اللاجئون السودانيون في البلاد.. بين الاغتراب والعنصرية

كانت الطريق التي سلكها الشاب السوداني، محمد باين، في العام 2012، من السودان إلى البلاد، "كالذي يزحف على الجمر"، حسبما قال بألمٍ في حديثه لـ"عرب 48".

اللاجئون السودانيون في البلاد.. بين الاغتراب والعنصرية

السوداني، محمد باين، في تل أبيب (عرب 48)

يقطن عدد من اللاجئين الأفارقة، بينهم بعض السودانيين، في عمق عاصمة الاقتصاد والتجارة الإسرائيلية، مدينة تل أبيب، وسط البلاد، في مناطق عشوائية تحوّلت في الأعوام الأخيرة، إلى بؤر للفقر وتجارة المخدرات، في ظل إهمال صارخ من قبل السلطات الإسرائيلية.

كانت الطريق التي سلكها الشاب السوداني، محمد باين، في العام 2012، من السودان إلى البلاد، "كالذي يزحف على الجمر"، حسبما قال بألمٍ في حديثه لـ"عرب 48".

لم تكن الحرب الأهلية التي نزح بسببها باين ورفاقه من السودان إلى البلاد، أشد شراسة من رحلة اللجوء التي رسمت بطريقها كل معاني الآلام، وأكد أن "الموت قابلني في الطريق، أكثر من مرة، في رحلة حفتها المخاطر وامتدت على آلاف الكيلومترات تهريبا".

وشبّه اللاجئ السوداني طريق نزوحه حتى وصوله إلى البلاد، بـ"الجحيم"، وقال إنه "كنا ننام في العراء، وسط الصحراء والجبال، دون مأوى ولا حماية، في خوف شديد لا تدري ما الذي سيحل بك وسط الظلام الدامس، عدا عن العذاب والأخطار التي واجهتنا عند تخطي الأسلاك الشائكة على الحدود، والتي كانت تأكل لحم أجسادنا".

الهروب من الحرب إلى العنصرية

آلاف السودانيين الذين هاجروا إلى إسرائيل بعد أزمة دارفور، هربوا من القتل والتعذيب والاغتصاب والظلم والسجن دون محاكمة والعمل القسري، وغيرها من الظروف الصعبة التي عانوا منها في ظل نظام وصف بالديكتاتوري، والذي لا يحترم حقوق الإنسان، بحسب منظمة العفو الدولية.

بدأت رحلة اللجوء للسودانيين إلى شتى أنحاء العالم، مع اشتداد الحرب الأهلية الثانية في السودان في العام 1983، راح ضحيتها مئات الآلاف من القتلى والمهجرين، ومن ثم كانت الفترة الأكثر لجوء للسودانيين إلى البلاد بين الأعوام 2003- 2012.

يشكل السودانيون ما نسبته 20% من اللاجئين من الأصول الأفريقية في البلاد، تركوا وطنهم لطلب العمل والحماية. ويقدّر عددهم، اليوم، بنحو 14 ألف يتوزعون في كافة البلدات، وغالبيتهم في تل أبيب ومنطقتها.

بعد ازدياد عدد اللاجئين من الدول الأفريقية في البلاد، تهريبا عبر الحدود المصرية، بنت إسرائيل جدارا عازلا بينها وبين مصر، على طول 241 كيلومترا، للحد من دخول اللاجئين إلى البلاد.

بين كورونا والاغتراب

وسط جائحة كورونا التي عصفت بكل العالم، اقتصاديا واجتماعيا، شكلت أزمة أخرى تحديدا لمن تركوا أوطانهم وتغربوا، ليكونوا مغتربين مرتين، الأولى بحثا عن العمل من أجل توفير حياة كريمة، والأخرى في ظل الجائحة بحثا عن لقمة تسد جوعهم وسط غياب المساعدات الإنسانية.

مساعدات إنسانية للاجئين السودانيين في البلاد (عرب 48)

في دولة تعرف نفسها "دولة اليهود"، وفي ظل اتساع دائرة العنصرية والتطرف، باتت مظاهر العدائية فيها واضحة تجاه المجتمعات "غير اليهودية"، عربية فلسطينية أصلانية، أو حتى اللاجئين من أصول أفريقية وغيرها، وللاجئين السودانيين كانت حصة من السياسات والممارسات العدائية.

اتخذت الحكومة الإسرائيلية في الأعوام الأخيرة، قرارا بترحيل قسم كبير من اللاجئين إلى بلادهم، متجاهلة المخاطر التي تواجههم، وسبقت هذا القرار مظاهرات واحتجاجات كبيرة، من قبل ناشطين عنصريين من منطقة تل أبيب، ضد وجود اللاجئين في البلاد، وتعالت في حينه المطالبات بترحيلهم بأي ثمن.

شهدت بعض التظاهرات عنفا ومواجهات مع أفراد الشرطة الإسرائيلية، تسببت في نهاية المطاف باعتداءات عشوائية على اللاجئين من الأصول الأفريقية من قبل عدد من المتظاهرين اليهود.

فقر وجوع

وصل اللاجئ السوداني، محمد باين، وعمره 34 عاما، إلى البلاد في العام 2012، يسكن ورفاقه من السودان في جنوبي تل أبيب (المحطة المركزية)، ويعمل في مجال البناء.

قال باين إن بلده، السودان، يمتلك من الثروات ما يجعله من أغنى دول العالم، فهو مصدر للبترول والقطن والمعادن الثمينة، ورغم ذلك لم يمنع هذا وقوع السودانيين في براثن الفقر والجوع، وجعله من أشد الدول فقرا بالعالم، وجعل أحلام مواطنيه الهجرة والاغتراب.

وأضاف أن "كل إنسان مغترب عن وطنه يعيش جحيما، مهما كانت الظروف. طلب اللجوء جاء أولا للبحث عن الحماية، ومن ثم لتحسين الأوضاع الاقتصادية بسبب الحالة الاقتصادية المتدنية في السودان".

حي في تل أبيب يسكنه لاجئون سودانيون (عرب 48)

وعن سبب هجرته من السودان، قال إنه "تركنا الأهل والتعليم والذكريات، ولجأنا إلى هنا، ونحن صابرون فيها حتى يأذن الله لنا بالعودة. نتواصل مع العائلة دائما، عن طريق الهاتف، ونرسل إليهم الأموال هناك، وهم يشعرون بالأسى والفقدان بسبب هجرتنا، ودائما يسألوننا عن العودة".

وعن التحديات التي تواجههم، قال بيان، إن "كثيرا من التحديات تواجهنا في السودان، اقتصادية واجتماعية وأحيانا سياسية. لا مكان للرفاهية هنا، إذا فقدت يوما من عملك فالفقر ينتظرك، نحن نشعر وكأننا نركض كل السنة دون راحة".

وأوضح أن "كل شيء في الغربة صعب، حتى الطعام. جئنا إلى هنا من أجل العمل، ونحن نعمل في أصعب المهن والأشغال الشاقة. حاول بعض المشغلين استغلالنا من قبل، ولكن نحن على دراية بالقانون ولا نسمح بذلك".

هنا يقطن عدد من اللاجئين السودانيين بتل أبيب (عرب 48)

وأشار اللاجئ السوداني إلى أنه "واجهنا عنصرية من قبل البعض، ولكن في المقابل هناك من يتعامل معنا بالمعاملة الحسنة. ليس اللون أسود ولا أبيض عموما، أما فيما يتعلق بالحكومة فلا يوجد أي مساعدة، والمساعدات التي نتلقاها من الجمعيات الحقوقية وبعض أهل الخير. العنصرية موجودة ولا تحل بهذه السهولة، ليس فقط هنا إنما في كل مكان".

وأكد أن "أبناء الجالية السودانية هنا يد واحدة، نحاول أن نحافظ على عاداتنا وتقاليدنا السودانية هنا، وأن نجعل من بيوتنا وطنا لنا أو سودان مصغرة".

وعن الظروف الراهنة، أوضح أن "المعاناة مضاعفة في ظل كورونا، ولكن أكثر من تأثر بها هم من اضطروا للبقاء في البيت دون عمل. نحاول من خلال الرابطة التي تجمعنا حل مشاكل عالقة للسودانيين، سواء كان ذلك في الجانب الاقتصادي أو القانوني والاجتماعي".

شوارع خالية في تل أبيب.. كورونا منعت السودانيين أيضا من الخروج للعمل (عرب 48)

وختم باين بالقول إنه "مؤلم جدا أن نرى المسجد الأقصى مغلقًا، في هذه الظروف والشهر الفضيل. نحن مقبلون على العيد ولا وجود للمصلين بالأقصى. هذه مشاهد استثنائية مؤلمة. كنا في كل رمضان نخرج حافلة للمصلين السودانيين إلى الأقصى، ونكثف الرحال إليه في رمضان، وهذا العام يبدو أننا لن نحصل على فرصة للصلاة فيه".

التعليقات