حريش: ديموغرافيا لرسم حدود الأبرتهايد

تسابق الحكومة الإسرائيلية الزمن لتوطين يهود في البلدة الاستيطانية "حريش" التي تتوسع على حساب الأراضي العربية، لتحكم حصارها للقرى والمدن العربية في المثلث الشمالي ووادي عارة.

حريش: ديموغرافيا لرسم حدود الأبرتهايد

وحدات سكنية لاستقطاب عائلات يهودية ("عرب 48")

تسابق الحكومة الإسرائيلية الزمن لتوطين يهود في البلدة الاستيطانية "حريش" التي تتوسع على حساب الأراضي العربية، لتحكم حصارها للقرى والمدن العربية في المثلث الشمالي ووادي عارة، التي تعيش أزمة خانقة في المسكن وتعاني نقصا بآلاف الوحدات السكنية للأزواج الشابة، في ظل عدم توفر قسائم الأرض وتقليص النفوذ وحيز البناء، في معركة وجودية تخطت فصلا جديدا في هاجس الديموغرافيا لتحديد معالم جديدة في حدود الأبرتهايد.

شكّل العام 2015 مرحلة مفصلية في ميزان الديموغرافيا في المثلث الشمالي، حين أعلنت الحكومة الإسرائيلية في حينه عن حريش "منطقة أفضلية قومية" وتوطينها بنحو 100 ألف يهودي لغاية العام 2025، بيد أن ذلك لم يتحقق، حسب تقرير لوزارة الإسكان الذي يوصي بتوسيع مسطح المدينة التي يسكنها الآن نحو 12 ألف نسمة بـ2700 وحدة سكنية وهناك 640 وحدة سكنية غير مأهولة، إضافة إلى آلاف الوحدات السكنية قيد الإنشاء، وغالبيتها ستكون جاهزة للبيع والسكن في غضون الأشهر القريبة، ومثلها من الوحدات السكنية قيد التخطيط.

حريش أقيمت نواتها الأولى في تسعينيات القرن الماضي

ويظهر تقرير وزارة الإسكان الذي يركز على ضرورة حسم ميزان الديموغرافيا في المنطقة وضمان أغلبية يهودية لعقود طويلة، أن التعداد السكاني للعرب واليهود في لواء الخضيرة الذي يضم 18 سلطة محلية 426 ألف نسمة، إذ تبلغ نسبة العرب 47%؜، بينما اليهود يشكلون 53%؜ من سكان المنطقة. وتشير تقديرات الوزارة إلى أن العرب في المنطقة ستكون نسبتهم من السكان 51%؜ بحلول عام 2050، ما لم يتم تشجيع الاستيطان والجذب لليهود للسكن بالمنطقة.

ولتعزيز جذب اليهود للسكن في حريش، تدفع وزارة الإسكان نحو تطوير شبكة البِنَى التحتية والطرقات والمواصلات العامة، وربط المدينة بشارع 65 وشارع "عابر إسرائيل" وإيصالها بسكة الحديد التي يتم مدها بالقرب من شارع 6 وشبكة الطرقات ومشاريع البِنَى التحتية التي قد تقام شمالي الضفة الغربية.

النجوم السبع

واستعرض رئيس اللجنة الشعبية للدفاع عن الأرض والمسكن في وادي عارة، أحمد ملحم، تقرير وزارة الإسكان ومخطط توسيع حريش، الذي يأتي استمرارا لخطة "النجوم السبع" التي وضع معالمها وزير الإسكان سابقا، أريئيل شارون، لافتا إلى أن ذلك يحمل في طياته روح الديموغرافيا لمحاربة الوجود العربي الفلسطيني على جانبي الخط الأخضر لتكثيف الاستيطان بغرض شطب حدود الرابع من حَزِيران، وتهويد المثلث الشمالي وجعل أغلبية يهودية في المنطقة.

مجمعات تجارية في حريش تنافس النواة الاقتصادية بالبلدات العربية

وتدعيما لهذا الطرح، استشهد ملحم في حديثه لـ"عرب 48"، بتصريحات رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، الذي وصف توسيع مخطط حريش ومنحها أفضلية قومية لتعزيز الوجود اليهودي في المثلث الشمالي على أنه "بشرى صهيونية لمواطني إسرائيل، وأيضا بشرى لأعداء إسرائيل"، مبينا أن هذه التصريحات التي لا يمكن عزلها عن الفكر الاستيطاني الذي يستهدف الوجود الفلسطيني على جانبي الخط الأخضر.

وأوضح رئيس اللجنة الشعبية للدفاع عن الأرض والمسكن في وادي عارة، أن تقرير وزارة الإسكان يهدف لجذب وتشجيع اليهود للسكن في حريش واستقدام نحو 100 ألف يهودي في الأعوام المقبلة، ولحسم معركة الديموغرافيا وللإبقاء على أغلبية يهودية في المنطقة، وقال ملحم "أتى مخطط توسيع حريش من نفوذ مستوطنة متسبي إيلان مرورا بمستوطنة كتسير حتى مشارف مستوطنة ميعامي، لينتهي المخطط بمستوطنة أسيف التي ستقام شرقي مدينة أم الفحم بمحاذاة حدود الرابع من حَزِيران، بمسارها شمالي الضفة الغربية بالقرب من بلدات محافظة جنين، وهذا يأتي في صلب خطة النجوم السبع التي أعدها شارون".

وحدات سكنية جاهزة مهجورة دون إقبال على الشراء

مخططات بديلة

وعليه، يعتقد ملحم أن المرحلة تقتضي وقفة جادة وترتيبات صحيحة ومدروسة ومخططات عربية بديلة ليتسنى مواجهة المخطط التهويدي الاستيطاني في المثلث الشمالي، مشيرا إلى أنه أجريت ترتيبات ومشاورات مع طواقم حقوقية وتخطيطية مهنية من مركز عدالة والمركز العربي للتخطيط البديل، من أجل تحضير تصور تخطيطي شمولي مستقبلي لمنطقة المثلث الشمالي وقرى ومدن وادي عارة، على أن يقدم إلى لجنتي المتابعة والقطرية للرؤساء والأحزاب في القائمة المشتركة.

وانتقد رئيس اللجنة الشعبية الصمت العربي حيال مخططات توسيع حريش التي أقيمت في تسعينيات القرن الماضي على مساحة صغيرة من الأرض، وشهدت منذ ذلك الحين 3 مراحل للتوسعة لتمتد في هذه المرحلة على مساحة 11 ألف دونم، علما أن منطقة نفوذها قد تصل إلى 20 ألف دونم في المستقبل القريب، وذلك على حساب أراضي البلدات العربية وما تسمى "أراضي الدولة"، وهي المسطحات التي صودرت سابقا من السكان العرب وسُلبت من اللاجئين.

استمرار أعمال البناء في حريش

وأوضح ملحم أن لجنة ترسيم الحدود في اللجنة اللوائية قدمت إلى وزير الداخلية توصيات بالمصادقة على توسيع حريش بحوالي 3300 دونم، وهي الأراضي التي يجب أن تخصص لتوسيع البلدات العربية بغية حل ولو جزء بسيط من أزمة السكن والاكتظاظ، مبينا أن السلطات المحلية العربية في المنطقة لم تفعل الكثير لمنع وإحباط مخططات توسيع حريش، وهي إلى ذلك لا توفر الآليات والإمكانات للدفاع عن ذاتها، إذ أنها مطالبة في هذه المرحلة المفصلية بإعداد مخطط شمولي بديل لتوسيع مسطحات نفوذها والخرائط الهيكلية، وإقامة مناطق صناعية وتجارية مشتركة.

مناطق النفوذ

لا يقتصر الأمر على توسيع مخطط حريش الذي يحكم حصاره على البلدات العربية، بل أن أخطر ما يحاك ضد توسيع البلدات العربية في المثلث الشمالي، قال ملحم "هو ما يقوم به المجلس الإقليمي ‘منشة’ في هذه المرحلة، عبر إعداد خرائط هيكلية منفصلة لكل كيبوتس وبلدة استيطانية في مناطق نفوذها وتوسيعها على حساب البلدات العربية، ما يحكم بالإعدام على أي مخطط توسعي أو خريطة هيكلية لأي بلدة عربية، إذ سيتم الإبقاء على مسطحاتها ضمن مناطق نفوذها الحالية واستحالة أي توسيع مستقبلي إذا أقرّ على مثل هذه الخرائط التي يعدها المجلس الإقليمي في المنطقة".

توسيع حريش باتجاه باقة الغربية وميسر

وعن ما يتم الإعلان عنه بشأن مصادقة اللجان اللوائية والمؤسسات التخطيطية للدولة على عشرات آلاف الوحدات السكنية للبلدات العربية، أكد ملحم أنها "كلمة حق يراد بها باطل، ما تم الإعلان عنه حول توسيع أو إضافة أراض لوحدات سكنية. الحديث يدور عن أراض غالبيتها زراعية بملكية خاصة تقع ضمن مسطح ونفوذ البلدات العربية، وعلى غالبيتها منازل وأحياء سكنية ومشاريع إسكانية قائمة دون تراخيص، وهذا ما تعدّه الدولة توسيع مناطق النفوذ ومسطحات البناء، إذ إن الأمر مقتصر فقط على تغيير لون المسطحات من الأخضر كمسطح زراعي إلى اللون الأزرق معد للبناء".

محاصرة العرب

ذات الطرح قدمه النائب عن القائمة المشتركة، د. يُوسُف جبارين، الذي يعتقد أن مواجهة مخطط توسيع حريش على حساب البلدات العربية في المثلث الشمالي ومنطقة حدود الرابع من حَزِيران، يجب أن يواجه بالتعاون والتنسيق ووحدة الصف، في المسار الشعبي والإجراءات القضائية والاعتراضات، إلى جانب المسار السياسي، وذلك عبر طرح المخطط وقضية الأرض والمسكن من على جدول أعمال الكنيست ومختلف الوزارات الحكومية.

حريش تحاصر قرية أم القطف

وأوضح جبارين في حديثه لـ"عرب 48" أن "القائمة المشتركة ومنذ لحظة إبلاغ اللجنة اللوائية رؤساء المجالس والبلديات في وادي عارة والإعلان عن توسيع حريش، توجهت إلى وزارة الداخلية وقدمت بالتعاون والشراكة مع رؤساء السلطات المحلية واللجنة المحلية للتنظيم والبناء في وادي عارة، الملاحظات والاعتراضات على التوسعة، وأيضا مقترحات ومطالب القرى والمدن العربية لتوسيع مسطحات النفوذ والبناء، والمصادقة على الخرائط الهيكلية العالقة منذ سنوات طويلة".

ويرقب نواب المشتركة ورؤساء السلطات المحلية في المثلث الشمالي عقد جلسة مع وزير الداخلية، أرييه درعي، قبيل أن يصدّق مخطط توسيع حريش، وبموازاة ذلك، أكد النائب جبارين على "ضرورة تكثيف العمل الميداني في تصعيد النضال الشعبي وتحريك الجماهير باللجان الشعبية، إذ ستنظم قريبا بالتعاون مع اللجنة الشعبية للدفاع عن الأرض والمسكن وادي عارة جولة ميدانية بالبلدات العربية وفي حريش، بغرض الاطلاع على واقع أزمة الأرض والمسكن التي تعيشها البلدات العربية تمهيدا لتحضير البدائل التخطيطية لحل الأزمة، وكذلك معاينة التخطيط الإستراتيجي لحريش وللاستيطان على حدود الرابع من حَزِيران، وتداعياته على مستقبل تطور وتوسع البلدات العربية".

وحذر جبارين من "تداعيات توسيع حريش على حساب الأرض الفلسطينية والبلدات العربية في المثلث الشمالي"، لافتا إلى أن "الحكومة الإسرائيلية تمعن في تهويد المثلث الشمالي ووادي عارة بغرض جعل أغلبية يهودية في منطقة الساحل وعلى طول حدود الرابع من حَزِيران"، مشيرا إلى أن "تهويد الأرض يترافق مع محاولات تهويد وتشويه الهُوِيَّة ومضامين ومناهج التعليم"، مستذكرا مخطط تهويد الجليل الذي فجر أحداث يوم الأرض الأول في آذار/ مارس 1976.

توسيع حريش شرقا باتجاه الخط الأخضر وأراضي الضفة

استقطاب اليهود

ورأى النائب عن المشتركة أن "المؤسسة الإسرائيلية بمختلف أذرعها تسابق الزمن في هذه المرحلة لتثبيت مخطط تهويد المثلث على غرار مخطط تهويد الجليل، وذلك بهدف تجميع المواطنين العرب على أقل مساحة من الأرض وتوظيف الأراضي للاستيطان، من أجل جعل أغلبية يهودية في المثلث الشمالي ومحاصرة البلدات العربية والإبقاء على مسطحاتها ضمن ما بقي لها من مناطق نفوذ وحرمانها من التوسع على ما تسمى ‘أراضي دولة’ التي بالأساس أراض صودرت بالسابق من المواطنين العرب".

وجزم جبارين أن "مخطط توسيع حريش ومحاصرة القرى والمدن العربية سيسهم بالمساس بالتطور الاقتصادي والتجاري والاجتماعي البلدات العربية، لكيلا تعد قوة اقتصادية وتجارية وصناعية مستقلة يمكنها أن تنافس البلدات اليهودية في المنطقة وليس فقط حريش"، مؤكدا "وجود علاقة مباشرة بين مخطط توسيع حريش وبروز مدن عربية مثل أم الفحم وباقة الغربية وكفر قرع وبلدات وادي عارة كقوة اقتصادية تجارية عربية".

وعليه، قال إن "مخطط حريش لا يهدف فقط إلى تغيير موازيين الديموغرافيا والجغرافيا، ولا يستهدف الأرض العربية والسيطرة عليها فحسب، إنما يسعى لخلق مركز وقوة اقتصادية وتجارية يهودية في المنطقة، وتفريغ البلدات العربية من أي مقومات ومكونات اقتصادية وتجارية، وقطع الطريق على فتح مكاتب ومؤسسات خدماتية حكومية في البلدات العربية لتكون حريش هي العنوان لتقديم مثل هذه الخدمات، ولتبقى القرى والمدن العربية رهينة الحصول على هذه الخدمات فقط بالبلدات اليهودية".

وتأكيدا على الدلالات والمعاني الحقيقية للمخطط، قا جبارين إن "حريش يقطنها في هذه المرحلة نحو 12 ألف نسمة وتبلغ مساحتها نحو 11 ألف دونم، ما يعني أن مخطط التوسيع لا يطابق احتياجات السكان، علما أن وزارة الإسكان أخفقت في استقطاب اليهود للسكن، لذا لا يوجد أي مبرر لتوسيعها، لكن الدوافع من وراء ذلك عنصرية بامتياز، وعليه لا بد من التصدي لذلك من طريق تقديم مخطط تصور مستقبلي للحكومة، وفقا لاحتياجات ومطالب البلدات العربية بتوسيع مناطق النفوذ والبناء والصناعة والتجارة والمصادقة على الخرائط الهيكلية".

التعليقات