حوار مع خبير اقتصادي: عن رفع الفائدة البنكية وضرورة ترشيد أنماط الاستهلاك

عن موضوع رفع الفائدة البنكية من قبل بنك إسرائيل أجرى "عرب 48" مقابلة مع الخبير الاقتصادي ومراقب الحسابات والمتخصص في الشؤون البنكية، عمر فندي، الذي تحدث عن الأزمة الاقتصادية وغلاء الأسعار وموقف المواطن العربي من كل ذلك.

حوار مع خبير اقتصادي: عن رفع الفائدة البنكية وضرورة ترشيد أنماط الاستهلاك

توضيحية (Gettyimages)

قرر بنك إسرائيل، حديثا، رفع الفائدة البنكية مرة أخرى، لتصبح نسبة الفائدة الأساسية "البرايم" على القروض 2,75% إلا أن غالبية هذه الفوائد تصب في جيوب أصحاب البنوك، الذين يرفعون الفوائد على القروض، بينما الفوائد على مبالغ التوفير لا تزال تقارب الصفر، دون أي مراقب من بنك إسرائيل المركزي.

وكان البنك المركزي قد رفع الفائدة البنكية بنسبة 1.1 خلال الشهرين الماضيين بهدف الحد من التضخم المالي وغلاء المعيشة وارتفاع الأسعار التي طالت كافة جوانب الحياة.


وتصب الفائدة البنكية المرتفعة بعبئها كله على الجمهور، لأن المسيطرين على الاقتصاد يرفعون أسعار بضائعهم ومنتجاتهم، في حال ارتفعت كلفة الإنتاج والتشغيل وبضمن ذلك رفع الفوائد عليها.

عن موضوع رفع الفائدة البنكية من قبل بنك إسرائيل أجرى "عرب 48" مقابلة مع الخبير الاقتصادي ومراقب الحسابات والمتخصص في الشؤون البنكية، عمر فندي.

"عرب 48": ماذا يعني قرار رفع قيمة الفائدة الأساسية التي أعلن عنها بنك إسرائيل؟

فندي: رفع الفائدة هو أشبه برفع سعر أي منتج نستهلكه، فعندما يتم رفع سعر الوقود فإننا ندفع أكثر مقابل الحصول على الوقود، ورفع الفائدة البنكية يعني أننا سندفع أكثر مقابل الديون المستحقة لصالح البنوك بالأساس، سواء في قروض الإسكان أو في القروض العادية وفي الحساب الجاري أو في كل جانب فيه دين مستحق. هذا يعني أننا سندفع أكثر لدى تسديد قرض إسكاني، أو قرض عادي، ومقابل إطار الاعتماد (بطاقات الائتمان) كل شهر، وغرامات مقابل تأخير تسديد دفعات لمؤسسات حكومية (مخالفات سير، فواتير مياه وكهرباء وغيرها).

"عرب 48": ما الهدف من رفع قيمة الفائدة الأساسية؟

فندي: كلنا يعلم أن رفع قيمة الفائدة يأتي في أعقاب موجة غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار، والهدف من رفع قيمة الفائدة هو التقليل من العملة المتداولة والاستهلاك من قبل المواطنين والحد من الطلب على المنتجات، وبالتالي عندما تنخفض المشتريات ويتراجع الطلب على المنتوجات فإنه ينتج عن ذلك خفض أسعارها لكي لا تتراكم على الرفوف.

وبالتالي فإن الهدف من رفع قيمة الفائدة هو تقليص حجم النقود المتداولة في أيدي المواطنين وجعلهم يشترون منتجات أقل، وأيضا أن يعيدوا النظر في الحصول على القروض البنكية لأن الحصول عليها سيكلفهم ثمنا أغلى، خاصة القروض المرتبطة بجدول غلاء المعيشة. ومعادلة العرض والطلب معروفة لدى الصغير والكبير، وتتلخص في أنه عندما يزيد الطلب يرتفع سعر المنتج وعندما يقل الطلب عليه فإن سعره ينخفض.

عمر فندي (عرب 48)

"عرب 48": هل التقليل من حجم النقود في أيدي المواطنين ورفع الفائدة الأساسية كفيل بحل الأزمة الاقتصادية؟

فندي: بالطبع لا، فهذا هو الجزء المتعلق بمحاربة التضخم المالي من جانب البنوك، وهناك الجانب الآخر المتعلق بالقرارات الحكومية وأهمها إزالة الموانع والحواجز التي تتيح خفض الأسعار، كالجمارك المفروضة على البيض وعلى الخضار والفواكه والحليب واللحوم، والضرائب المفروضة على المحروقات ومنع خصخصة الغاز والمواصلات، وهناك الكثير من الضرائب والرسوم التي تفرضها الحكومة دون مبرر مثل رسوم ترخيص السيارات كل عام، فهذه البيرقراطية من واجب الحكومة معالجتها بالتوازي مع قرارات بنك إسرائيل.

ولو نظرنا لسعر البيض كمثال نجده أغلى بنحو 40% مقارنة مع دول الاتحاد الأوروبي، لأن مجلس البيض يحتكر هذا السوق ومثله أيضا سوق الدواجن والحليب، وهي مؤسسات صهيونية تحتكر هذه المنتجات الزراعية والثروة الحيوانية، وهي أساسية وأغلى من الدول الأوروبية والعالم بنحو 40% كما ذكرنا.

هذه المواضيع فقط الحكومة تستطيع معالجتها فضلا عن واجب الحكومة الاستثمار في البنية التحتية من أجل زيادة عدد المنتجين وتسهيل عمليات الإنتاج وتوسيع المناطق الصناعية وترخيصها وتيسير المواصلات وإنشاء شبكات لإيصال الطاقة والغاز إلى المصانع، لذلك فإنه إذا اقتصرت معالجة التضخم المالي على بنك إسرائيل ورفع الفائدة البنكية فإننا سنجد أنفسنا كما كنا في ثمانينيات القرن الماضي حين كانت الفائدة البنكية تبلغ 17%، بينما هي اليوم 2.75% وننظر إليها على أنها مرتفعة، ورفع الفائدة بالتالي يعيق عملية النمو الاقتصادي، لذلك فإن ذراع الحكومة يجب أن تكون أطول من ذراع بنك إسرائيل في اتخاذ القرارات الصحيحة.

"عرب 48": هل هناك قرارات حكومية توحي بأنها تسير في الاتجاه الصحيح للجم التضخم المالي وغلاء الأسعار؟

فندي: للأسف الشديد منذ ثلاث سنوات لا توجد حكومة، وكل القرارات التي تتخذ اليوم هي "قرارات انتخابات" وأبرزها تخفيض سعر الوقود الذي سنشهده مطلع الشهر المقبل بنحو 1 - 1.5 شيكل لليتر الواحد. واضح أن هذا القرار هو بمثابة هدية انتخابية.

"عرب 48": لنعود ونضع المواطن العربي في المركز، هل هناك وعي اقتصادي لدى الجمهور بحيث يستطيع أن يتأقلم مع هذه المعطيات الجديدة؟

فندي: للأسف الشديد، مجتمعنا العربي يعيش اقتصاده في شبكات التواصل الاجتماعي وليس على أرض الواقع، همّه الأكبر التقاط صورة له وهو يحمل سلّة الماركات دون أي حساب لما سيواجه في الغد القريب. مجتمعنا يعتمد في اقتصاده على عبارات "الله بفرجها" و"اصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب" وكل المصطلحات الاقتصادية التي يجب مراعاتها تكاد تكون معدومة في مجتمعنا. فنحن لا زلنا نعيش في ظروف غير طبيعية منذ أزمة "كورونا" التي جعلتنا نستهلك كل ما استثمرناه في سنوات مضت، وذلك في ظل موجة من ارتفاع الأسعار في كل دول العالم وعلى غالبية المنتجات.

(Gettyimages)

"عرب 48": كيف يتوجب على العائلة العربية ورب الأسرة في المجتمع العربي أن يتصرف، وهل ينبغي تغيير أنماط الاستهلاك؟

فندي: مع رفع قيمة الفائدة البنكية فإن العائلة العربية ستدفع أكثر مقابل شراء المنتجات، ومن ناحية أخرى يصعب على العائلة التقليل من معدلات استهلاكها. ونحن في المجتمع العربي لدينا عادات وأنماط استهلاك سيئة جدا في كوننا الفئة الأكبر في البلاد التي تتأثر بمفهوم الماركات الفاخرة بدءا من الملابس والحقائب وانتهاء بالسيارات، ونحن نفتقر إلى عملية ترشيد الاستهلاك ولا نكترث بالمصطلحات الاقتصادية المتعلقة بالتقليل من مصروف المكيف، وكأنه عار علينا قبل شراء جهاز كهربائي فحص مدى استهلاكه للكهرباء أو مدى توفيره.

بالإضافة إلى ذلك، عدم وضع قائمة مشتريات لدى التوجه إلى مراكز الأغذية، والشراء عن اليمين وعن اليسار دون أن نحسب ميزانية البيت للمديين القصير والبعيد مقارنة بدخل العائلة.

تشغيل المكيف على حرارة 16 يختلف عن تشغيله على حرارة 24، وإضاءة مصابيح الغرف في الوقت الذي تكون فيه الغرف خالية من سكانها هو تبذير للطاقة، وبإمكان كل عائلة عربية أن توفر ما لا يقل عن 10% من استهلاك الكهرباء دون مجهود وفقط من خلال التنبه لهذه الأمور الصغيرة.

كذلك الأمر بالنسبة لاستهلاك الوقود من خلال قضاء الحاجيات الصغيرة على مسافة قريبة من البيت دون استخدام السيارة، أو باستخدام وسائط النقل العامة، أو بالاكتفاء بسيارتين للعائلة بدلا من ثلاث أو أربع سيارات.

هذه المظاهر غير موجودة سوى في دول العالم الثالث، بينما في الدول المتطورة هناك أقل عدد من السيارات على الشوارع.

ومثلا تغيير الهاتف المحمول مرة كل ثلاث سنوات وليس مرة في السنة، لذلك يجب أن يكون استهلاكنا وفقا لدراسة بحيث يضمن لنا التوفير لمشروع ما تخطط له العائلة للمدى البعيد كشراء سيارة، أو تعليم جامعي، أو بناء منزل جديد، أو توسيع البيت القائم، أو السفر إلى الخارج.

هذا الأمر يجب أن يكون بالتكافل والتعاون ما بين كل أفراد العائلة، فترشيد الاستهلاك يبدأ من صغائر الأمور كحقيبة الطالب مرورا بالسلة الغذائية ووصولا إلى مشروع السيارة والبيت وما هو أكبر من ذلك. حان الوقت لأن ننظر إلى الجدوى والنجاعة وليس للشعار واسم الماركة.

التعليقات