د. حسان: "آثار أزمة كورونا على التعليم العربي كارثية"

لا زالت تداعيات أزمة جائحة كورونا تلقي بظلالها على مختلف مناحي الحياة خصوصًا التعليم العربي في البلاد، لتخلّف آثارا عميقة من الخوف والقلق لدى الطلاب بعدما أثبتت منظومة التعلم عن بعد فشلها في المجتمع العربي

د. حسان:

"فشل منظومة التعلم عن بعد في المجتمع العربي" (أرشيفية- عرب 48)

لا زالت تداعيات أزمة جائحة كورونا تلقي بظلالها على مختلف مناحي الحياة خصوصًا التعليم العربي في البلاد، لتخلّف آثارا عميقة من الخوف والقلق لدى الطلاب بعدما أثبتت منظومة التعلم عن بعد فشلها في المجتمع العربي؛ سيما وأن المعطيات دلّت على عدم جاهزية الطلاب والمدارس والمعلمين والأهالي لذلك.

واعتبر رئيس لجنة متابعة قضايا التعليم العربي، د. شرف حسان، في حديث لـ"عرب 48"، أن "أزمة كورونا ستعمق الفجوات في المجال التعليمي بين العرب واليهود وكذلك داخل مجتمعنا العربي على خلفية الفجوات الاقتصادية والاجتماعية للطلاب، سيما وأن نحو نصف العائلات العربية وثلثي الطلاب العرب يعيشون تحت خط الفقر وفي ظروف اقتصادية واجتماعية صعبة ومع ازدياد البطالة والأثر الكارثي للأزمة على واقعنا فإن الوضع في الواقع هو أسوأ من هذه المعطيات".

د. شرف حسان

وأضاف أن "هناك تأثير كبير للعوامل الاقتصادية والاجتماعية على وضع الطلاب التعليمي وتحصيلهم المدرسي، إذ أن وضع العائلة الاقتصادي والاجتماعي له انعكاساته المباشرة على وضع الأبناء في المؤسسات التعليمية، هذا الأثر يساهم في وجود فجوات تعليمية كبيرة بين الطلاب على أساس طبقي نراها في المدارس وهي واضحة في الأبحاث والامتحانات المختلفة".

ولفت إلى أن "أزمة كورونا المستمرة منذ آذار 2020 ولا نعرف متى ستنتهي، لها أثرها الكبير على التعليم؛ من السابق لأوانه تلخيص هذا الأثر واستخلاص كل العبر، وهناك حقيقة تبدو واضحة تماما تتلخص في أن هذه الأزمة ستعمق الفجوات في التعليم بشكل هائل وأن أول وأكثر من يدفع الثمن الباهظ هم الأطفال أبناء العائلات المسحوقة، لهذا الأمر انعكاسات صعبة على الأطفال وعائلاتهم ومستقبلهم وأيضًا على المجتمع، والمطلوب هنا عدم تجاهل أو حتى إنكار هذه الحقيقة بل وضعها على رأس سلم أولويات المسؤولين وأصحاب القرار في المستويات المختلفة والمعلمين عموما وبناء خطط توفر الحلول لهذه الفئة الكبيرة من الطلاب".

تجاهل المعطيات

وأوضح د. حسان أن "الحكومة اختارت إغلاق المدارس لفترات طويلة كجزء من الخطة للحد من انتشار كورونا وخطتها كانت مواصلة التعليم من خلال منظومة التعلم عن بعد التي تعتمد على الانترنت والحواسيب، وهناك من اعتقد من أصحاب القرار أنه بالإمكان التخلي حتى عن دور المعلمين والمدارس ومواصلة التعليم من خلال استوديوهات خاصة يقوم بها معلم واحد بتمرير درس لجميع الطلاب في البلاد".

وبرر بالقول إن "خطوات الوزارة هذه تعكس فهم ضيق جدا للعمل التربوي ولاحتياجات الطلاب المتنوعة وكذلك عدم معرفة للواقع في الحقل خصوصًا أن وزارة التربية والتعليم لم تجر مسوحات لفهم واقع الطلاب ومدى جهوزية المدارس والمعلمين والطلاب والأهالي لمثل هذه الخطوات، كما أنها لم تفحص بدائل أخرى لمواصلة العمل التربوي والتعليمي وكان قرار الانتقال لمنظومة التعليم عن بعد شبه فوري دون فحص خيارات أخرى قد تكون أفضل في ظل الظروف القائمة في البلاد كالدمج ما بين التعلم من المدرسة بمجموعات صغيرة والتعلم من البيت على أن لا يقتصر التعليم من البيت على الحواسيب".

ونوه "حقيقة أنه كان واضحا منذ البداية أننا أمام أزمة صعبة لم تدفع أصحاب القرار إلى التفكير في وضع أهداف خاصة بهذه المرحلة وظروفها وحسب الواقع في الحفل، كذلك جرى تجاهل معطيات المسوحات التي أجرتها لجنة متابعة قضايا التعليم العربي بالتعاون مع مديري أقسام المعارف في السلطات المحلية العربية في بداية الأزمة، والتي أظهرت بشكل قاطع أن نحو 150 ألف طالب عربي على الأقل لا يملكون الحواسيب ووسائل مناسبة للتعلم عن بعد، وأن هناك عشرات آلاف الطلاب العرب يسكنون في بلدات وأحياء تفتقر إلى البنى التحتية لشبكة الإنترنت، وقد حذرنا من الظروف الصعبة في النقب عموما والقرى غير المعترف بها خصوصًا".

وتابع "بعدما قمنا بطرح هذه القضايا والمعطيات التي جمعناها بطرق علمية، بقوة في الإعلام والقضاء ولجان الكنيست وفي جلسات مختلفة مع الوزارة، جرى الاعتراف بعد أشهر من بدء الأزمة بفشل منظومة التعلم عن بعد في مجتمعنا العربي وجرى تغيير السياسات التي تضمنت توزيع حواسيب على الطلاب ورصد ميزانيات لحوسبة المدارس ومحاولة ملاءمة الخطط للمجتمع العربي".

ورأى أن "هذه التغييرات في السياسات التي جاءت متأخرة كانت حصيلة نضال جدي لقوى عديدة وقد ساهمت في إحراز بعض الإنجازات الهامة ولكن مع أهميتها تبقى بعيدة عن سد الفجوات وحل المشاكل والنواقص في الحقل، وعليه هذه الموارد الجديدة ربما سيكون لها تأثير مستقبلي إذا جرى استغلالها بشكل جيد ولكن تأثيرها على الوضع في الأزمة الحالية محدود".

فجوات وتجاهل الاحتياجات

وحول الفجوات شدد حسان على أن "التعليم العربي عانى كثيرًا خلال الأزمة بسبب الفجوات بين التعليم العربي واليهودي حصيلة سياسة التمييز الممنهج ضد العرب وعدم تجهيز المعلمين والمدارس لحالات الطوارئ والفجوات الرقمية والتكنولوجية القائمة في جميع المجالات وعدم احترام واستعمال اللغة العربية ونقص المضامين المحوسبة بالعربية وعدم دمج التكنولوجيا والأدوات الرقمية في ثقافة التعليم في المدارس العربية وما إلى ذلك من قضايا ذات صلة".

واستطرد بالقول "إلى جانب المشاكل المتعلقة بالتعلم عن بعد، فإن أزمة الثقة وانتشار كورونا في قرانا ومدننا العربية من الموجة الثانية ولغاية يومنا هذا قد فاقمت الوضع بشكل أسوأ وأدت إلى إغلاق مدارس عربية كثيرة (بقرار حكومي أو بمبادرات محلية) وتشويش العملية التعليمية، في الوقت الذي جرى فيه مواصلة التعليم على مستوى الدولة. دون الأخذ بعين الاعتبار أنه عندما تغلق المدارس، فعمليا يحرم أكثر من نصف الطلاب العرب من التعلم لأنهم لا يملكون الحواسيب ووسائل تمكنهم من التعلم عن بعد. كذلك كون التعلم عن بعد متعلق بمساعدة الأهل وبظروف وإمكانيات البيت والعائلة فإنه زاد وعمقّ تأثر العملية التعليمية بوضع ودور وإمكانيات الأهالي وقدراتهم.

وتطرق إلى الوضع الذي نشأ بسب الأزمة وإدارتها التي تجاهلت وضع واحتياجات المجتمع العربي والطبقات التي تعاني من ظروف الفقر والأوضاع الصعبة بالقول "جرى حرمان فئات واسعة من الطلاب من التعليم والخسائر التعليمية هائلة. مهم الإشارة إلى أن امتلاك الشروط الأساسية للارتباط بمنظومة التعلم عن بعد، لا يعني تلقي تعليم متساو وبجودة عالية لتعلق جودة وعمق العملية التعليمية بعوامل كثيرة تطرقت إلى بعضها سابقًا".

وأكمل "مع أن الغالبية الساحقة من الطلاب قد تضررت من الأزمة الحالية، إلا أنني أعتقد أن هناك فئة من مجتمعنا ستتمكن من تعويض أبنائها على الخسائر التي لحقت بهم ولن تعتمد فقط على ما ستقدمه الدولة. وتبقى القضية المركزية هي من سيعوض الطلاب أبناء الطبقات المسحوقة والفقيرة والتي تعاني من ظروف اجتماعية صعبة وقسم منهم يعيش في ظروف "الخطر". بحيث أن لعائلات هؤلاء الطلاب لا توجد إمكانيات لتعويض ابنائهم على الخسائر التي لحقت بهم".

اغتراب وتداعيات

وحذر حسان من عدم إيجاد حلول لهذه الفئة الكبيرة من الطلاب ما سينعكس سلبا على واقعهم ومستقبلهم وسيكون لذلك أثر على المجتمع ككل، هؤلاء الطلاب سيعانون من التهميش في المدارس وفي المجتمع وستشعر بالمزيد من الاغتراب وقد يكون قسم من هؤلاء الشباب فريسة سهلة لشبكات الإجرام المنظم والعنف. كل هذا في الوقت الذي فيه مجتمعنا بأمس الحاجة إلى بناء حصانة مجتمعية ولحمة تمكنه من مواجهة التحديات الكبيرة التي يواجهها وأبرزها مواجهة ظاهرة العنف والجريمة المنظمة.

وحول الحلول استعرض قائلا "علينا المطالبة ببلورة خطط حكومية شاملة لمعالجة الفجوات وتعويض الطلاب ورصد ميزانيات كافية لتطبيقها. لدى المدارس موارد وطاقات وإمكانيات هائلة يجب أن تستغل بشكل يساهم في معالجة قضايا الفجوات ودعم الطلاب الذين تضرروا من أزمة كورونا، هذا يتطلب أيضا تأهيل المعلمين وبناء برامج مدرسية عينية لدعم وتعويض هؤلاء الطلاب، وفي هذا الجانب كل معلم يستطيع الانتباه أكثر لاحتياجات الفئة التي عانت أكثر من غيرها ودعمها والاهتمام باحتياجاتها التعليمية، النفسية والاجتماعية، كما أن ذلك يتطلب العمل مع الأهالي على تجنيد موارد وبرامج من مصادر مختلفة تساهم في تلبية الاحتياجات للطلاب المتضررين".

وختم د. حسان بالقول "إلى جانب العمل على الناحية التعليمية للطلاب، هناك ضرورة أيضًا لبناء برامج على مستوى المدرسة حول قضايا التربية للقيم والهوية والانتماء ومواجهة حالة الاغتراب، وعلى المستوى البلدي يجب استغلال الموارد المخصصة للتعليم اللامنهجي والثقافة والفعاليات الثقافية والرياضية والاجتماعية لبناء برامج تساهم في معالجة المشكلة وكذلك التأكيد على دور المجتمع المدني والمؤسسات الثقافية والأكاديمية والبرامج الاجتماعية والتربوية المختلفة وإعطاء أولوية لبناء برامج تساهم في دعم أبناء الطبقات الأكثر تضررا من أزمة كورونا".

التعليقات