إعادة هيكلة وتنظيم المواصلات العامة في الناصرة

جرى منذ نحو شهرين تطبيق مشروع بادرت إليه وزارة المواصلات بالتعاون مع بلدية الناصرة وشركة العفيفي التي تشغل الحافلات العمومية بالناصرة، وفق خطة جديدة لإعادة هيكلة وتنظيم المواصلات العامة، وذلك في محاولة للحد من أزمة السير المتفاقمة في المدينة.

إعادة هيكلة وتنظيم المواصلات العامة في الناصرة

الناصرة، أيار 2019 (تصوير "عرب 48")

جرى منذ نحو شهرين تطبيق مشروع بادرت إليه وزارة المواصلات بالتعاون مع بلدية الناصرة وشركة العفيفي التي تشغل الحافلات العمومية بالناصرة، وفق خطة جديدة لإعادة هيكلة وتنظيم المواصلات العامة، وذلك في محاولة للحد من أزمة السير المتفاقمة في المدينة.

وفي إطار هذه الخطة استبدلت حافلات كبيرة الحجم بأخرى صغيرة في بعض الخطوط واختزلت عدة محطات للحافلات، وجرى تشغيل حافلات في مسارات مباشرة بعيدا عن الشارع الرئيسي للمدينة. 

والتقى "عرب 48" مع عدد من المسؤولين بالناصرة حول الخطة الجديدة، وكذلك مع خبير في موضوع هندسة السير والمواصلات العامة.

وقال وليد عفيفي، أحد أصحاب شركة العفيفي التي تشغل "باصات البلد" في مدينة الناصرة لـ"عرب 48" إنه "بشكل عام كل الوقت كان لدينا نقاش مع وزارة المواصلات حول موضوع المواصلات العامة وأزمة السير في البلد، والتي تعود أسبابها إلى عدة عوامل أولها البنية البنى التحتية القديمة للمدينة، وثانيها تنظيم السير من قبل المؤسسات المسؤولة عن تنظيم السير (البلدية والشرطة)، وثالثها تخطيط خدمات المواصلات العامة في مدينة الناصرة ومحيطها، لذلك كان دائما موقف وزارة المواصلات خاصة بعد خطة التطوير 922 والعلاقة مع منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الـOECD أنه لا بد من النظر إلى المجتمع العربي والحاجة إلى إعادة تنظيمه بما يخدم مصلحة المجتمع العربي، بعد انتقادات كبيرة وجّهت لحكومة إسرائيل حول النقص في خدمات المواصلات العامة والبنى التحتية في البلدات العربية ـ بما يتعلق بالشوارع والمواقف ووتيرة المواصلات العامة ونوعية المواصلات".

وأضاف عفيفي أنه "في العام 2017 توجهنا إلى وزارة المواصلات بأن تتخذ قرارات في أعقاب تفاقم أزمة السير في الناصرة وخاصة الشارع الرئيسي (بولس السادس) الذي يخالف كل معطيات السير في أي شارع رئيسي بمدينة عصرية، من حيث سرعة خدمات المواصلات، وهي تقاس بعدد الكيلومترات التي تقطعها وسائط المواصلات العامة في الساعة وتسمى 'السرعة التجارية' ومعدل هذه السرعة في شارع بولس السادس بالناصرة هي الأعلى في البلاد، بمعنى أنها أبطأ سرعة تجارية. من هنا وافقت وزارة المواصلات على هذه السرعة البطيئة بشكل استثنائي في مدينة الناصرة، بحيث أن معدل 'السرعة التجارية' أي المسافة التي تقطعها وسيلة النقل العامة داخل المدن تبلغ معدل 17 كيلومترا في الساعة، فيما أنها في الناصرة لا تتجاوز 7 كيلومترات في الساعة في بعض الأيام، ما يعني أن الحافلات تنطلق في ساعة محددة، لكنها لا تصل إلى هدفها بالوقت المحدد".

"عرب 48": ما هي المواصلات العامة؟

عفيفي: المواصلات العامة مركبة من 4 - 6 عناصر أساسية، وهي مسار محدد مع مواقف محددة في الطريق مع ساعات انطلاق محددة وسعر محدد، هذه هي العناصر الأساسية للمواصلات العامة تنضاف إليها نوعية وسيلة النقل وحجم وسيلة النقل، وهي تحدد حسب عدد الركاب في ساعة الذروة، في أكبر محطة تتوقف عندها الحافلة. والحافلات ثلاثة أحجام، كبيرة ومتوسطة وصغيرة، ومنها ما هو معد للعمل داخل المدن ومنها ما هو معد لخارج المدن. ومع توفر هذه العناصر نحصل على موافقة وزارة المواصلات لتشغيل خط مواصلات، ونحن لا نستطيع أن نسيّر وسيلة نقل في مسار ما دون أن تتوفر فيه هذه المركبات الأربعة أو الستة. أضف إلى ذلك أن هناك ثلاثة أنواع من المحطات، النوع الأول لصعود الركاب فقط والنوع الثاني لنزول الركاب فقط والنوع الثالث لصعود ونزول الركاب. كل هذه العناصر مجتمعة معا تشكل أساسا للحصول على رخصة خط من وزارة المواصلات".

وأوضح عفيفي أنه "عندما نتوجه لوزارة المواصلات بطلب تشغيل خط حافلة يكون الطلب بناء على توجه من السلطة المحلية أو من الجمهور، وتقوم وزارة المواصلات بدورها بإجراء فحص الجدوى والحاجة لوجود خط من خلال استطلاعات تجريها الوزارة ومن ثم يقوم خبراء شركتنا بوضع خطة تشغيل وتقديمها للوزارة التي بدورها تقارن الخطة مع الاستطلاعات التي أجرتها، وعلى هذا الأساس يبنى خط المواصلات العامة".

وحول الخطة الأخيرة لإعادة هيكلة وتنظيم المواصلات العامة في الناصرة، قال عفيفي إن "المشاورات بدأت بشكل فعلي نهاية العام 2017 من خلال سلسلة لقاءات ومراسلات ونقاشات جرت بين بلدية الناصرة ووزارة المواصلات من جهة، وبين شركة العفيفي المشغل لباصات البلد من جهة أخرى".

وأكد أنه "من خلال هذه اللقاءات والمراسلات قمنا بتقديم خطة عمل واقتراحات لحل أزمة السير في الناصرة، وبالمقابل قدمت الوزارة مشروعا بالتشاور مع خبرائها ومستشاريها مع الأخذ بعين الاعتبار ملاحظاتنا على المشروع. وكان لدينا توجه إضافي يتعلق بعدم وجود محطة مركزية في مدينة الناصرة، والحاجة ليس فقط لمحطة مركزية وإنما إلى ثلاث محطات استيعاب للباصات القادمة من خارج المدينة، من الشمال ومن الجنوب ومن اتجاه مدينة نتسيرت عيليت المجاورة، بحيث أنه لا يعقل أن يبقى الشارع الرئيسي للمدينة هو المحطة المركزية وتدخل إليه كل الباصات القادمة من كل الاتجاهات وعددها بالعشرات وأحيانا بالمئات".

ازدحامات مرورية بالناصرة

نشير هنا إلى أنه عقدت بتاريخ 2018.5.22 جلسة موسعة في وزارة المواصلات بمشاركة بلدية الناصرة، وشركة "يافيه نوف" التي تخطط للمواصلات العامة في منطقة الشمال، وهي الشركة التي تخطط اليوم لإقامة محطة مركزية في جنوبي الناصرة، حسب معلومات حصلنا عليها في "عرب 48".

الحل حسب الخطة الجديدة

وبيّن عفيفي: "نحن كشركة حافلات نعمل وفق تعليمات وزارة المواصلات، وليس لدينا أي اعتراض على مشاريعها، وما يهمنا هو أن نقدم خدمة لائقة وناجعة للجمهور، وأن تغطي المواصلات كافة أجزاء المدينة. ومصلحة المواطن من مصلحة البلد ومصلحة الشركة أيضا".

وليد العفيفي

وأشار إلى أنه "بتاريخ 2019.2.5 عقدت جلسة نهائية مع وزارة المواصلات تقرر خلالها زيادة عدد الخطوط في الناصرة وتغيير وتيرة البعض منها، وفي خطوط أخرى تم تغيير حجم الحافلات بما يتناسب مع متطلبات الوزارة، وهنالك خطوط أضيفت من أجل التعويض عن النقص الذي طرأ بسبب تغيير الوتيرة، بحيث أن هذه الخطوط شبه مباشرة بين موقعين في المدينة بدون ضغط على الشارع الرئيسي، بمعنى أنها خطوط مع عدد محطات قليلة ومسارات لا تمر عبر الشارع الرئيسي للمدينة، ومنذ 2019.3.8 بدأ برنامج التنفيذ والعمل بموجب الخطة الجديدة".    

علاقة البلدية بشركة العفيفي

وعن علاقات التعاون بين شركة العفيفي وبلدية الناصرة، بعد المنافسة في الانتخابات على رئاسة بلدية الناصرة بين وليد عفيفي وعلي سلام، قال عفيفي: "نحن نعمل في مدينة تضم مؤسسة اسمها بلدية الناصرة، وهذا غير مرتبط بالآراء السياسية والتوجه للحياة العملية في مدينة مثل الناصرة. هذا لا يمنع أن يكون بيننا أي تعاون في المجالات التي يجب أن يكون فيها تعاون، وهو أمر ضروري وحيوي لخدمة المجتمع المحلي".

أندريا: الحل يكمن في إقامة محطات مركزية

وقال المهندس ألبير أندريا، وهو مخطط سير ومواصلات للعديد من المشاريع الضخمة في البلاد، وصاحب مكتب للهندسة في مدينة الناصرة، إن "مدينة تضم أكثر من 80 ألف مواطن غير الوافدين إليها يوميا تفتقر لمحطة مركزية أمر يجعل شارعها الرئيسي مليء بحافلات نقل الركاب والسياح والوافدين إلى المدينة وسكان المدينة وطلابها وغيرهم".

وأضاف أن "المواصلات العامة يجب ألا تكون سببا لأزمات السير والاختناقات المرورية، لكن في مدينة الناصرة هي نعم تشكل سببا رئيسيا للأزمة بسبب عدم وجود محطات مركزية تستوعب الحافلات القادمة إلى المدينة من الاتجاهات المختلفة، بحيث لا ينبغي لكل هذه الحافلات أن تدخل الشارع الرئيسي للمدينة المزدحم بوجه عام".

وأكد أندريا أنه "بشكل عام التخطيط الصحيح المتبع في المدن الكبرى يحظر على الحافلات القادمة من خارج المدن الدخول إليها، فكم بالحري الناصرة المدينة التاريخية القديمة بشارعها الرئيسي الوحيد والضيق الذي لا يتسع لكل هذه الكمية من الحافلات التي تصل إليها يوميا. وبالتالي التخطيط السليم يكون عن طريق استيعاب الحافلات الوافدة قبل دخولها المدينة من الناحية الشمالية ومن الناحية الجنوبية، وتتوقف عندها الحافلات ومن ثم ينتقل الركاب منها إلى الخطوط الداخلية للمدينة".

وأشار إلى أن "شركة 'يافيه نوف' تقوم بالتخطيط لمحطة مركزية جنوبي المدينة (قرب المنطقة الصناعية) والتي يفترض أن تستوعب الحافلات المقبلة إلى المدينة من الأماكن البعيدة. الناصرة تحتاج إلى نحو 13 خطا للمواصلات العامة، بما يشمل عيلوط والرينة ونتسيرت عيليت ويافة الناصرة. هذه الخطوط يجب أن تدخل المدينة مباشرة، فلا يعقل للقادم من يافة الناصرة أو الرينة على سبيل المثال، أن ينزل في محطة مركزية ثم ينتقل بحافلة أخرى إلى داخل المدينة فهذا غير منطقي. أما القادم من حيفا وشفاعمرو ودير حنا وغيرها من البلدات البعيدة فلا ينبغي لهذه الحافلات أن تدخل مباشرة إلى المدينة وإنما تصل المحطة المركزية ومنها إلى الخطوط الداخلية للمدينة بذات التذكرة".

ألبير أندريا

وضرب أندريا نموذجا مدينة حيفا التي تضم محطة مركزية في "نوف هكرمل" لاستيعاب الحافلات القادمة من الجنوب، ومحطة "ليف همفراتس" لاستيعاب الحافلات القادمة من الشمال ومن ثم نقل الركاب إلى داخل المدينة عبر خطوط داخلية. وقال إن "غياب هذا النموذج في الناصرة يجعلك تشاهد عشر حافلات تسير الواحدة منها خلف الأخرى في مشهد ملفت للنظر".

وعن التخطيط الجديد للمواصلات العامة في الناصرة، قال مهندس السير والمواصلات إن "المسافة بين المحطات قليلة جدا لذلك وجب اختزال بعض المحطات"، مشيرا إلى أن "المحطة يجب أن تكون معدّة لخدمة الجمهور المحيط بها لغاية 300 متر، بينما في الناصرة تخدم كل محطة محيط 150 مترا ما يعني أنه بالإمكان إلغاء بعض المحطات وهذا من شأنه أن يسرع حركة السير وأن يوزع الركاب (طالبي خدمة المواصلات العامة) على مساحة أوسع فضلا عن أن وقوف كل الحافلات عند كل المحطات أمر من شأنه أن يفاقم أزمة السير في الوقت الذي لا تتسع فيه المحطة لأكثر من حافلة واحدة!".

وختم أندريا بالقول إن "الإجراء الذي دخل حيز التنفيذ، مؤخرا، هو مؤقت إلى حين إتمام مشروع المحطة المركزية، وعلمت من إحدى المسؤولات في وزارة المواصلات بأن المشروع الجديد أثبت نجاحه ونجاعته، رغم أنني أعتقد أنه ليس هذا هو الحل الجذري لأزمة السير في المدينة، وأنا واثق أنه في اليوم الذي ستعمل فيه محطتان مركزيتان في شمالي المدينة وجنوبها ستتم إعادة صياغة المواصلات العامة في المدينة بشكل أفضل وأكثر نجاعة".

سلّام: باصات البلد سبب الأزمة

وقال رئيس بلدية الناصرة، علي سلام، لـ"عرب 48" في تعقيبه على التعديلات الجديدة ومخطط المواصلات العامة الجديد، إن "الجميع يعلم أن أحد أهم مسببات أزمة السير في البلد هو باصات العفيفي أو باصات البلد، خصوصا في ساعات المساء ترى 10  و20 حافلة تسير الواحدة تلو الأخرى في الشارع الرئيسي وهي شبه خالية من الركاب".

علي سلام

وانتقد سلام أصحاب شركة "باصات البلد"، وقال إنه "كان عليهم أن يتنبهوا لهذا الأمر وأن يجدوا الحلول لأعداد الحافلات الكبيرة التي تقل راكبا واحدا أو راكبين، إذا كانوا غيورين على مصلحة البلد وخدمة أهله".

وختم رئيس بلدية الناصرة بالقول إنه "في إطار عملنا على معالجة موضوع أزمة السير رأينا أنه لا حاجة لهذا العدد الهائل من الحافلات الخالية من الركاب وقمنا بخطوات من شأنها تقليص عدد وحجم الحافلات، ورأينا أنه لا حاجة لوجود محطة باص كل 50 مترا وقمنا باختزال عدد المحطات، ونعمل على إقامة محطة مركزية جنوبي المدينة باتجاه العفولة أو ما يعرف بمنطقة الكسارات".   

 

التعليقات