في هيئة المحاكم المدنية والعسكرية على حد سواء، إلا أن صدور مثل هذه الأحكام اقتصر على نازيين في خمسينيات القرن الماضي، وفي حالات أخرى نادرة قُضي، خلالها، بتطبيق عقوبة الإعدام على منفذي عمليات فلسطينيين إلا أنه تم تخفيفها لاحقًا بأحكام سجن مطولة، إما عن طريق استئناف في مسار قضائي طبيعي أو بعفو من رئيس هيئة الأركان الإسرائيلية (في ملفات نظرت فيها محاكم عسكرية).

ويأتي طرح هذا القانون في ظل ارتفاع ملحوظ في وتيرة التصريحات التحريضية الصادرة عن قادة سياسيين في إسرائيل، شهدنا على إثرها حالات إعدام ميدانية نفذها جنود إسرائيليون بحق فلسطينيين، لعل أبرزها (في التغطية الإعلامية) حالة الشهيد عبد الفتاح الشريف، الذي أعدم ميدانيًا في مدينة الخليل على يد الجندي إليئور أزاريا، الذي حظي بدعم هائل من وزراء وأعضاء في الائتلاف الحكومي بقيادة حزب الليكود، أطاح بوزير الأمن السابق، موشي يعالون.

وقدم مشروع القانون عضو الكنيست روبرت إليطوف، من حزب "يسرائيل بيتينو". وقال رئيس هذا الحزب ووزير الأمن، أفيغدور ليبرمان، إن القانون "يهدف للردع"، رغم الشواهد الكثيرة الحاضرة، التي تؤكد على ازدواجية التناول القضائي الإسرائيلي في ما يُزعم أنه "ردع"، منها على سبيل المثال رفض المحكمة الإسرائيلية العليا هدم منزلي الشابين اليهوديين اللذين أدينا بقتل الشهيد محمد أبو خضير من مخيم شعفاط بالقدس المحتلة، رغم عشرات عمليات الهدم التي نفذها الجيش ضد منفذي العمليات من الفلسطينيين.

وفي هذا السياق استطلع موقع "عرب 48" رأي الناشطة في حقوق الإنسان، المحامية عبير بكر، ومدير مؤسسة 'ميزان' لحقوق الإنسان، المحامي عمر خمايسي.

ما الجديد الذي يقدمه مشروع القانون الذي صودق عليه اليوم في قراءة تمهيدية، علمًا بأن القانون الإسرائيلي يتيح إصدار أحكام بالإعدام؟

خمايسي: كان القانون يقتضي أن تجمع هيئة المحكمة المؤلفة من ثلاثة قضاة لإصدار حكم إعدام، أي إذا رفض قاضٍ واحد منهم الحكم بالإعدام فلا يتم عمليًا إصدار الحكم، فيما يتيح التعديل الجديد إصدار أحكام تقضي بإعدام منفذي العمليات من الفلسطينيين دون الحاجة لإجماع من قضاة المحكمة وبأغلبية قاضيين فقط من أساس ثلاثة.

هذا ينطبق على المحاكم العسكرية والمحاكم المدنية كذلك، حيث شملها القانون.

هل مشروع القانون موجه بشكل مباشر للفلسطينيين؟

عمر خمايسي

خمايسي: لا تستطيع الهيئات البرلمانية القول صراحة إن القانون موجه بحق الفلسطينيين، لكن طالما نتحدث عن المحاكم العسكرية فبالتأكيد هو كذلك.

وفي ما يتعلق بالمحاكم المدنية، قانون معني بـ"الإرهاب" من المفترض أن يتم تطبيقه على الجميع، لكن في مثل هذه الملفات، العبرة تكمن بالتطبيق وكيفية التطبيق، أي أن الأمر غير ملزم للقاضي، لكن الأمر يعود له في النهاية. نحن لا نتخيل أن يصدر قضاة حكمًا بالإعدام على يهودي أدين بعمل إرهابي.

المحكمة العليا ميزت في السابق بقضية هدم المنازل كعقاب جماعي بزعم "الردع"، وقضت بأن العمل الإرهابي اليهودي لا يتطلب "الردع" وبالتالي هدم منازلهم، بادعاء أنها حالات نادرة وغير متكررة.

هذا أخطر ما في الموضوع، المساحة الممنوحة للقضاة والنيابة العامة كبيرة، وتتيح لهم التلاعب في مثل هذه القوانين بحيث تُطبق فقط بحق الفلسطينيين.

وبناء على ما سبق، القانون موجه بشكل مباشر ضد الفلسطينيين حتى لو لم يشر نصه صراحة إلى ذلك، وهذا ما صرّح به علنًا من يقف خلف تقديم مشروع القانون.

ما مدى شرعية القانون؟ وهل من الممكن أن يتضارب مع المحكمة الإسرائيلية العليا أو مع تقديرات المستشار القضائي للحكومة؟

خمايسي: سياسيًا، هذا يعود للخارطة السياسية التي تشكل الائتلاف الحكومي الحالي. إذا ما تعطل إقرار القانون، فلن يكون ذلك بناء على اعتبارات قانونية، وإنما لدواع سياسية ولتقديرات الأجهزة الأمنية في إسرائيل، منها جهاز الأمن العام (الشاباك) على سبيل المثال، والذي قال إن القانون قد يشكل خطرًا على أمن إسرائيل لأنه سيؤدي إلى ارتفاع حاد في عمليات خطف يتعرض لها يهود على مستوى العالم.

قانونيًا، من الواضح جدا أن القانون يتناقض مع معايير الديمقراطية والحريات والمحاكمة العادلة، وإلى ذلك من حقوق مدنية يفترض أن تكون مكفولة. الدول الديمقراطية تسعى للتخلص من أحكام الإعدام وشطبها من قوانين العقوبات.

هذا يقودنا للسؤال عن أثر سن مثل هذه القوانين على صورة إسرائيل دوليًا، علمًا بأنها وحليفها الأميركي يرتكزان على وصفها بـ"واحة الديمقراطية بالشرق الأوسط" للترويج لها في المحافل الدولية؟

بكر: تغنت إسرائيل دائمًا أمام الهيئات القضائية الدولية بأنها تعطل عقوبة الإعدام، ولا تقوم بتنفيذها، وأنها تضمن للسجين حقوقه الأساسية بما تنص عليه المواثيق الدولية، ما من شأنه أن يحرجها في المستقبل، خصوصًا أن الأبحاث أكدت أن الردع لا يكون بمضاعفة حجم العقوبة، ما تدعيه إسرائيل.

إسرائيل متورطة في صفقات أسلحة مشبوهة مع عدة دول، القانون لن يؤثر على علاقتها بها على أية حال، لكن في المستقبل، وفي حال أقر القانون بالقراءات الثلاث، سيتم مساءلة إسرائيل وطلب توضيحات منها.

خمايسي: عمليًا، الدول الديمقراطية تحاول التخلص من أحكام الإعدام، وتقول إن الدول التي تمارس عقوبة الإعدام هي دول دكتاتورية؛ الآن إسرائيل تحذو حذو الدول الديكتاتورية في القرن الـ21.

هم يتغنون بأن "الديمقراطية الأكبر في العالم"، في إشارة إلى الولايات المتحدة الأميركية، تمارس عقوبة الإعدام، وتقدر عقوبات الإعدام المنفذة هناك سنويًا بنحو 30 حالة. هذا الكلام غير دقيق، فالولايات المتحدة تشهد نشاطًا مناهضًا لعقوبة الإعدام وهناك عدد غير قليل من الولايات شطبت أحكام الإعدام من قانون العقوبات الخاص بها فعلا.

لا تستطيع دولة تسعى لسن قانون يقضي بالإعدام ادعاء أنها دولة ديمقراطية، خاصة وأن القانون يستهدف فئة معينة على أساس قومي، هذه قمة الديكتاتورية، وتجسيد واضح للأبرتهايد.

أجواء تضامن مع جندي قاتل، إصدار قوانين تشرعن الاستيطان، ملاحقات سياسية يتعرض لها كافة الفلسطينيين وأخيرا المصادقة في القراءة التمهيدية على قانون الإعدام... هل سيشجع ذلك الهيئات القضائية في محاكم الاحتلال العسكرية على إصدار أحكام بعقوبة الإعدام بحق فلسطينيين في الفترة المقبلة؟

خمايسي: ما نشهده مؤخرًا، وإذا رصدنا ذلك بواسطة رسم بياني، ارتفاعًا مخيفًا في حالات الإعدام الميدانية التي ينفذها جنود الاحتلال بحق فلسطينيين، أي أن الجيش والشرطة والمستوطنين الإسرائيليين ينتهزون الفرصة لتنفيذ الإعدامات الميدانية، أو ما يسمونه بـ"تحييد" منفذي العمليات، الذي يصوّر على أنه بطولة بالرأي العام الإسرائيلي، بحجة حماية السلم العام.

لا نستبعد أن تزيد وتيرة أحكام الإعدام إذا ما تمت المصادقة على القانون، خصوصا أن من يدفع به اليوم، يقف على رأس المؤسسة الأمنية في إسرائيل، ليبرمان.

حقوقيًا كيف ينظر إلى عقوبة الإعدام؟

عبير بكر

بكر: هي جريمة قتل تنفذ على يد الدولة، قولا واحدًا. هناك الكثير من الدول تتبنى عقوبة الإعدام، حتى محكمة العدل الدولية (ICJ) تتبناها، لكنها لا تنفذها.

هناك كذلك ولايات أميركية تقضي بالإعدام ضمن قانونها للعقوبات، لكنها تتعرض للنقد المجتمعي الشديد، ويتم تأجيل التنفيذ فيها إلى عشرات السنين.

الادعاء المركزي ضد عقوبة الإعدام هو أنك لا تستطيع التأكد مطلقًا من قطعية صدق القاضي، أخلاقيًا يقال إن القاتل يقتل، لكنك لا تملك آلية تتيح لك الجزم بأن تقدير القاضي كان صحيحًا.

قانونيًا ودستوريًا، الإعدام هو "جريمة قتل" تنتزع من خلاله حق أحدهم في الحياة بحماية الدولة، وهذا لا يتم في حرب تقع تحت طائلة قانون الحرب الذي يمثل لها الحماية؛ وإنما نتحدث عن حالة تسعى الدولة من خلالها لسن قانون تنتزع من خلاله حق الناس في الحياة في الوقت الذي تمتلك فيه البديل، وهو ببساطة إنزال عقوبة عادلة.

في الحالة الفلسطينية، تعتمد النيابة إثبات التهم على الفلسطينيين بناء على الاعترافات التي تؤخذ في ظروف تحقيق صعبة وغير إنسانية وتحت التعذيب والتنكيل، بالتالي هي اعترافات باطلة، تبنى عليها محاكمات غير عادلة، هذا من الناحية القانونية.

تجدر الإشارة إلى أن دولة إسرائيل من أوائل الدول التي شرعنت القتل دون محاكمة بسياسة الاغتيالات. لذا الانحطاط الأخلاقي لدولة إسرائيل قديم والآن فقط محاولة لشرعنة قتل الفلسطيني بالمحاكمات الصورية، الانحطاط الأخلاقي هو ذاته ولكن الوسيلة مختلفة.

الاحتلال لا "يردع" بسن قانون الإعدام، عليه إنهاء الأبرتهايد وسياسة الفصل العنصري وممارسات الاحتلال، بمعالجة الأسباب يكون الردع.

هل صدر عن المحاكم الإسرائيلية أحكام بالإعدام في السابق؟

بكر: في العام 1954 ألغيت عقوبة الإعدام المرافقة لجريمة القتل، وبناء عليه ألغيت كل أحكام الإعدام التي صدرت منذ عام 1948 بتحويل الإدانة من قتل متعمد إلى قتل غير متعمد، وبالتالي تخفيف العقوبة إلى السجن المؤبد.

تم ذلك في أعقاب إعدام ضابط إسرائيلي في عام النكبة (1948) بتهمة التخابر مع دولة أجنبية، وتبين لاحقًا أن الاتهام باطل وأن المحاكمة غير عادلة.

وصدر حكم بالإعدام على فلسطيني من جنين، في أواخر التسعينيات، في أعقاب إدانته بالمشاركة في التخطيط وتنفيذ عميلات في محطة الحافلات المركزية في الخضيرة والعفولة تم إلغاؤها لاحقا، وتخفيفها إلى عقوبات بالسجن المؤبد.

وكانت هناك قضية أمام محكمة عسكرية، في العام 2003، قضى اثنان من هيئة القضاة فيها بالإعدام على منفذ عملية في رام الله، رائد الشيخ، خلال أحداث الانتفاضة الثانية، إلا أن القاضية الثالثة رفضت الإعدام، فصدر بحق الفلسطيني حكم بالسجن المطول، ولم يتم فرض أي حكم إعدام لاحقًا.

وفي 31 أيار/ مايو 1962، نفذ حكم الإعدام للمرة الأولى والأخيرة بحق النازي أدولف أيخمان تحت قانون خاص يتعلق بالنازيين والمتعاونين مع النازيين.

ما هي فرص المصادقة النهائية على القانون؟

بكر: في اعتقادي أن القانون لن يمر، فرصه شبه معدومة، هو قانون له أبعاد سياسية في ظل موجة قضايا وشبهات الفساد التي تلاحق أعضاء الائتلاف الحكومي ابتداء مع رئيسه السابق، دافيد بيتان وصولا إلى رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو.

الحكومة تبحث عن شيء متطرف يصرف انتباه الناس عن فضائح الحكومة، خصوصا وأن التحقيقات تبيّن تورط بيتان في الفساد.

تحاول الحكومة في موجة القوانين اليمينية الشعبوية التي تطرحها استجداء تعاطف جمهور المستوطنين والمعسكر اليميني، الإسرائيليون لا يحاسبون حكامهم، وحكومتهم تنهك الناس بأمور وقضايا لن تنفذ ولن تمر.

اقرأ/ي أيضًا | الشاباك: قانون إعدام فلسطينيين سيؤدي لموجة اختطاف يهود بالعالم

لماذا يطرح مثل القانون في هذا التوقيت بالذات؟ في حين كانت حجم العمليات الفلسطينية في سنوات سابقة أكبر بكثير، وقتل على إثرها العشرات، لكن هذا القانون لم يخطر لهم على بال، هذا يؤكد الأبعاد السياسية للقانون والاستنزاف البرلماني الذي يمارسه الائتلاف الحكومي بقيادة الليكود.

 

التعليقات