النقب: مبادرات شبابية لسد الفجوات وتحسين واقع التعليم

تحديات كثيرة ومسؤوليات جسيمة تثقل كاهل المواطن العربي في النقب، على رأسها السياسات العنصرية التي تمارسها السلطات الإسرائيلية، هدم منازل ومصادرة أراض وتمييز في المعاملات وغيرها.

النقب: مبادرات شبابية لسد الفجوات وتحسين واقع التعليم

(عرب 48)

تحديات كثيرة ومسؤوليات جسيمة تثقل كاهل المواطن العربي في النقب، على رأسها السياسات العنصرية التي تمارسها السلطات الإسرائيلية، هدم منازل ومصادرة أراض وتمييز في المعاملات وغيرها.

خلال دراسة أعدها "عرب 48" حول واقع المعاناة في المجتمع العربي بالنقب، برزت قضية تسرب الطلاب من المدارس ومؤسسات التعليم إلى جانب نتائجها الكارثية.

أبحاث ومعطيات

وبحسب أبحاث ومعطيات رسمية فإن نسبة التسرب من التعليم بين العرب في النقب هو الأعلى في البلاد، ووصلت النسبة إلى 24% في العام 2016، أما نسبة تحصيل شهادات الثانوية العامة "البجروت" في النقب فهي الأقل بين العرب واليهود حيث بلغت 31% في نفس العام.

وبالإضافة إلى التسرب، تقف عوائق أخرى أمام المواطنين العرب في طريقهم للتقدم والعيش الكريم، منها الفقر الذي يطغى على المجتمع حيث أن أكثر من 60% من عرب النقب حت خط الفقر، إضافة لعدم إتقان اللغات الأخرى وخصوصا اللغة العبرية.

وتشكل اللغة العبرية عائقا جديا للعرب بالنقب في ممارسة ترتيبات الحياة والمعاملات الخدماتية والقانونية، وتستخدم سلطات الهدم والمؤسسات الإسرائيلية الضعف العام للعرب في إجادة اللغة العبرية لاستدراجهم وخصوصا أهالي القرى مسلوبة الاعتراف، في التوقيع على الصفقات المشبوهة وأوامر الإخلاء وغيرها، ما ظهر جليًا في قضية سلب الجنسية من عرب النقب والتي ظهرت في العام الماضي وسلبت فيها مواطنة الآلاف من عرب النقب بأخطاء موظفين في وزارة الداخلية، حسب ادعاء السلطات!

وتقف اللغة العبرية حاجزًا أمام المتقدمين من عرب النقب للتعليم الجامعي، وذلك بسبب اشتراط تحصيل العلامات العالية في امتحان "ياعيل" للقبول للجامعات الإسرائيلية.

مخططات ومواجهات

يواجه عرب النقب المخططات السلطوية بالصمود والتميز بالإنتاج والمبادرة لتغيير الواقع، وفي مقابل الحجم الهائل من المعيقات لتقدم المجتمع العربي في النقب تخرج من رحم المعاناة مساهمات مستمرة ومبادرات لشبان عرب، هدفها تغيير الواقع وسد الفجوات التي تصنعها السياسات الحكومية والواقع المعيشي الصعب. 

مبادرات شبابية في النقب

"بداية" في النقب

زار "عرب 48" مركز "بداية" في النقب، وهو عبارة عن مركز تطوعي تعليمي غير ربحي، يسعى لتطوير الواقع التعليمي، تعتمد آلية العمل فيه على مرافقة مباشرة من طلاب جامعات عرب لطلاب متسربين من التعليم الثانوي أو طلاب يهددهم التسرب التعليمي، بهدف الوصول إلى حالة تحفيزية للطلاب المهددين بالتسرب وتعزيز ثقتهم بأنفسهم، والاقتناع بقدراتهم على إنهاء التجربة التعليمية، والتغلب على صعوباتها.

كما يقدم مركز "بداية" للشبان المتسربين من التعليم الثانوي والمهددين بالتسرب، مرافقة شخصية، ورشات تحفيزية ودورات تعليمية تهدف لإثراء الطلاب في المواضيع الأساسية، بينها اللغة العربية، الرياضيات، اللغة الإنجليزية، اللغة العبرية، ومساعدتهم على اجتياز المحطات الأساسية في المسيرة التعليمية.

وإلى العمل مع الطلاب المهددين، يفتح مركز "بداية" أبوابه لكل من يرغب في تعزيز اللغات المتحدثة لديه وبالأساس اللغة العبرية، حسب خطط عمل تلائم الواقع الاجتماعي في النقب ورسوم اشتراك رمزية، مقارنة بمتطلبات التعليم اللامنهجي في الكليات الإسرائيلية، بشهادة المشاركين في دوراته.

وصل صوت المشاركين في دورة اللغة العبرية المتحدثة إلى خارج الغرفة، في جو تفاعلي ومرح. يمرر اللقاء التعليمي في مركز "بداية" ويشارك فيه أكثر من 20 طالبًا وطالبة، أعمارهم مختلفة من عدة قرى بالنقب.

في زاوية الغرفة، تجلس طالبة جامعية عشرينية من قرية مسلوبة الاعتراف، إلى جانب امرأة أربعينية، في تجربة لإدارة محادثة كاملة باللغة العبرية، وعند سؤالهما عن رأيهما في الدورة التعليمية، قالت إحداهما: "أشعر أخيرًا أنني أستفيد. اضطررت سابقًا لدفع مبلغ 16 ألف شيكل لكلية إسرائيلية من أجل الحصول على دورة اللغة العبرية المتحدثة، وبعد فشل الدورة رفضت الكلية إعادة نقودنا أو إعطائنا أي تعويض، والكثير من صديقاتي عانين من التعامل غير المنصف، وتم إلزامهن بدفع مبالغ كبيرة في الدورات الإسرائيلية".

رسالة اجتماعية

يحاول مركز "بداية" تقديم نموذج تعليمي لا منهجي، مستعد للتعامل بشكل مهني مع كل الحيثيات المُركِبة للواقع التعليمي الصعب في النقب.

يرى مؤسسو "بداية" العمل مع الطلاب المتسربين من التعليم والمتقدمين بالسن، تحديًا ورسالة إنسانية ومحاولة لإنقاذ أبناء المجتمع من شبح التسرب التعليمي وإمكانية رؤية نتائج ملموسة.

وقال مدير مركز "بداية"، طالب الدكتوراه في العلوم الإنسانية، وحاصل على شهادة الماجستير في الإدارة التربوية، شتيوي الددا، لـ"عرب 48" إن "الاكتفاء الذاتي هو رؤية التغيير في مسار حياة شاب قابل للتسرب من التعليم".

وأضاف أن "فكرة مركز بداية جاءت من خلال عمل مجموعة من المهتمين في السلك التعليمي ومسح الاحتياجات الميدانية لطلاب النقب. عملت في جهاز التربية والتعليم 8 سنوات، توضحت لي فيها معيقات كثيرة لمسيرة الطالب العربي تؤدي إلى التسرب من التعليم بالنتيجة الأولى، ومنها عدم رغبة مدراء المدارس والطواقم التدريسية في العمل مع الطلاب المهددين بالتسرب، بسبب تأثيرهم السلبي أحيانًا على الجو التعليمي العام، ونقص التدريب الكافي للطواقم التدريسية".
وأكد الددا أن "مركز بداية يعمل بالتنسيق مع أقسام الرفاه الاجتماعي ومراكز الشبيبة في البلدات المختلفة، والمراكز الجماهيرية، لإحصاء وفهم الخلفية الاجتماعية للطلاب المتسربين من التعليم منذ ثلاث سنوات، بهدف تحضير الأرضية والتوجيه الجزئي للطلاب في اتجاه العمل المكثف والذي انطلق مع بداية السنة التعليمية الحالية. وتعتمد آلية العمل على مرافقة مباشرة من طلاب جامعيين لطلاب ثانويات مهددين أو تسربوا من التعليم بفعل الظروف الحياتية، ويتلقى الطلاب الجامعيون منحا دراسية، قمنا بتحصيلها من الجامعات والكليات بشكل مباشر، لتخفف عنهم الأقساط التعليمية".

وتطرق مركز بداية إلى المحور الثاني في العمل و هو توفيره لدورات في امتحانات القبول للجامعات منها، "ياعيل" و"أمير" و"أميرام" وغيرها، والتجهيز لامتحانات القبول للجامعات والامتحانات الدولية في اللغة الإنجليزية مثل امتحان "توفل" وغيره، بشراكة مع معاهد عالمية وجامعات أوروبية، وهي أكثر امتحانات سارية في جامعات العالم، وتساعد الطلاب في القبول للجامعات العالمية.

وأشار الددا إلى أن "اهتمامنا بتوفير برامج مختصة بتعليم اللغات يأتي من كون اللغة الإنجليزية قد تقف عائقًا بين الطلاب العرب وبين إنهاء ألقابهم الجامعية، وبالمقابل فاللغة العبرية قد تمنع الطالب العربي في القبول للجامعة والتطور في الحياة الأكاديمية، لكون امتحانات القبول والمناهج كلها باللغة العبرية".

وختم الددا بالقول إن "مركز بداية أقيم لمحاربة النقص في التوجيه والتحضير المهني والتعليمي الذي يدفع الطلاب لتغيير المواضيع التعليمية، وبالتالي التأخر في إنهاء الألقاب الجامعية أو عدم قبولهم لتخصصات يريدونها، إلى جانب الوضع المادي الصعب، حيث يقدم المركز خدمات توفير المنح الطلابية وتوجيه الطلاب إليها أيضًا، إضافة لتعزيز ثقافة التطوع التي نعتز ونفتخر بها ونطبقها في مجتمعنا ونعلمها لأبنائنا وأجيالنا الصاعدة".

التعليقات