حريش تتمدد وبلدات وادي عارة تتقلص

شكّلت جائحة كورونا مرحلة مفصلية بكل ما يتعلق في التوسع الاستيطاني في منطقة المثلث الشمالي، بمصادقة اللجنة الجغرافية وترسيم الحدود في لواء حيفا على توسيع المدينة الاستيطانية "حريش" لتتمدد وتصل إلى مشارف البلدات العربية في منطقة وادي عارة، وهي البلدات

حريش تتمدد وبلدات وادي عارة تتقلص

رئيس اللجنة الشعبية أحمد ملحم يشير إلى النواة الأساسية لـ"حريش" (عرب 48)

شكّلت جائحة كورونا مرحلة مفصلية بكل ما يتعلق في التوسع الاستيطاني في منطقة المثلث الشمالي، بمصادقة اللجنة الجغرافية وترسيم الحدود في لواء حيفا على توسيع المدينة الاستيطانية "حريش" لتتمدد وتصل إلى مشارف البلدات العربية في منطقة وادي عارة، وهي البلدات التي تحاصر بمشاريع "البِنَى التحتية الوطنية" والتحريش والمناطق الخضراء.

وفي الوقت الذي تواصل حريش التمدد بإضافة 3300 دونم لنفوذها ليصل إجمال مسطحها إلى 12 ألف دونم في هذه المرحلة، تماطل لجان التنظيم والبناء بالمصادقة على توسيع مناطق نفوذ البلدات العربية في المثلث الشمالي، لتبقى الخراط الهيكلية لبلدات وادي عارة عالقة كما الخرائط التفصيلية، فيما صعدّت لجان التنظيم والبناء بإخطارات الهدم لمنازل سكان عرب وفرض غرامات مالية عليهم بحجة البناء دون ترخيص.

خارطة تظهر تمدد وتوسع "حريش"

وفي ظل غياب مخطط شمولي لكافة بلدات المثلث الشمالي، أم الفحم، وقرى طلعة عارة، وقرى مجلس بسمة عارة، وعرعرة- عارة، وكفر قرع، وباقة الغربية، وقرية جت، تواصل هيئات التخطيط بتحضير الخرائط والمشاريع لتوسيع نفوذ حريش لتصل إلى 29 ألف دونم، لتمتد من مشارف باقة الغربية وتطل على قريتي برطعة وعرعرة وشارع وادي عارة رقم 65، وتتمدد على طول حدود الرابع من حزيران/ يونيو مرورا بالبلدة الاستيطانية "ميعامي" حتى مشارف مدينة أم الفحم.

تجاهل قرار لجنة الجغرافية الذي حُوّل لوزير الداخلية، أرييه درعي، للمصادقة النهائية على توسيع حريش كليا احتياجات البلدات العربية للتوسع واستعمال ما تسمى "أراضي الدولة"، فيما أبقى على قرية أم القطف كجزيرة في الأخطبوط الاستيطاني كما هو حال قرية دار الحنون التي بقيت تتبع نفوذ المجلس الإقليمي "منشة" الذي طالب، سابقا، بهدم القرية وتهجير سكانها، علما أن مجلس عرعرة- عارة المحلي طالب بضم دار الحنون لمنطقة نفوذه.

حريش تمتد حتى الأحياء الشمالية لباقة الغربية

لا يقتصر قرار اللجنة الجغرافية على توسيع مسطح نفوذ حريش على ما تسمى "أراضي الدولة" بل يقر بمصادرة مئات الدونمات بملكية خاصة للسكان من قرى وادي عارة وتحديدا أم القطف، وميسر، وعرعرة، وبرطعة، التي صادقت لجنة ترسيم الحدود على إضافة 290 دونما من أصل 800 دونم طالبت بضمها إلى مناطق نفوذها، بينما في كفر قرع أقرّ على تخصيص 560 دونما لمنطقة صناعية مستقلة للقرية شمال شارع وادي عارة، وإقامة قرية تعليمية بمساحة 200 دونم بالقرب من مسار شارع "عابر إسرائيل" غرب القرية.

تهميش واحتياجات

وفي ظل تهميش مؤسسات التنظيم والبناء احتياجات ومتطلبات البلدات العربية في وادي عارة والإمعان في تكثيف الاستيطان في المثلث الشمالي، حث عضو بلدية أم الفحم، المحامي توفيق جبارين، رؤساء السلطات المحلية في وادي عارة على تحضير خطة شمولية وإستراتيجية تلبي احتياجات القرى والمدن العربية للتوسع والتطور المستقبلي بمشاريع مشتركة، وكذلك إعطاء أجوبة وحلول لأزمة السكن وإخطارات الهدم، والخرائط الهيكلية وتوسيع مناطق النفوذ، والأهم التصدي لمخطط حريش الاستيطاني الذي سيتمدد على مساحة 29 ألف دونم.

هدم متواصل في بلدات وادي عارة (أرشيف عرب 48)

وحذر المحامي جبارين، في حديثه لـ"عرب 48"، من تداعيات قرار لجنة الجغرافية ولجنة ترسيم الحدود على التطور المستقبلي لمنطقة وادي عارة، لافتا إلى أن "حريش ستتوسع كأخطبوط يحاصر البلدات العربية التي ستتحول إلى مجرد غيتوات وكونتينات، دون أي مجال لتوسيع مناطق نفوذها، فيما سيبقى خطر المصادرة يهدد الاحتياطي الأخير من الأراضي بملكية خاصة، وهو الاحتياطي الذي سينفذ بعد نحو 15 عاما".

وأوضح أن "التخطيط لتوسيع حريش أخذ منحى متسارعا وإستراتيجيا منذ العام 2017 و2018، ضمن تحضير مخططات ومشاريع استيطانية تتلاءم مع المخطط الهيكلي القطري لحريش التي سيتم ربطها أيضا بـ'كتسير' ومشاريع المواصلات والبنى التحتية وسكة القطار وشارع 'عابر إسرائيل' كبلدة استيطانية لاستيعاب 250 ألف نسمة، وذلك ضمن الصراع الديموغرافي مع المواطنين العرب في المثلث الشمالي والبالغ تعدادهم اليوم نحو 200 ألف نسمة، ما يعني القضاء على المدينة العربية المركزية مثل أم الفحم وباقة الغربية كمدن إستراتيجية تجاريا واقتصاديا وصناعيا للمواطنين العرب".

المحامي توفيق جبارين

مخططات وانتقادات

واستذكر المحامي جبارين ما تعرضت له قرية أم القطف التي بقيت أراضيها ضمن حريش، ومنع أصحاب الأراضي من استعمال أراضيهم الخاصة لأغراض البناء والإسكان واقتصار الاستعمال على التجارة والصناعة، علما أن نسبة المصادرة من أهالي أم القطف بلغت 70%، محذرا من ذات الوضع الذي يمكن أن تواجهه برطعة مع مئات الدونمات بملكية خاصة، ورفضت لجنة الجغرافية ضمها لنفوذ القرية، كما هو حال قرية دار الحنون المهددة بالهدم والإخلاء لمصلحة توسيع حريش.

ولمواجهة المخطط الاستيطاني والتصدي لمشاريع محاصرة البلدات العربية، أكد المحامي جبارين على "ضرورة أن تقدم السلطات المحلية في وادي عارة رؤية تخطيطية شمولية مشتركة للإسكان، والصناعة، والتجارة، والمشاريع الجماهيرية، والمباني العامة، مع توسيع مناطق النفوذ ومسطحات البناء، والمصادقة على الخرائط الهيكلية والخرائط التفصيلية، والأهم إعداد مخططات تطالب السماح للبلدات العربية استعمال ما تسمى 'أراضي الدولة' ومناطق الأحراش التي صودرت أصلا من العرب إبان النكبة وفترة الحكم العسكري".

شارع وادي عارة.. اكتظاظ وحصار للبلدات العربية

وفي ظل غياب الرؤية الإستراتيجية الشمولية، وجه المحامي جبارين انتقادات شديدة اللهجة لإدارات السلطات المحلية العربية المتعاقبة في تعاملها مع مخطط حريش الذي وضع حجر الأساس لتوسعه بالعام 2007، إذ أظهرت مشروعات وزارة الإسكان في حينه بأن المستوطنة ستقام على طول حدود الرابع من حزيران من باقة الغربية إلى أم الفحم وبتخوم شارع وادي عارة، دون أن تكون هناك أي خطوات عملية لرؤساء السلطات المحلية لمواجهة المشروع الاستيطاني في وادي عارة، مشددا على "ضرورة وحدة الصف في هذه المرحلة، وتقديم اعتراضات مشتركة لوزير الداخلية على قرار لجنة ترسيم الحدود والجغرافية".

استيطان وحصار

وأعرب رئيس اللجنة الشعبية للدفاع عن الأرض والمسكن وادي عارة، أحمد ملحم، عن ذات الموقف، ووجه انتقادات شديدة اللهجة للسلطات المحلية العربية في المثلث الشمالي، التي تقاعست وعلى مدار سنوات بتقديم الاعتراضات والتصدي لتمدد حريش، وتركت الأمر للجنة الشعبية والحراك الجماهيري وجمعيات العمل المدني وعلى وجه الخصوص المركز الحقوقي "عدالة" والمركز العربي للتخطيط البديل، وهي الجمعيات التي ساندت ورافقت اللجنة الشعبية في متابعة المِلَفّ أمام الدوائر الحكومية ومؤسسات التخطيط والبناء.

أم القطف ستتحول إلى جزيرة محاصرة داخل حريش

واستذكر ملحم في حديثه لـ"عرب 48" الفكرة الأساسية لحريش التي انطلقت بشكل عملي في العام 2007 على مساحة 4000 دونم، لتكون مدنية مخصصة لليهود "الحريديين"، وهي تعد أخطبوطا يحاصر بلدات وادي عارة، ويمنع توسيع مناطق نفوذها ومسطحات البناء، وهو مخطط نفذ بشكل متدرج على أرض الواقع، إذ حوصرت البلدات العربية بمناطق أحراش وأخرى خضراء ومشاريع بنى تحتية قطرية بعد ترسيم حدودها ضمن شارع "عابر إسرائيل"، وهي مشروعات قطعت الامتداد بالأراضي المشتركة وحالت دون أي تواصل جغرافي بين القرى والمدن العربية.

وشبّه رئيس اللجنة الشعبية للدفاع عن الأرض والمسكن حريش بـ"بقعة الزيت" التي تمددت على حساب المواطنين العرب وأيضا على حساب أراضي اللاجئين، إذ من المتوقع أن تمتد على مساحة 29 ألف دونم بينها 17 ألفا في الأقل من أراضي اللاجئين.

تمدد وتقليص

وفي المقابل، وفقا لما أكد ملحم فإن "مناطق نفوذ البلدات العربية تقلصت بمصادرة الأراضي الخاصة مع غياب مخططات شمولية للسلطات المحلية العربية وسوء التعامل مع قضايا التخطيط والبناء من قبل السلطات المحلية التي لم تسارع بإعداد خرائط هيكلية وماطلت كثيرا بإعداد خرائط تفصيلية وغابت عن التصدي والقيام بخطوات عملية لمنع تمدد حريش، فيما بقيت اللجان الشعبية تتابع لوحدها ملفات الأرض والمسكن قبالة المؤسسات الحكومية".

ولعل أبرز المعطيات بشأن بلدات وادي عارة والوارد في قرار لجنة الجغرافية، قال ملحم "هو انتزاع كفر قرع قرارا بالمصادقة على إقامة منطقة صناعية خاصة بها شمال شارع وادي عارة ممتدة على مئات الدونمات، بعد أن كان القرار السابق في العام 2018 بأن تكون المنطقة الصناعية مشتركة مع حريش، وفي حينه رئيسها، يتسحاق كيشت، عضو مركز حزب الليكود دفع نحو إضافة 13 ألف دونم أخرى لمسطح حريش، وهو المقترح الذي رفضناه كلجنة شعبية".

توسع حريش على جانبي الخط الأخضر

ولمواجهة تمدد حريش وتقليص نفوذ السلطات المحلية في وادي عارة، أكد ملحم على "ضرورة تشكيل مديرية خاصة تعنى بشؤون التنظيم والبناء مع تقديم رؤية شمولية تخطيطية وإستراتيجية تعنى باحتياجات البلدات العربية وسكانها، في مشروعات مشتركة في مجال الإسكان والصناعة والتجارة"، مبينا بأنه "دون ذلك سيتواصل تضييق الحصار على البلدات العربية، وستتواصل حريش بالتوسع على حساب الوجود العربي".

وكشف ملحم النقاب عن أن مجلس إقليمي "منشة" يحضّر خرائط هيكلية لكل بلدة استيطانية وتعاونية، إذ تهدف هذه الخرائط لإعادة ترسيم حدود الكيبوتسات وتوسيع مناطق نفوذها وسيطرتها على ما تسمى "أراضي الدولة"، والأخطر سعيها لمنع توسع مسطح نفوذ البلدات العربية وإقامة مشروعات البِنَى التحتية القطرية في الاحتياطي الأخير من أراضي العرب.

تطورات وتداعيات

وتعليقا على قرار لجنة ترسيم الحدود والجغرافية، عقدت، يوم السبت الماضي، جلسة طارئة عبر تقنية "زوم"، بمشاركة رؤساء السلطات المحلية في وادي عارة ونواب عن القائمة المشتركة وأعضاء سلطات محلية ومهنيين واختصاصيين، ناقشت مخطط توسيع حريش، وسبل متابعة تطورات وتداعيات القرار على المستوى الجماهيري والمسارات القضائية والتخطيطية والبرلمانية وجلسة مع وزير الداخلية واستعراض مطالب واحتياجات البلدات العربية في وادي عارة.

رئيس مجلس عرعرة- عارة المحامي مضر يونس

وقال اللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية العربية ورئيس مجلس عرعرة- عارة، المحامي مضر يونس، إن "لجنة ترسيم الحدود همشت احتياجات البلدات العربية، كما لم تبت في طلبات السلطات المحلية في وادي عارة بكل ما يتعلق في توسيع مسطحات النفوذ والبناء، وتداعيات قرار لجنة ترسيم الحدود على مستقبل تطور وتوسع البلدات العربية ومصادرة الاحتياطي الأخير من الأراضي بملكية خاصة وحرمانها من استعمال 'أراضي الدولة' التي تخصص لاستعمالات البلدات اليهودية".

وأكد يونس في حديثه لـ"عرب 48" على "ضرورة رص الصفوف والعمل الوحدوي لمواجهة قرار توسيع حريش وإحباطه، مع ضرورة الضغط من أجل المصادقة على الخرائط التفصيلية وتوسيع مسطحات نفوذ بلدات وادي عارة".

تسارع وتيرة البناء والإسكان في حريش

ولفت إلى أن "حريش حَسَبَ القرار الأخير ستحاصر البلدات العربية وستمتد حتى شارع 65، كما ستصل إلى مشارف الأحياء السكنية وستحد من أي تطور أو توسع مستقبلي، علما أن البلدات العربية ستُستثنى من استخدام الأراضي التي وضعت الدولة اليد عليها، وهي أصلا صودرت بغالبيتها العظمى من السكان العرب".

واتفق يونس مع الطرح الداعي إلى التحضير لمخطط شمولي للبلدات العربية ردا على مشروع حريش الاستيطاني، مؤكدا أن "المخطط الشمولي من شأنه أن يفك حصار البلدات العربية ويعيد التواصل الجغرافي فيما بينها، ويسهم في حل أزمة السكن، والأهم أنه يحدث تشبيكا في مشروعات مشتركة في مجال الإسكان والصناعة والتجارة والمباني العامة، ويبقي على مركزية البلدات العربية ومكانتها وعمقها الإستراتيجي قبالة مخطط الاستيطان في المثلث الشمالي".

التعليقات