64 ضحية في حوادث العمل: 70 مراقبا على 15 ألف ورشة

لا تزال أعداد العمال العرب في مجال البناء تطغى على قائمة ضحايا حوادث العمل في البلاد، في إشارة واضحة إلى أن العمال والمقاولين العرب وبتجاهل من الدولة ومؤسسات لا يأبهون بأنظمة السلامة، ولا يعيرون وسائل الأمان أي اهتمام

64 ضحية في حوادث العمل: 70 مراقبا على 15 ألف ورشة

توضيحية (تصوير طاقم الإنقاذ)

لا تزال أعداد العمال العرب في مجال البناء تطغى على قائمة ضحايا حوادث العمل في البلاد، في إشارة واضحة إلى أن العمال والمقاولين العرب وبتجاهل من الدولة ومؤسسات لا يأبهون بأنظمة السلامة، ولا يعيرون وسائل الأمان أي اهتمام، لا بل تجد بعضا من هؤلاء العمّال يفاخرون ويراهنون ويتحدون زملائهم بأنهم من عشاق المغامرة ويقومون بحركات بهلوانية في المرتفعات ضاربين بعرض الحائط كل إجراء يهدف للحفاظ على سلامتهم.

وبلغ عدد ضحايا حوادث العمل منذ مطلع العام ولغاية اليوم 64 ضحية أكثر من نصفهم من عمال البناء العرب، من مناطق الـ48 والضفة.

وبهذا الصدد، حاور "عرب 48" مدير الشعبة القطرية لنقابة عمال البناء، المحامي وائل عبادي، من كفر قرع وهو متخصص في معالجة قضايا عمال البناء العرب.

"عرب 48": معظم ضحايا حوادث العمل هم من عمال البناء، وبطبيعة الحال غالبيتهم الساحقة من العرب، هل تنقص مجتمعنا ثقافة الأمان في أماكن العمل؟

عبادي: في الواقع نستطيع القول إن كل ضحايا حوادث العمل في مجال البناء هم عرب، وليس الغالبية، وخلال السنوات الست الماضية نلاحظ ارتفاعا مضطردا من سنة إلى أخرى في أعداد ضحايا حوادث العمل، فضلا عن الإصابات اليومية، وخاصة في فرع البناء.

وتبلغ نسبة الضحايا العرب حوالي 80% في مختلف قطاعات العمل الزراعية والتجارية والصناعية، وتصل إلى 100% في فرع البناء. ولو نظرنا إلى هذا العام الموشك على الانتهاء نجد أنه جرى تسجيل 64 حالة وفاة في حوادث العمل، منها 34 في فرع البناء وهذا العدد يشكل ما نسبته 54% من مجمل ضحايا حوادث العمل، وهؤلاء بالطبع جميعهم أو ما لا يقل عن 30 منهم من العمال العرب، وهذا الأمر يكاد لا يعقل.

المحامي وائل عبادي

"عرب 48": ما العمل إزاء واقع مؤلم كهذا؟ من المسؤول؟

عبادي: منذ 3 سنوات، أخذت نقابة عمّال البناء على عاتقها مشروع التوعية والتثقيف، وهو مشروع ضخم، يحاول احتواء جميع العمّال على الإطلاق لتوعيتهم وتثقيفهم تجاه المخاطر المحيطة بهم في أماكن العمل، وضمان أمنهم وسلامتهم في ورشات العمل، وتحديدا في قطاع البناء.

"عرب 48": هل القضاء على هذه الظاهرة يكمن في التوعية والتثقيف أم في تشديد العقوبات؟

عبادي: في كليهما معا، التوعية لوحدها غير كافية، والعقوبات وحدها لا تحل المشكلة، علينا الأخذ بالمسارين معا، فأنت لا تستطيع أن تقدّم الطالب للامتحان دون أن تزوّده بالأدوات اللازمة ليكون جاهزا لهذا الاختبار، لذلك نحن أخذنا على عاتقنا تأهيل العمال من خلال دورات وإرشادات في فرع البناء، وبالمقابل نحن نطالب الحكومة ومؤسساتها بإنفاذ القانون والاهتمام بأن تطبق التعليمات في أماكن العمل.

أقمنا ورشات عمل منذ عام 2019، قمنا من خلال هذه الورشات العملية باستئجار ورشة بناء نموذجية في بيت صفافا بالقدس، ودعونا عمّالا فلسطينيين (من 40 إلى 50 عاملا) يوميا للمشاركة في هذه الورشات التي استمرت من ساعات الصباح حتى ساعات العصر يتعلمون فيها كيفية العمل في الأماكن المرتفعة وعلى السلالم وكيفية استخدام الأدوات الكهربائية الخطرة، واتخاذ كل التدابير اللازمة ووسائل الوقاية والحماية خلال العمل، بالإضافة إلى ورشات عمل مماثلة للعمال غير الفلسطينيين من العرب في الداخل. ولكن كل هذا لا يكفي إذا كانت الحكومة لم تقم بمراقبة وتركيز هذا الموضوع وتوفر كل المتطلبات الكفيلة بمراقبة ورشات العمل.

"عرب 48": مرة أخرى نعود لموضوع المراقبة، كيف يمكن لـ100 مراقب من قبل مديرية الأمان، أن يراقبوا 15 ألف ورشة بناء في البلاد؟

عبادي: صحيح ففي العام 2018 كان هنالك 18 مراقبا على كل ورشات البناء في البلاد، وفي حينه كانت المرة الأولى التي يعلن فيها "الهستدروت" نزاع عمل شامل في القطاع العام، على هذه القضية تحديدا، فلم تكن القضية في حينه تتعلق بحقوق العمال، وكانت هذه سابقة في تاريخ "الهستدروت" أن يعلن نزاع عمل في قضية لا تخص حقوق العمال وإنما حياة العمال، رغم أن المسؤولية عن حياة العمال وسلامتهم هي مسؤولية دولة وليست مسؤولية النقابة، فالنقابة مسؤولة عن الاتفاقيات العمالية وعن رفع الأجور والإجازات ونقاهة ورفاهية العامل وما إلى ذلك، لكن حماية العمال وإلزام المقاولين بتوفير وسائل الأمن والأمان لهم هي من مسؤولية الدولة.

في حينه تم إنهاء نزاع العمل بالتوصل إلى اتفاقية جماعية، من 15 بند أهمها زيادة عدد المفتشين من 13 مفتشا إلى 300 خلال عامين، وها نحن اليوم بعد مرور 3 سنوات على الاتفاقية لا يتعدى عدد المراقبين والمفتشين الـ70 مراقبا على 15 ألف ورشة عمل مترامية الأطراف من شمالي البلاد إلى جنوبها. لا يعقل أن يكون هذا العدد كافيا، 70 مراقبا لا يمكنهم مراقبة جميع ورشات العمل في البلاد. ونحن إذ نطالب الحكومة بتنفيذ بنود الاتفاقية التي تم إبرامها في العام 2018.

"عرب 48": هل تعتقد أن سلامة وأمن العمال هو في مقدمة سلم أولويات الحكومة؟

عبادي: في عهد الحكومة السابقة كنت أقول بملء الفم "لا"، لم تكن الحكومة تأبه بالعمال وسلامتهم. اليوم في ظل الحكومة الجديدة التي تشكلت في شهر حزيران/ يونيو الأخير هناك بوادر أمل للمشاركة والتعاون وأنا في الحقيقة لا أعلم إلى أين يمكن أن نصل وكم يمكن أن نتقدم مع هذه الحكومة ولكن دعنا نقول أن هنالك بوادر أمل من قبل الحكومة ووزارة الاقتصاد التي عيّنت مؤخرا مسؤولا عن الأمن والأمان ومكافحة حوادث العمل، وقد أعد هذا الموظف خطة عمل كاملة وشاملة لمكافحة حوادث العمل. فإذا تم تنفيذ هذه الخطة أعتقد أننا سنشهد تراجعا في عدد حوادث العمل وفي عدد الضحايا.

"عرب 48": ما هو دور المقاول في هذه الصورة القاتمة، ألا توجد برامج تحفيز وتشجيع للمقاولين للالتزام والتقيد بوسائل الأمان؟

عبادي: بالطبع هناك دور مهم وأساسي للمقاول في كل مجالات العمل، ونحن نعمل اليوم بالتعاون مع صندوق تطوير فرع البناء واتحاد المقاولين ومنتدى السلامة والأمان في أماكن العمل على "برنامج النجوم"، وهي خطة لتدريج مستوى الأداء في أماكن العمل، تماما كما هو تدريج مستوى الفنادق، وتمنح شهادة تقدير للمقاول الذي يهتم بوسائل الأمان في ورشة العمل ويقوم باطلاع عماله على كل ما هو جديد في مجال العمل بشكل دوري عبر تطبيق محوسب يقوم المقاول بتحديثه أسبوعيا.

إلى جانب ذلك فإن القانون سيلزم كل مقاول بأن يقوم بتعيين مسؤول عن الأمن والأمان في كل ورشة عمل، ويكفي أن يصل مراقب العمل إلى الورشة ولا يجد مسؤول الأمان فيها لكي يقوم بإغلاق الورشة ووقف العمل في الموقع.

التعليقات