21 عاما على هبة القدس والأقصى: القتلة بلا عقاب

سلطاني: "بعد توصيات لجنة 'أور' تضاعف عدد ملفات قتل المواطنين العرب برصاص الشرطة الإسرائيلية، إذ تم منح شرعية للاعتداء على العربي وقتله، دون أن يقدم أحد للمحاكمة".

21 عاما على هبة القدس والأقصى: القتلة بلا عقاب

الشباب يتشبث بالهوية الوطنية والنضال الفلسطيني (عرب 48)

لم تكن توصيات لجنة "أور" برئاسة القاضي ثيودور أور، التي عينتها الحكومة الإسرائيلية للتحقيق في أحداث هبة القدس والأقصى وتقصي الحقائق بمقتل 13 شابا عربيا برصاص قوات الشرطة الإسرائيلية، إلا مجرد حبر على ورق، إذ جرّمت الضحية وحمّلتها مسؤولية الأحداث، فيما انتصرت للجلاد ومنحته الحصانة والدعم رغم الانتقادات التي وجهت له.

حلت الذكرى الـ21 لهبة القدس والأقصى، يوم 1 تشرين الأول/ أكتوبر، ولم يتغيّر شيئا منذ أن عمل قسم التحقيق مع أفراد الشرطة (ماحش) والنيابة العامة الإسرائيلية على إغلاق كافة ملفات محاكمة عناصر الشرطة والضباط المتهمين بقتل 13 مواطنا عربيا، فيما تواصل الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة السياسات التمييزية والعنصرية وشرعنة سياسة العنف المؤسساتي تجاه المواطنين العرب.

لم تكن توصيات "أور" لتردع قوات الشرطة والأجهزة الأمنية، بل منحتها الحصانة وأعطتها الضوء الأخضر لمواصلة سياسة سهولة الضغط على الزناد عندما يتعلق الأمر بمواطن عربي، فمنذ تشرين الأول/ أكتوبر 2000 ولغاية يومنا هذا قتل 70 مواطنا عربيا برصاص الشرطة الإسرائيلية وعناصر قوات الأمن والمستوطنين.

المحامي فؤاد سلطاني (عرب 48)

وعلى غرار ملفات شهداء "هبة القدس والأقصى" امتنع الجهاز القضائي الإسرائيلي عن استنفاذ التحقيقات في ملفات قتل المواطنين العرب بأيدي الشرطة وعناصر الأمن، وعلى الرغم من متابعة المؤسسات الحقوقية كمركز "عدالة" عنف الشرطة المستمر تجاه المواطنين العرب، أدانت المحاكم الإسرائيلية عنصري شرطة إثنين فقط منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2000، أحدهما سُجن 15 شهرا وأطلق سراحه، والآخر سُجن 6 أشهر فقط، ما يؤكد منح الحصانة للقتلة من قوات الشرطة.

وفي هذا الحوار مع المحامي فؤاد سلطاني الذي مثل عائلات الشهداء إلى جانب طاقم من المحامين من مركز عدالة الذي أشرف على تنظيم الجانب القانوني لملف عائلات الشهداء ومتابعة ملفات الاعتقال التي طالت المئات من المواطنين العرب، نسلط الضوء على حيثيات توصيات "أور"، واستنفاذ المسار القضائي والأسباب التي حالت دون تقديم الضباط والشرطة للمحاكمة في البلاد. كما نتطرق من خلال الحوار مع المحامي سلطاني إلى مدى إمكانية تدويل ملف شهداء "هبة القدس والأقصى"، وأحداث الهبة الشعبية في أيار/مايو 2021، وملفات الضحايا العرب برصاص الشرطة الإسرائيلية، وكذلك أبرز الإخفاقات السياسية والقضائية في مواجهات السياسات الإسرائيلية العنصرية والتمييزية والعجز قبالة عنف الشرطة وقوات الأمن تجاه المواطنين العرب.

جنازة الشهيد محمد كيوان من أم الفحم الذي ارتقى بالهبة الشعبية (عرب 48)

"عرب 48": ما هي معان ودلالات هبة القدس والأقصى وما تمثله من رمزية للنضال؟

سلطاني: جاءت هبة القدس والأقصى لتعبر من قبل فلسطينيي 48 بشكل غير ملتبس عن وحدة المصير والتلاحم والنضال المشترك بين أبناء الشعب الفلسطيني، وذلك على الرغم من محاولات الاحتواء والقمع والأسرلة، وهو الموقف الذي أكده مجددا النشء الفلسطيني في أحداث هبة الكرامة (الهبة الشعبية). وبالعودة إلى أحداث أكتوبر 2000، كان رد إسرائيل قاس بحجم الصدمة والمفاجأة من هذا التلاحم ووحدة النضال ووحدة المصير، إذ ردت قوات الشرطة الإسرائيلية على المظاهرات والاحتجاجات وخروج الجماهير بصدور عارية بإطلاق النار بهدف الترهيب والقتل، وفي كثير من الحالات ثبت أن عناصر الشرطة والضباط عمدوا القتل.

"عرب 48": أين نحن بعد مرور 21 عاما على قتل 13 شابا عربيا من توصيات "أور"؟

سلطاني: لا عجب أن السلطات الإسرائيلية منذ أكتوبر 2000 زادت من مشاريع الأسرلة والاحتواء والقمع ومحاولات التجنيد مع اعتماد سياسة العصا والجزرة والترهيب بمواصلة سياسة السهولة الضغط على الزناد ومقتل عشرات المواطنين العرب برصاص الشرطة وقوات الأمن الإسرائيلية بالطبع دون محاكمة القتلة. إلى جانب ذلك، دأبت المؤسسة الإسرائيلية على قمع الحركات والأحزاب والتيارات السياسية التي هددت مشاريع الأسرلة وتصدت للمشروع الصهيوني، مثل الحركة الإسلامية حتى تم حظرها والزج برئيسها الشيخ رائد صلاح بالسجن، وكذلك استهداف التجمع الوطني الديمقراطي الذي يلاحق بشكل مستمر منذ انطلاقته حتى تم تلفيق ملف أمني خطير ضد مؤسسه الدكتور عزمي بشارة الذي يعيش في المنفى القسري خارج الوطن. ولعل توصيات لجنة "أور" كانت مؤشرا لتويت سياسة العصا والجزرة وملاحقة التيار الإسلامي والوطني والقومي، علما أن التوصيات وجهت الاتهامات للدكتور عزمي بشارة والشيخ رائد صلاح بالتحريض على العنف وكذلك النائب السابق عبد المالك دهامشة، إذ أن التوصيات حددت البوصلة لسياسة المؤسسة الإسرائيلية تجاه "العربي المتطرف" و"العربي الجيد". وهذا الأمر انعكس في انتخابات الكنيست في آذار/ مارس 2021، التي شهدت مقاطعة غير مسبوقة لفلسطينيي 48، إذ أن 45% فقط من أصحاب حق الاقتراح شاركوا بالتصويت، وكذلك دخول تحالف "الموحدة" برئاسة منصور عباس والحركة الإسلامية (الجنوبية) إلى الائتلاف الحكومي الذي يقوده نفتالي بينيت.

شهداء هبة القدس والأقصى (عرب 48)

"عرب 48": كيف تم مواجهة سياسة العصا والجزرة وتداعيات ذلك على الأجيال الشابة؟

سلطاني: على ضوء سياسة العصا والجزرة والممارسات العنصرية والسياسات الإسرائيلية التمييزية تجاه المواطنين العرب، ظهر في صفوف الجماهير العربية تيار عماده وقوامه مبني على تهميش الهوية الوطنية، وهذا بمثابة نجاح وإنجاح لسياسة القمع الإسرائيلية التي عمدت على مدار 21 عاما على خلق جيل مدجن يسعى للاندماج بالمجتمع الإسرائيلي بعيدا عن قضايا وهموم شعبه الفلسطيني، لكن الرد والموقف للنشء جاء في هبة الكرامة. ونلاحظ منذ عام 2000 أن الشرطة الإسرائيلية صعّدت ممارساتها تجاه المواطنين العرب وقمعت بقوة مظاهرات ونشاطات واحتجاجات للمواطنين العرب، إذ أن كل حراك أو مظاهرة قمعت تبعتها اعتقالات وملاحقات للمئات بغية الترهيب وأيضا الترغيب عبر كواليس تحقيقات المخابرات. ولم يتوقف ذلك عند القمع واستعمال القوة الناعمة، فيلاحظ أيضا تضييق الهامش الديمقراطي على المواطنين العرب، فالأغلبية اليهودية ما عادت تطيق الوجود العربي المستقل بالمشهد السياسي، كما أن المؤسسة الإسرائيلية ما عادت تحتمل المظاهرات والاحتجاجات ذات الطابع الوطني والقومي والجمعي.

"عرب 48": هل ارتدع النشء الفلسطيني من القمع الإسرائيلي؟

سلطاني: كانت هبة الكرامة الرد والجواب من الأجيال الفلسطينية الشابة لإسرائيل بسقوط كافة الممارسات والسياسات قبالة وحدة الشعب الفلسطيني، ففي هبة الكرامة تم اعتقال نحو 2500 من الشبان والشابات الذي شاركوا بالاحتجاجات، والعشرات فرضت عليهم الإقامة الجبرية، إذ أن المحاكم الإسرائيلية واصلت نهجها لتكون مجندة للأذرع الأمنية. ورغم فرض عقوبات صارمة وإصدار أحكام شديدة من قبل المحاكم الإسرائيلية إلا أن ذلك لم يردع الجيل الشاب من مواصلة النضال والحراك والالتحام مع قضايا الشعب الفلسطيني، بحيث أن بوصلة هبة الكرامة كانت من الداخل الفلسطيني، وعليه فإن الجهاز القضائي الإسرائيلي عمد على وصف الاعتقالات بما يسمى "الطابع الأمني" الذي يرافق أي قضية نضال واحتجاج ومظاهرات لفلسطينيي 48.

فعالية تخليد ذكرى الشهداء (عرب 48)

"عرب 48": أين أخفقت القيادات بين الردع والقمع وهل أنقذ الجيل الشاب الموقف؟

سلطاني: في الوقت الذي أيقنت المؤسسة الإسرائيلية أهمية ودلالات هبة القدس والأقصى وما تبعها من محطات نضالية، إذ جندت آليات القمع، وعجزت الأحزاب العربية عن الارتقاء بمستوى الحدث والقيام بدورها المرجو والمتوقع لتنظيم الجماهير وبناء المؤسسات والجماعيات ما بعد أحداث أكتوبر. وقبالة هذا العجر الذي وصل لدرجة الإخفاق في بعض الملفات، كان هناك جيل شاب كامل وُلد بعد هبة القدس والأقصى ولم يشهد الأحداث وما تبعها من مراحل نضالية، إذ فشلت الأحزاب والهيئات التمثيلية في تثقيف هذا الجيل على أهمية الهبة وضرورة حمل رايتها الكفاحية والنضالية وتخليد ذكرى الشهداء. وإلى حد كبير فإن هذا الجيل الجديد الذي ترك وحيدا، كما عائلات الشهداء، عمد على تثقيف ذاته والبحث في التاريخ الحديث لنضال الشبان من أبناء شعبه، خصوصا وأن نسبة عالية من النشء ما كانت تتذكر أسماء الشهداء وتفاصيل ما حصل وأسباب وتداعيات الهبة، وكانت المراسيم مجرد زيارات لأضرحة الشهداء بدلا أن تكون مناسبة كفاحية نضالية للتأكيد على الهوية الوطنية الفلسطينية. كما أن قيادات الأحزاب عجزت عن الرد على محاولات السلطات الإسرائيلية تقزيم أحداث هبة القدس والأقصى وقضية الشهداء، وعجزت عن حمل راية هذا الحدث المفصلي واستثماره لتنظيم الجماهير والتصدي لمحاولات الأسرلة وطمس الهوية الوطنية، وهذه هي الإخفاقات التي صححها مسار النشء والأجيال الشابة من خلال هبة الكرامة.

"عرب 48": بالعودة إلى هبة القدس والأقصى، لماذا توقف المسار القضائي عند انتهاء مداولات لجنة "أور"؟

سلطاني: عند تشكيل لجنة أور كانت عائلات الشهداء وطواقم المحامين ومركز عدالة وجمعيات العمل المدني أمام قرار صعب هل نشارك بمداولات اللجنة ونقدم الأدلة والبيانات والإفادات، أم يتم مقاطعة اللجنة؟ في النهاية تقرر المشاركة وتقديم رواية فلسطينيي 48 بشأن الأحداث ومقتل 13 شابا برصاص الشرطة الإسرائيلية بشكل متعمد. وكانت لجنة أور وما حملته من توصيات واتهامات للمواطنين العربي وبعض القيادات بمثابة خيبة أمل لدى عائلات الشهداء، على وجه الخصوص، التي لم تحصل على النتائج المرجوة دون أن تتهم التوصيات الشرطة والضباط بقتل 13 شابا، واكتفت بتوجيه الانتقادات وأبقت على الملف لدى (ماحش). وأيقنت عائلات الشهداء ماذا ينتظرها، إذ لا تثق بأجهزة التحقيق والجهاز القضائي الإسرائيلي وباتت عائلات الشهداء على قناعة تامة بأن المحاكم الإسرائيلية لن تنصفهم ولن تظهر الحق.

فعالية دعم وإسناد للأسرى (عرب 48)

"عرب 48": هل ما زال بالإمكان ملاحقة عناصر الشرطة والضباط الذين قتلوا الشهداء في هبة القدس والأقصى؟

سلطاني: في الظرف الحالي أقدّر أنه لا يوجد أي أمل بأية إمكانية لملاحقة وتجريم ومحاكمة أفراد الشرطة والضباط الذي أعطوا الأوامر لإطلاق النار تجاه المتظاهرين العرب، إذ لا يوجد ثقة بالجهاز القضائي العنصري الذي يمتنع عن تحريك الملفات واستنفاذ الإجراءات وتقديم الجناة للمحاكمة عبر مسار جنائي وتجريم القتلة. ويأتي ذلك، على الرغم من أن الكثير من أفراد الشرطة والضباط في حالات القتل وإطلاق النار هويتهم معروفة، بل ومنهم من ظهر من خلال إفادتهم أمام مداولات لجنة أور بأنه تعمد القتل، ووجود شهود وأدلة على كيفية تنفيذ إعدامات ميدانية لبعض الشبان، وبالتالي لماذا التوجه للجهاز القضائي الإسرائيلي ولن تخرج بنتيجة تنتصر للعدالة الحق وعائلات الشهداء.

"عرب 48": هل منحت لجنة أور الحصانة للشرطة وأعطتها الضوء الأخضر لمواصلة سياسة سهولة الضغط على الزناد قبالة العربي؟

سلطاني: منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2000 قُتل العشرات من المواطنين العرب برصاص الشرطة وقوات الأمن الإسرائيلية والمستوطنين دون عقاب ودون حتى أن تقدم ضدهم لوائح اتهام، بل إن غالبية الملفات أغلقت، وهذا يؤكد أن توصيات أور ليست أنها فقط أعطتهم الحصانة والدعم، بل أعلنت أنها توفر الحماية من أي ملاحقة قضائية في حال تم الاعتداء على عربي وقتله رميا بالرصاص. وهذا بمثابة ضوء أخضر لاستمرار هذا النهج، سهولة الضغط على الزناد تجاه العربي وإعدامه ميدانيا تحت ذرائع أمنية، ويلاحظ أنه بعد توصيات لجنة أور تضاعف عدد ملفات قتل المواطنين العرب برصاص رسمي للمؤسسة الإسرائيلية، إذ تم منح شرعية للاعتداء على العربي وقتله، دون أن يقدم أحد للمحاكمة، وأغلقت الملفات في (ماحش) وتم تقديم عنصرين من الشرطة للمحاكمة في ملفين فقط وفرض عقوبة مخففة بالسجن بين 6 أشهر و15 شهرا، ما يؤكد أن المؤسسات الإسرائيلية، على مختلف أذرعتها، تمنح الحصانة للقتلة من عناصر الشرطة والأمن.

التعليقات