انعدام الأمن الغذائي في المجتمع العربي: "مؤشر مقلق للعائلات المتوسطة والفقيرة"

تعاني عائلات عربية من شبح انعدام الأمن الغذائي وهو يقلق غالبية العائلات المتوسطة والفقيرة، وذلك بعد كشف مؤسسة التأمين الوطني عن معطيات مقلقة تهدد أكثر من نصف مليون عائلة في البلاد.

انعدام الأمن الغذائي في المجتمع العربي:

بلدة الصواوين مسلوبة الاعتراف في النقب (توضيحية - Gettyimages)

كشف تقرير مؤسسة التأمين الوطني، مؤخرا، معطيات مقلقة للغاية حول موضوع انعدام الأمن الغذائي، الذي بات يهدد أكثر من نصف مليون عائلة في البلاد.

وتبين من التقرير أن مؤشر الأمن الغذائي في المجتمع العربي ارتفع من 56.8% في العام 2016 إلى 57.6% في العام 2021، ما يعني أن 42.4% من العائلات العربية تعيش في ظل انعدام أمن غذائي، وهذه نسبة مرتفعة أكثر بثلاث مرات من النسبة العامة. في المقابل هناك نحو 11% من اليهود يعيشون بانعدام أمن غذائي.

كما أظهر التقرير أن 522 ألف عائلة في إسرائيل تعيش بحالة من انعدام الأمن الغذائي، بينها 265 ألف عائلة تعيش في حالة انعدام أمن غذائي حاد، وتضم 967 ألف نسبة بينهم 665 ألف قاصر، وفقا لتقرير مؤشر "الأمن الغذائي" الصادر عن مؤسسة التأمين الوطني.

وجاء في التقرير أن "المعطيات تدل على أنه في العام 2021، الذي خيم عليه شبح جائحة كورونا الصحية والاقتصادية التي بدأت في آذار/ مارس 2020، ارتفع مؤشر الأمن الغذائي لدى السكان، بفعل المساعدات والدعم الحكومي للعائلات التي استبعد فيها المعيل عن مكان عمله، وجرى تسريحه إلى إجازة غير مدفوعة الأجر".

وبينّ أن "حوالي 16% من العائلات ونحو 21% من القاصرين يعيشون بانعدام أمن غذائي متواصل ويتركزون بالأساس في مناطق القدس والشمال والجنوب، كما أن انعدام الأمن الغذائي يتركز بالأساس في المجتمع العربي وبين الذين يتلقون مخصصات المعيشة مثل مخصصات ضمان الدخل والإعاقة".

قد يبدو مصطلح "الأمن الغذائي" أو انعدام الأمن الغذائي، غير مألوف لدى البعض، لأن الأمن لديهم ارتبط بالحروب والعمليات العدائية والإرهاب وما إلى ذلك، في حين أنه من وجهة نظر الخبراء فإن الأمن الغذائي هو مصطلح نشأ مع بداية الخليقة، والأمن الغذائي هو ما يكفل استمرار الحياة للإنسان، ويجيء في مرتبة أعلى من الشعور بالأمن والأمان الشخصي من الأخطار الخارجية، وانعدام الأمن الغذائي هو التهديد الأقوى الذي قد يواجه الإنسان، والذي بانعدامه تنعم الحياة.

وبهذا الصدد، قالت ابتسام وهي امرأة تعمل بوظيفة جزئية في مكتب للحسابات بمنطقة الشمال، لـ"عرب 48"، إنها "لم تتفاجأ من نتائج تقرير مؤسسة التأمين الوطني، وأعتقد بأن الصورة يمكن أن تكون أكثر سوداوية مما جاء في التقرير، وأن المستقبل قد يخبئ ما هو أخطر من ذلك بكثير".

مطبخ لعائلة عربية (عرب 48)

وأضافت ابتسام وهي والدة لثلاثة أبناء اثنان منهم على وشك الالتحاق بالتعليم العالي والأخير يدرس في المرحلة الثانوية "أنا أعمل بوظيفة جزئية وزوجي لا يمتلك مهنة تكفل لنا حياة كريمة ومستقرة، فهو يعمل نادلا في المطاعم وفي قاعات الأفراح، وعمله يقتصر على المواسم مثل موسم الأعراس والأعياد، وخصوصًا الأعياد اليهودية التي تمتلئ فيها المطاعم العربية بالزائرين، ومقابل ذلك هناك فترات أخرى قد يتعطل فيها زوجي عن العمل لمدة شهر أو شهرين كاملين، حين يكون هناك ركود وفي ظل غياب النشاطات والمناسبات الاجتماعية".

وأشارت إلى أن الخوف من تهديد انعدام الأمن الغذائي هو أشد قسوة من العيش في ظل انعدام الأمن الغذائي، بمعنى أننا اليوم نستطيع توفير لقمة العيش بعون الله، ولكننا بالمقابل لا نستطيع أن ندخر ولو حتى جزءا بسيطا من راتبنا لأيام الشدة، وكل ما نتحصل عليه أنا وزوجي شهريا نصرفه بالكامل وأحيانا نشعر بضائقة معينة لأن الأجر لا يكفي لسد احتياجات العائلة".

وتابعت أن "شبح انعدام الأمن الغذائي يخيم باستمرار على حياتنا، وهذا الأمر بالنسبة لي أشد قسوة مما لو كنا نعيش بانعدام الأمن الغذائي، فعندها كنا سنتوجه إلى المؤسسات الداعمة لطلب المعونة وإلى مؤسسة التأمين الوطني لطلب مخصصات معيشة وضمان دخل، لكن أعتقد أن الخوف من عدم القدرة على توفير لقمة العيش وهو ما يقلق غالبية العائلات العربية المتوسطة والفقيرة".

منى، هو اسم مستعار لامرأة كانت تعمل في مجال الحياكة في أحد محلات بيع الألبسة قبل سنوات، لكنها اليوم عاطلة عن العمل، وأحيانا تقصدها بعض الجارات من معارفها لغرض إجراء بعض التعديلات على الملابس الجديدة والمستعملة، وهي تمتلك ماكينة خياطة خاصة في بيتها.

وأكدت أن "عائلتي تعيش أياما صعبة للغاية في بعض الأحيان، وأنها بالكاد تجد قوت يومها لتوفير حاجيات المنزل".

يشار إلى أن منى تعيش مع زوج مدمن على شرب الكحول، وهو لا يعمل إلا فيما ندر بمجال طلاء الحديد والجدران، علمًا أن لها ثلاث بنات أكبرهن تبلغ من العمر 13 عاما، إذ قالت لـ"عرب 48" إنه "إذا كان هناك مصطلح انعدام الأمن الغذائي رغم أنها لم تسمع عنه من قبل، فإنها تعيش هذه الحالة في كثير من الأوقات، ونحن اليوم نعيش في قلة ولكننا نحمد الله على كل حال، وقلقي هو من المستقبل، فأنا لا أرى أي نافذة أمل أو فرج".

وأضافت أن "المثل يقول ’البنت بتكبر ويكبر همها معها’ فما زالت حاجات بناتي صغيرة وأنا بعون الله قادرة على توفير احتياجاتهن، أما زوجي فهو دائما متوتر وعصبي ويعيش على المخصصات التي لا تكفي لسد حاجاته وحده وأجرة المنزل، إذ أننا نعيش في منزل مستأجر ولا نملك بيتا مستقلا، لذلك فأنا لا أطلب منه أي شيء وأحاول توفير كل احتياجات المنزل من عملي المتواضع، ومرة أخرى أقول إن ما يقلقني هو المستقبل، وأخشى ما أخشاه أن يصل بنا الحال إلى توسل لقمة العيش".

إلى ذلك، حاول "عرب 48" الحديث مع خبراء عرب متخصصين في موضوع "انعدام الأمن الغذائي" لقراءة تقرير مؤسسة التأمين الوطني، إلا أن أحدا لم يوافق على ذلك.

التعليقات