دير الأسد - وقفية السلطان سليم للشيخ محمد الأسد...

كانت قرية دير الأسد تعرف قديمًا باسم دير البعنة. فلما منح السلطان سليم الأول هذا الدير والأراضي المحيطة به للشيخ محمد الأسد ونسله صار الدير وما يحيط به يعرف باسم دير الأسد

دير الأسد - وقفية السلطان سليم للشيخ محمد الأسد...

كانت قرية دير الأسد تعرف قديمًا باسم دير البعنة. فلما منح السلطان سليم الأول هذا الدير والأراضي المحيطة به للشيخ محمد الأسد ونسله صار الدير وما يحيط به يعرف باسم دير الأسد.

ذكر البوريني أن الشيخ أسد في الأصل من قرية حمّارا (1) أما المحبي فأضاف أن هذه القرية تقع في البقاع (2).

خرج الشيخ محمد الأسد من القرية المذكورة إلى دمشق، وأخذ عن الشيخ محمد بن عراق الطريق الصوفية المعروفة بالقادرية. ثم ارتحل إلى صفد، وأقام بدير في سفح جبل بالقرب من قرية البعنة، وكان قديمًا يعرف بدير الخضر، وكان مسكن النصارى، فأخرجهم منه السلطان سليم وأمر أسدًا بالإقامة به مع أولاده وأتباعه، فقطن فيه إلى أن مات في سنة 977 هجرية/1569 ميلادية، ولا صحة للرأي القائل إن المانح هو السلطان سليمان، وذلك لأن كتاب الوقف الموجود بين أيدينا يؤكد على أن وقف دير البعنة جرى تحريره بأمر من السلطان سليم بتاريخ 20 ذي القعدة سنة 922 هجرية/ 16 كانون الأول سنة 1516 ميلادية. كما عرف عن السلطان سليم تقربه من رجال الطرق الصوفية ورعايته لهم. في تلك الفترة كانت الدولة العثمانية بحاجة ماسة إلى المحافظة على الطريق الموصلة بين عكا وصفد (3).

كان للشيخ محمد الأسد ابن اسمه أحمد. الأخير عاش في صفد، وكانت له فيها زاوية صوفية عرفت باسم الزاوية الأسدية. توفي الشيخ أحمد سنة 1010 هجرية/1601-1602 ميلادية، ودفن بزاويته في صفد (4).

وفيما يلي نص الوقفية (5):

بسم الله الرحمن الرحيم

مضمون هذه الوقفية أنه أوقفه وأبّده وحبسه وخلّده وسبّله وحرّمه وتصدق به ظل الله الممدود، لا زال في حفظ الملك الودود، سلطان البرين وخاقان البحرين، خادم الحرمين الشريفين، مالك رقاب الأمم، سيد سلاطين العرب والعجم، المجاهد في سبيل الله والغازي في أعداء دين الله، صاحب الخيرات والحسنات، السلطان بن السلطان الملك المظفر مولانا وسيدنا السلطان سليم خان على أسلافه الكرام الرحمة والرضوان، أيّد الله دولته على الرعية وجعل سعادته مخلّدة سرمدية آمين بجاه سيدنا محمد الأمين تقربًا لربه الكريم وفضله العميم يوم يجزي الله المتصدقين فلا يُضيّع أجر المحسنين وذلك جميع دير قرية البعنة الكائنة في الشاغور من أعمال المملكة الصفدية غّبّ فَتَحَ الثغور الساحلية بعد ما أنقذه الله من أيدي حزب الشيطان وأهل الشك والطغيان المشتمل الدير الموقوف المعين أعلاه على ساحة سماوية ومساكن وخلاوي سفلية ووسطانية وعلوية وإسطبل كبير مع مدرس عصر الزيتون ومنافع ومرافق وحقوق شرعية وجميع ما حول الدير من الأراضي المشتملة على غراس زيتون وعنب وغير ذلك. يحد ذلك جميعه قبلة زاوية القصعة الفاصلة بينهما وبين قرية البعنة الموقوفة المذكورة أعلاه وشرقًا مسيل الماء الجاري النازل من الجلسة إلى شرقي العين الفوقانية إلى الكرم الحمر الذي هو فيه الطريق الفاصل بين أراضي الدير وأرض البعنة، وشمالاً الجبل الذي فيه نفخات المغارات، وغربًا الجبل المعروف بالحميدة بحق ذلك كله المعلوم ذلك عند حضرة مولانا الواقف المشار إليه أعلاه العلم الشرعي وقفًا صحيحًا شرعيًا مرعيًّا وحبًّا صريحًا مرعيًا وإيقافًا دائمًا سرمديًا وصدقة بتة بتلة باقية على الدوام بتعاقب الليالي والأيام، لا يباع أصل ذلك، ولا يوهب، ولا يملك، ولا يستهلك، ولا يُرهن، ولا يضامن عنه، ولا يُناقل به، ولا يخرّج إلى ملك أحد من سائر الناس أجمعين بل كلّما مَرّ بهذا الوقف زمن أكدّه، وكلما مَرّ عليه عصر وأوان طاله وشدده فهو محرم بحرمات الله الأكبر، مدفوع عنه بقوته السديدة، لا يحل لأحد يؤمن بالله العظيم واليوم الآخر ويعلم أنه إلى ربّه الكريم العظيم سائر.(لا يجوز) نقض هذا الوقف ولا تغييره ولا تبديله ولا الإحادة عن وجوهه وشروطه ولزومه وصحة الآتي ذكرها فيه. أنشأ الواقف مولانا المومأ إليه أعلاه بلّغه الله ما يتمناه، وتقبّل منه، وأحسن إليه وأدرك الله بعنايته أوقف الدير على المسجد والشيخ المذكور، وهو مسجد الدير الموقوف عليه أعلاه المبني بالدير المشتمل (على) المسجد المذكور، وهو مسجد الدير الموقوف أعلاه المعمور بذكر ربّه تعالى لا يُشاركه فيه مشارك، ولا يُنازعه فيه منازع، فلا يتأول عليه متأول بل يستمر بالاستقرار والتمكين أبد الآبدين ودهر الداهرين إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين؛ وشرط الواقف المذكور، تقبّل الله منه ثواب النظر والتولية، في أمر وقفه هذا وصدقته هذه مع الإمامة بالمسجد المذكور أعلاه إلى الشيخ الإمام والليث الهمام سيد تتحاشد عليه الأعصار والباع وتتشرف بوصفه الأسماع وتشنف بأخباره الأسماع وتخشى لمواعظه القلوب وتطرق لمهابته الأبصار وتستحق أن تُكتب كرامته بماء الذهب آناء الليل وأطراف النهار، مربي المريدين، وقدوة السالكين، عين أعيان أولياء الله العارفين، العمدة، العلامة والحجة الفهّامة، العالم العامل، القانت الإرادة، العارف بالله، مرجع السادة الصوفية، وكبيرهم، شمس الملّة ابن عبد الله الأسدي، الأسد المشهور نسبه الكريم بابن أميرهم نفعنا الله والمسلمين أجمعين آمين مدّة حياته أبدًا ما عاش ودائمًا ما بقي لا يشاركه في النظر والتولية والإمامة مُشارك، ولا يُنازعه فيما ذكر منازع، ثم من بعده على أولاده الذكور دون الإناث، ثم على أولاد أولاده مثل ذلك، ثم على أولادهم وأولاد أولادهم نظير ذلك ، ثم على أنسابهم كذلك أبدًا ما عاشوا وأيًّا ما بقوا، فإذا انقرضوا بأجمعهم وأبلاهم الموت عن آخرهم وخلت الأرض منهم، ولم يبق نسل ولا عقب ولا ذرية صُرِفت غلّة ذلك جميعها بتمامها وكمالها على الدير والمسجد الموقوف عليهما، وإن تعذر الصرف والعياذ بالله تعالى على المسجد والدير المشار إليهما صُرِفت غلّة ذلك جميعه على الفقراء والمساكين من المسلمين القاطنين بمحروسة صفد، وإن أمكن العود عاد بجزيل ذلك كذلك أبد الآبدين ودهر الداهرين إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين.

وشَرَطَ مولانا الواقف المذكور المشار إليه أعلاه تقبّل الله تعالى من النظر وأمر وقفه هذا للشيخ المذكور أعلاه، ثم بعده الذرية يُقدّم في ذلك الأرشد فالأرشد من ذرية الشيخ الموقوف عليه الذكور وأولادهم دون الإناث وأولادهم ما شُرِحَ وبُيّنَ أعلاه، وعندما ألغته فللمسجد والدير فللناظر عليهما، وإن تعذر ذلك فللفقراء والمساكين فلحاكم المسلمين الشرعي بمدينة صفد المرقومة؛ 

وشَرَطَ الواقف المذكور أن يُصرف جميع متحصل ريع الأرض المذكورة على صالح المسجد والدير المرقومين من تصليح وترميم وغير ذلك، وإن فَضُلَ شيء من ذلك من العمارة الضرورية يؤخذ في كل يوم ستة دراهم نقرة فضية في نظير مباشرة الإمامة، والفاضل عن الستة دراهم المذكورة يُصرف على ساكني الدير من الشيخ وذريته ما شُرِحَ وسُطّر وبُيّنَ أعلاه؛

ومن شرط هذا الواقف أيضًا أن لا يؤجر أكثر من سنة واحدة إن أمكن التأجر واحتاج (احتيج) إليه، ولا يُؤجر بدون أُجرة المثل، ولا يُؤجر لمتحوج ولا ذو شوكة ولا يستأنف على عقد حتى ينقض العقد الأول؛

ومن شروطه على مَنْ سكن هذا الدير من الشيخ وذريته والمذكورين  قراءة ما تيسر من القرآن الكريم بعد كل صلاة من الصلوات الخمس وأن يهدي ثواب ذلك إلى مولانا الواقف ووالديه، وشرط السكن للشيخ وذريته المذكور في الدير المذكور وعليه بذلك بتقوى الله بالسر والعلانية.

وجعل الواقف المذكور للشيخ وذريته المرقومين الإخراج والإدخال في السكن بالدير المذكور يُسكن من يشاء ويخرج من يشاء.

وأخرج مولانا الواقف المذكور وقفه هذا من ملكه وأبانه عن حيازه وجعله وقفًا صحيحًا شرعيًا على الوجه المشروح المبين أعلاه وقفًا منجزًا مسلّمًا وهو يستدعي إلى الله تعالى فيما (على) من يروم نقض هذا الوقف بنقص، أو فساد وتغيير، أو تغيير شيء منه، أو إحداث ظلمة على ساكن الدير المذكور، أو أخذ حاجة من سكن الدير فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. فمن رام هذا الوقف بذلك أو بشيء منه فيخاصمه العزيز الجبار ويحاكمه الواحد القهار يوم التناد. يوم عطش الأكباد، ويكون القرآن الكريم خصمه يوم يكون الله تعالى الحاكم بين العباد. يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم. قال الله تعالى- بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم- :"فمن بَدّله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه إن الله سميع عليم".

وثبت ما نُسِبَ إلى مولانا الواقف المذكور المتشرف بذكره عاليه، ما برحت سعيدة أيامه، منيرة لياليه بشهادة مقبول آخره، وبصريح الاعتراف بديوانه الشريف بذلك أو نفاذ سامره الشريف بتسليم ذلك ثبوتًا شرعيًا وإنفاذه وإبرامه وتنجيزه وتسليمه حكمًا شرعيًا.... فيه واعتبار ما وجب أعتباره شرعًا.

جرى ذلك وحرر في عشرين من ذي القعدة الحرام من شهور سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة من هجرة من له العز والشرف

والله خير الشاهدين

*من اليمين:

-عُرِض لي هذا الكتاب فالفيته على سنن الصواب وصادفته رضي المدلول،

فأجريت عليه قلم القبول حرره أذل عباد الله عز وجل من آل محمد،

محمد بن عبد الأول القاضي بدار العبادة دمشق المحمية، غفر الله له

 كل معصية/ قاضي دمشق.

-صح ما نُسِبَ فيه من التنفيذ والإشهاد بعد ما عُرِضَ علي وتحققته

على سبيل الرشاد. حرره أفقر الأنام إلى الله العلاّم أحمد المولى بدمشق

الشام/ أحمد المولى من دمشق

-هو ذا الشيخ جمال الدين يوسف العدوي دام فضله.

-هو ذا الشيخ الصالح البركة شمس الدين محمد ابن المرحوم الشيخ صالح البكري.

-وبه أشهد أنك لله تعالى فعليه أشهد: محمد أبو علي.

-فخر الأعيان جمال الدين يوسف بن أيوب.

-السيد أحمد عمر الإسطواني.

*من اليسار: 

-وبه أشهدني سيدنا الحاكم المشار إليه أيده الله تعالى فشهدت على

ذلك في تاريخه. عبد الكريم عمري أيوب.

-وبه أشهدني مولانا أيّده الله تعالى فشهدت عليه/عبدالرحمن بن عثمان اللحام.

-وبه اشهدني عليه مولانا أيّده الله تعالى وشهدت عليه/ عبد العزيز بن دسوق بن هلال.

-صح ما نسب إلي فيه، وأنا أفقر العباد إلى الله الودود محمد بن مولانا مصطفى بن مولانا

داود ابن مولانا الجمال الشهير بداود القاضي يومئذ بدمشق.

-فخر الأعيان محضر باشي/ محمد آغا.

-فخر الأعيان/ إبراهيم حلبي.

-فخر السادة/ يوسف علي البحري.

-السيد/مصطفى أبو الفضل.

-شيخ رجب جعمان

-السيد أحمد ابن أبو عزم

ملاحظات:


1. الحسن بن محمد البوريني، تراجم الأعيان من أبناء الزمان، ج1، دمشق، 1959، ص 178-179؛

2. محمد أمين فضل الله المحبي، خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر، 1284 هجرية/1867 ميلادية، ج1، ص 177؛

3. مصطفى عباسي، صفد في عهد الانتداب، دراسة للدكتوراة(بالعبرية)، جامعة حيفا، 1999، ص 169-170؛

4. البوريني، مصدر سبق ذكره، المحبي، مصدر سبق ذكره؛

5. انظر ترجمة بالعبرية لكتاب الوقف لدى أهارون لايش، وقف واستيطان الدراويش في بداية العهد العثماني.

التعليقات