إسرائيل نقلت أطفالا عربا للتبني بأوروبا: اختطاف ومتاجرة

طالب القاضي ناطور النواب العرب عن القائمة المشتركة بتقديم طلبات رسمية لإقامة لجنة تحقيق في القضية، علما أن الحديث يدور عن إرسال 214 طفلا للتبني بأوروبا، بأساليب ما زالت تتكتم عليها إسرائيل.

إسرائيل نقلت أطفالا عربا للتبني بأوروبا: اختطاف ومتاجرة

توضيحية (pixabay)

دعا رئيس محكمة الاستئناف الشرعية السابق، بروفيسور أحمد ناطور، إلى تشكيل لجنة تحقيق رسمية حول إقدام إسرائيل على إرسال عشرات الأطفال الفلسطينيين من أصول إسلامية في سبعينيات القرن الماضي ولغاية مطلع التسعينيات للتبني في دول أوروبية، وخصوصا السويد وهولندا.

وطالب القاضي ناطور، النواب العرب عن القائمة المشتركة، بتقديم طلبات رسمية لإقامة لجنة تحقيق في القضية، علما بأن الحديث يدور عن إرسال 214 طفلا للتبني بأوروبا، بأساليب ما زالت تتكتم عليها إسرائيل التي اعترفت بشكل رسمي عبر الوزير يريف لفين، وهو الوزير المنسق بين الحكومة والكنيست.

ورغم اعتراف المؤسسة الإسرائيلية بتسليم أطفال مسلمين من أصول فلسطينية من مراكز للتبني والرعاية بإسرائيل إلى منظمات سويدية وهولندية، إلا أنها واصلت التكتم على الآليات والوسائل والدوافع لإرسال الأطفال الفلسطينيين إلى أوروبا، ورفضت الإفصاح عن الأساليب التي انتهجتها أو المقابل الذي حصلت عليه.

بروفيسور أحمد ناطور

وحث القاضي ناطور جميع الأطر والفعاليات الفلسطينية إلى ممارسة الضغوط على الحكومة الإسرائيلية، وإجبارها على الكشف عن حجم الظاهرة وقوائم الأطفال الذي حولوا إلى التبني بأوروبا وإلزامها بمنحهم جميعا المواطنة الإسرائيلية وحق العودة إلى البلاد.

ومما يذكر أن الغالبية العظمى من هؤلاء، اليوم، في الثلاثينيات وحتى الأربعينيات من العمر، ولهم الحق القانوني والأخلاقي بالحفاظ على الانتماء الديني والقومي والثقافي والحضاري واللغوي وحتى الجنسية.

"عرب 48": ما هي قصة الأطفال العرب الذين ولدوا في البلاد، وتم نقلهم إلى السويد للتبني؟

ناطور: القضية بدأت في مطلع سبعينيات القرن الماضي، إذ شرعت إسرائيل عبر الوزارات الحكومية ذات الصلة ومتابعة وإشراف وزارة الرفاه الاجتماعي إرسال عشرات الأطفال الفلسطينيين من أصول إسلامية للتبني في دول أوروبا.

استمرت السلطات الإسرائيلية بهذا النهج في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، بإرسال الأطفال الفلسطينيين للتبني إلى أوروبا، سواء من الداخل الفلسطيني ولربما القدس والضفة الغربية وحتى قطاع غزة. وتم ذلك، بشكل يتنافى والقوانين الدولية، وحتى قانون التبني المعمول به في إسرائيل التي ورغم اعترافها تواصل التكتم على القضية وحيثياتها وأساليب التي تم استعمالها لإرسال الأطفال للتبني.

"عرب 48": هل يعرف أحد أو جهة ما هوية هؤلاء الأطفال، دياناتهم، في أي مستشفيات ولدوا، من هم آباؤهم وأمهاتهم؟

ناطور: وصلتني في العام 1998 حيث كنت في حينه رئيسا لمحكمة الاستئناف الشرعية في البلاد معلومات مفادها بأن إسرائيل ومنذ سبعينيات القرن الماضي ترسل أطفالا فلسطينيين مسلمين للتبني في أوروبا بعد ولادتهم في مستشفيات بالبلاد، وعلى وجه الخصوص الوجهة لهؤلاء للأطفال كانت السويد وهولندا.

من المعلومات اتضح أن الدولة، بمختلف مؤسساتها الرسمية، عملت على تصدير الأطفال المسلمين بشكل يتعارض والقوانين والتشريعات الإسرائيلية، كما أنه ليس من المستبعد أن تكون هذه الإجراءات طالت أطفالا من مختلف المناطق الفلسطينية الواقعة تحت السيادة التامة لسلطات الاحتلال والحاكم العسكري في حينه.

"عرب 48": كيف عالجتم هذه المعلومات قبالة الدوائر الإسرائيلية الرسمية، وهل أتضح أن أحد الوالدين أو العائلة صادق على نقلهم إلى أوروبا أو السويد؟

ناطور: توجهت في العام 1998 برسالة رسمية إلى المستشار القضائي للحكومة في حينه، إلياكيم روبنشطاين، وكشفت عما لدي من معلومات التي تؤكد أن إسرائيل تعمل على تصدير أطفال فلسطينيين إلى دول أوروبية، وأكدت له أن أي جهة إسرائيلية لم تتشاور معي ولا مع أي جهة إسلامية بالبلاد حيال موضوع التبني. وطالبت روبنشطاين بالكشف عن سجلات هؤلاء الأطفال وعائلاتهم، وإذا ما كانت العائلة أو أحد الوالدين يعلمون بالموضوع أو صادقوا على نقلهم للتبني خارج البلاد، وأيضا كشف سجلات تشير إلى أمكان تواجدهم.

لقد صدمت من رد المستشار القضائي للحكومة الذي منح الغطاء والصمت والتكتم لمختلف الدوائر الإسرائيلية الرسمية الضالعة، واكتفى بالقول إنه من خلال مراجعته للمسؤولين في وزارة الرفاه الاجتماعي أكدوا له أن جميع الإجراءات للتبني تمت بشكل قانوني.

"عرب 48": من هي الجهة الإسرائيلية التي نفذت نقلهم وتسليمهم للتبني، وكيف تم ذلك؟ من رافقهم إلى السويد، ومن أشرف على التبني؟

ناطور: من خلال متابعة القضية ومراجعة المستشار القضائي للحكومة في حينه، اتضح بشكل مؤكد بأن وزارة الرفاه الاجتماعي تقف على رأس الهرم بهذا الملف، لكن ليس من المستبعد أن تكون جهات أخرى ضالعة بالقضية. وعلى هذا الأساس توقعت من المستشار القضائي أن يوصي بإقامة لجنة تقصي حقائق رسمية، لكن تم طي توجهاتنا بزعم أن الأمور تمت بشكل قانوني.

باعتقادي أن هذه قضية إرسال أطفال فلسطينيين والتي لربما ما زالت مستمرة ومتواصلة حتى يومنا تحت ذرائع مختلفة، لا تقل أهمية وخطورة عن قضية الأطفال اليهود من أصول يمنية والذين اختطفوا في خمسينيات وستينيات القرن الماضي من عائلاتهم، سواء بالمستشفيات مباشرة بعد الولادة أو الإعلان عن وفاة المولود، إذ تم تحويل غالبيتهم العظمى للتبني لأسر يهودية داخل البلاد. وبالتالي ليس من المستبعد أن يكون الأطفال الفلسطينيون قد تعرضوا لذات الأساليب واختطفوا فور ولادتهم ونقلوا للتبني إلى أوروبا. لذا، أطالب بتشكيل لجنة تقصي حقائق رسمية، وأدعو النواب العرب في القائمة المشتركة لتحريك هذا المطلب والدفع نحو تشكيل لجنة تحقيق للكشف عن كواليس القضية، وللإجابة عن الكثير من الأسئلة التي تتكتم عليها الدوائر الإسرائيلية الرسمية.

"عرب 48": من أثار هذه القضية، وكيف عرفتم أن عددهم 192 طفلا، وأن نقلهم وتبنيهم جرى في السبعينيات والثمانينيات؟

ناطور: المعلومات التي وصلتني في العام 1998 تحدثت عن عشرات الحالات منذ سبعينيات القرن الماضي، تم خلالها إرسال أطفال فلسطينيين للتبني إلى أوروبا، وخلال مراجعتي للقضية قبالة المستشار القضائي للحكومة، روبنشطاين، اعترفت الدوائر الرسمية بتحويل 192 طفلا مسلما إلى أوروبا حتى مطلع تسعينيات القرن الماضي.

"عرب 48": هل من الجائز أن هناك حالات أخرى، قبل السبعينيات أو بعد التسعينيات، وربما لا تزال هذه الأمور جارية حتى اليوم؟

ناطور: ليس من المستعبد أن تكون هناك حالات أخرى قبل سبعينيات القرن الماضي. عندما كان المواطنون العرب في الداخل تحت سيادة القانون المدني حدثت هذه الحالات، فما بالكم بعد النكبة أو عندما وقع المواطنون العرب تحت الحكم العسكري في ستينيات القرن الماضي.

وبعد مراجعة المستشار القضائي للحكومة عن حالات التبني حتى العام 1990، في حينه اعترف أيضا أنه بين الأعوام 1995 و1998 تم إرسال 22 طفلا مسلما للتبني إلى السويد. وبالتالي ليس من المستبعد أن تستمر إسرائيل إلى يومنا هذا في إرسال الأطفال للتبني خارج البلاد.

"عرب 48": لماذا التعتيم على هذه القضية، ومن المسؤول عن محاولة التستر عليها، وكيف تفسر عدم تجاوب السلطات الإسرائيلية مع مطالبتك بتوضيح القضية وكشف تفاصيل عنها؟

ناطور: القضية أشبه بالمتاجرة بالأطفال الفلسطينيين. الموضوع بمثابة اختطاف الأطفال، وعليه يتم التكتم على القضية وتمتنع إسرائيل عن فتح الملف كون الحالات والإجراءات أولا تتنافى وقانون التبني الإسرائيلي المعمول به والمعدل منذ العام 1981. وينص قانون التبني الإسرائيلي على حظر نقل أطفال للتبني خارج البلاد وضرورة تحويل الطفل المتبنى إلى عائلة من نفس الديانة والقومية بعد مصادقة الوالدين أو أحد الوالدين أو العائلة. وفي حالات التبني التي كشف النقاب عنها لم تستوف، على ما يبدو، هذه الشروط المنصوصة بالقانون.

تخشى السلطات الإسرائيلية كذلك الكشف عن حجم الملف وأيضا المساءلة ليس فقط محليا وإنما دوليا، هل تم الشيء بشكل ممنهج للمتاجرة بالأطفال وإرسالهم للتبني إلى عائلات ليست من ذات القومية والديانة، أو لربما فقدوا بذلك الجنسية الإسرائيلية. وليس من المستبعد أصلا أن العائلات لا تعرف أن أولادها أرسلوا للتبني وكذلك الأطفال، إذ يلزم القانون سواء الإسرائيلي وحتى الدولي بالإبقاء على العلاقات بين العائلة والطفل الذي أرسل للتبني. كما أن إسرائيل بهذا التكتم والصمت تعترف بشكل ضمني أن حالات التبني ما زالت مستمرة إلى اليوم، وقد لا تكون الحالات تشمل أطفالا مسلمين فقط، لربما من مختلف الديانات أيضا، المسيحية واليهودية، إذ تقوم إسرائيل بذلك على الرغم من وجود ترتيبات لعائلات حاضنة بحسب نظام الكفالة الإسلامية.

"عرب 48": هل هذا العمل قانوني، من ناحية الأنظمة الإسرائيلية والدولية؟ هل هذه عملية اختطاف أطفال؟ وهل حصلت إسرائيل على مقابل من أي نوع بعد تسليم الأطفال إلى السويد؟

ناطور: هنا أتساءل، هل كانت سلطات الدولة المختلفة على دراية بحالات التبني وكيف كانت تتم؟ لا بد من التأكيد أن حالات التبني هذه تمت بشكل يتعارض والقوانين الإسرائيلية، وأيضا بشكل يتنافى مع ميثاق الأمم المتحدة واتفاقية حقوق الطفل من العام 1989 والتي تم تحديثها ووقعت عليها إسرائيل بالعام 1991. لقد قامت السلطات الإسرائيلية بإرسال أطفال للتبني بأوروبا رغم وجود البدائل في البلاد، وأنا بدوري أخبرت المستشار القضائي للحكومة بضرورة الكف عن ذلك بسبب وجود البدائل، إذ أقمت هيئة خاصة تعنى بتثبيت ترتيبات إسلامية بموضوع التبني بحسب ما ينص عليه القانون الإسرائيلي أيضا، الذي يمنع إرسال أطفال للتبني خارج البلاد، كما ينص على إرسال الطفل لعائلة من نفس القومية والديانة. ونشطت هذه الهيئة لكن الجهات الإسرائيلية الرسمية رفضت التعامل معها، من أجل ترتيب الإطار لإيجاد عائلات حاضنة لاستيعاب هؤلاء الأطفال بحسب الشرعية الإسلامية، وعلى أساس نظام الكفالة الإسلامية المنصوص عليه بميثاق الأمم المتحدة. وبالتالي نحن قبالة قضية يجب فتح تحقيق بها كونها تتمحور حول اختطاف أطفال ليس على أيدي جهات إجرامية أو جنائية، وإنما على أيدي دولة ومؤسساتها الرسمية المختلفة.

 

التعليقات