بيوت الضيافة بالناصرة: عودة للجذور وتعزيز للسياحة

يعود أصل بيوت الضيافة في مدينة الناصرة إلى أول عائلة فتحت بيتها للضيافة في الناصرة، وهي عائلة ألمانية جاءت من حي الألماني في حيفا، الذي تحول اليوم إلى أهم مركز ترفيهي ليلي بالمدينة تكثر فيه المقاهي والمطاعم.

بيوت الضيافة بالناصرة: عودة للجذور وتعزيز للسياحة

بيت للضيافة بالناصرة (تصوير "عرب 48")

يعود أصل بيوت الضيافة في مدينة الناصرة إلى أول عائلة فتحت بيتها للضيافة في الناصرة، وهي عائلة ألمانية جاءت من حي الألماني في حيفا، الذي تحول اليوم إلى أهم مركز ترفيهي ليلي بالمدينة تكثر فيه المقاهي والمطاعم.

ووصل الألمان إلى حيفا ومنهم من أراد الوصول إلى الناصرة للسكن فيها لأسباب دينية كونها بلد السيد المسيح، لكن الطريق لم تكن مفتوحة أمام هؤلاء فاستوطن معظمهم الحي الألماني بحيفا، ثم انتقلت ثلاث عائلات عام 1873 إلى الناصرة، إحداها عائلة هيزلشفارتس التي أقامت في بيت على الشارع الرئيس "بولس السادس"، حيث فندق الجليل اليوم، قبل شق شارع رئيسي بين حيفا والناصرة وطبرية، وهي التي أقامت ساحة الحناطير كمحطة نقل.

بين ألمانيا وبلادنا

وقالت المرشدة السياحية، نهى بولس، لـ"عرب 48" إن "العائلات الألمانية التي وصلت الناصرة افتتحت مطحنتين، مطحنة البابور التي هي استمرارية لمطحنة عائلة ألمانية، ومطحنة أخرى في موقع راهبات الوردية فيما يعرف اليوم بحارة الدبس، وحتى أن الراهبات اللواتي أقمن هناك عرفن براهبات الألمان، وهناك في راهبات الوردية بيت للضيافة قائم حتى اليوم، وفي البيت مطحنة للعائلة الألمانية الأولى التي سكنته. وكان الهدف من إقامة بيت الضيافة تشجيع السائحين على الإقامة في الناصرة وليس فقط المرور منها إلى حيفا وطبرية وغيرها".

نهى بولس

وأضافت أن "عائلة هيزلشفارتس أقامت بيتا للضيافة باسم ‘جرمانيا’ استمر حتى نهاية فترة الانتداب البريطاني، قبل أن يتم طرد الألمان من البلاد مع الإنجليز. شخصيا تواصلت مع أحفاد العائلة في أستراليا وألمانيا في إطار دراستي للقب الثاني، وحين زرت ألمانيا التقيت بأفراد العائلة وعرضت أمامهم ما لدي من صور ومعلومات، وكان هؤلاء هم الجيل الرابع للعائلة الألمانية التي استوطنت في الناصرة، وكانت معلوماتهم شحيحة جدا عن أجدادهم الذين عاشوا في المدينة المقدسة".

من هنا جاءت فكرة وبداية بيوت الضيافة في الناصرة، وقد تحول بيت الضيافة الأول في المدينة في تسعينيات القرن الماضي إلى فندق، ومن بعد بيت الضيافة الأول أقيم بيت الضيافة الأشهر في تاريخ الناصرة وهو "كازانوفا".

وقالت بولس إنه "من الممتع أن ترى، اليوم، فكرة بيوت الضيافة تعود إلى البلدة القديمة بهذا الانتشار الواسع حيث يبلغ عددها اليوم 16 بيت ضيافة في البلدة القديمة، كل واحد من هذه البيوت يروي قصة عائلة".

لكل بيت حكاية

واستعرض صاحب بيت الضيافة "الحكيم"، بسام رايق حكيم، لـ"عرب 48" تاريخ البيت الذي اشتراه جده توفيق حكيم في ثلاثينيات القرن الماضي، وفتحه دكانا لبيع لوازم النجارين، وكان هذا الجزء من السوق للنجارين، وفي الطابق العلوي من الدكان سكنت عائلة حكيم المؤلفة من 25 فردا، ولاحقا تطور محل بيع لوازم النجارة إلى منجرة، وبعد ذلك أصبح معرضا للأثاث والموبيليا، حتى بداية مشروع ‘الناصرة 2000’ حين شُلّت الحركة في السوق والبلدة القديمة.

بسام حكيم

وقال حكيم: "أغلق المحل بعد أن هرم جدّي وتوقف عمّي الذي كان ساعده الأيمن، عن العمل لأسباب صحية، في الوقت الذي بدأت الحركة السياحية تتسلل إلى البلدة القديمة وتملأ الفراغ بعد انتهاء أعمال الترميم وتحسين البلدة القديمة. قررنا في العام 2013 تحويل المكان إلى بيت للضيافة، وأجرينا دراسة حول بيوت الضيافة القائمة في حينه، فوجدنا أنها لا تقدم سوى سرير نظيف ولقمة ساخنة، وهي معدة للسائحين من ذوي الميزانيات المحدودة والسائحين المتجولين. قررنا بعد هذه الدراسة أن نجهز غرف بيت الضيافة، عددها 10 غرف، بكامل التجهيزات كالحمام الداخلي لكل غرفة، وطاولة مكتب، وهاتف وإضاءة، كما الفنادق الراقية، وبذلك أوجدنا نوعا جديدا من السياحة بالبلدة القديمة، لا تقتصر على السياحة الرخيصة بل أثريناها، ليس فقط بالتجهيزات وإنما بقصة جدي التي تعيش مع السائح في كل أرجاء المكان، وقد أسمينا غرف بيت الضيافة بأسماء أفراد العائلة الذين سكنوا المكان تخليدا لذكراهم".

ويغلب الزمن القديم على طابع المكان، وحجارته الأصلية مزيّنة بقطع وأدوات مما ترك في المنجرة، وحتى اللافتة التي كانت معلقة "أثاث وموبيليا الحكيم" ما زالت معلقة في غرفة الاستقبال، فضلا عن صور أفراد العائلة والأجداد.

بيت الضيافة يقدم للسائحين وجبات محلية من إعداد والدة بسام حكيم الذي يقول "والدتي تقدم للسائح مذاقات غير مألوفة له وهي أبعد من الحمص واللبنة، تقدم العلت والخبيزة والسنارية والمقرة حسب الموسم، ونقيم ورشات طبخ كجزء من التجربة المثيرة التي يعيشها السائح في بيت الضيافة".   

يهتم أصحاب بيوت الضيافة بتعريف ضيوفهم من النزلاء، على الأماكن المجاورة التي تحيط المكان، ويرشدونهم باستمرار إلى أماكن نشاطات وفعاليات مختلفة وإلى منطقة العين القريبة، حيث المطاعم والمقاهي لقضاء سهرة ممتعة، ولإفادة أصحاب المحلات وبالتالي لزيادة الاستثمار السياحي وتعزيز اقتصاد المدينة.

سياحية محلية وأخرى وافدة

بشارة شقحة، وزوجته أليس جريس كردوش، يديران معا بيت الضيافة "البشارة" في البلدة القديمة، منذ سنة ونصف السنة. كانت فكرة إقامة هذا البيت الدافئ مجرد حلم راودهما منذ أكثر من عشر سنوات، إلا أن الإجراءات استغرقت الكثير من الوقت، سواء في المحاكم أو في الحصول على التراخيص المناسبة لمنزل كان قد انهار جزء قديم منه عام 1997 نتيجة أعمال التطوير التي نفذت بجواره في إطار مشروع "الناصرة 2000" وترميم السوق والبلدة القديمة.

بشارة شقحة

وقال شقحة، الذي استقبلنا في الردهة التي يتناول فيها نزلاء بيت الضيافة وجبة الفطور كل صباح والتي يعدها بنفسه من اللحوم (المرتديلا) والبيض والأجبان والألبان، كما هو حال معظم البيوت العربية، إنه يقيّم السنة الأولى على افتتاح بيت الضيافة بأنها جيدة، وهو يستقبل الضيوف من الخارج ومن الداخل بنسب مماثلة، أي أنه يعتمد على السياحة الداخلية أيضا، وليس فقط السياح الوافدين من خارج البلاد.

تمتاز بيوت الضيافة في البلدة القديمة بالناصرة، بالعلاقة المميزة والتعاون المشترك بين إداراتها المختلفة، حيث لا صلة بين أصحاب هذه البيوت سوى الاحترام المتبادل والهدف الواحد وهو رفع مكانة الناصرة، ومنح السائح الشعور بأنه شخص مرغوب فيه بالمدينة المقدسة، لذلك تجد حرص الجميع على توفير أفضل الظروف وتهيئة أحسن الأجواء لراحة ومتعة السائح، وحيث لا يجد السائح مكانا في واحد من بيوت الضيافة تجد صاحب البيت يهتم بتوفير مأوى للسائح في أي من بيوت الضيافة الأخرى ومعظمها متجاورة.

لا ينظر أي من أصحاب بيوت الضيافة للآخر على أنه منافس له، بل على العكس يرى فيه شريكا، إنهم يشجعون كل من يرغب في إقامة بيت للضيافة في البلدة القديمة بسبب الحاجة ولتعزيز الحركة السياحية في المدينة عامة، وفي البلدة القديمة على وجه الخصوص، والتي يسعى الجميع إلى إنعاشها. 

بيوت الضيافة داعمة أم منافسة للفنادق؟

هنالك من يرى بأن ازدياد عدد بيوت الضيافة في الناصرة، تشكل دعما للفنادق في مواسم السياحة، ورافعة في حالات الضغط حين لا يكون بمقدور فنادق المدينة التي لا يتعدى عددها 12 فندقا استيعاب الأعداد الكبيرة من الوافدين للمدينة، في حين يرى بعض أصحاب بيوت الضيافة بأنها منافسة للفنادق الكبيرة، باعتبار أن السائح الذي يصل المدينة ليس في إطار مجموعة يفضلها على الفنادق.

وقال صاحب بيت الضيافة "البشارة"، لـ"عرب 48" إن "بيت الضيافة يمنح السائح أجواء أكثر دفئا من الفنادق، ويتيح للسائح إمكانية الاحتكاك بالمواطنين المحليين والتجول في المدينة بحرّية والشراء من المتاجر والمحلات على أنواعها، والدخول إلى مطاعم المدينة وقضاء الوقت في أجواء عائلية بكل معنى الكلمة، وتناول الأطعمة البيتية التي يوفرها بيت الضيافة مثل ورق العنب والعلت والسبانخ والبامية والمحاشي على أنواعها. كل هذه الأشياء لا تكون متاحة للسائحين الذين يصلون المدينة في مجموعات لزيارة الأماكن المقدسة ومن ثم المغادرة!".

وروى شقحة لـ"عرب 48" قصة بيت الضيافة الذي بني في العام 1800 وكان يعيش فيه 11 نفرا من عائلة المرحوم توفيق كردوش وزوجته أنيسة غنطوس، حيث أنجبا ثمانية أبناء نصفهم إناث. وقال إنه "في البيت، اليوم، 6 غرف مختلفة الأحجام، منها ما تتسع لعائلة كاملة، ومنها ما هو أقل من ذلك، ويعتزم شقحة القيام بأعمال توسعة لتنضاف إلى المشروع 6 غرف أخرى ومصعد في الوقت القريب".

يذكر أن توفيق كردوش، والد المرحوم منصور كردوش، مؤسس حركة "الأرض" في نهاية القرن الماضي، وأشقاؤه جريس ونصر الله وعصام وعفاف وروز وعبلة وإخلاص ومعظمهم يعيشون في الأردن وفي الولايات المتحدة.

وأضاف بشارة أنه "في فترة الانتداب البريطاني استولى الإنجليز الجزء السفلي من المنزل لفترة طويلة وتمركزوا فيه حتى العام 1948. وفي العام 1997 تعرض لانهيار جزء منه نتيجة أعمال تطوير وحفريات وصلت، عن طريق الخطأ، إلى عمق أساساته وانهار جزء منه، لتبدأ بعد سنوات طويلة عملية ترميمه وبنائه من جديد مع الحفاظ على طابعه القديم".

ميشيل أبو نصار

ويعود تاريخ بيت الضيافة التابع لعائلة ميشيل أبو نصار "ميشيل هاوس"، إلى العام 1854 وكان لأول رئيس بلدية لمدينة الناصرة، هو طنوس قعوار، حيث كان يستخدمه كبيت للضيافة أواسط ثمانينيات القرن التاسع عشر، وعرف قعوار بكرمه وعطائه اللامحدود، وذُكر أنه حين زوج ابنه دعا فقراء المدينة إلى العرس ووضع ليرة ذهبية داخل أحد أرغفة الخبز ليفرح بها صاحب النصيب ممن يعثر عليها في رغيفه، وهو جد جدة ميشيل أبو نصار، الذي بلغ 79 عاما، ويدير بيت الضيافة التابع لنجله، من أجل المتعة وملء أوقات فراغه وكسب محبة الناس.

وقال أبو نصار لـ"عرب 48" إنه "في هذا المكان ألتقي مع مثقفين من مختلف أنحاء العالم، ومع صحافيين وأعضاء كنيست أحيانا وشخصيات مرموقة، نتبادل أطراف الحديث ويحظون هنا بمعاملة مميزة للغاية ويشعرون بأن بيت الضيافة هو بيتهم، لذلك هم يعودون باستمرار".

يستوعب بيت "ميشيل هاوس" المؤلف من ثلاثة أجنحة تنضاف ليه "مارك هاوس" وألكسندرا هاوس"، حوالي 30 نزيلا في 13 غرفة، ويعتزم أبو نصار توسيع بيت الضيافة بنحو 20 غرفة إضافية.

يقع بيت الضيافة وسط البلدة القديمة، ويطل على أجمل بيوتها ومن شرفاته يمكن رؤية الكنائس والجوامع مما يعطي للنزيل شعورا ساحرا لا يمكن نسيانه بالإضافة للضيافة النصراوية الدافئة.

وقال أبو نصار "ما يهم السائح هو استقباله بالشكل اللائق ومنحه المحبة والدفء لكي يشعر بأنه شخص مرغوب به أيا كانت جنسيته أو لونه أو شكله، هذا الأمر من شأنه أن يعزز الحركة السياحية في الناصرة، وفي البلدة القديمة تحديدا".

 

التعليقات