د. غطّاس: أزمة الثقة مع السّلطات لا تعني عدم الامتثال لتعليمات الوقاية من كورونا

قرّرت الحكومة الإسرائيليّة تأجيل الإغلاق الليلي الشامل الذي كان مقرّرًا عند الساعة السابعة من مساء اليوم، الإثنين، إلى الساعة السابعة من مساء يوم غد، الثلاثاء، نظرًا لعدم انتهاء بلورة قائمة البلدات النهائيّة التي سيشملها الإغلاق. وحتى الآن لم تعلن الحكومة

د. غطّاس: أزمة الثقة مع السّلطات لا تعني عدم الامتثال لتعليمات الوقاية من كورونا

صورة التُقِطت في أحد شواطئ تل أبيب (أ ب)

قرّرت الحكومة الإسرائيليّة تأجيل الإغلاق الليلي الشامل الذي كان مقرّرًا عند الساعة السابعة من مساء اليوم، الإثنين، إلى الساعة السابعة من مساء يوم غد، الثلاثاء، نظرًا لعدم انتهاء بلورة قائمة البلدات النهائيّة التي سيشملها الإغلاق. وحتى الآن لم تعلن الحكومة الإسرائيلية رسميًا عن البلدات التي يشملها الإغلاق الليلي والقيود الجديدة التي تتعلق بالتجمهر والحركة. وقالت وزارة الصحة في بيان صدر عنها، إن المشاورات متواصلة مع رؤساء السلطات المحلية التي سيشملها قرار الإغلاق الليلي، والتي تشمل بلدات عربية.

وفي الآونة الأخيرة، باتت المناسبات العامّة، وبخاصّة الأعراس، مصدرا مساهمًا في زيادة تفشي فيروس كورونا المستجد (كوفيد- 19)، ولا سيّما في بلدات عربية، ونظرا لأن الأعراس تكون في غالب الأحيان مُكتظّة ومُزدحمة بأشخاص لا يكونون في الغالب، مُلتزمين باستخدام كافّة وسائل الوقاية، كوضع الكمامات؛ الأمر الذي يغيب عن كثير من هذه المناسبات، مُتسببًا بنقل الفيروس بين عددٍ من الحاضرين.

وللحديث عن هذا الموضوع، أجرى موقع "عرب 48" الحور التالي مع أخصائيّ أمراض الأنف والأذن والحنجرة في المستشفى الفرنسي في الناصرة، د. رائد غطاس.

د. رائد غطاس

"عرب 48": تفيد المعطيات بأن الكثير من حالات الإصابة بفيروس كورونا في المجتمع العربي، سببها الأعراس؛ هل تعتقد أننا كنا سنصل إلى الوضع الراهن، لو لم تُقَم الأعراس أو لو تمّ تنظيمها مع التزام كامل بالإجراءات الوقائية؟

د. رائد غطاس: أولًا أود أن أتحدث عن كورونا كمرض، فللأسف الشديد ما يزال بعض الأشخاص في مجتمعنا، ينكرون وجود هذا الوباء، وهذا أمر يجب توضيحه، وهو أن كورونا موجود كمرض، غير خطير وغير فتاك وغير قاتل، إلا أن خطورته تكمن في أنه معدٍ جدا من ناحية اجتماعية، وسهل الانتقال ويتفشى بسرعة لأن طريقة انتقال الفيروس تتمّ بالتقارب، إذ إنه ينتقل عن طريق رذاذ اللعاب بشكل أساسيّ. لذلك فإننا كمجتمع يجب أن نقرّ بوجود هذا المرض.

وبالعودة إلى سؤالك؛ نحنُ كمجتمع عربي نمتاز بالعلاقات الاجتماعية الحميمة والدافئة، إذ أننا نتعاضد ونلتقي مع الأقارب، لكن هذا ليس في صالحنا في الوقت الراهن، فهذا التقارب يشكل تربةً خصبة لانتقال المرض؛ الآن لماذا تشكل الأعراس حاضنة أو بؤرة لانتقال المرض؟ لأن التجمهر يحدث في الأعراس، ويلتقي المدعوون إلى العرس مع اشخاص من خارج إطار العائلة وربما من أحياء مختلفة وبلدات مختلفة، وقد تُنقل العدوى بسبب ذلك من واحد لآخر، وأضف إلى ذلك أنه يصعب الحفاظ على تباعد جسدي في الأعراس، إذ يجلس المدعوون معا ويتناولون الطعام معا، ويرقصون ويغنون مع بعضهم البعض، وكل هذه العمليات تسبب خروج الرذاذ من الفم وانتقاله للآخرين، لذلك فإن الأعراس مسبب أساسي لانتقال العدوى، والدليل على ذلك أنه في الموجة الأولى كانت نسبتنا كعرب قليلة جدا لا تتعدى 4% (من المُصابين) بينما اليوم نحن نشكل نسبة كبيرة جدا من حالات الإصابة، لذلك فإن نداءنا لأهلنا وأبناء مجتمعنا، هو أنّ من يستطيع أن يؤجل العرس فليفعل، ومن لا يستطيع التأجيل فليقتصر العرس على العائلة المصغرة، ومن عليه واجب تجاه أصحاب العرس يمكن أن يقوم بالواجب قبل وقت من العرس. وللأسف الشديد إننا نلاحظ أن العدوى التي تصيب مستخدمي جهاز الصحة، لا تحدث من المرضى في المستشفيات بل داخل إطار العائلة ولدى المشاركة في المناسبات الاجتماعية المختلفة، ومن أجل وقف تفشي العدوى أو الحد منها، يترتب علينا القيام ببعض الأمور السهلة والبسيطة جدا، كالحفاظ على تباعد اجتماعي ووضع الكمامة بالشكل الصحيح بحيث تغطي الأنف والفم، وعندها إذا كان ناقل المرض ومستقبل المرض على مسافة قريبة من بعضهما البعض، فإن احتمال انتقال العدوى ضئيل جدا.

"عرب 48": المعظم يعلم أهمية الوقاية، ودورها في الحد من انتشار الفيروس، ورغم ذلك لا التزامَ تامًا في مجتمعنا العربي، لذا من هنا أريد أن أسألك؛ أترى أن المجتمع العربي، غير ملتزم، أم أن هنالك أزمة ثقةٍ مع السّلطات ودوائر اتخاذ القرار؟

د. غطاس: هنالك أزمة ثقةٍ، نعم، وهنالك عدم التزام كذلك، لكن أزمةَ الثقة يجب ألا تؤثر على وضع الكمامة لأننا نحن كأطباء عرب من أبناء هذا المجتمع نؤكد على ضرورة وضع الكمامة، وهذا يثبت أن المسألة هي عدم التزام! يضع الناس ثقتهم بالأطباء لدرجة أنهم يسلمونهم حياتهم وأرواحهم، وما دام هنالك ثقة بالأطباء يجب أن تكون هنالك ثقة بما يقوله لهم الأطباء وأنا لا أعرف طبيبا واحدا لا يدعو إلى ضرورة وضع الكمامة وضرورة الالتزام بالتباعد الاجتماعي، وفي مقابل ذلك، إن أزمة الثقة تتجلّى بعدم الالتزام بالتعليمات لعدم ثقة العديد من الأشخاص في المجتمع العربيّ، بجهاز الصحة كجهاز يتخذ القرارات السليمة على أساس اعتبارات واقعية ومهنية صحيحة. أعتقد أنه يجب إشراك أكبر عدد من المتخصصين العرب، إذ لا تنقصنا المهنية والكفاءات في أمور الصحة والأمراض المعدية، وأنا أرى أن وزارة الصحة لا تشرك المتخصصين العرب في الجهاز الصحي بشكل كافٍ؛ لا إعلاميا ولا صحيا، وأنا أدعو إلى إشراك أكبر عدد ممكن من المختصين العرب في الجهاز الصحي والإعلامي من أجل الأخذ بعين الاعتبار، خصوصية مجتمعنا، كما يجب تخصيص ميزانيات خاصة للسلطات المحلية العربية، كي تستطيع أن تأخذ دورها في الحفاظ على التعليمات والتوصيات، وتطبيق القانون، في الوقت الذي لا تقوم فيه الشرطة بدورها كما يجب، لذلك نحن بحاجة إلى غرف طوارئ محلية ومفتشين ومراقبين يعملون على الصعيدين التوعوي من جهة وتطبيق القانون من جهة أخرى، وهذا يحتاج إلى ميزانيات.

"عرب 48": هل من شأن الإغلاق الليلي أن يقلِّل من مستويات العدوى في المجتمع العربي؟

د. غطاس: بحسب رأيي، إن الإغلاق يكون أكثر فاعلية إذا كان إغلاقا شاملا من الصباح حتى المساء، فالإغلاق الليلي كفيل بفرض التباعد الاجتماعي، إذ أن معظم اللقاءات بين الأشخاص تكون مسائية عادة، ويقلل الإغلاق الليلي من المناسبات الاجتماعية التي ندعو إلى التخلي عنها، لكن هذا لن يكون كافيا إذا لم يكن لدى الجمهور قناعة بالحفاظ على التعليمات من جهة، ومن ناحية أخرى، إن الإغلاق الليلي يمكن أن يكون حلًا جزئيا، لكنني كما أرى الصورة اليوم فإنه لا بد من إغلاق تام لأكثر من 40 بلدة.

"عرب 48": ما رأيك في ما تُسمّى بخطة الـ"رمزور" في محاربة الوباء؟

د. غطاس: خطة الـ"رمزور" كمبدأ، هي خطة صحيحة، لكن المشكلة تكمن في أن السياسيين تدخلوا لعرقلتها وإفشالها، ولو جرى تطبيق هذه الخطة منذ أن تم تعيين (منسق محاربة كورونا، البروفيسور روني) غمزو، بشكل صحيح، وحظي بدعم من الحكومة لكانت نجاعتها اليوم أكبر.

"عرب 48": نحن الآن في فصل الصيف، لكن الوضع في المستشفيات رغم ذلك، سيّء للغاية من حيث القدرة على استيعاب أعداد المُصابين، فكيف تتصور أن يكون الحال في الشتاء المُقبل؟

د. غطاس: في الشتاء القريب سوف تختلط الأمور، إذ إننا نستقبل في العادة، مرضى الإنفلونزا الموسمية وكل الأمراض المرافقة لها، وللإنفلونزا أعراض تشبه إلى حد كبير أعراض كورونا، وفي الشتاء كذلك أمراض فيروسية أخرى يرافقها العطاس والسعال والزكام وهي كلها أعراض قريبة من أعراض كورونا، ففي هذه الفترة سيصعب التمييز بين مريض بفيروس كورونا، وبين مريض بالإنفلونزا مثلا، إلا من خلال إجراء الفحوصات.

وفي ختام حديثه، أوصى د. غطاس، المجتمع العربي، بالالتزام بالتعليمات والإجراءات والتقييدات المفروضة لمواجهة تفشي الفيروس، معتبرا أن "المسؤولية الذاتية" يجب أن تتوفر لدى الجميع.

التعليقات