الهدم الذاتي... الخيار الأفضل لإسرائيل والأسوأ للعرب

تضاعف السلطات الإسرائيلية حملات هدم المنازل والمباني التابعة للعرب الفلسطينيين في منطقة النقب، جنوبي البلاد، وخصوصا في القرى مسلوبة الاعتراف.

الهدم الذاتي... الخيار الأفضل لإسرائيل والأسوأ للعرب

(توضيحية)

تضاعف السلطات الإسرائيلية حملات هدم المنازل والمباني التابعة للعرب الفلسطينيين في منطقة النقب، جنوبي البلاد، وخصوصا في القرى مسلوبة الاعتراف.

ويتسابق عدد من الوزراء وأعضاء الكنيست على نشر إحصائيات ومعطيات المنازل العربية التي جرى هدمها في النقب، معتبرين ذلك إنجازا، حيث عبّر الوزير المتطرف، أوري أريئيل، عن فخره بتنفيذ عمليات هدم 2,775 منزلا عربيا في النقب خلال العام 2018.

وفي ظل هجمة الهدم المسعورة يظهر تسخير العوامل الحياتية المختلفة، وأهمها الفقر الذي وصلت نسبته إلى أكثر من 60% في المجتمع العربي في النقب، للضغط على العرب لإخلاء بيوتهم والمساومة على أراضيهم في صفقات ما تسمى "سلطة تطوير النقب".

شكلت تكاليف هدم المنازل العربية وما قابلها من استياء للرأي العام العالمي، عبئا ثقيلا على سلطات الهدم الإسرائيلية، فقد تطلب هدم منزل واحد جلب جرافات وآليات ثقيلة وقوات كبيرة من الشرطة لحمايتها، وشكلت آلية تغريم العرب الانتقامية بغرامات باهظة ومبالغ طائلة لتغطية تكاليف هدم المنازل، منفذا للتخفيف من أعباء تكاليف الهدم على السلطات الإسرائيلية، وفقا لتصريحات موظفين من وزارة الزراعة وما تسمى "سلطة تطوير النقب".

وبحسب إحصائيات جديدة صدرت عن ما تسمى "سلطة تطوير النقب" فقد بلغ عدد حالات الهدم الذاتية العام الماضي 2018 في النقب، 1,579 منزلا، فيما جرى هدم 746 منزلا على أيدي أصحابها عام 2016، و617 منزلا في العام الذي سبقه، مقارنة بـ376 منزلا طالها الهدم الذاتي في العام 2013.

فرض الغرامات المالية انتقاما من العرب

بدأ انتهاج تغريم العرب في النقب بمبالغ طائلة انتقاما بحجة البناء غير المرخص، مع بروز النضال ضد مخطط "برافر" الاقتلاعي وإسقاط المخطط نهاية العام ،2013 ومع صدور أولى التصريحات في هذا الأمر.

وكان مدير الحراسة في منطقة الجنوب التابعة لما تسمى "سلطة أراضي إسرائيل"، شورون إيلان، قد صرح في تاريخ 24.7.2014 عن نجاعة سياسة فرض الغرامات والتهديد بها على المواطنين العرب في النقب، بأن "سياسة التغريم المنفذة من قبل السلطات التي من خلالها يتم تغريم 'الغزاة' بغرامات مالية على تكلفة عملية إخلاء البيوت وهدمها التي يتم دفعها من خزينة الدولة، تحقق نتائج جيدة جدا. الازدياد بعدد تنفيذ عمليات الهدم من قبل أصحابها يوفر ملايين الشواقل للخزينة العامة".

وكانت قد صرحت وزيرة القضاء الإسرائيلية، أييليت شاكيد، نهاية العام 2016 بأن "البناء غير القانوني في النقب سيواجه بغرامات مالية ضخمة تعاد إلى خزينة الدولة"، وتم تنفيذ فرض الغرامات المالية لأول مرة بأمر من محكمة الصلح في بئر السبع، على 4 مواطنين من قرية العراقيب مسلوبة الاعتراف، التي هدمت 140 مرة على التوالي لغاية الآن، إذ فرضت المحكمة غرامة قدرها 262 ألف شيقل مقابل تكاليف هدم منازل القرية التي نفذتها السلطات الإسرائيلية، وفرض دفع مبلغ 100 ألف شيقل مقابل أتعاب محاماة للدولة في آب/ أغسطس من العام 2017.

السلاح الأقوى

عطية الأعسم

تعتبر الغرامات المالية الباهظة المُسخرة ضد العرب في النقب اليوم، السلاح الأقوى في يد السلطات الإسرائيلية، وتم تقنين تغريم عرب النقب بتاريخ 25.5.2018 حيث أقَّرت لجنة الداخلية في الكنيست الإسرائيلي زيادة الغرامات الإدارية والعقوبات بحجة "البناء غير المرخص"، لتصل إلى 300 ألف شيقل في بعض الحالات.

ويؤدي فرض الغرامات المالية الباهظة بقضية القرى مسلوبة الاعتراف إلى طريق مسدود، تضيق الحياة بمن يضطر لدفع الغرامات الباهظة، ويضطر المواطنون العرب في النقب إلى هدم بيوتهم بأيديهم.

وقال رئيس المجلس الإقليمي للقرى غير المعترف بها في النقب، عطية الأعسم، لـ"عرب 48" إن "الهدم الذاتي هو خيار سيء لعرب النقب وجيد للمؤسسة الإسرائيلية".

وأكد أن "إسرائيل تريد هدم البيوت العربية في النقب وتهجير العرب، لكنها لا ترغب في ظهورها بمظهر هادم البيوت أمام العالم، ولا تريد أن تستنزف خزينتها في حملات الهدم، لذا فالانتقام من عرب النقب عبر تغريمهم بتكاليف هدم بيوتهم هو الخيار الأنسب لها، ولا يهمها عواقب هذه الممارسة على المواطن العربي بطبيعة الحال".

هدم المنزل يعني لا عيش وحياة

وعن آثار ونتائج سياسة الهدم الذاتي للبيوت العربية في النقب يشارك موقع "عرب 48" قصة الشاب إيهاب أبو عصا (26 عاما) من قرية أم بطين مسلوبة الاعتراف، والذي اضطر لهدم منزله بيديه قبل أقل من أسبوع على زفافه، في أعقاب التهديد الإسرائيلي بهدم المنزل وإجباره على دفع غرامة تقدر بعشرات آلاف الشواقل.

إيهاب أبو عصا

وقال أبو عصا: "قمت ببناء بيتي الشخصي بهدف الزواج والسكن فيه وتأسيس العائلة قبل عامين، على أرض ورثتها من جدي ووالدي. علقنا، أنا وعائلتي، الكثير من الآمال على البيت الذي رأيته إحدى أهم مراحل حياتي في تلك اللحظة، وبالرغم من استمرار البناء على مدار أشهر طويلة لم يتم إنذارنا بإمكانية الهدم في بداية البناء وحتى إنهاء بناء المنزل".

وأضاف: "وضع مفتشو ما تسمى 'سلطة تطوير النقب' أمر هدم وإخلاء على منزلي فتوجهت بشكل مباشر إلى القضاء لإيقاف أمر الهدم بحكم الملكية على الأرض وعدم وجود أي خلاف على أرضي. أعطانا القضاء الإسرائيلي بعض الأمل ببقاء المنزل ومن ثم فؤجئنا بتبعيته للشرطة وموافقته على الهدم عند اقتراب موعد زفافي. وخلال المفاوضات والمواجهة مع ما تسمى 'سلطة تطوير النقب' كان التهديد المستمر من طرف السلطات بتغريمي بمبلغ 50 ألف شيقل وأكثر إن لم أهدم بيتي بنفسي. كانت مرحلة صعبة جدا في حياتي فقد استثمرت أكثر من 400 ألف شيقل في بناء منزلي ودفعت عشرات آلاف الشواقل للمحامين، إضافة إلى تحضيرات الزفاف، حيث انسدت السبل واضطررت لهدم منزلي قبل موعد زفافي المحدد بأسبوع واحد فقط".

وختم أبو عصا بالقول: "تأخرت عن الزواج لأكثر من عام بسبب هدم منزلي وتوقفت عن عيش حياتي الطبيعية لفترة طويلة بسبب الهدم، وعانيت كثيرا بسبب هدم بيتي الذي انتظرته سنوات، كما عانت عائلتي معي، وحتى أشجار الزيتون التي أثمرت في حديقة المنزل اضطررت لاقتلاعها، ولا تزال عملية هدم المنزل عالقة في ذهن والدتي وأخوتي الصغار لغاية اليوم".

 

التعليقات