نوف هجليل: كيف "يصطاد" مراقبو البلدية سائقي السيارات؟

تتعلق هذه الحادثة وما أثير حولها من شبهات بسلوكيات مراقبي بلدية "نوف هجليل"، إذ كشفت سلسلة من الممارسات المخجلة والمسيئة التي يقوم بها عدد من مراقبي البلدية، كما وصفها مواطن يهودي مطّلع عما يقوم به المراقبون، تجاه السائقين.

نوف هجليل: كيف

تظاهرة احتجاجية أمام بلدية نوف هجليل (عرب 48)

تحولت قضية ملاحقة مراقبي بلدية "نوف هجليل" التي أسفرت عن مصرع الشاب جورج حلو من يافة الناصرة، نتيجة انقلاب دراجته النارية على الشارع الالتفافي الناصرة- نوف هجليل، قبل أكثر من ثلاثة أشهر، إلى قضية رأي عام بعدا أثيرت شبهات حول قيام مراقبي بلدية "نوف هجليل" بمطاردته، وهو الأمر الذي أدخله في حالة فزع وارتباك نجم عنها الحادث المأساوي الذي راح ضحيته الشاب حلو، ابن العشرين ربيعا، وأصيب فيه صديق للمرحوم.

وتتعلق هذه الحادثة وما أثير حولها من شبهات بسلوكيات مراقبي بلدية "نوف هجليل"، إذ كشفت سلسلة من الممارسات المخجلة والمسيئة التي يقوم بها عدد من مراقبي البلدية، كما وصفها مواطن يهودي مطّلع عما يقوم به المراقبون، تجاه المواطنين والسائقين وخصوصا العرب منهم، سواء في مواقف السيارات التابعة للمراكز التجارية أو في الحيز العام للمدينة.

وقال مصدر مطلّع، وهو شخص يعمل في مؤسسة البلدية (الاسم محفوظ) لـ"عرب 48" إن "غالبية الشكاوى والمخالفات المثيرة للشبهات موقعة باسم مراقب معروف للجميع بسلوكياته القذرة واستهتاره وسوء تعامله مع المواطنين".

من التظاهرة الاحتجاجية في "نوف هجليل" يوم 10 كانون الثاني/ يناير 2021(عرب 48)

وأضاف أنه "حتى قبل شهور قليلة كان يقتصر عمل هذا المراقب على المخالفات المتعلقة بركن السيارات في المواقف العامة، ولو ذهبتَ الى مركز ‘عوفر سنتر’ وسألت جميع العاملين في المحال التجارية هناك عن أسلوب عمل هذا المراقب فهم يعرفونه وسيقولون لك إنه يختبئ بين السيارات وفجأة تجده ينقض على سائق هنا أو سائقة هناك ويباغتهم حتى قبل أن يوقفوا سياراتهم في الأماكن المخصصة للمعاقين ويلتقط الصور ويحرر المخالفات لهم. وبعض هؤلاء السائقين يصلون إلى هذه المواقف من أجل الاستدارة والعودة أو من أجل إنزال شخص مسن أو عاجز، ولكن المراقب المذكور يقوم بسد الطريق عليهم بشكل مخالف للقانون ويحرر لهم مخالفات باهظة الثمن قدرها ألف شيكل ليحظى بـ’تقدير’ من مشغليه في البلدية! ما يقوم به المراقبون أمر مخالف للقانون، سد الطريق أمام سائق مركبة من أجل تحرير مخالفة ‘وقوف’ يتعارض مع القانون"، حسبما قال المواطن اليهودي عن سلوكيات المراقبين.

وقالت امرأة عربية تسكن في المدينة إنها وصلت بسيارة مع شقيقها إلى موقف السيارات في المجمع التجاري "دودج سنتر" والذي يعرف حديثا بـ"عوفر سنتر"، وكانت تعاني من التهاب حاد في عينيها وتكاد لا ترى الطريق أمامها وطلبت من شقيقها (السائق) إيصالها إلى أقرب نقطة من موقف السيارات بجانب صيدلية "سوبر فارم" لتتناول الدواء، وهو موقف معد لذوي الاحتياجات الخاصة. وقالت إنه "ما أن ترجلتُ من السيارة وقبل أن يبتعد شقيقي عن الموقف المخصص للمعاقين وإذا بمراقب البلدية يسد الطريق عليه ويلتقط صورا للسيارة ويحرر له غرامة قدرها ألف شيكل، دون مراعاة للظرف الذي نحن فيه، وهو يشاهدني وأنا أضع الضمادات علي عيوني، ومحرك السيارة يعمل والسائق داخلها، وكان قد بدأ يتحرك لإبعاد المركبة عن المكان المخصص للمعاقين".

وأضافت أنها قامت في ذلك اليوم بإجراء اتصال مع رئيس بلدية "نوف هجليل" رونين بلوط، فطلب منها أن تقدم شكوى رسمية تشرح فيها ما حدث، وفعلت ما قال لها إلا أن شكواها لم تعالج!

وتابع محدثنا الذي كشف عن ممارسات المراقبين بالقول إنه يعلم أن هناك عددا من الشكاوى لا حصر لها ضد مراقبي البلدية والمراقب المذكور تحديدا، لكنها لا تعالج بشكل مهني، لأن ما يهم البلدية أن يدخل مراقبو البلدية عشرات آلاف الشواقل إلى خزينة البلدية يوميا حتى لو جاءت هذه الأموال بأساليب غير أخلاقية!

وأضاف أنه "أعلم أن الشرطة في المدينة على دراية بالسلوكيات المرفوضة لهذا المراقب أو غيره، وكذلك المسؤولين في البلدية، لكنهم يغضّون النظر عن هذه الممارسات لأنها بالتالي تحقق مكاسب للبلدية".

"أنا جوج حلو.. طاردوني بالشارع وقتلوني" (عرب 48)

وقال موظف كبير سابق في بلدية "نوف هجليل" لـ"عرب 48" إن "هذا المراقب يستهدف الأحياء التي تسكن فيها أغلبية عربية مثل شارع ‘هفرديم’ في ساعات المساء والليل، إذ يستيقظ أهالي الحي في الصباح فيجدون المخالفات معلّقة على سياراتهم".

وأوضح محدثنا من البلدية أن "المراقب يعترض طريق السائقين وينقض عليهم مثل القراصنة وخفافيش الظلام، يصور المركبات بهاتفه المحمول ويحرر لأصحابها المخالفات، إما أن يلصقها على المركبات أو يلقيها داخل السيارات إذا كان السائق داخلها، ولا يكتفي بذلك بل يتحدث بكلمات مهينة مثل ‘أنتم تستحقون ذلك’ أو ‘خالفتم القانون تفضلوا وادفعوا الثمن’ وغيرها".

وردا على سؤال حول ما إذا كان المراقبون يتعاملون بهذه الطريقة مع السائقين العرب تحديدا، قال إن "عددا من المراقبين بالأساس ‘يتمتعون باصطياد’ مواطنين عرب، لكن تعاملهم غير الأخلاقي وغير الإنساني يجعلهم يتصرفون بنفس الأسلوب مع اليهود أيضا، وخصوصا المراقب القصود تحديدا فهو يتحدث بفظاظة ويستهتر بالناس ويلقي المخالفات داخل السيارات ويفر من المكان".

وواصل محدثنا أنه "قبل شهور أوكلت لهؤلاء المراقبين مهمة تحرير مخالفات للأشخاص الذين لا يتقيدون بتعليمات وزارة الصحة المتعلقة بجائحة كورونا، وما يفعله هذا المراقب لا يصدق، فهو يتربص كل شخص يشعل سيجارة، في الحيز العام، وفي اللحظة التي يزيل فيها الشخص المدخن الكمامة عن فمه وأنفه يسارع المراقب ويلتقط صورة له ويحرر له مخالفة. وأحيانا يذهب إلى ما هو أسوأ من ذلك فيطلب هويات الأشخاص ويدعي أنه يريد فحص تفاصيلهم والتأكد من هوياتهم من خلال مجمع المعلومات المحوسب، ويفاجئهم بعد أيام بمخالفات تصلهم عبر البريد قدرها 500 شيكل، بادعاء عدم وضعهم الكمامة خلال تواجدهم بموقف المجمع التجاري المذكور".

وختم المصدر المطلع على كل التفاصيل بالقول إن "المسؤولين في محطة الشرطة بالناصرة على علم بما يفعله مراقبو البلدية، وقيادة الشرطة تتغاضى وتغض البصر عن أفعال هؤلاء المراقبين بادعاء أنهم ‘جيدون ومربحون للبلدية’! وعندما يفتح رئيس البلدية حاسوبه في الصباح ويرى أن المراقب حصّل لخزينة البلدية مبلغا جيدا فإنه يكون راضيا عن عمل المراقبين دون أن يعلم بأي أسلوب حصّل هذه المبالغ".

"لماذا طاردوا جروج؟"

هذا الأمر أكده شبان من بلدة عين ماهل المجاورة لمدينة "نوف هجليل"، وقال أحدهم لـ"عرب 48" إنه ومجموعة من أصدقائه ومعارفه في البلدة وقعوا ضحية لهؤلاء المراقبين".

وأضاف الشاب (الاسم محفوظ) أن "بعض المراقبين يظن أنه مفتش عام للشرطة أو ضابط في الجيش لمجرد أنه يرتدي زي مراقب بلدية، فينقض على المواطنين ويطلب منهم بطاقات الهوية رغم أنه لا يحق له ذلك، ويسجل الأسماء وأرقام الهويات أو تصويرها، وبعد مرور أيام يتلقون مخالفات بالجملة عبر بالبريد لكل الذين تفحّص هوياتهم. كل ذلك دون وجه حق".

وقال محام عربي يسكن مع عائلته منذ أعوام في "نوف هجليل" لـ"عرب 48" إنه "طلبتُ وجبات طعام للعائلة من مطعم ‘ماكدونالدز’ الواقع بجوار محطة وقود (مساحة خاصة)، أوقفت السيارة وترجلت منها لتناول وجبات الطعام الجاهزة، ثم عدت إلى البيت وإذا بي أتلقى بعد أيام مخالفة بقيمة 250 شيكلا". وحين سألناه عن اسم المراقب الذي حرّر له المخالفة المرفق مع مجموعة ثلاث صور للسيارة، اتضح انها موقعة باسم المراقب المذكور.

وتجدر الإشارة إلى أن "عرب 48" باشر بإعداد هذا التقرير في أعقاب تنظيم مظاهرة شارك فيها المئات من أهالي يافة الناصرة، ورئيس مجلسها المحلي والعشرات من أبناء عائلة الشاب المرحوم جورج نسيم حلو (20 عاما)، من القرية، والذي كان قد لقي مصرعه يوم 20 تشرين الثاني/ نوفمبر 2020 في حادث سير مروّع وقع على الشارع الالتفافي بين الناصرة و"نوف هجليل" المجاورة إثر اصطدام دراجته النارية بمركبة، وأصيب في الحادث صديق للمرحوم بإصابات بين متوسطة وخطيرة.

وقالت عائلة الشاب الفقيد إنه تعرض لحادث الطرق بعد أن قام مراقبو بلدية "نوف هجليل" بمطاردته بواسطة سيارة تابعة للبلدية، دون أي سبب ودون أي تبرير ونتيجة حالة الخوف والهلع التي أصابت جورج فقد السيطرة على دراجته النارية ووقع الحادث.

وقال والد الشاب المرحوم جورج نسيم حلو، لـ"عرب 48" إن "هدفنا هو إظهار الحقيقة ومحاسبة المسؤولين. والحقيقة هي أن جورج تعرض لمطاردة عبثية وغير مبررة من قبل مراقبي بلدية ‘نوف هجليل’ وحسب المعلومات التي وصلتنا فإن مراقبي البلدية كانوا تحت تأثير الكحول حين تم استجوابهم في مركز الشرطة، ولا ندري لماذا لم يتم إجراء فحص لهم! ربما بسبب تعرض الشرطة للضغط من قبل البلدية".

سيارة تلقت مخالفة رغم أنها لم تتوقف تماما

وأضاف أنه "قمنا باستجواب البلدية من خلال رسالة وجهناها للمسؤولين، لكنهم زعموا أن رسالتنا لم تصل! وتتضمن الرسالة التي أرسلت عن طريق مكتب محاماة طلب توضيح حول أسباب ومبررات المطاردة التي بدأت من أمام المركز التجاري القريب من أحراج ‘تشرتشل’ واستمرت كيلومترات عدة وإلى خارج منطقة نفوذ بلدية نوف هجليل، وتخلل الاستجواب أسئلة حول ما إذا كانت البلدية قد اتخذت أي إجراء بحق المراقبين".

وأشار حلو إلى أنه من "المثير أن الذين طاردوا جورج ليسوا أفراد شرطة"، مؤكدا أنه "ليس من حق مراقب البلدية (حسب القانون) تنفيذ عملية مطاردة لمركبات أو دراجات نارية. ليسوا عناصر شرطة ولا يملكون هذه الصلاحية".

وقال الوالد الثاكل إن "في حوزتي شريط فيديو يظهر بداية الملاحقة، ولدي شهادة من صديق جورج الذي كان يركب خلفه على الدراجة النارية ويؤكد فيها تفاصيل المطاردة وأنها عبثية لا أسباب ولا تبرير لها بينما نتيجة هذه الملاحقة كانت كارثية بالنسبة لنا، فأنا فقدت ابني الوحيد، بعد تخويفه وترهيبه وكأنه ارتكب جرما، وهو في الواقع لم يقترف أي ذنب ليدفع حياته ثمنا لذلك".

وردا على سؤال حول مطلب العائلة من بلدية "نوف هجليل" قال حلو إنه "نريد أن تعترف البلدية بمسؤوليتها الكاملة عن مراقبيها وأن تبلغنا بالإجراءات التي اتخذت ضد المراقبين ولو على الأقل إبعادهم عن العمل إلى حين استكمال التحقيق".

وقالت الوالدة الثاكل، خلود حلو، لـ"عرب 48" إن "قناعتي التامة بأن ملاحقة ابني جورج ما هي إلا زعرنة من قبل مراقبي البلدية. جورج كان شابا خلوقا ومنضبطا".

سيارة أخرى تلقت مخالفة رغم أنها لم تتوقف تماما

وحصل "عرب 48" خلال إعداد التقرير على مجموعة من الصور تظهر بشكل جلي الملاحقة التي يتعرض لها السائقون. وتبين الصور أن السيارات التي صورها المراقبون وحرروا لها مخالفات كانت في وضعية حركة أي أن السائق داخلها ومحركها كان يعمل ومصابيحها مضاءة، لكنها تعرضت لـ"عملية اصطياد" من قبل المراقبين.

تعقيب بلدية "نوف هجليل"

توجه "عرب 48" منذ أكثر من أسبوع برسالة إلى الناطقة بلسان بلدية "نوف هجليل" أورنا بوحبوط، لكن دون رد، وحين كررنا طلب الحصول على تعقيب، قالت إن "تعقيبنا هو أنه سيُفحص ما جاء في التقرير بمنتهى الجدية".

التعليقات