حريش: بلدة استيطانية تحاصر بلدات عربية

صادقت لجنة التنظيم والبناء الخاصة بالبلدة الاستيطانية، حريش، على توسيعها بنحو 13 ألف دونم إضافي لتصل مساحتها الإجمالية إلى 23 ألف دونم بهدف توطين 264 ألف إسرائيلي بحلول عام 2040. ويأتي هذا المخطط على حساب توسيع مسطحات النفوذ والبناء للبلدات العربية

حريش: بلدة استيطانية تحاصر بلدات عربية

البلدة الاستيطانية حريش (تصوير "عرب 48")

صادقت لجنة التنظيم والبناء الخاصة بالبلدة الاستيطانية، حريش، على توسيعها بنحو 13 ألف دونم إضافي لتصل مساحتها الإجمالية إلى 23 ألف دونم بهدف توطين 264 ألف إسرائيلي بحلول عام 2040. ويأتي هذا المخطط على حساب توسيع مسطحات النفوذ والبناء للبلدات العربية في منطقة المثلث الشمالي ووادي عارة.

وتمتد حريش التي أسست نواتها الأولى في مطلع تسعينيات القرن الماضي ضمن مخطط "النجوم السبع" الذي بادر إليه رئيس الحكومة الإسرائيليّة الأسبق، أريئيل شارون، كمدينة لجنود الاحتياط والمسرحين، على طول حدود الرابع من حزيران بتخوم باقة الغربية في الشمال مرورا بقرى ميسر، أم القطف، دار الحنون، برطعة، عين السهلة عرعرة، عارة، ومشارف كفر قرع، لتصل حتى مدينة أم الفحم وقراها.

حريش تحد من توسع مدينة باقة الغربية باتجاه الشمال

توسعة وحصار

ويستدل من ملف مخطط الخارطة الهيكلية المقترحة لبلدة حريش والتوسعة التي أعدها طاقم من المهندسين والمخططين وتتولى إدارته مخططة المدن، المهندسة رونيت دويدوفيتش، تخصيص الأراضي للتوسعة من أراض بملكية خاصة لمواطنين عرب ومسطحات غابات وأحراش ومناطق خضراء التي هي بالأساس أراض للمهجرين تم وضع اليد عليها في مطلع خمسينيات القرن الماضي.

أم القطف صودر منها مئات الدونمات لإقامة حريش

ويهمش المخطط الذي أطلع عليه "عرب 48"، ويقترح بناء 51 ألف وحدة سكنية في حريش، احتياجات البلدات العربية للتوسع وتوسيع مناطق نفوذها على حساب الغابات والأحراش المحاذية لها، وهي المسطحات التي بقيت الإمكانية الوحيدة لتوسعها مستقبلا.

ولم يأخذ المخطط بالحسبان إمكانية توزيع الأراضي على البلدات العربية التي بحاجة إلى آلاف الدونمات بهدف سد النقص في مناطق النفوذ، لبناء آلاف الوحدات السكنية للأزواج الشابة في منطقة المثلث الشمالي.

قطع وتواصل

يأتي إقرار توسعة حريش استمرارا للقرار الحكومي بتحويلها إلى مدينة مركزية في منطقة المثلث الشمالي وبالقرب من الخط الأخضر لتنضم إلى البلدات الاستيطانية "كتسير"، و"متسبيه إيلان" و"ميعامي"، ومعسكر "حرس الحدود"، و"ناحل عيرون"، وكسارة "فيرد" التي سيتم تشغيلها حتى العام 2048، بغرض تزويد مشاريع البناء والتوسعة في البلدة ومشاريع البنى التحتية على أن يتم ضم نفوذ الكسارة بعد الانتهاء من تشغيلها إلى مسطح نفوذ حريش.

تخصيص آلاف الدونمات من الغابات والأحراش وأراضي المهجرين لتوسعة حريش

وتفرض توسعة حريش حصارا على البلدات العربية في المنطقة وتطوقها وتمنع أي تواصل جغرافي فيما بينها، فيما ستتحول قرى أم القطف وبرطعة ودار الحنون إلى إحياء سكنية داخل مخطط حريش الذي يهدف لخلق تواصل جغرافي بين البلدات الاستيطانية في المنطقة، سواء عبر بناء الوحدات السكنية، والمشاريع التجارية والصناعية وشبكة الطرقات والبنى التحتية المشتركة، وذلك على حساب البلدات العربية في وادي عارة التي يبلغ عدد سكانها 160 ألف مواطن عربي.

وفي ظل هذه التطورات والمستجدات، تقدم النائب د. يوسف جبارين باستجواب إلى وزير الداخلية، أرييه درعي، حذر فيه من استمرار المساعي الرسمية لتوسيع حريش على حساب البلدات العربية والمواطنين العرب في المنطقة.

كما شرع رئيس مجلس عرعرة- عارة، المحامي مضر يونس، الذي ترأس حديثا اللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية العربية، بإجراء مشاورات مع رؤساء السلطات المحلية العربية في المنطقة ونواب القائمة المشتركة ولجنة المتابعة والفعاليات الجماهيرية والشعبية، وذلك بغرض التداول في السبل للتصدي لتوسعة حريش عبر تقديم اعتراضات على المخطط، وطرح المخططات والبدائل لتوسيع نفوذ ومسطحات البلدات العربية.

الشروع بالمرحلة الثانية من مخطط حريش قرب الخط الأخضر ببناء 15 ألف وحدة سكنية

توازن وتهميش

وقال رئيس اللجنة القُطرية ورئيس مجلس عرعرة- عارة، المحامي مضر يونس، لـ"عرب 48" إن "مخطط توسعة حريش الذي يهدف لخلق توازن ديموغرافي لصالح اليهود في المنطقة، يمس باحتياجات البلدات العربية ويحد من توسعها ويحرمها من مناطق النفوذ، ليس هذا فحسب، بل يحولها إلى غيتو، فيما يفرض المخطط إعدام إمكانية تحول أم الفحم لمدينة مركزية في المثلث الشمالي، كما يحد من أي تطور تجاري واقتصادي عربي، لتتحول حريش إلى مدينة مركزية ذات مواصفات تجارية وصناعية وميزات حكومية، ما يعني تهميش الوجود العربي في المنطقة".

رئيس مجلس عرعرة عارة، المحامي مضر يونس: مخطط توسعة حريش يهدف لخلق توازن ديموغرافي لصالح اليهود

وأوضح يونس أنه "عدا التأثير على مناطق ومسطحات نفوذ البلدات العربية، فإن المخطط حتى بالمنشآت التجارية، والصناعية، والمكاتب الحكومية، ومشاريع البنى التحتية، ومشروع كسارة 'فيرد' يستثني ويحرم السلطات المحلية العربية من المدخولات وضرائب المسقوفات 'الأرنونا' التي ستحول فقط إلى حريش والبلدات اليهودية ضمن المجلس الإقليمي 'منشة.' وتوزيع الموارد المالية ومردودات الضرائب على البلدات العربية سيكون على أجندة ومطالب رؤساء السلطات المحلية العربية من وزارة الداخلية، إلى جانب الاعتراضات التي سيتم تقديمها على مخطط التوسعة".

وحذر يونس من "تداعيات إقرار توسعة حريش على مستقبل تطور البلدات العربية وحتى على المصادقة على الخرائط الهيكلية والتفصيلية"، لافتا إلى أن "تخصيص مسطحات النفوذ والامتيازات لحريش كمدينة مركزية وكبرى في المنطقة، سيحول دون تخصيص أراض من الغابات والأحراش للبلدات العربية، كما أنه سيتعارض وأي خارطة هيكلية مستقبلية قد تقدمها السلطات العربية".

حراك واعتراضات

تحولت فكرة مدينة جنود الاحتياط التي خصص لها مساحة 4 آلاف دونم في العام 1992، يقول رئيس اللجنة الشعبية للدفاع عن الأرض والمسكن في وادي عارة، أحمد ملحم، إلى مدينة لليهود الحريديين في العام 2007، وذلك بهدف قطع التواصل الجغرافي بين البلدات العربية، ومواجهة التمدد الديمغرافي للعرب، حيث تم الإعلان عن تخصيص 28 ألف دونم لهذا المشروع الاستيطاني، بيد أن الحراك الشعبي والاعتراضات من قبل اللجان الشعبية في وادي عارة، يؤكد ملحم، أجبر مؤسسات ولجان التخطيط على تخصيص 8 آلاف دونمات لحريش، وتم المصادقة عليها بموجب قرار صادر عن الحكومة الإسرائيلية في العام 2008، الذي وضع مسطحات الأراضي تحت تصرف لجنة البناء والتنظيم الخاصة بحريش، والعمل على جذب وتشجيع اليهود للسكان بها وعدم اقتصارها على الحريديين.

رئيس اللجنة الشعبية للدفاع عن الأرض والمسكن في وادي عارة، أحمد ملحم: مخطط حريش يهدف لقطع التواصل الجغرافي بين البلدات العربية، ومواجهة التمدد الديمغرافي للعرب

وقال ملحم لـ"عرب 48": "هم ليسوا بحاجة إلى المساحات الواسعة من الأراضي لتوسعة حريش، فالمقترح بضم 13 ألف دونم لحريش بهدف وضع اليد على الاحتياط من هذه الأراضي وعدم تخصيص أي من مسطحات الغابات والأحراش للبلدات العربية في المستقبل"، علما أن التوسعة ستؤدي أيضا لمصادرة مئات الدونمات بملكية خاصة لمواطنين عرب من منطقة وادي عارة.

تكاتف وتنسيق

ودعا رئيس اللجنة الشعبية للدفاع عن الأرض والمسكن في وادي عارة، السلطات المحلية العربية لتكاتف الجهود والتنسيق مع اللجان الشعبية وأصحاب الأراضي والنواب العرب لمواجهة مخطط توسعة حريش على كافة الأصعدة.

وشدد على ضرورة تصعيد النضال، سواء عبر المسار الشعبي والسياسي والقضائي، وتقديم الاعتراضات ووضع إستراتيجية تطالب بتوسيع نفوذ البلدات العربية في مناطق الأحراش والغابات، علما أنها المسطحات الوحيدة التي بقيت أمام توسع التجمعات السكنية العربية التي تعاني من اكتظاظ وكثافة سكانية عالية وبحاجة فورية إلى آلاف الوحدات السكنية.

ويعتقد ملحم، أنه "في حال تضافرت كافة الجهود وتم العمل بشكل مهني على كافة الأصعدة، فإنه يمكن تقليل الأضرار المستقبلية على البلدات العربية وتقليص توسعة حريش، وبالمقابل الاستجابة للبدائل وطلبات واحتياجات البلدات العربية".

ولفت إلى أن "حريش ورغم التشجيع للتوطين يقطنها نحو 12 ألف نسمة في 5 آلاف وحدة سكنية عرضت للبيع من أصل 13 ألف وحدة تم التخطيط لها بالمرحلة الأولى، فيما تم المصادقة على بناء 15 ألف وحدة سكنية في المرحلة الثانية، على أن تضاف من خلال التوسعة المقترحة 23 ألف من الوحدات السكنية".

مطالب وبدائل

عضو بلدية أم الفحم، المحامي توفيق جبارين: حريش ستكون المركز التجاري والاقتصادي على حساب أم الفحم وباقة الغربية

ذات الطرح يتبناه، عضو بلدية أم الفحم، المحامي توفيق جبارين، الذي يمثل العديد من أصحاب الأراضي التي صودرت لصالح إقامة وتوسعة حريش، حيث شارك إلى جانب مهندسة لجنة التنظيم والبناء، عناية بنا- جريس، في مداولات لجنة التنظيم والبناء الخاصة بحريش والتي ناقشت مخطط توسيع حريش.

وقال جبارين لـ"عرب 48" إنه "من تجارب سابقة دون وحدة الصف على كافة المستويات سيتم المصادقة النهاية على مخطط حريش 2040، وعليه، فإنه على الجميع من رؤساء سلطات محلية ونواب عرب ولجان شعبية العمل بإستراتيجية من ناحية تقديم الاعتراضات مثلما قمنا بالعام 2009، وأيضا تحضير مخططات بديلة تطالب باحتياجات التجمعات السكنية من مسطحات أراض للبناء والتجارة والصناعة والمباني العامة".

وشدد جبارين على أن "توسعة حريش ستكون لها انعكاسات سلبية والكثير من الأضرار الإستراتيجية على المدى البعيد والتي قد تحول دون توسعة البلدات العربية، خنقها وحصارها وتحويلها إلى غيتو، لتعاني الاكتظاظ والأزمة السكنية وتفقد لمقومات الحياة العصرية".

وأوضح أن "مدينة حريش ستكون هي المركز التجاري والاقتصادي على حساب أم الفحم وباقة الغربية وستقوض أي فرص لتطور تجاري واقتصادي لي بلدة عربية في المنطقة".

وأكد جبارين أن "مخطط توسعة حريش عدا عن الأضرار والمخاطر المستقبلية التي يحدثها للبلدات العربية، فإنه يتعارض مع المخططات القُطرية والإقليمية لمشاريع البنى التحتية والمواصلات وأبرزها مخطط 'تمام 6' الذي يتطرق إلى المناطق الخضراء والغابات، إذ أن توسعة حريش يأتي على حساب الغابات والأحراش التي يحظر البناء فوقها بموجب المخطط ''تمام 6'، وعليه أكد  أنه "يجب تجنيد ائتلاف البيئة وجمعيات الخُضر وجهات رسمية تعارض التوسعة إلى جانب اعتراضات السكان والبلدات العربية".

تسريع وتحريك

وبهدف تكاتف الجهود والتنسيق بين الأطراف المعنية، بادر النائب عن القائمة المشتركة، د. يوسف جبارين، وبالتعاون مع رئيس اللجنة القُطرية ورئيس مجلس محلي عرعرة- عارة باتصالات ومشاورات مع رؤساء السلطات المحلية في المنطقة والنواب العرب لبحث سبل التصدي للمخطط، قضائيا وجماهيريا وسياسيا.

النائب يوسف جبارين: مخطط حريش ترجمة عملية وميدانية لـ"قانون القومية"

وقال النائب جبارين لـ"عرب 48": "لقد استغلت لجنة حريش فترة الانتخابات وشرعت بمناقشة المخطط بهدف التسريع في المصادقة عليه، وعليه أجرينا في القائمة اتصالات وجلسات عمل مع رؤساء السلطات المحلية في وادي عارة، بغية بحث السبل للتصدي للمخطط وتحريك مطالب واحتياجات البلدات العربية".

وأضاف أنه "نتحدث عن مشروع ظالم ويتهدد التوسع العربي في وادي عارة، وفي حال إقرار مخطط التوسعة ستصبح المخاطر مضاعفة، إذ سيطرت حريش على جميع المسطحات والأراضي في المنطقة، وسيؤدي ذلك إلى ضعف وتراجع مكانة البلدات العربية لتصبح أشبه بمخيمات بدون توفر احتياط للأراضي، كما أن حريش ستتحول إلى المركز التجاري والاقتصادي ما يعني تفريغ البلدات العربية من أي مقومات النمو والتطور".

إقامة مناطق تجارية ضمن المرحلة الأولى من حريش

ويعتقد أن "مخطط حريش ترجمة عملية وميدانية لـ'قانون القومية' إذ يعزز مخطط التوسعة الاستيطان والقومية اليهودية، ويرسخ التمييز في الأرض والمسكن مع تخصيصها لليهود وحرمان العرب منها، كما يمنح الأفضلية للتطور التجاري والاقتصادي لليهود على حساب البلدات العربية"، وعليه يشدد النائب جبارين على "ضرورة تكاتف الجهود ضمن إستراتيجية نضالية بتقديم مخططات بديلة للبلدات العربية إلى جانب العمل البرلماني كأداة من أدوات التصدي لمخطط حريش".

التعليقات