صيام: المؤسسة الإسرائيلية ما زالت تتكتم على أسماء عناصر الشرطة الذين قتلوا أولادنا

في الأول من تشرين الأول/ أكتوبر من كل عام وعند مفرق عين إبراهيم يستذكر إبراهيم صيام، والد الشهيد أحمد، تفاصيل معركة الوجود التي اشتعلت على مشارف أم الفحم ومشاهد القناصة الذين أعتلوا جبل قحاوش..

صيام: المؤسسة الإسرائيلية ما زالت تتكتم على أسماء عناصر الشرطة الذين قتلوا أولادنا

ضريح الشهيد أحمد صيام (عرب 48)

في الأول من تشرين الأول/ أكتوبر من كل عام وعند مفرق عين إبراهيم يستذكر إبراهيم صيام، والد الشهيد أحمد، تفاصيل معركة الوجود التي اشتعلت على مشارف أم الفحم ومشاهد القناصة الذين أعتلوا جبل قحاوش.. قبل ساعات الظهر رصاصات الغدر أدت إلى استشهاد أحمد صيام (18 عاما) من معاوية، إذ أصيب بعيار معدني مغلف بالمطاط في عينه وفارق الحياة على الفور، وكان أول شهيد بالداخل في هبة القدس والأقصى، وبفارق دقائق استهدف الرصاص الحي للقناصة ظهر محمد جبارين (23 عاما) فاستشهد في اليوم التالي.

كان يوم 28 أيلول/ سبتمبر 2000، محطة فارقة في العلاقة بين المؤسسة والإسرائيلية والمواطنين الفلسطينيين في أراضي 48، حين قام رئيس المعارضة آنذاك أريئيل شارون، برفقة العشرات من أفراد الشرطة الاسرائيلية باقتحام ساحات المسجد الأقصى، في رمزية لإعلان حرب على الوجود الفلسطيني والمقدسات العربية والإسلامية، و"هي الحرب الخفية"، يقول والد الشهيد صيام، "التي ما زالت تدور رحاها مع المؤسسة الأمنية بالمدن الساحلية والنقب والقدس وفي البلدات العربية".

في صباح الأول من تشرين الأول/ أكتوبر 2000، عم الإضراب الشامل البلدات العربية، انطلقنا من باقة الغربية وكانت وجهتنا أم الفحم للمشاركة في المظاهرة التي تنظم بالمدينة استجابة لطلب لجنة المتابعة العربية العليا احتجاجا على اقتحام شارون للأقصى، دقائق من السفر ودخلنا شارع وادي عارة من منطقة مفرق "الأساور".. عاشت المنطقة أجواء هدوء غير اعتيادي وصمت مطبق.. غابت الحياة تقريبا عن شريان المواصلات الرئيس في مؤشر لنجاح الإضراب وعدم الخروج للعمل.

21 عاما وإسرائيل تتكتم على هوية عناصر الشرطة

مرت 21 عاما على هبة القدس والأقصى التي استشهد خلالها 13 شابا برصاص الشرطة الإسرائيلية، وما زال والد الشهيد صيام يطالب أسوة بباقي عوائل الشهداء أن تكشف المؤسسة الإسرائيلية عن أسماء عناصر الشرطة الذين تسببوا بمقتل نجله البكر واغتيال طموحات وآمال 13 عائلة عربية.

وأشار صيام في حديثه لـ"عرب 48" إلى أن ما يعرفه من خلال مداولات لجنة التحقيق "أور" أن "من قتل أحمد قناص من أصول أثيوبية اعترف خلال المداولات أنه حصل على أوامر من ضباط الشرطة بإطلاق النار على المتظاهرين في أم الفحم بهدف القتل".

وأوضح والد الشهيد أحمد أن "المؤسسة الإسرائيلية ما زالت تتكتم على أسماء عناصر الشرطة الذين قتلوا أولادنا"، مؤكدا أن "العائلات تصر على حقها لمعرفة هذه الحقائق ومحاكمة الضالعين في استشهاد الشبان"، أوضح أن "العائلات وافقت وبعد 7 سنوات من أحداث الهبة على استخراج جثامين الشبان لتشريحها وتحضير تقارير طبية لتحديد ومعرفة عناصر الشرطة الذين قتلوا الشبان الـ13، لكن المؤسسة الإسرائيلية تراجعت بعد أن أقرت بأن إخراج الجثامين وتشريحها مجددا لن يفضي لتحديد هوية عناصر الشرطة".

الشهيد أحمد صيام، قُتل برصاص قناص

وأشار إلى أنه ما زال يتذكر ما دار في جلسات لجنة "أور"، حين تبجح الضابط غاي رايف بإطلاق النار بشكل عشوائي وقام باستبدال الذخيرة واستعمال المزيد من أمشاط الذخيرة، التي تسببت باستشهاد عماد غنايم (25 عاما) من سخنين، والذي أصيب بعيار حي بالرأس واستشهد على الفور، وكذلك وليد أبو صالح (21 عاما) الذي أصيب بعيار حي في بطنه واستشهد في اليوم ذاته، إذ فجّر والده ثورة غضب على الضابط رايف في قاعة المحكمة.

ذات المشهد الذي يعبر عن معاناة وآلام عائلات الشهداء تكرر في مداولات لجنة "اور" عندما مثُل شرطي "حرس الحدود" راشد مرشد من شفاعمرو واعترف أنه أطلق الرصاص المطاطي عند مدخل قرية جت المثلث، وكذلك إقرار من رافقوه من عناصر أنه من أطلق الرصاص، إذ استشهد رامي غرة (21 عاما) بعد أن أصيب بعيار معدني مغلف بالمطاط في عينه، وأغمي على والدة الشهيد غرة في قاعة المحكمة.

لم يخف والد الشهيد أحمد حزنه وألمه حين استذكر مداولات لجنة "أور" التي استجوبت من وراء ستار القناص من أصول أثيوبية الذي أطلق النار على المتظاهرين واعترف أنه تلقى الأوامر من الضباط لإطلاق النار وإيقاع القتلى، وهي كانت المقولة الشهيرة لقائد الشرطة في منطقة الشمال، إليك رون، "أريد قتلى..".

هبة القدس والأقصى أسست لمرحلة مفصلية

وفي العودة مع إبراهيم صيام إلى مشاهد الأول من تشرين الأول/ أكتوبر 2000، ووسط هذا الصخب والمحطات المفصلية في تاريخ فلسطينيي 48 والتي تجلت في أحداث الهبة الشعبية في أيار/ مايو الماضي، استذكر نشرة أخبار الثامنة صباحا منذ قبل 21 عاما التي اخترقت الصمت الذي رافقنا بالسفر في السيارة مع أبرز العناوين "إغلاق شارع وادي عارة عقب مواجهات بين مواطنين عرب وقوات الشرطة التي تعرضت للرشق بالحجارة...".

إبراهيم صيام والد الشهيد أحمد

تساءلت ومن كان معي كيف ذلك والحياة اعتيادية، كيف ذلك ونحن نسافر على شارع وادي عارة، أين المواجهات.. أين المتاريس والحجارة والإطارات المشتعلة..؟ لكن على جانبي شارع وادي عارة وفي مقر قيادة "حرس الحدود" ومركز الشرطة في وادي عارة آلاف من القوات والعناصر الخاصة مدججين بالأسلحة والمعدات وكأنهم يتحضرون للحرب، وهي مشاهد استقدمت ما سيحصل في أم الفحم.

وفي قراءة للمشاهد والأحداث في أم الفحم، أوضح صيام أن "هبة القدس والأقصى أسست لمرحلة مفصلية بالعلاقة مع المؤسسة الإسرائيلية وأعطت الضوء الأخضر باستمرار سياسة سهولة الضغط على الزناد، إذ قتل نحو 70 عربيا برصاص الشرطة وقوات الأمن منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2000، دون أن يتم تقديم القتلة للمحاكمة".

إرث الشهداء في الهبة الشعبية

ويعتقد صيام أن "مراسيم إحياء ذكرى الشهداء ومهما كانت رمزية بيد أنها تبقى في غاية الأهمية بصقل الوعي والهوية الوطنية وصياغة الرواية الجماعية الفلسطينية"، مشيرا إلى أن "شريحة واسعة من أبناء شعبنا لم تعش أحداث هبة القدس والأقصى ولم تكن مولودة أصلا، وهي ذات الشريحة الشبابية التي تتمسك بثوابت القضية الفلسطينية وبوصلتها القدس والأقصى".

زيارة ضريح الشهيد صيام في معاوية

وسط حالة من الترقب ومسيرة 21 عاما من ذكرى الشهداء ومحطات النضال دفاعا عن القدس والأقصى، يعتقد والد الشهيد صيام أن "دماء الشهداء سطرت التاريخ الحديث للشعب الفلسطيني، وحسمت الموقف نحو وحدة الكل الفلسطيني، وذلك رغم التحريض غير المسبوق وتجريم العمل السياسي وملاحقة القيادات الوطنية والإسلامية وأسر الشيخ رائد صلاح والنفي القسري للدكتور عزمي بشارة وحظر الحركة الإسلامية (الشمالية)، وضرب النسيج المجتمعي من خلال فوضى السلاح والاقتتال الداخلي عبر الإجرام المنظم الذي أزهق أكثر من 1400 ضحية بالعقدين الأخيرين".

وختم والد الشهيد صيام بالقول إن "دماء الشهداء لم تذهب هدرا ووحدت الشعب وأوقدت القضية الفلسطينية وأسفرت الانتفاضة الثانية عن استشهاد 4412 شهيدا، وإصابة 48322 آخرين"، مشيرا إلى أنه "سأبقى شامخا أسوة بعائلة كل شهيد حين نرى الشباب الفلسطيني يتمسك بقضيته ويرفع لواء القدس والأقصى وينتفض من جديد في مشاهد عبرت عنها هبة الكرامة في أيار/ مايو الماضي، وهو ما يؤكد أن شعبنا يتذكر ولا ينسى.. ولن ينسى".

التعليقات