70 عاما على النكبة: سقوط محراك الشر (7)

يحيي الكيان الصهيوني، كل عام، ذكرى سقوط جنوده في "حروب إسرائيل"، في اليوم الذي يسبق احتفالهم بما يسمى "عيد استقلال إسرائيل". هذا الاختيار جاء تخليدا لذكرى من سقطوا في معارك طاحنة، استمرت بشكل متقطع، لعدة أشهر مع الفلسطينيين

70 عاما على النكبة: سقوط محراك الشر (7)

من الأرشيف (أ ف ب)

قصة معارك طاحنة - سقوط مستعمرات "غوش عتسيون" ١٩٤٨

يحيي الكيان الصهيوني، كل عام، ذكرى سقوط جنوده في "حروب إسرائيل"، في اليوم الذي يسبق احتفالهم بما يسمى "عيد استقلال إسرائيل". هذا الاختيار جاء تخليدا لذكرى من سقطوا في معارك طاحنة، استمرت بشكل متقطع، لعدة أشهر بين المجاهدين العرب الفلسطينيين والذين حظوا بدعم من الجيش الأردني في المعركة الأخيرة الحاسمة من جهة، وبين عصابات "الهاغاناه" من جهة أخرى. وقد دارت هذه المعارك جميعها في المنطقة الواقعة بين الخليل والقدس، حيث تقع مستعمرة "كفار عتسيون" وأخواتها.

وبسبب كثرة القتلى والجرحى وكذلك الأسرى من المقاتلين الصهاينة، والهزيمة النكراء التي لحقت بهم، في هذه المعركة الحاسمة، وحيث أن هذا حدث قبل يوم من إعلان قيام دولة اسرائيل عام 1948، كان القرار أن يصبح هذا اليوم مناسبة يعلن فيها بنو صهيون عن امتنانهم لجنودهم الذين سقطوا في المعارك المختلفة، وأولها هذه المعارك، عند دفاعهم -أي الصهاينة- عن ما يسمى "كفار عتسيون" والتي اعتاد العرب على تسميتها "كفر عصيون"، وكذلك ثلاث مستعمرات كانت تجاورها.

هذه العجالة تأتيكم بسرد وقائع هذه المعارك التي كان أولها في شهر كانون الأول/ ديسمبر 1947، وآخرها في الرابع عشر من أيار/مايو 1948.

كفر عصيون والمستعمرات المجاورة أو ما يسميه الصهاينة "غوش عتسيون"، وهو مجموعة مستعمرات في الضفة الغربية، تقع جنوب القدس بين بيت لحم والخليل. قبل حرب 48 كانت المجموعة تضم أربع مستوطنات فقط، سنأتي على ذكرها هنا، أما اليوم فيعيش فيها أكثر من سبعين ألفا، وتسيطر على 10% من أراضي الضفة أي ما يعادل ستمائة ألف دونم.

المستوطنات الأربع التي كانت قائمة قبل النكبة، دمرت بالكامل بعد تحرير أراضيها خلال الحرب، وهذه المستوطنات هي عبارة عن "كيبوتسات" (أي تجمعات تشاركية أو تعاونية وليس اشتراكية وهي نوع من المستعمرات التي أسسها الصهاينة من أوروبا الشرقية، يتشارك فيها السكان بالموارد والأرباح).

التجربة الاولى للاستيطان في المنطقة كانت عام 1927، حيث أقيمت المستوطنة المسماة "مچدال عيدر"، ولكن سكانها هربوا بعد نشوب ثورة البراق عام 1929. أيضا عام 1932 حاول الصهاينة مرة أخرى الاستيطان في المنطقة، ولكنهم تَرَكُوا المكان مرة أخرى بسبب ثورة 1936. في المرة الثانية كانت التجربة عن طريق شركة تسمى بالعبرية "إل ههار" أي "إلى الجبل" وكان صاحبها اسمه "شموئيل تسڤي هولتسمان"، وسمى نفسه فيما بعد "عتسيون" ولذلك سُميت المنطقة على اسمه.

أما هذا المستعمرات فكانت أسماؤها كالآتي:

"كفار عتسيون" وسماها العرب "كفر عصيون"، عدد سكانها كان 100 نسمة، أقيمت عام 1943، وكانت موجودة على تل سماه العرب "ظهر الكدس"، وكانت أراضيها ملكا لرجل اسمه جورج حلبي وباعها لرجل ألماني وقام هذا ببيعها إلى الصهيوني "يعكوڤ روزنبلوم". أراضي كفر عصيون كانت تتبع لبيت أمر وصوريف والجبعة ونحالين.

"مُشوؤت يتسحاك" أقيمت عام 1945 وعدد سكانها كان حوالي 90 نسمة.

"عين تسوريم" أقيمت عام 1946، وعدد سكانها كان 55 شخصا، أراضيها كانت تابعة لأرطاس ونحالين وقد اشتراها من أصحابها رجل من بيت لحم وهذا قام ببيعها لليهود.

"رڤاديم" أقيمت عام 1947، كان عدد سكانها حوالي 80 نسمة، أراضيها تابعة لقرية سكاريا، وقد اشترى أراضيها شخص من بيت لحم، وباعها لليهود.

عدد المقاتلين اليهود في القرى الأربعة عند حصول المعركة الفاصلة كان أكثر من 500 مقاتل، مجهزين بكل الأسلحة المتطورة والمدافع الرشاشة، من أجل اعتراض القوافل المارة بين القدس والخليل، ولمنع المقاتلين من الوصول للدفاع عن القدس، وهذا كان السبب في الأهمية الإستراتيجية لهذه المستعمرات من وجهة النظر الصهيونية، والتخلص منها كان لا بدّ منه من وجهة النظر الفلسطينية.

المناوشات الأولى: كانون الأول/ديسمبر 1947

بتاريخ الثامن من كانون الأول/ ديسمبر 1947، تعرضت سيارة تنقل المؤن والسلاح إلى كفر عصيون للهجوم، عندما كانت في طريقها إلى القدس، لذلك قام المستوطنون بإرسال وحدات قتالية من "البلماح" إلى كفر عصيون، بالإضافة إلى قوات مشاة ومدرعات ومستطلعين.

ردا على ذلك، قام العرب بحصار المستعمرات الأربعة لمنع وصول إمدادات أخرى إليها، ولكن هذا لم يردع المستوطنين الذين أرسلوا في الحادي عشر من نفس الشهر، قافلة محملة بالعتاد إلى كفر عصيون فقام العرب باعتراضها عند بيت لحم، مما أدى إلى قتل عشرة من أصل ستة وعشرين كانوا مع القافلة.

هذه المناوشات كانت بداية المعارك التي نشبت بين الحين والآخر حتى قلع العرب الشوكة، وارتاحوا من وجعها.

معركة بمشاركة الآلاف، كانون الثاني/ يناير

في الثالث عشر من كانون الثاني/ يناير مرت سيارة القنصل العراقي في فلسطين، في الطريق بين القدس وبيت لحم، وكان يهود كفر عصيون متربصين لها، وأطلقوا النار عليها مما أدى إلى إصابة السائق وسيدتين كانتا في السيارة، ولكن السائق استطاع الهروب إلى القدس دون أن يصاب أشخاص آخرون بجراح.

انتشر خبر هذا الهجوم كالنار في الهشيم في منطقة الخليل وذلك في اليوم التالي، مما أدى إلى استنفار كبير بين المناضلين، فهبوا بالمئات للهجوم على كفر عصيون، بل يقال إن عددهم فاق الثلاثة آلاف مقاتل، من جبال الخليل والقدس وبدو النقب، وكانوا يتقاطرون إلى المعركة بالباصات وسيارات الأجرة والشحن وكذلك على الجمال، وكانوا متسلحين بالبنادق العادية فقط. ورغم شدة الهجوم إلا أنه امتاز بالعشوائية وعدم الانتظام، بسبب عدم وجود قائد أو قيادة، وعدم وجود هدف معين، مما أدى إلى وقوع الكثير من الشهداء، حتى تجاوز عددهم العشرات (اليهود يدعون أن العدد وصل إلى المئات). رغم ذلك استمرت المعركة لمدة ساعات طويلة، وعند العصر وعندما كان العرب على وشك الدخول إلى كفر عصيون، طلب اليهود النجدة من الجيش الإنجليزي، فقدمت إلى الأجواء طائرة حربية وطارت على ارتفاع منخفض، فأخافت المهاجمين الذين قرروا الانسحاب، ثم عادوا للهجوم بقوة، واستطاعوا السيطرة على كفر عصيون ومستعمرة أخرى، ولكن تدخل القوات الإنجليزية حال دون حسم العرب للمعركة، بل إن الضباط الإنجليز توسطوا من أجل وقف الهجوم، وهذا ما كان.

معركة قرية صوريف، كانون الثاني/يناير

بعد المعركة الكبيرة، والتي خسر العرب فيها الكثير من الشهداء، وربحوا الكثير من الأسلحة التي اغتنموها، بعد هذه المعركة بثلاثة أيام، أرسلت "الهاغاناه" إلى كفر عصيون، إمدادات تتكون من أسلحة كثيرة وحوالي مئتي جندي، على أن ينقسم الجنود إلى أربعة أقسام، ويتسربوا عبر الجبال متجنبيْن القرى العربية، إلى مستعمرة كفر عصيون، ومن هناك يعمدون إلى شن هجمات على القرى العربية القريبة للانتقام مما كان قبل أيام.

إحدى هذه المجموعات والتي كان هدفها مهاجمة قرية صوريف، انكشف أمرها قبل أن تصل القرية. وتقول إحدى الروايات إن انكشاف أمرهم تم على أيدي مجموعة نسوة من قرية خاراس، وكن قد خرجن باكرا للاحتطاب، أما الرواية الأخرى فتقول إن حارثا من صوريف، اكتشف أمرهم، وذهب ليبلغ حرس القرية الوطني، كما فعلت النساء، حسب الرواية الأخرى.

قام المجاهدون العرب الأوائل الذين قدموا للدفاع عن القرية، باستدراج قوة "الهاغاناه" إلى موقع يدعى "وادي الصرّ"، يبعد خمسة كيلومترات عن قرية صوريف، وتحيط به قرى خاراس والجبعة وعلار وبيت نتيف، وسرعان ما باشر الطرفان في إطلاق النار بشدة، وكان العرب كثيرين، واشتبكوا مع جنود "الهاغاناه" في معركة حامية الوطيس، استعملت فيها الرشاشات والأسلحة الأوتوماتيكية والقنابل اليدوية، وتقابل الطرفان وجها لوجه مما اضطرهم إلى استعمال السلاح الأبيض.

استمرت المعركة حتى الخامسة مساء، ويقال إن العرب أفنوا الجنود عن بكرة أبيهم ما عدا واحدا، هرب إلى كفر عصيون، بينما اعترفت "الهاغاناه" بمقتل خمسة وثلاثين مجندا ومجندة ونشرت أسماءهم.

غنم العرب كل الأسلحة من بنادق ومسدسات وذخيرة، وإحدى الروايات تحكي أن العرب أسروا ستة مقاتلين يهود من كفر عصيون كانوا قد هبوا لنجدة الجنود بحيث وصل عدد المهاجمين من كفر عصيون أكثر من مئة من الصهاينة.

معركة قافلة الجنود، آذار/مارس

في 27 آذار/مارس أرسلت "الهاغاناه" قافلة كبيرة من الجنود، لتنقل المؤن إلى كفر عصيون، وكانت مؤلفة من أكثر من ستين سيارة، وعدد من المصفحات ومئتين وخمسين جنديا.

علم العرب بهذا الموضوع بعد أن كانت القافلة قد وصلت المستعمرة، ولذلك نصبوا الحواجز وكمنوا لها عند خروجها من هناك، وكان عدد العرب في البداية لا يتجاوز الخمسين، ثم تكاثروا بعد الإعلان عن "الفزعة"، ووصل عددهم إلى ألف شخص، نصفهم مقاتلون والنصف الآخر مستطلعون.

عندما وصلت القافلة إلى الكمين العربي، فاجأها المناضلون بالقنابل وإطلاق الرصاص، في معركة سافرة في وسط الشارع العام، وكان إطلاق الرصاص شديدا من قبل العرب الذين زرعوا ألغاما في وجه القافلة، مما أدى إلى تفجير السيارتين الأماميتين، فسدوا الطريق على باقي القافلة، فسقط منهم عدد كبير تجاوز الخمسة والثلاثين جنديا، ودمرت أربعة سيارات مصفحة وعدد من الشاحنات، فاضطر الجنود إلى طلب النجدة باللاسلكي، مما أدى إلى قدوم أربع طيارات، استعملت رشاشاتها ضد العرب، وألقت القنابل عليهم، كما وأحضرت الإمدادات من طعام لجنود "الهاغاناه"، وكادت أن تغير مجرى المعركة، ولكن كثافة الرصاص عليها من قبل المقاتلين العرب دفع بهم إلى الانسحاب، وذلك جعل جنود "الهاغاناه" يفرون بعد أن تَرَكُوا سياراتهم وشاحناتهم والتجأوا إلى منزل خال على طريق بيت لحم، فقام العرب بمحاصرتهم وصليهم برصاص بنادقهم.

استمرت المعركة مدة النهار والليل كله، وحتى جنود بريطانيا لم يستطيعوا أن يرفعوا عن الجنود الحصار، وذلك أن العرب وضعوا لافتات على الشارع العام تشير إلى وجود ألغام، وقام البعض الآخر بإغلاق الطريق على سكان كفر عصيون، ومنعهم من نجدة المحاصرين.

في ساعة متأخرة من الليل، طلب ضابط بريطاني كبير أن يجتمع بقائد المناضلين من أجل التفاوض معه بشأن اليهود المحاصرين، وتوجه إلى اللجنة العربية العليا فلبت طلبه ممثلة بكامل عريقات مساعد القائد العام لمنظمة الشباب في لواء القدس.

وافقت اللجنة العربية العليا وقيادة المناضلين على استسلام الجنود اليهود، بشرط أن يسلموا كل أسلحتهم وعتادهم للمناضلين. وهذا ما كان وتم تسليم كافة الأسلحة للعرب ومنها 45 سيارة كبيرة و8 مصفحات صالحة وحافلات، وعشرات المدافع من نوع برن وهاون وستن، وأكثر من مئة بندقية وكمية كبيرة من الذخائر تضاهي الطن ونصف الطن. وقام الجنود البريطانيون من كتيبة "سافولك" بنقل اليهود الذين ظلوا على قيد الحياة إلى القدس وكان عددهم 149، منهم 24 جريحا، أما العرب فلم يتكبدوا الكثير من الخسائر في هذه المعركة.

صدامات مع الجيش الأردني، نيسان/أبريل

في الثاني عشر من نيسان/أبريل، وعند مرور سيارتين من الجيش الأردني على طريق الخليل القدس بقرب كفر عصيون، شاهد الجنود يهودا يزرعون الألغام على الطريق الرئيسي، فما كان منهم الا أن نزلوا من سيارتهم للقبض على الصهاينة، ولكن ذلك كان كمينا نصبه سكان مستعمرة كفر عصيون، الذين أطلقوا النار على الجنود الأردنيين، فاستشهد أربعة منهم، وأصيب جنديان آخران.

على إثر هذا الكمين، قدمت قوة من الجيش الأردني وهاجمت المعتدين، واشتبكت معهم في معركة حامية الوطيس. شاركت طيارة صهيونية في المعركة، وقامت بإلقاء القنابل على أفراد الجيش، الذين أطلقوا النار عليها وقاموا بإسقاطها.

وخلال المعركة حضرت قوات من المجاهدين العرب للمشاركة بالمعركة، وبذلك أصبحت الغلبة للعرب، وسقط من "الهاغاناه" المتواجدين في كفر عصيون العشرات، وحسب الدوائر العسكرية الأردنية، وصل عددهم إلى خمسة وخمسين جنديا، واستشهد ثلاث جنود أردنيين آخرين، بالإضافة إلى الأربعة الأوائل، وبعض المقاتلين العرب.

معركة دير شعار، أيار/مايو

في السادس من أيار/مايو، قام اليهود المتمركزون في "دير شعار"، بمهاجمة قافلة للركاب كان يحرسها الجيش الأردني، بينما كانت في طريقها إلى الخليل، مما أدى إلى وقوع قتلى وجرحى من المدنيين، فقام الجنود الذين يحرسون القافلة بالرد على مصادر النيران، فاستشهد جندي أو اثنان، مما أدى بقائد المجموعة وهو الملازم ثان رستم يحيى، إلى طلب النجدة، فجاءت النجدة من القدس معها تسع مدرعات وعدد من مقاتلي الخليل، فدارت معركة حامية استعملت فيها المدافع الرشاشة والأسلحة الخفيفة. قدوم النجدة جعل القافلة تنجح بإكمال طريقها، بعد أن توقف اليهود عن إطلاق النار بسبب كثرة المقاتلين العرب.

في اليوم التالي، تقدمت قوة من الجيش الأردني مكونة من بضعة عشرات، ومعها تسع مدرعات ومدافع مورتر، من أجل تحرير دير شعار من قوات "الهاغاناه"، وبذلك لا يتمكنوا من قطع الطريق مرة أخرى على القوافل المارة من المنطقة. سرعان ما قدم عدة مئات من الخليل والقرى المجاورة، لمساعدة الجيش الأردني في معركته.

ابتدات المعركة باكرا في الساعة السادسة إلا ربعا، بواسطة قصف شديد من المدرعات العربية على مقاتلي الدير، وبعد أربع ساعات تقريبا زحف العرب إلى الدير، ولكنهم لم يجدوا اليهود الذين كانوا قد انسحبوا إلى داخل كفر عصيون، من خلال خندق كانوا قد حفروه سابقا، وهو يربط بين المستعمرة والدير. وسقط في هذه المعركة حوالي عشرين شهيدا ومثلهم من اليهود.

وبدل أن يستمر العرب إلى كفر عصيون ويهاجموها، قرر قائدهم أن ينسحب هو وجنده من الدير على أن يبقي عدة عشرات من المقاتلين العرب، وذلك لأن الجيش الأردني كان ما زال يخضع لبريطانيا ولَم يرد ضباطه أن يحاربوا اليهود، لأن قيادتهم لا ترغب في ذلك.

في نفس الليلة وبسبب قلة المقاتلين في الدير، عاد اليهود فهاجموه ليلا واحتلوه مجددا، وعادوا إلى ما كانوا عليه من قصف القوافل المارة من الطريق العام، وكان هذا السبب بأن يقرر الجيش الأردني مهاجمة الدير مجددا، وإصدار قرار بوجوب إنهاء الوجود الصهيوني في المنطقة نهائيا واحتلال كفر عصيون والمستعمرات المجاورة.

المعركة الفاصلة وسقوط المستوطنات

فهم الجيش الأردني أن من مصلحته إنهاء وجود كفر عصيون ومستوطناتها وإلا استمر التعرض للقوافل المارة من هناك، وحتى قوافل الإمدادات التي ستصل إليه، ولذلك كان القرار حازما، يجب إنهاء وجود وكر الاٍرهاب في المنطقة.

ابتدأ الهجوم صباحا من يوم 12 أيار/ مايو في تمام الساعة الخامسة صباحا، وكان القصف الشديد يستهدف دير شعّار، وما أن جاءت ساعة الظهيرة حتى كانت القوات العربية تخترق خطوط الدفاع الصهيونية، وصار المشاة يزحفون إلى داخل الدير، مما اضطر قائد جيش "الهاغاناه" في المنطقة، موش زيلبريشميت، وقائد القوات المتواجدة في الدير، تسڤي بن يوسف، إلى أمر جنودهم بالانسحاب إلى داخل كفر عصيون، ولكن ذلك لم يمنع الجيش الأردني من إطلاق النار على المنسحبين، وقتل الضابطين وأربعة وعشرين جنديا، وفقط ثمانية جنود استطاعوا الهرب.

كان العرب يقودهم الملازم محمد المفلح مع ثلاثين جنديا، وقسيم محمد مع ثلاثين آخرين، وحكمت مهيار مع ثلاثين جنديا أيضا، وانضم ما يقارب الخمسمائة مقاتل عربي من المنطقة لنصرة الجنود في تطهير المنطقة، وكان يقود المناضلين عبد الحليم الجولاني، وكان معهم محمد علي الجعبري رئيس بلدية الخليل. كان بحوزة العرب تسع مدرعات وثلاثة مدافع مورتر وبعض المدافع الرشاشة.

بعد احتلال الدير تقدم العرب نحو خربة سوير، ولَم يستطع المدافعون الصمود أمام المدرعات، فاحتل المناضلون تلة الشجرة المطلة على كفر عصيون، ومن هناك صاروا يطلقون عليها النار، وسرعان ما سيطروا على كل نقاط الحراسة والدفاع عن المستوطنة، وقصفوا بيوتها حتى دمروا أغلبها، ولكن الجيش الأردني قرر أن يوقف الهجمات مع اقتراب المساء.

القوات الصهيونية الموجودة في المستعمرة طلبت من القيادة أن تصل إلى اتفاق وقف نار فوري، أو تعطيهم الإذن بالاستسلام، لأنهم لا يستطيعون الصمود، فوعدتهم القيادة بدعم جوي خلال ساعات الليل، وبالفعل جاءت طائرتان عسكريتان وأسقطت إحداهما برميلا متفجرا، والثانية أنزلت عدة مظليين للاشتراك في المعركة.

في صباح اليوم التالي، حضر القائد عبد الله التل وقام بأخذ زمام الأمور، وأصدر الأوامر بقصف المستوطنة واحتلالها. ابتدأ القصف عند الساعة التاسعة إلا ربعا، وحتى قبل الظهر، لم يبق بيت واحد من بيوت كفر عصيون، وتقدم المشاة في الساعة الثانية عشر إلا ربعا، بقيادة الملازم أول نواف جبر، في البداية هجم متقدما مع أربعة من جنوده فقط، حتى وصلوا إلى الأسلاك الشائكة فقطعوها، ودخلوا عبر الثغرة التي فتحوها، وهجم وراءهم باقي الجنود والمناضلين.

بعد ذلك بساعة ونصف فقط، رفع المدافعون العلم الأبيض، دلالة على الاستسلام، ولكنها كانت خديعة فقد قاموا بتفجير لغم بالمدرعة الأولى التي دخلت المستعمرة، وأطلقوا النار على الجنود الذين اقتربوا إلى الداخل، فأمر عبد الله التل بتجديد إطلاق النار، وتقدم الجند والمناضلون إلى المكان الذي تخندق فيه اليهود، وقاموا بنسفه خوفا من الغدر مرة أخرى، فقتل الكثير من المدافعين، وبسبب هذه الحادثة يدعي الصهاينة أن المناضلين قاموا بقتل المستسلمين من اليهود، وهذا ما نفاه كل من شارك في المعركة.

نهاية الحكاية

بعد استسلام المدافعين عن كفر عصيون، تقرر أن يكون عبد القادر الحسيني ممثلا للعرب في مفاوضات الاستسلام، ودارت المفاوضات في دار القنصلية الفرنسية وبواسطة القنصل الفرنسي المسيو نوفل، وكان الاتفاق أن يجري التسليم عند الساعة السابعة على أن يتوقف إطلاق النار نهائيا عند الساعة الرابعة، وهذا ما تم فعلا، وحضر ممثل اليهود عند ساعة التسليم، وابتدأ بالمفاوضات مجددا على شروط الاستسلام، ولكن العرب رفضوا ذلك، فقام اليهود بإطلاق النار من مدافع رشاشة فقتلوا اثني عشر عربيا وجرحوا العشرات، مما أدى بالمناضلين إلى الهجوم بكل قوة على مستعمرة كفر عصيون وتدميرها بالكامل، وقتل الكثير من المتواجدين فيها، فاستسلم اليهود مرة أخرى، في تمام الساعة الثانية والنصف ظهرا، وبعد ذلك قاموا بالهجوم على المستعمرات الثلاث الأخرى واحتلالها.

قتل في هذه المعارك ما لا يقل عن 250 صهيونيا، وتم أسر 360، أُخذوا إلى شرق الاْردن كأسرى حرب وأطلق سراحهم مع نهاية الحرب.

أما العرب فاستشهد منهم 40 مناضلا و14 جنديا من الجيش الأردني.

 

التعليقات