"حلقات استقبال": منذ النكبة ولغاية هبة الكرامة

تكثف مجموعة "حلقات استقبال" النسائية برامج نشاطاتها في البلدات العربية، في الآونة الأخيرة، إذ تلتقي عائلات الشهداء ومعتقلي هبة الكرامة.

مركزة نادي الحارة الفوقا في طمرة، نداء خطيب (عرب 48)

تنشط مجموعة نسائية تدعى "حلقات استقبال" في المجتمع العربي في سرد تاريخ النكبة وتداعياتها ومآلاتها على الفلسطينيين خصوصا في أراضي 1948.

افتتحت المجموعة برنامجها السنوي للتعرف على تاريخ القرى والمدن الفلسطينية، في محطة الانطلاق بمنطقة "الصنيبعة" في مدينة طمرة، المكان الذي استشهد فيه الشاعر نوح إبراهيم في ربيع شبابه إذ لم يتجاوز 25 عاما بعد التحاقه بالثورة حاملا سلاحه، فضلا عن قلمه وصوته. استشهد نوح، يوم 28 تشرين الأول/ أكتوبر 1938، بينما كان متجها لزيارة أقاربه في قرية مجد الكروم، يرافقه ثلاثة من رفاقه، في طريقهم عند طمرة كان جنود الانتداب البريطاني قد نصبوا كمينا لهم في الجبل شرقي طمرة، وقد ترجّل الفرسان الثلاثة ليستريحوا قليلا ففاجأتهم قوة عسكرية بريطانية مدعومة بأسراب من طائرات سلاح الجو الملكي البريطاني بينما كانوا يهمون بالرحيل فارتقى نوح شهيدا مع كل من رفاقه الثلاثة: محمد خضر قبلاوي وعزّ الدين خلايلة، وأبو رعد (من السوريين الذين تطوّعوا في الثورة)، وألقى الإنجليز جثثهم في بئر، ثم جاء أهل طمرة وحملوا جثامين الشهداء إلى الجامع القديم، وصلوا عليهم صلاة الجنازة، ودفنوهم في المقبرة القديمة بطمرة، وأقيم لهم نصب تذكاريّ في العام 1986.

عن الزيارة للتعرف على تاريخ طمرة السياسي والثقافي ذكرت مؤسسة مجموعة "حلقات استقبال"، آية زيناتي، أن "طمرة في قلوبنا وعقولنا منذ أمد بعيد، وقررنا بدء جولتنا للعام 2023 منها، تزامنا مع صدور الأحكام الجائرة بحق معتقلينا، معتقلي هبة الكرامة، ولقد آلينا على أنفسنا المجيء للاستماع للأمهات والعائلات المكلومة من خلال جولة شاملة، بإرشاد الناشطة رنين ذياب، حيث بدأنا من منطقة الصنيبعة شرقي المدينة، والتي شكلت مآوي في عام النكبة 1948 للنازحين الفلسطينيين من مختلف القرى الفلسطينية المجاورة لطمرة مثل قريتي الرويس والدامون، وملجأ لأهالي طمرة على مدار أسبوع في عام النكبة عندما بدأت العصابات الصهيونية بارتكاب المجازر ضد أبناء الشعب الفلسطيني".

رنين ذياب

اطلعت النساء على نشاط المرأة في طمرة من خلال اللقاء مع مركزة نادي الحارة الفوقا، نداء خطيب، وفي هذا السياق قالت زيناتي إنه "وجدنا أهمية بالتعرف على دور المرأة الطمراوية في نهضة المدينة، ونموذج لهذه المرأة نداء خطيب، مركزة مجموعة نشطاء الحارة الفوقا، ومجموعة غاليات، وتلعب دورا بارزا في تنظيم نشاطات للنهوض بالحي القديم في طمرة. تعرفنا على بعض من إنجازات النساء في طمرة بينها مشروع تسمية الشوارع، وكان استقبالا حافلا من قبل أهالي الحي في بيوت من التصميم العثماني في الحي القديم، كذلك قدمت الفنانة دعاء ذياب ورشة فنية تراثية، وتحدثت الفنانة والناشطة هيام أبو رومي عن أهمية النضال السياسي والفني".

سلطت الناشطة رنين ذياب خلال الجولة على الجانب النسوي، إبان النكبة، وكيف أن النساء سعين جاهدات لإيصال صوت أبناء الشعب الفلسطيني والتعريف بالتاريخ والتشبث بالهوية العربية الفلسطينية بطرق مختلفة.

قالت ذياب إن "طمرة تحمل تاريخا للمرأة الفلسطينية المناضلة، من أمهات وزوجات وبنات شهداء، إلى أمهات معتقلين في ملف هبة الكرامة، وقد التقينا بجيهان أبو رومي والدة المعتقل محمد أبو رومي المحكوم بالسجن لمدة سبع سنوات، إذ أنه من الأهمية نقل صوت ومعاناة عوائل المعتقلين، ومساندة بعضنا البعض، وأن نصدح بالصوت العالي رفضا لممارسات السلطات الإسرائيلية، ودعم أهالي المعتقلين رفضا لتغييب قضيتهم وتذكيرا بها. كما قمنا بزيارة جمعية شهد لذوي الاحتياجات الخاصة، واختتمنا جولتنا بزيارة منزل الشهيد أحمد حجازي، والتقينا بأمه فهيمة حجازي".

تيماء أبو أحمد

استمعت النساء لأم الشهيد أحمد حجازي، والذي استشهد برصاصة من الشرطة الإسرائيلية، يوم 2 شباط/ فبراير 2021، عندما تواجد في منزل صديقه أحمد عرموش للدراسة لموضوع التمريض، وقالت إنه "عندما أحضر لي جثمان ابني الشهيد أحمد حجازي، نظرتُ إلى جثمانه المسجى وقلت له 'أحمد حبيب قلبي، للتو كنا قد فرغنا من تناول العشاء سوية '. لقد تجاوزت الصدمة بسرعة، قمت بفتح عينيه، وقبلتهما، قبلت فمه، ثم قمت بتغطية وجهه وقلت له 'رحمك الله يا أحمد، تغمدك بواسع رحمته ' وتركت المكان، متقبلة قضاء الله وقدره، ولله الحمد فقد عوضني الله بأبنائي الآخرين، وعوضني بالدكتور أحمد عرموش، الذي اعتبره بمقام ابني أحمد رحمه الله تعالى، وكان لي الابن الذي لم أنجبه، وعلى الرغم من أن فقدان الأم لابنها صعب للغاية فقد وجدت في أحمد عرموش تعويضا لي لفقدان فلذة كبدي أحمد حجازي، فابني الشهيد عاش مع عائلة الدكتور أحمد عرموش لمدة سبع سنوات واستشهد عندهم. لقد ألهمني الله الصبر، وعوضني بأبنائي وجيراني الذين يكنون لي كل الخير والمحبة".

جيهان أبو رومي والدة الأسير محمد أبو رومي

وقال جبر حجازي شقيق الشهيد أحمد، إن "المسار القضائي مشوب بالظلم في ما يتعلق بملف استشهاد أخي أحمد، فكل فلسطيني يُقتل يتم تسجيله كرقم لدى السلطات الإسرائيلية. ستكون هناك جلسات قضائية في محكمة لاهاي الدولية، السنة المقبلة أو السنة التي تليها، وسيقود فريق الادعاء المحامي الأستاذ محمد صبحي من أم الفحم، ومع أن القضايا انتهت بحلول الثاني من شباط/ فبراير 2021 لدى السلطات القضائية الإسرائيلية إلا أننا متمسكون بالأمل بانعقاد الجلسات القضائية في لاهاي. وتأكيدا على ضلوع السلطات الإسرائيلية بمسألة العنف وتواطئها الملحوظ، فقد ورد في الإعلام الاسرائيلي بأنه تم ترقية عنصرين من الشرطة الإسرائيلية لقتلهم عربي".

بدأت جيهان أبو رومي، والدة المعتقل محمد أبو رومي، حديثها عن معاناة عائلات المعتقلين بالقول إنه "في غيابه أشتاق للمعاطف، أرتديها بالمقلوب ناحية الصدر وأُعانقُه، أشم رائحته التي علقت على معطفه وأخاف أن تتلاشى، فلدي سبعة سنين عجاف من الشوق لرائحته واحتضانه".

آية زيناتي

وعن معاناة عائلات المعتقلين قالت إنه "عند زيارة ابني في السجن أول سؤال يطرحه علينا 'هل نسيتنا الناس أم تذكرنا؟' فأجيبه بعد أن أكفكف الدموع بعكس الحقيقة في محاولة لطمأنته بأنه يتم تنظيم مظاهرات ووقفات داعمة لمعتقلي هبة الكرامة أسبوعيا حيث يتم اختيار مدخل مدينة أو قرية عربية وترفع اللافتات التي تنادي بحريتكم. جوابي هذا محاولة لأزرع الأمل فيه، فهو يستحق ذلك لأن ما قام به ابني كان دفاعا عن أهل بلده، وعلى الرغم من ذلك فهناك تقصير بحقه".

وختمت أبو رومي بالقول إنه "أرجوكم ألا تنسوا المعتقلين، لقد صدر حكم بحق ابني، وهناك معتقلين ما زالوا في طور المحاكمة، قفوا معهم، وجلسة الحكم الخاصة بهم ستعقد في التاسع من شباط/ فبراير المقبل، وجلسة ابني في الاستئناف ستعقد في الثالث من أيار/ مايو المقبل في القدس، وآمل أن نشهد حضورا واسعا، وأشدد على أن الأعداد الكبيرة والحشود الغفيرة تساعد في تخفيف الأحكام. كما أؤكد بأنه كما أن لليهود حقوق في الدولة فيجب أن يكون لنا ذات الحقوق، نحن لسنا إرهابيين، ولا نهدف للقتل، لهذا يجب أن نضع أيدينا بأيدي بعضنا البعض، فالعنصرية بازدياد، والسلطات تضيق علينا في كافة النواحي بما فيها المادية والمعنوية".

فهيمة حجازي أم الشهيد أحمد حجازي

وفي السياق، أكدت تيماء أبو أحمد من مجموعة حلقات استقبال بأن "الحراك الشعبي في منطقة النقب وبئر السبع من تنظيم وقفات احتجاجية يومية أمام المحكمة المركزية في المدينة، وبسبب الضغوطات التي تم تشكيلها على القضاة والمحاكم نجح بتخفيف الأحكام العالية، كذلك وقفة الأهالي والطلاب الجامعيين إلى جانب الطلاب العرب الذين اعتقلوا من جامعة 'بن غوريون' جعل المحكمة تقرر الإفراج عنهم جميعا، بالإضافة إلى أن الدعم والمساندة رسالة للأسرى بأنكم لستم لوحدكم".

التعليقات