أجواء الميلاد في الناصرة: حركة للسياحة وانتعاش للاقتصاد

سامي جبالي: "حركة سياحية نشطة جدا تعيد للأذهان ما كنا عليه في العام 2019، لكن من حيث العائد الاقتصادي فهو أقل بكثير مما كان في تلك السنوات الماضية، معظم السياحة الوافدة إلى المدينة لا تستثمر في الناصرة سوى القليل".

أجواء الميلاد في الناصرة: حركة للسياحة وانتعاش للاقتصاد

الناصرة (عرب 48)

تعيش الناصرة، هذه الأيام، أجواء عيد الميلاد المجيد، حيث البهجة والزينة والأضواء في كل ركن وفي كل شارع من شوارع المدينة المقدسة للعرب المسيحيين ففيها عاش السيد المسيح، عليه السلام، وفيها نشأ وترعرع، وفيها عين العذراء مريم، عليها السلام، وكنيسة البشارة، والعديد من الأماكن المقدسة.

يعد موسم الأعياد الميلادية موسم الانتعاش الاقتصادي الذي ينتظره تجار المدينة كل عام في مثل هذه الفترة من كل عام، وحرمت من منافعه المدينة وتجارها في العامين الماضيين بسبب جائحة "كورونا" التي اجتاحت العالم بأسره ولا تزال سريعة الانتشار حتى هذا اليوم، وإن كانت الغالبية العظمى قد تغلبت على الخوف والقلق من الجائحة الذي رافقها مطلع العام 2019.

وتشهد الناصرة، في الأسبوعين الأخيرين، حركة سياحية نشطة بلغت ذروتها يومي الجمعة والسبت الماضيين، وتجوّلت كاميرا موقع "عرب 48" بين المحتفلين بالأعياد والوافدين إلى المدينة بعشرات الآلاف لرصد أجواء العيد.

حركة نشطة وفوائد قليلة

الحركة السياحية النشطة التي تشهدها منطقة عين العذراء مرورا بما يسمى "درب الحُجاج" وصولا إلى البلدة القديمة وسوق الناصرة، تعيد إلى الأذهان مشهد النشاط الاقتصادي الذي ساد المدينة في العام 2019، لكن خيراته أقل، ولربما يعود السبب لموجة غلاء المعيشة.

وقال صاحب مقهى ليوان الثقافي في وسط البلدة القديمة، سامي جبالي، لـ"عرب 48" إن "هناك حركة سياحية نشطة جدا تعيد للأذهان ما كنا عليه في العام 2019، لكن من حيث العائد الاقتصادي فهو أقل بكثير مما كان في تلك السنوات الماضية، معظم السياحة الوافدة إلى المدينة لا تستثمر في الناصرة سوى القليل".

وقالت صاحبة مقهى في البلدة القديمة، رفضت ذكر اسمها، إن معظم السياحة الوافدة إلى المدينة هي "سياحة داخلية" أي من اليهود الذين يعيشون في منطقة وسط البلاد أو البلدات اليهودية المجاورة، وهؤلاء غير معنيين بإنعاش اقتصاد الناصرة وإنما الرغبة في قضاء يوم عطلة ممتع في مدينة عربية تضج بالحركة والزينة وشجرة الميلاد واقتناء الهدايا المتواضعة والألعاب من أسواق الميلاد والرقص مع بابا نويل.

وأضافت أن "عائلات بأكملها تكتفي بشراء حبة قطايف واحدة أو قرص واحد من المناقيش أو البيتزا ببضع شواكل".

مناسبات متنوعة تثقل كاهل العائلات

تشكو عائلات عربية من كثرة المناسبات والبرامج والفعاليات التي ترافق موسم الأعياد المجيدة، ففي الماضي كان يقام في المدينة سوق واحد للميلاد وبرامج فنية وفعاليات للأطفال والكبار تمتد على مدار خمسة أيام على مسرح واحد يقام في ساحة عين العذراء أو ساحة كنيسة الروم الأرثوذكس، أما اليوم فقد تحوّل موسم الأعياد لموسم تجاري بامتياز بعد أن أصبح عدد أسواق الميلاد في الناصرة بلا حصر، فهناك سوق ضخم للميلاد في مركز القديس أنطون، وسوق للميلاد في فندق "غولدن كراون" وثالث في قاعات "غراند بالاس" ورابع في موقف المطرانية قرب عين العذراء، وكل واحد من هذه الأسواق يحتاج الزائر لشراء بطاقة دخول وفي كل واحد منها تقام فعاليات وبرامج فنية يشارك بها فنانون محببون على جمهور الشباب. وتنضاف هذه البرامج لعروض مسرحية عديدة ومتنوعة تتعلق بمناسبة العيد.

وقالت رنا، وهي أم لأربعة أبناء تراوحت أعمارهم بين 13 و19 عاما، لـ"عرب 48" إن "هذه البرامج مكلفة جدا بالنسبة للعائلة".

وأكدت أنه "منذ بدء موسم الأعياد تجاوزت تكاليف هذه المناسبات والبرامج ألفي شيكل، ولم تبدأ بعد مصاريف العيد من الملابس الجديدة والتحضير لسهرة العيد والهدايا وزينة الشجرة وغيرها من المصاريف.. فقد تحوّل العيد لموسم تجاري بكل معنى الكلمة".

وأكدت رلى، وهي أم لثلاث بنات وتعمل بوظيفة جزئية، في حديثها لـ"عرب 48"، أنه "من جهة لا أستطيع أن أرفض طلب بناتي بالمشاركة في هذه البرامج أسوة بسائر صديقاتهن وبنات جيلهن من الفتيات، ومن جهة ثانية لا أستطيع أن أحقق لهن كل رغباتهن بالمشاركة في كل الفعاليات والبرامج فهذا أمر مكلف جدا ويصل إلى مئات الشواكل في كل أسبوع من موسم الأعياد الذي يستمر لأكثر من شهر".

مدينة غير مهيأة

عشرات الآلاف يتوافدون إلى الناصرة، مع نهاية كل أسبوع، خلال شهر كانون الأول/ ديسمبر، يتجوّلون في شوارعها وأزقتها ومراكز الاحتفالات فيها، بينما تفتقر المدينة للمراحيض العامة بشكل مطلق، فانعدام المراحيض العامة يسبب حرجا للوافدين والسائحين في المدينة، تجدهم يدخلون بمجموعات إلى المحال التجارية طلبا لاستخدام المراحيض، وهذا الطلب كثيرا ما يكون مصدر إزعاج لأصحاب المحال التجارية الذين يتذرّعون بمختلف الذرائع رافضين أن تتحوّل محلاتهم التجارية إلى مجرد مراحيض لعابري السبيل، وبالتالي هم يلقون باللوم على بلدية الناصرة بادعاء أن البلدية تدعو السائحين والمواطنين اليهود لزيارة الناصرة، لكنها لا توفر لهم أدنى حاجياتهم من مراحيض عامة ومواقف لسياراتهم وتكون الفوضى وعدم النظام سيدة الموقف.

كابوس حارة الروم

على الرغم من أجواء البهجة والزينة والفرح، يعيش أهالي حي الروم في الناصرة ما يشبه الكابوس، طيلة فترة الأعياد المجيدة ورأس السنة الجديدة. ويقع هذا الحي ضحية عدم النظام والفوضى التي تعم مواقع الاحتفالات، لكن المعاناة لا تقع على سكان الحي وحدهم، وإنما يشاركهم فيها جميع الوافدين إلى المدينة من سكان منطقة الشمال، الذين يصلون إلى الناصرة عبر تطبيق "ويز" فهذا التطبيق يرشدهم إلى منطقة "العين - مركز الاحتفالات" عبر منحدرات حي الروم الضيقة الخطيرة "نزلة أم إيلي" التي يشيب منها شعر رأس السائقين.

وتشهد هذه المنطقة اختناقات مرورية قد تستمر لبضع ساعات ولا يحدث الانفراج إلا بعد أن يقوم السائقون بالاستغاثة واستدعاء الشرطة التي تضطر لإغلاق الشارع من كلا الاتجاهين لـ"تهريب" المركبات العالقة وسط الحي.

هذا السيناريو يتكرر عدة مرات أيام الجمعة والسبت من كل أسبوع، لكن قلق أهالي حي الروم لا ينبع من عدم قدرتهم على الوصول إلى بيوتهم في الحي والخروج منها بسبب الاختناقات، وإنما حسب قول أحد سكان الحي "خوفنا وقلقنا الحقيقي من حدوث حالة طوارئ أو حاجة لنقل مريض أو مصاب إلى المستشفى، وعدم قدرة خدمات الطوارئ كالإسعاف والإطفاء والشرطة من الدخول إلى الحي المأزوم".

م

التعليقات