ورش العمل.. سقالات الموت

يستدل من إحصائيات وزارة العمل الإسرائيلية أن 80% من حوادث العمل التي تقع في البلاد سببها السقوط من علو، في ظل عجز السلطات عن توفير الأمان والسلامة للعاملين

ورش العمل.. سقالات الموت

توضيحية (مكتب الصحافة الحكومي)

يستذكر محمد إبراهيم كبها من قرية عين السهلة في منطقة وادي عارة، قريبه المرحوم عاطف كبها الذي لقي مصرعه خلال عمله في ورشة بناء بالبلدة الاستيطانية "حريش" عام 2017، وتعود به الذاكرة إلى كيف كان يقضي غالبية يومه في ورشات البناء متنقلا، ولم يكن يتوقع أن يسقط ويخسر حياته في المكان الذي كان بمثابة بيته الثاني.

ويستدل من إحصائيات وزارة العمل الإسرائيلية أن 80% من حوادث العمل التي تقع في البلاد سببها السقوط من علو، في ظل عجز السلطات عن توفير الأمان والسلامة للعاملين، فقد طرأ ارتفاع على نسبة حوادث العمل منذ مطلع العام الجاري ولغاية اليوم مقارنة مع الفترات الموازية من الأعوام الأخرى.

كما تبين من المعطيات أيضا أن 21 عاملا قتلوا منذ مطلع العام 2019 ولغاية اليوم في حوادث عمل و73 أصيبوا بجروح متفاوتة. في فرع البناء لوحده قتل 11 عاملا وأصيب 46 آخرون، ما يشير إلى الخطورة الكبيرة التي تحيط بالعاملين في هذا المجال.

ورش البناء مقاصل للموت

وراء كل ضحية حكاية ورواية وعائلة حزينة وآمال وأحلام دفنتها ورش البناء القاتلة.

استعرض محمد إبراهيم كبها في حديثه لـ"عرب 48" المأساة التي تعيشها عائلة المرحوم عاطف كبها منذ أن لقي مصرعه وترك خلفه زوجة وثلاثة أولاد. لا تزال العائلة تستذكر اللحظات الجميلة التي عاشتها مع عزيزها الذي تفتقده في كل لحظة وأخرى.

المرحوم عاطف كبها

تجلس طفلة الضحية، اليوم، تنتظر والدها الذي وعدها ساعات قليلة قبل أن يفارق الحياة بأنه لن يطيل عودته إلى البيت ليقابلها، ولا تزال الابنة الصغيرة التي تبلغ عامين تنتظره بحسرة وألم.

حال عائلة كبها لا يختلف كثيرا عن عائلات عربية أخرى فقدت ذويها بحوادث عمل في الأعوام الأخيرة، فقد شهد المجتمع العربي منذ مطلع العام الجاري ولغاية اليوم مقتل 11 عربيا كان آخرهم المرحوم فراس ياسين من مدينة عرابة بعد انهيار السقالات عليه في ورشة بناء.

تقف السلطات عاجزة أمام مقصلة الموت في ورشات البناء وهي التي تملك الأدوات والموارد لضمان توفير الأمان والسلامة للعاملين لو أرادت ذلك.

تحوّلت ورش العمل إلى أماكن تشكل خطورة حقيقية على حياة العاملين وقد تقبض أرواحهم قبل أن توفر السلطات السلامة والأمان لهم.

لا يعفي النائب عن تحالف الموحدة والتجمع، المهندس عبد الحكيم حاج يحيى، الذي يتابع ملف حوادث العمل منذ الدورة البرلمانية السابقة، العامل العربي من المسؤولة التي تقع عليه في ورش العمل.

وقال حاج يحيى لـ"عرب 48" إنه "على العامل أن يرفض العمل في ظروف تشكل خطرا على حياته. حياتك في الدرجة الأولى، ومن ثم عملك ورزقك، هذا أمر بديهي يجب أن يتعامل معه كافة العمال".

ألم لا يغيب

وقال محمد إبراهيم كبها قريب ضحية العمل، عاطف كبها، إن قريبه "كان شابا مفعما بالحيوية، مرتبطا بعمله وعائلته بشكل كبير. كانت حياته منقسمة بين هذين الأمرين فقط، كان منغمسا ومنتميا ومحبا جدا لعمله، والنصف الآخر من حياته كان لعائلته إذ كان المحرك الأول في البيت، وعاش في كل التفاصيل الحياتية للعائلة".

وأشار إلى أن "المرحوم ترك فراغا كبيرا بعد وفاته. عرفته إنسانا كريما وقلبه كان طيبا. كان حلمه أن يتطور في عمله دائما، لكن القدر حال دون ذلك"’.

وأكد كبها أن "الألم لا يغيب والحزن لا يختفي وإن تظاهرنا بغير ذلك. الزوجة مضطرة لأن تستمر بالحياة من أجل أطفالها، لتأدية واجبها وفاءً للمرحوم. ذكرياته لا زالت موجودة والدموع سرعان ما تذرف مع كل حدث شبيه".

وعن تفاصيل الحادثة، قال كبها، إنه "علمنا الخبر من سكان البلدة العاملين في المنطقة. بداية نفت الشرطة أن يكون الحادث على خلفية جنائية، وما عرفناه أنه كان في طريقه على سطح البناية حيث سقط إلى داخل البناية من الطابق الرابع. وبعد ذلك أوكلنا محاميا ليتابع القضية، ومنذ وقوع الحادثة ولغاية اليوم لم نتسلم نتائج التحقيق والملف بقي عالقا لغاية اليوم".

محمد إبراهيم كبها

وعن الأسباب، استطرد كبها، أن "انعدام وسائل الأمان والوقاية في ورش العمل هي أم الأسباب الذي تؤدي لمصارع العمال، إضافة إلى سلوك العامل نفسه وكذلك المقاولين، وانعدام الرقابة من قبل المؤسسات المسؤولة. منطقة ‘حريش’ تعِج بالورش ولا يوجد فيها أي مركز للمراقبة، هذا الشح في عدد المراقبين بورش البناء يتسبب بزيادة الخطورة على العمال، وأعتقد أنه لو كان الضحايا من المجتمع اليهودي لتغيرت الإجراءات".

ووجه كبها رسالة إلى العمال بالقول: "احذروا في عملكم، حياتكم أهم، رحيلكم يؤدي إلى تدمير عائلات كاملة". 

قضية معقدة وغالبية الضحايا عرب

وأشار النائب حاج يحيى إلى أن "القضية معقدة لأن غالبية الضحايا عرب، ولذلك فإن المؤسسات الحكومية لم تعط حلا على مدار السنين، وغير معنية بذلك. منذ دخولي الكنيست بادرت لسن 4 قوانين في هذا المجال، وسنستمر في كتلة ‘تحالف الموحدة والتجمع’ بمعالجة هذا الملف، وتوفير الحلول ومنها تبني المواصفات الأوروبية للسقالات وكذلك بما يخص بورشات العمل وإلزام المقاولين بوسائل الأمان لعُمالهم".

ضحية حادث عمل، عاطف كبها

وأشار إلى أنه "أردت في البداية أن يكون هذا الملف متداولا في كافة وسائل الإعلام في البلاد، وهذا ما نشهده وسنعمل على أن يبقى الملف على طاولة النقاش للرأي العام حتى تتوفر الحلول الجذرية للأزمة. بعد ممارسة الضغوطات استطعنا إدخال وحدة خاصة في الشرطة للتحقيق في حوادث العمل، وهناك اقتراح بأن يتم معاقبة المقاول الذي تحدث في ورشته مخالفات أمان أو حوادث عمل، من خلال حجبه عن المناقصات في فترة زمنية محددة".

ووجه حاج يحيى حديثه إلى العمال، "تقع على العمال مسؤولية في أن يحافظوا على أنفسهم، ويجب أن تعي أيها العامل أن حياتك أهم من راتبك".

وتطرق إلى النقص الكبير في مديري العمل، وقال إن "العدد يدور حول 8 آلاف مدير، وقُدم اقتراح لتسهيل قبول التعليم لمديري العمل. إضافة إلى العدد المخزي للمراقبين مقارنة مع عدد الورشات، إذ أن عدد المراقبين لم يتعد 30 مراقبا ينقسمون على 17 ألف ورشة عمل، ونرى الأهمية لوظيفة هؤلاء المراقبين فقط بعد وقوع الحوادث، ونحن نتطلع لزيادة عدد المراقبين".

النائب عبد الحكيم حاج يحيى

وعن الأسباب التي تؤدي إلى حوادث العمل، قال حاج يحيى، إن "انعدام وسائل الأمان هي السبب الرئيسي لحوادث العمل، على سبيل المثال من يعمل على ارتفاع عليه أن يتعلم دورة إرشادية والغالبية لا يدخلون أية دورة تأهيل، إضافة إلى عدم استعمال وسيلة الأمان وهي ربط العامل نفسه، والسبب الآخر وهو دارج في سقوط أجسام ثقيلة على عمال في ورش البناء، وهذا ينبع من عدم خبرة العامل أو مشغل الرافعة أو المسؤول ذاته. في النهاية هذه الأسباب يمكن ردعها، لكن نحتاج بالفعل إلى قوة عاملة تطبق القوانين، وإلا سيستمر الحال على ما هو عليه، وهنا دورنا كأعضاء برلمان بالعمل للحد من هذه الحوادث القاتلة عبر سن القوانين وغيرها".

 

التعليقات