مياه الشرب بالنقب: صعوبة في الحصول عليها ودفع أثمانها

يعاني أهالي 36 قرية، مسلوبة الاعتراف، و11 قرية تم الاعتراف بها بعد العام 2000 في النقب، جنوبي البلاد، من انعدام الخدمات الأساسية بسبب منع السلطات الإسرائيلية لخدمات الكهرباء والمياه والصرف الصحي وغيرها.

مياه الشرب بالنقب: صعوبة في الحصول عليها ودفع أثمانها

مواطن قرب صنبور مياه بالنقب (تصوير "عرب 48")

يعاني أهالي 36 قرية، مسلوبة الاعتراف، و11 قرية تم الاعتراف بها بعد العام 2000 في النقب، جنوبي البلاد، من انعدام الخدمات الأساسية بسبب منع السلطات الإسرائيلية لخدمات الكهرباء والمياه والصرف الصحي وغيرها.

وتنضاف إلى ذلك المصاعب في تحصيل متطلبات الحياة العادية المتواضعة بسبب الفقر المدقع الذي وصلت نسبته إلى 60% في النقب، حسب الإحصائيات الأخيرة.

عقاب ومعاناة

تعاقب المؤسسات الإسرائيلية المطالبة بتوفير الخدمات، المواطنين العرب في النقب، في معظم مناحي الحياة اليومية، وتفرض واقع انعدام متطلبات العيش، لا طرق معبدة في القرى مسلوبة الاعتراف، لا خدمات جمع نفايات، وتسعى لجان التخطيط إلى مصادرة وسلب الأرض من أهالي هذه التجمعات السكنية وأصحاب دعاوى الملكية على الأرض.

كما تساهم المؤسسات الخدماتية القُطرية في البلاد في معاناة العرب بالنقب، فمثلا شراكة شركة الكهرباء الإسرائيلية في مخطط "الخط الكهربائي- الضغط العالي" يهدّد بتهجير نحو 15 ألف مواطن عربي يعيشون في كل من قرى السرة، وادي النعم، وادي المشاش، إذ يهدّد المخطط في مرحلته الأولى بمصادرة نحو 50 ألف دونم أرض، ورغم مرور هذا المخطط من ثلاث قرى عربية بالنقب، على الأقل، فإن خطوط الضغط العالي لن توفر الكهرباء لأي تجمع سكاني عربي بل فقط للقواعد العسكرية والبلدات الاستيطانية اليهودية.

من هنا يحصل عرب بالنقب على مياه الشرب (تصوير "عرب 48")

وليست شركة الكهرباء الشريك الوحيد لسلطات التهجير في مخططاتها بغطاء التنظيم والخدمات فشركة "عابر إسرائيل" المسؤولة عن شق طرق سريعة سوقت مخطط شارع 6، أو مخطط استكمال شارع "عابر إسرائيل" الذي يهدد نحو خمسة آلاف شخص يعيشون في 9 قرى عربية بالنقب، وهي: المساعدية، القرين، خربة الوطن، بير الحمام، خشم زنة، الصواوين، الشهبي، وادي النعم ووادي المشاش. ويصادر المخطط بالمجمل 33 ألف دونم أرض.

المخططان المذكوران يجسدان دور الهيئات الخدماتية للسلطات بالنقب، ينضاف إليهما دور شركة المياه القطرية في البلاد "مكوروت"، ويناضل أهالي قرية خشم زنة، مسلوبة الاعتراف، ضد مخططها الهادف لإنشاء خزان مياه على أنقاض مقبرة خشم زنة التاريخية. ويهدف المخطط لإزالة مقبرة تاريخية يقدر عمرها بمئات السنوات.

تتعالى الأصوات في النقب ضد دور شركة المياه "مكوروت" التي يراها العرب شريكة في تعميق معاناتهم وحليفة لما تسمى "سلطة تطوير النقب" ووزارة الزراعة، حيث تحصل العديد من القرى، مسلوبة الاعتراف، على مياه الشرب من "مكوروت"، والخدمة الوحيدة التي تقدمها الشركة وضع صنبور مياه واحد قد يخدم قرية كاملة على الشوارع الرئيسة للقرى، ولا تهتم ببعد الشارع الرئيسي عن القرية فيما يضطر الأهالي إلى مد شبكات وخراطيم مياه، من الصنبور الرئيس إلى منازلهم على حسابهم الخاص وشراء عدادات المياه من الشركة.

وعن الحق في المياه "كأداة للضغط وملاحقة العرب بالنقب"، قال مدير مكتب "عدالة- المركز القانوني لحقوق الأقلية العربية في إسرائيل"، الحقوقي مروان أبو فريح، لـ"عرب 48" إن "وزير الزراعة، أوري أريئيل، أعلن قبل نحو عامين بأن ربط قرى النقب بشبكة المياه القطرية مشروط بالاعتراف، وعليه لن يتم ربط القرى غير المعترف بها بشبكة المياه القطرية. وعن ذلك، قال مدير ما تسمى ‘سلطة تطوير النقب’، يائير معيان، إن ربط القرى غير المعترف بها بشبكة المياه هو بمثابة عامل محفز لبقاء السكان في قراهم غير المعترف بها، ونحن لا نريد ذلك، كما لا فائدة من استثمار الموارد لربط هذه القرى بشبكة المياه طالما سيتم نقلهم من مكانهم الحالي إلى آخر في المستقبل القريب. وفي المقابل كان رد جمعية 'رغيفيم' الاستيطانية أن ربط البدو بشبكة المياه سيدعم سيطرتهم على أراضي الدولة".

وأكد أنه "يمكننا القول إن السلطات الإسرائيلية تستخدم مصدر الحياة، وأبسط شروطها، وتحوله مستغلة ذلك إلى سلاح للضغط على سكان القرى غير المعترف بها للقبول بالتنازلات والرحيل عن الأرض، وهكذا يصبح حسر المياه في مقدمة خطط التهجير، لتطبيق الخطة الإستراتيجية الكبرى. وقد دأبت السلطات الإسرائيلية على وضع العقبات المختلفة أمام سكان القرى غير المعترف بها على الاستخدامات اليومية والزراعية للمياه، من خلال رفض معظم الطلبات لربط هذه القرى بشبكة المياه، ومن خلال الأسعار المرتفعة، أضعاف السعر المتداول".

وختم أبو فريح بالقول، إن "الأمر يتناقض مع السابقة القضائية التي أقرتها المحكمة العليا في حزيران/ يونيو 2011، أن الحق بالمياه هو حق دستوري لكل مواطن وأن لكل مواطن الحق في الحصول على الحد الأدنى من المنالية لمصادر مياه الشرب. وفي تعريف 'الحد الأدنى' نجد أن المحكمة العليا رفضت توضيح ذلك، حيث أن هذا الأمر يأتي في إطار سياسة ممنهجة تعتمدها السلطات الإسرائيلية منذ عشرات السنوات تجاه العرب بالنقب، لتهجيرهم من قراهم وحصرهم وتركيزهم على أقل مساحة من الأرض، والتي نشهدها اليوم بنهج جديد قديم يتم تسويقه تحت ما يسمى تطوير النقب من خلال 'مشاريع وطنية'. وعلى سبيل المثال لا الحصر، في الفترة ما بين 1997 و2010 تم تقديم نحو 675 طلبا لربط هذه القرى بشبكة المياه القطرية حيث تم قبول نحو 106 طلبات، أي ما يعادل 15.7% فقط. وهكذا أصبحت المياه سلاحا ذا حدين، الصمود والتهجير".

مياه للشرب بأسعار باهظة

يُجبر أهالي القرى، مسلوبة الاعتراف، على دفع مبالغ كبيرة مقابل الحصول على مياه الشرب، حيث يدفع أهالي قرى الصمود إلى جانب تكاليف بناء شبكة مياه خاصة بهم وصيانتها مبالغ تتراوح بين 8 ولغاية 15 شواقل مقابل كوب مياه واحد، وهو أضعاف ما يتم دفعه في القرى المخططة وفي بعض القرى العربية بالنقب يطلب من أهلها دفع أكثر من 15 شيقلا ثمن كوب الماء.

ويعطى أهالي القرى المذكورة عددا معينا من عدادات المياه، حسب تعليمات شركة المياه. وقد يجمع عداد واحد مجموعة من العائلات تضطر لدفع ثمن المياه في فاتورة واحدة، وأدى هذا الوضع للعديد من المشاكل التي يعاني منها الذين يحصلون على المياه بعد فرض قانون "الحد من استخدام النقود" الذي فرضه الكنيست في آذار/ مارس 2018، إذ يمنع القانون القيام بأي معاملة مالية نقدية قدرها أكثر من 11 ألف شيقل.

لا تقبل فروع بنك البريد والمؤسسات الأخرى التي يستطيع مستهلكو المياه من أهالي القرى، مسلوبة الاعتراف، دفع فواتير استهلاك المياه فيها بمبالغ نقدية تفوق 11 ألف شيقل، وبسبب الأسعار العالية لفاتورة المياه التي يشارك فيها العديد من المستهلكين يجدون أنفسهم في وضع صعب حيث لا يستطيعون دفع المبالغ دفعة واحدة ولا يمكن دفعها دفعة واحدة من ناحية تقنية.

وضع غير معقول

وقال مسؤول المياه من قبل اللجنة المحلية في قرية أم رتام مسلوبة الاعتراف، الشيخ علي المحذي، لـ"عرب 48": "أنا المسؤول عن دفع مستحقات المياه عن أهالي قرية أم رتام. في قريتي غير المعترف بها يعيش المئات من العرب الذين يشكل تحصيل الخدمات الأساسية من المياه والكهرباء وغيرها جزءًا من العبء اليومي لديهم".

وأضاف أنه "ندفع الكثير من المال مقابل المياه ودائمًا ما نعاني في قضية ماء الشرب، ولكن مع بروز قانون دفع النقود الجديد زادت معاناة أهالي أم رتام، وأصبح من المستحيل ألا تقطع المياه عنا".

وختم المحذي بالقول: "أقوم بجمع ثمن المياه قبل موعد الدفع، ولكن لا تقبل المكاتب أن تتلقى هذه الأموال لأن المبلغ دائمًا يزيد عن 11 ألف شيقل. نحاول دائما تقسيم المبالغ على عدة أشخاص، ولكن في معظم الحالات لا يسمحون لنا أو تقطع عنا المياه بسبب التأخر في الدفع، هذا الوضع غير معقول".

وقال مسؤول المياه لجزء كبير من أهالي قرية الزرنوق مسلوبة الاعتراف، عبد الكريم أبو حامد، لـ"عرب 48": "اقترحنا العديد من الحلول. فصل عدادات المياه عن بعضها البعض ووضع عداد لكل بيت مثلا أو السماح بدفع المبلغ من قبل أكثر من شخص، ولكن لا حياة لمن تنادي".

وأكد أنه "خلال العام الجاري كان من الصعب جدا دفع أثمان المياه. المبالغ كبيرة جدا وفي الكثير من الأحيان يعاني بعض الأفراد من الوضع الاقتصادي المزري، لا يملكون نقودا لدفع ثمن المياه، فتقطع المياه عن الجميع ما لم نستطع إتمام تسديد المبلغ المطلوب".

 

التعليقات