باسل أبو العلا من شفاعمرو: وإن اقتلعت الشرطة عيني فلن تنجح بقتل أحلامي

تتشابه قصة باسل أبو العُلا من شفاعمرو، مع كثيرين من أبناء شعبه ومجتمعه الذين تعرضوا للإصابة برصاص الشرطة الإسرائيلية، إلا أن بسالته لا تشبه بسالة أحد آخر.

باسل أبو العلا من شفاعمرو: وإن اقتلعت الشرطة عيني فلن تنجح بقتل أحلامي

باسل أبو العلا (عرب 48)

تتشابه قصة باسل أبو العُلا من شفاعمرو، مع كثيرين من أبناء شعبه ومجتمعه الذين تعرضوا للإصابة برصاص الشرطة الإسرائيلية، إلا أن بسالته لا تشبه بسالة أحد آخر، فهو فتى بلغ الخامسة عشر ربيعا، أبى إلا أن يلبي نداء القدس في رفض الاعتداء على المسجد الأقصى وحي الشيخ جراح، ليدفع ثمن موقفه الرافض لعنف الشرطة الإسرائيلية وإرهاب المستوطنين في القدس. رصاصتان مطاطيتان، الأولى في الخاصرة، والثانية اقتلعت عينه اليسرى.

التقيت باسل أبو العلا في بيته مبتسما رغما عن الألم، فكان لتوهِ عائدا من المستشفى ليزيل غرزات الجرح الـ13 في محيط عينه التي اقتُلعت، وتبدو على محياه النباهة والذكاء، ويشع من وجهه الباسم رغم الجروح الأمل وتتقد الحماسة.

قال أبو العلا لـ"عرب 48": "أنا ابن شفاعمرو، ولدت هنا في وطني، قضيت شهر رمضان صائما، وبطبيعة الحال شدتني روحي للصلاة في المسجد الأقصى، خاصة خلال الأيام الأخيرة من الشهر المبارك. ما شهدته هناك من تعامل عنيف من قبل الشرطة مع المصلين كان مؤلما لكل إنسان حر، فما كان مني إلا أن استجبت لدعوات المشاركة في المظاهرات التي تم تنظيمها في البلدات العربية، وشاركت في تظاهرتين سلميتين في شفاعمرو على مدار يومين، استخدمت الشرطة خلالها قنابل رذاذ الفلفل والصوت ضد المتظاهرين، أما عن إصابتي فكانت خلال مشاركتي في مظاهرة ليلة عيد الفطر".

قصة أبو العلا لم تنته هنا، بل بدأت للتو، كان في اليوم الأخير من شهر رمضان يواصل تظاهره السلمي المشروع، صادحا بالهتافات التي تبعث على الأمل في نفوس مكلومي الشيخ جراح، ولم يكن يعلم أن خطبا ما سيحدث ويغير مجرى حياته إلى الأبد، ولم يكن يتوقع أن يصاب برصاصة مطاطية غادرة في ظهره، كانت الرصاصة تسابق الريح في الوصول إلى جسده النحيل، لتخترق ثيابه، وتسبب له ألما امتزج بالصدمة والمفاجأة، ليلتفت إلى مصدرها، فتعاجله رصاصة أخرى في عينه اليسرى، الرصاصة التي لم تكن لتميز بين مسن أو شاب يافع، كان كل غاية مطلقها أن يحط من عزيمة لا تلين، فلم تشفع للفتى حداثة سنه لدى الشرطي، ولم تمنع إطلاق الرصاصة المطاطية، فوقع المصاب على الأرض، التي تلقت ابنها بحنو الأم، احتضنته، ارتجفت، زلزلت، غضبت، حاول الفتى النهوض متحديا رصاص الذين تعمدوا أن يصيبوا عين الفتى مستغلين انشغاله بإصابته الأولى، حاول أن يبقى مستيقظا مدركا لما حدث وسيحدث، إلى أنه سقط مغشيا عليه. باغتت الرصاصة أبو العلا عندما كان يجري اتصالا هاتفيا مع أبيه ليطمئنه بأنه بخير وعلى ما يرام وأنه في طريق العودة إلى المنزل، لكن الخطب حل، والمأساة قد وقعت.

وأكد أبو العلا أن مشواره "مستمر حتى وإن فقد عينه أو أي مما يملك، فالحياة يجب أن تستمر رغم الألم، فمن الألم ينبثق الأمل، وتتفتح الآفاق، إنها لحظة الصمود، لحظة الإصرار، لحظة التحدي، لحظة بناء الذات، ومواجهة الواقع المرير بمزيد من الصبر، والتحلي بالقوة في أحلك الظروف".

حدثنا أبو العلا عن تلك اللحظات محاولاً كفكفة دمعه المنهمر على وجنتيه الغضتين بمنديل ورقي، العين التي اقتلعتها رصاصة المعتدي، فيما أزيلت القُطب التي اعتلت حاجبه الحاد الذي يبدو كسيفٍ استل في مواجهة سارقي حلمه.

سألتُه عن حال العين كيف تبكي وقد غادرتك؟ فأجاب أن "عيني وإن فارقتني إلا أن إحساسها بي لن يفارقني، والدمع على الخد هو صوت عيني الصامت، غادرتني هي فأنطقها الدمع لتُري آثام الظالم الذي اقترف ظلمه فسحقها، ولكن عبثا لن يسحق أحلامي وأهدافي".

أبو العلا، طالب في الصف التاسع، مجتهد، هكذا يصفه زملاؤه ومعلموه، يطمح لاستكمال دراسته في تخصص علوم الفيزياء والحاسوب، وهو الحلم الذي لطالما راوده منذ الصغر، فهو لا يخفي ولعه بالتكنولوجيا الحديثة "الهايتك"، دراسته ونعومة أظفاره لم تمنعانه عن المشاركة في المظاهرات السلمية، ما حدث معه لم يمنعه عن التخطيط لأهداف مستقبلية، بل قوّى من عزيمته ورسم أمامه معالم الطريق، ابتداءً من استكمال تعليمه، مرورا ببلورة شخصيته استعدادا لمواجهة التحديات المقبلة، وليس انتهاء بمواصلة النضال السلمي، للوصول إلى الغايات المنشودة".

تشد على يدي ابنها، هدى أم باسل، وتصرح بأنها تستمد القوة من إرادة ابنها. وقالت الوالدة لـ"عرب 48" إن "شهامة ابني وصلابته التي برزت وقت الشدة هي مصدر قوتي، أردت أن أربت على كتفه، فكانت عزيمته أقوى منا، باسل اسم على مسمى، كيف لا وقد فقد إحدى الحبيبتين عينه اليسرى ورغم هذا يبتسم للمستقبل ولا ينهزم، لدى باسل هوايات متعددة، كما أنه شخص اجتماعي، لا ينقطع عن زيارة أقرانه وقضاء أوقات ممتعة معهم".

وعن مشاركته في التظاهرات، قالت إن "باسل شارك في مظاهرات قانونية وسلمية، انتهت المظاهرة وفي طريق عودته قنصته يد الشرطة الهمجية، باسل خرج ليتظاهر ضد عنف الشرطة فتأتي هي وتعنفه، بل لتستهدفه وتطلق عليه رصاصتين في الخاصرة والعين، يريدون تحطيم المعنويات، فقد تعمد الشرطي أن يترك في وجه ابني ما ظن أنه سيثنيه عن مواصلة المشوار، لكن هيهات له ذلك، فالأسود تتكئ على جراحاتها وتواصل المسير".

وقال والد باسل، نعمة أبو العلا، لـ"عرب 48" إنه "تنقلت بين مكاتب المحامين من أجل رفع قضية ضد الشرطة التي أطلقت النار على ابني. لن أتخلى عن حق ابني بتقديم شكوى، في حين أحتاج إلى دعم في تلقي استشارة حول محامين أكثر كفاءة في هذا المجال".

ووصف لحظات انتظار ابنه الذي رقد نحو 8 ساعات في غرفة العمليات، بالقول إنه "وصلنا المستشفى وتم توقيع الأوراق فورا لدخول ابني في عملية جراحية استغرقت ما يقارب الثماني ساعات متواصلة، مرت الساعات كأنها دهر علينا، فإبني ينام والمشرط فوق عينه وأنا أصلي أن يبقى سالما لنا، وقد مر في سلسلة عمليات متواصلة: عملية للعين، الأنف والفك، إذ تعرض لكسور أخرى في الوجه. كان ابني رغم مصابه رابط الجأش، فهو على قناعة أن ما حدث كان سيحدث، مؤمن بقضاء الله وقدره، وقد ألهمه الله الصبر. ليس منتميا لفصيل أو حزب سياسي، لكنه مؤمن بثوابت حب الوطن".

وختم والد أبو العلا بالقول: "لأن الجرح واحد، والقضية واحدة، وهذا ما أثبته ابني بتضحيته، ولأن القدس والمسجد الأقصى في قلبه الصغير، لأن جذوره ضاربة في القدم في الأرض المقدسة، ولأنه استشعر مسؤولية كبيرة تجاه شعبه ووطنه ومدينته المقدسة، انطلق يذود عن حياضها، وهذا بالنسبة له واجب وطني وديني، لم يدفعه أحد لأن يلبي النداء، إنما انطلق من واعز أخلاقي تمليه ضرورة الموقف".

التعليقات