الناصرة: من ينقذ السياحة من جائحة كورونا؟

لا تزال كبرى المدن العربية في البلاد، الناصرة، ترزح تحت وطأة "انقراض" السياحة الوافدة منذ بداية انتشار فيروس كورونا وإغلاق المطارات وتوقف السياحة بشكل كامل.

الناصرة: من ينقذ السياحة من جائحة كورونا؟

البلدة القديمة بالناصرة كانت تعج بالسائحين قبل كورونا ("عرب 48")

لا تزال كبرى المدن العربية في البلاد، الناصرة، ترزح تحت وطأة انحسار السياحة الوافدة منذ بداية انتشار فيروس كورونا المستجد، وإغلاق المطارات وتوقف السياحة بشكل كامل.

وتسبب توقف السياحة بأضرار جسيمة وخسائر فادحة للناصرة قد يستغرق الخروج منها سنوات طويلة.

شارع الكازانوفا خال من السياح (عرب 48)

ولكون الناصرة مدينة عربية فإنها لا تحظى باهتمام ودعم وزارة السياحة الإسرائيلية، رغم أن الناصرة تحظى بأهمية عالمية نظرا لمكانتها الدينية. وتفضّل السلطات الإسرائيلية دعم مدن مثل طبرية وإيلات وإنقاذها من أزمتها في حين لا تلتفت إلى الناصرة.

فنادق وبيوت ضيافة مُغلقة

وقال مدير جمعية الناصرة للثقافة والسياحية، طارق شحادة، لـ"عرب 48" إن "مدينة الناصرة ضُربت ثلاث مرات، الأولى بأنها فقدت مركزيتها بالنسبة لسكان ضواحي الناصرة، الذين لم يعودوا يقصدوها كما في السابق، وثانيا لأن المدينة تضررت بشكل كبير بسبب غياب السياحة الوافدة من الخارج، إذ أن 80% من اقتصاد المدينة يعتمد على السياحة، وخسرت مرة ثالثة لكونها مدينة عربية، فالحكومة لا تضع في مقدمة سلم أولوياتها تعويض مدينة عربية!".

طارق شحادة

وأضاف أنه "في الناصرة عشرة فنادق كبيرة و16 بيتا للضيافة، وفيها نحو 1,800 غرفة فندقية، ونحو 4,000 سرير، جميعها مغلقة كليا ومتوقفة عن استقبال السياح منذ شهر آذار/ مارس الماضي".

وأكد شحادة أن "هذا الوضع انعكس بالتالي على مصدر رزق العاملين في هذا المجال، وخروج أعداد كبيرة من العاملين في هذه المرافق إلى عطل غير مدفوعة الأجر أو إلى سوق البطالة، ومن بين هؤلاء بين 70 - 80 مرشدا سياحيا".

الكنيسة الكبيرة مغلقة (عرب 48)

مشروع حياة

وقالت المرشدة السياحية، نهى بولس، تعمل مع بعض مكاتب السياحة في المدينة، لـ"عرب 48"، إن "وضع السياحة في المدينة سيء للغاية. والصورة ليست كما عرضتها إحدى القنوات الإسرائيلية، مؤخرا، فالسياحة الداخلية ضعيفة جدا في هذا الموسم عادة، وبصرف النظر عن جائحة كورونا فإن السياحة الداخلية في موسم الصيف تعتبر ضعيفة بشكل عام، لأن المستجمّين يفضلون الشواطئ والمدن الساحلية، وليس الناصرة".

نهى بولس

أما عن بيوت الضيافة والفنادق ومحلات بيع التذكاريات فقالت بولس، إن "هذه المرافق السياحية تعمل بنسبة لا تتعدى 5% عما ينبغي لها أن تعمل لو لم تكن هناك جائحة كورونا"، مشيرة إلى أن "غياب السياحة أدى إلى إغلاق العديد من المرافق السياحية الحيوية في المدينة، وخروج أعداد كبيرة من العاملين في هذا المجال إلى عطل غير مدفوعة الأجر أو إلى سوق البطالة".

وأكدت المرشدة السياحية أن "بعض بيوت الضيافة التي يبلغ عددها 16 بيت ضيافة في البلدة القديمة قد أغلقت أبوابها وسلم أصحابها المفاتيح لأصحاب العقار".

بيوت الضيافة خالية من الضيوف (عرب 48)

ومن بين بيوت الضيافة هذه بيت الضيافة "سمسم" لصاحبه سامي جبالي، الذي كان يستقبل نوعا من "السفر الدولي" منخفض الكلفة، وهو يتضمن استخدام حقائب الظهر أو أي نوع آخر من الأمتعة التي يمكن حملها لمسافات طويلة ولفترات كبيرة من الوقت.

بسام حكيم

ومن جانبه، قال صاحب بيت للضيافة في البلدة القديمة، بسام حكيم، لـ"عرب 48" إنه خسر مشروع حياته، والذي استثمر فيه مبالغ طائلة من أجل تحويله لتجربة تراثية أصيلة ومثيرة بالنسبة للسائحين الذين يقصدون بيت الضيافة "الحكيم"، وهو بيت العائلة سابقا، ويستوعب 27 نزيلا.

وأضاف أن "السياحة الوافدة لا تؤثر فقط على المرافق السياحية، بل ينعكس تأثيرها أيضا على التاجر والمزارع وبائع اللحوم والخضراوات وغيرهم. وتضاعف كذلك القوة الشرائية وتعزز اقتصاد المدينة، عندما يتضاعف عدد سكان المدينة أثناء وجود عشرات آلاف السائحين فيها".

فندق "رمادا أوليفييه" بالناصرة (عرب 48)

وأشار إلى أن "بيت الضيافة بدأ يستعد لاستقبال السياحة الداخلية، رغم أنها غير كافية لإنعاش اقتصاد البلد، وهي لا تتعدى 20% من قدرة استيعاب بيوت الضيافة في المدينة، فضلا عن أنها تقتصر على يومي الجمعة والسبت (نهاية الأسبوع) وليس على مدار الأسبوع كما هي السياحة الوافدة من الخارج والمتوقفة تماما حتى اللحظة".

وختم حكيم بالقول إنه "نحاول أن نبني برنامجا سياحيا للوافدين إلى الناصرة، (في إطار السياحة الداخلية) والقيام بجولات منظمة في المدينة، لكننا نصطدم بقضية إغلاق الكنائس والمساجد التي قد تتضمنها الجولة السياحية! فهدفنا اليوم هو البقاء والعيش وليس الربح. أحاول أن أصل إلى معادلة أخرج فيها بأقل حجم من الأضرار، نظرا لوجود التزامات وقروض بنكية حصلت عليها من أجل ترميم المكان وتحويله لبيت ضيافة، وهذه الالتزامات لا تنتظر نهاية كورونا وعودة الحياة إلى طبيعتها".

أوضاع غامضة

ولعل أكثر ما يخشاه أصحاب الفنادق وبيوت الضيافة هو الوضع الغامض والمجهول الذي تعيشه البلاد في المرحلة الراهنة، ولا أحد يعرف ما الذي يخبِّئه المستقبل القريب.

ميشيل أبو نصار

وعن ذلك، قال صاحب بيت الضيافة "بيت ميشيل والكساندرا" في البلدة القديمة، ميشيل أبو نصار، لـ"عرب 48" إنه تكبد خسائر فادحة من جراء الإغلاق، وإن كل محتويات بيت الضيافة من مأكولات ومشروبات وزينة وورود وأزهار كلها قد تلفت، بعد أن تكدست لفترة زمنية تزيد على أربعة أشهر.

وأضاف أن "بيت الضيافة كان شبه مهجور في تلك الفترة، باستثناء بعض أعمال الصيانة الضرورية التي نفذت فيه على مدار أيام الأسبوع".

وقالت مديرة "بيت ميشيل"، حلا دياب، لـ"عرب 48" إن "كل من عملوا في بيت الضيافة خرجوا منذ آذار/ مارس الماضي إلى عطل غير مدفوعة الأجر، والعودة للعمل ستكون تدريجية منذ يوم الجمعة المقبل، ولكنها عودة مختلفة تؤخذ فيها كل التدابير اللازمة من أجل الحفاظ على سلامة نزلاء بيت الضيافة والعاملين".

بيت الضيافة "سمسم" أغلق أبوابه (عرب 48)

وأكدت أنه "لا بد من العودة رغم حالة الغموض التي ما زالت تخيم على أجواء البلاد عامة، الأمر الذي يجعلنا غير قادرين على التخطيط ووضع برامج حتى للمستقبل القريب. لا نعلم ما سيكون في الأسبوع المقبل أو في الأشهر القليلة المقبلة".

سياحة تعادل "صفرا"

وفي هذا السياق، وصف رجل الأعمال وصاحب فندق "رمادا أوليفييه"، زياد عمري، الوضع بأنه "سيء للغاية" في ظل غياب السياحة من خارج البلاد، والتي تعادل "صفرا"، على حد تعبيره.

وقال عمري، لـ"عرب 48"، إن "السياحة الداخلية التي تقتصر على نهايات الأسبوع لا تعطي مصداقية لفتح فندق بحجم ‘رمادا’ الذي يضم مئات الغرف والمرافق السياحية والترفيهية لنزلائه".

بيوت الضيافة خالية من السائحين (عرب 48)

هذا، وحاولنا التحدث مع أحد أصحاب بيع التحف والصور والتذكاريات المجاورة للكنائس والمواقع السياحية في المدينة، لكن يبدو أن معظم هذه المحلات التي يعتمد 95% من دخلها على السياحة الوافدة من الخارج لا تزال مغلقة.

وقالت المرشدة السياحية، نهى بولس، إن "السائحين المحليين (السياحة الداخلية) لا يشترون هذه التذكاريات المصنوعة من خشب الزيتون وغير ذلك، لأنها لا تعني لهم ما تعنيه لحجاج المدينة المقدسة المقبلين من خارج البلاد".

التعليقات