الهدم في زمن كورونا: تصعيد بالإخطارات وانعدام المخططات

لا يتوقف تفاقم أزمة الأرض والمسكن عند تراخيص البناء والمنازل المهددة بالهدم، بل كذلك انعدام المخططات للمصادقة على مناطق صناعية للبلدات العربية التي يمكن أن تشكل رافعة لتطوير تجاري واقتصادي للمجتمع العربي.

الهدم في زمن كورونا: تصعيد بالإخطارات وانعدام المخططات

الجماهير العربية تطالب بحقها بالتخطيط للتجمعات السكنية (أرشيف عرب 48)

في الوقت الذي نقلت صلاحيات وحدة التخطيط والبناء من وزارة المالية إلى صلاحيات وزير الداخلية، أرييه درعي، بموجب تفاهمات ائتلاف حكومة نتنياهو- غانتس، والمداولات بين الأحزاب المشاركة بالائتلاف الحكومي لتشكيل لجنة لفحص التعديلات بقانون "كامينتس" الذي يعجل إجراءات الهدم، صعدّت وحدة مراقبة البناء التابعة لوزارة المالية من تنفيذ أوامر الهدم والإخطارات والمخالفات المالية على جانبي الخط الأخضر، وذلك بعد التراجع بتنفيذ الهدم خلال أزمة كورونا.

وساهم عدم مصادقة لجان التنظيم والبناء على عدم توسيع مسطحات النفوذ والبناء والخرائط الهيكلية والمخططات التفصيلية للبلدات العربية، بإبقاء قرابة 120 ألف منزل خارج مسطح البناء ودون تراخيص، كما تسبب ذلك بوجود 50 ألف منزل صدر بحقها إخطارات هدم ومخالفات مالية، بينما هناك عشرات آلاف الدونمات خارج مناطق النفوذ وتتبع لمجالس إقليمية، على الرغم من أنها بملكية المواطنين العرب.

وقفة غضب ضد هدم المنازل في وادي عارة (أرشيف عرب 48)

لا يتوقف تفاقم أزمة الأرض والمسكن عند تراخيص البناء والمنازل المهددة بالهدم، بل كذلك انعدام المخططات للمصادقة على مناطق صناعية للبلدات العربية التي يمكن أن تشكل رافعة لتطوير تجاري واقتصادي للمجتمع العربي، إذ أن مدينة أم الفحم، على سبيل المثال، تبلغ مساحة نفوذها 26 ألف و700 دونم، لا تتعدى المنطقة الصناعية الخاصة بها مساحة 400 دونم.

ويتسبب عدم توسيع مسطحات النفوذ وانعدام مخططات مشاريع البناء للأزواج الشابة، وعدم تخصيص مناطق صناعية للبلدات العربية بتعميق أزمة السكن، وذلك في ظل عدم وجود مسطحات كافية من الأراضي، ناهيك عن هيمنة وسيطرة عائلات معينة على مسطحات الأراضي في البلدات العربية، إذ أن اقتصار الملكية على عائلات معنية يتسبب بارتفاع أسعار الأراضي والعقارات، ويبلغ سعر الدونم الواحد مليون شيكل وأكثر وقد يصل في بعض التجمعات السكنية إلى 3 مليون شيكل.

مسطحات ومخططات

المهندس سليمان فحماوي، الذي يعمل منذ فترة على تحضير أحد المخططات التفصيلية بأم الفحم لضم مئات المنازل إلى مسطح البناء وليتنسى لأصحابها ترخيصها، قلّل من جدوى نقل وحدة التخطيط من وزارة المالية إلى وزارة الداخلية، وقال إن "وزير الداخلية ملزم بتوجيهات مكتب رئيس الحكومة، نتنياهو، إذ أن لديه مصلحة للحفاظ على مقعده وخدمة جمهور ناخبيه، وبالتالي لن يولي أهمية لقضايا الأرض والمسكن والخرائط الهيكلية والمخططات التفصيلية في البلدات العربية".

سليمان فحماوي

وأعرب فحماوي، في حديثه لـ"عرب 48"، عن اعتقاده بأن "القضية الأساسية التي يجب أن تكون ضمن نضال الجماهير العربية ليست فقط المنازل التي تواجه شبح الهدم، وإنما أيضا والأهم الخرائط الهيكلية، والمخططات التفصيلية، وتوسيع مسطحات النفوذ للبلدات العربية، ورصد الميزانيات لتحضير الخرائط الهيكلية، وإقرار مخططات البناء من قبل لجان التنظيم والبناء، من أجل توفير حلول جذرية لملف الأرض والمسكن".

وأوضح بأن "الدوائر الإسرائيلية تتعامل بنوع من البيروقراطية ودون أي انسجام بكل ما يتعلق بملفات البناء في البلدات العربية"، مستذكرا قضية عائلة عبد الغني من أم الفحم، إذ منحت بموجب قانون "كامينتس" 3 أعوام ونصف العام من أجل منع الهدم، انتهت الفترة وقدمت خارطة تفصيلية لمنطقة عين الدالية، وبدلا من أن تصادق عليها لجنة التنظيم والبناء اللوائية في حيفا، رفضتها وأعطت الضوء الأخضر للمحكمة لتنفيذ أمر الهدم.

العرب يطالبون بحقهم في البناء على أرضهم (أرشيف عرب 48)

تضييق وتهجير

ورأى المهندس فحماوي في نهج المؤسسة الإسرائيلية تجاه البلدات العربية بكل ما يتعلق في التنظيم والبناء، بأنه "نوع من السياسة لتضييق الخناق على البلدات العربية، وإجبار السكان على قبول إملاءات الهدم بعد سنوات طويلة من النضال، وطرح الملفات قبالة المحاكمة ودفع الغرامات المالية التي تصل أحيانا إلى مئات آلاف الشواكل، بقصد دفع السكان إلى الهجرة القسرية".

وحذر من "اتساع دائرة الهدم في زمن كورونا على جانبي الخط الأخضر، مع انعدام المخططات واستمرار المماطلة ووضع الشروط التعجيزية التي تحول دون مصادقة لجان التنظيم والبناء عليها، فيما تسارع وحدة المراقبة على البناء في وزارة المالية بإصدار الإخطارات وتنفيذ فعلي لأوامر الهدم الجماعي في البلدات العربية، علما أن الحلول المقترحة مؤقتة ومحاولة لإطفاء للحرائق، وهي بمثابة إبر تخدير".

السلطات الإسرائيلية تصعّد في هدم المنازل العربية (أرشيف عرب 48)

ووسط السياسات الحكومية الإسرائيلية الممنهجة لمصادرة الأراضي والامتناع عن توسيع نفوذ ومسطحات البناء في البلدات العربية وإشهار سلاح الهدم والامتناع عن ترخيص المنازل، وجه فحماوي انتقادات شديدة اللهجة إلى السلطات المحلية العربية وأقسام الهندسة والطواقم التي لم تضع على سلم أولوياتها قضية الخرائط الهيكلية، وتماطل في تحضيرها وتعمل ببطء على إنجازها، ولا تسارع في تقديمها وإيداعها لدى لجان التنظيم والبناء.

توجه فردي وجماعي

واستذكر فحماوي أحد المخططات التفصيلية في مدينة أم الفحم، والذي يتم العمل عليه منذ العام 2004، على مساحة تمتد على 600 دونما، وتضم مئات المنازل التي ترفض لجان البناء والتنظيم استصدار التراخيص لها، مبينا أنه تجنيده منذ عام ونيف للتطوع مع البلدية لتحضير المخطط وإيداعه لدى لجان البناء والتنظيم للمصادقة عليه.

ولأن جميع مشاكل وأوضاع البلدات العربية شبيهة من ناحية البناء والتخطيط ومسطحات النفوذ، أكد فحماوي أنه "من الضروري الحشد الجماهيري وتعميق الوعي الشعبي لضرورة تصعيد النضال، إلى جانب تقديم ورقة مطالب بشكل جماعي إلى وزارة الداخلية"، وأعتبر التوجه الفردي من قبل أي سلطة محلية خطأ فادحا وإن حقق التوجه أي إنجاز فإن الإنجاز سيبقى فرديا ومؤقتا"، مؤكدا أن "الأرض والمسكن قضية شاملة ووحدة كاملة ومتكاملة للمجتمع العربي".

جابر عساقلة

وعبّر عن ذات الموقف مُركّز ملف الأرض والمسكن في القائمة المشتركة، النائب جابر عساقلة، والذي يولي أهمية قصوى لتعزيز وتصعيد النضال الجماهيري، وأهميته في إسناد العمل البرلماني للنواب العرب، في قضايا التخطيط والبناء مع ضرورة استنفاد كافة الإجراءات والمسارات القضائية لمواجهة إخطارات الهدم.

كامينتس وكورونا

وأوضح عساقلة لـ"عرب 48" أن "الإنسان يتوقع بعد رفع إجراءات العزل والإغلاق التي استمرت لأسابيع في البلاد بسبب أزمة كورونا، الحصول على الدعم لتنشيط العمل والسوق الاقتصادي والتجاري، لكن في حالة المجتمع العربي اختارت لجان التنظيم والبناء الهدم بذريعة البناء دون تراخيص، والعودة لتحرير المخالفات والغرامات المالية".

وأعرب عن اعتقاده بأن "حكومة نتنياهو- غانتس لا تختلف عن سابقاتها بكل ما يتعلق بالسياسات تجاه المجتمع العربي، وخاصة في قضايا الأرض والمسكن والتوجه نحو هدم المنازل، بدلا من توسيع مسطحات النفوذ وتحضير المخططات التفصيلية والمصادقة على الخرائط الهيكلية، لضمان تراخيص بناء لعشرات آلاف المنازل والمنشآت المهددة بالهدم".

مظاهرة في وادي عارة رفضا للهدم (أرشيف عرب 48)

ورأى عساقلة بأن "المسيرة ما زالت طويلة من أجل إلغاء كلي لقانون ‘كامينتس‘ الذي يعجل من إجراءات الهدم"، مشددا على "ضرورة أن تكون الجماهير العربية بجهوزية عليا لتصعيد معركة الأرض والمسكن، علما أن الأحزاب المشاركة في الائتلاف الحكومي بصدد تشكيل لجنة خاصة من أجل فحص وتحديد التعديلات على قانون ‘كامينتس‘ الذي يقع ضمن صلاحية وزارة القضاء"، محذرا من أن "التعديلات قد تستثني البلدات العربية، وتركز فقط على شرعنة البناء في الكيبوتسات والقرى الزراعية والتعاونية اليهودية".

وشكك مُركّز ملف الأرض والمسكن بالقائمة المشتركة بالجدوى ونجاعة نقل قسم التخطيط لوزارة الداخلية، مبينا أن "الأزمة التراكمية بالأرض والمسكن وانعدام المخططات وعدم المصادقة على الخرائط الهيكلية سببها وزارة الداخلية، علما أن تنفيذ أوامر الهدم وتحرير المخالفات ستبقى ضمن صلاحيات وزارة المالية".

تشريعات واحتياجات

وعن إجراءات الهدم وتفعيل تشريعات البناء والتنظيم والمسار القضائي، قالت منسقة وحدة الأرض والتخطيط في مركز "عدالة"، المحامية ميسانة موراني، إن "الهدم على جانبي الخط الأخضر يتصاعد في الآونة الأخيرة، باعتماد نفس الأساليب والآليات وتحت نفس الذرائع والأسباب والدوافع بتضييق الخناق على الحيز الفلسطيني العام".

ميسانة موراني

وأوضحت موراني لـ"عرب 48" أن "المؤسسة الإسرائيلية توّظف الهدم وتغيّب مخططات التنظيم والبناء بقصد الإمعان في سياسات التهجير القسري للفلسطينيين تارة بالأوامر العسكرية وأخرى باستخدام قانون ‘كامينتس’ وثالثة بذريعة البناء دون تراخيص، علما أن أزمة كورونا كانت فترة لتجميد الهدم، لكن سرعان ما عاد إصدار الإنذارات وتحرير المخالفات والهدم وفرض الغرامات، دون أن نلمس أي توجه لمؤسسات التنظيم والبناء بالبحث عن أي حلول للضائقة السكنية والمنازل المتواجدة خارج نفوذ البناء ومسطحات الخرائط الهيكلية".

ورأت أن "قانون ‘كامينتس’ عمّق أزمة السكن والتخطيط في البلدات العربية، فمن جهة سرّع عمليات الهدم وقلّص صلاحيات المحاكم وفرّغ قوانين البناء والتنظيم من مضمونها بكل ما يتعلق بإمكانية التخطيط والتسريع في المصادقة على المخططات، إلى جانب تحوّيل البناء دون منح التراخيص من عقوبة جنائية إلى عقوبات مالية واقتصادية، وفرض غرامات باهظة على العائلة العربية التي تصل إلى 300 ألف شيكل".

الجماهير العربية تطالب بحقها بالأرض والمسكن

وبيّنت موراني أن "مؤسسات التنظيم والبناء التي تواصل مصادرة ما تبقى من الأراضي بملكية خاصة للعرب، تمادت في إخطارات الهدم، ووظّفت قوانين التخطيط والبناء وحوّلتها إلى سيف على رقاب المواطنين العرب، وامتنعت عن توفير حلول تخطيطية لحل أزمة السكن والاكتظاظات في البلدات العربية، وتلبية احتياجات المواطنين العرب بالتوسع والبناء على أراضيهم، كما تعمدت المماطلة في المصادقة على المخططات التفصيلية للسلطات المحلية العربية".

التعليقات