عامان على استشهاد أحمد حجازي: حين ينفطر قلب الأم على فلذة كبدها

حلت الذكرى الثانية لاستشهاد الشاب أحمد حجازي، الذي قتل برصاص الشرطة الإسرائيلية، يوم 2 شباط/ فبراير 2021، وقلب والدته يتلوّع شوقا وألما.. " فجأة يناديني.. يمّا، فأرد عليه وأقول يرضى عليك يمّا".

عامان على استشهاد أحمد حجازي: حين ينفطر قلب الأم على فلذة كبدها

والدة الشهيد أحمد حجازي (عرب 48)

تستحضر والدة الشهيد أحمد حجازي، فهيمة حجازي، من مدينة طمرة في الذكرى الثانية لاستشهاد ابنها أحمد، والتي حلت في الثاني من شهر شباط/ فبراير الجاري، ابتسامة ابنها الوسيم التي لم تفارقه أبدا حتى في وداعه الأخير لأحبته قبل مواراته ثرى الوطن، وتلوذ والدته الثاكل بالأحلام حين يزورها ولدها في رؤيا موعدها بعد صلاة الفجر، ليطمئن عليها كما كان يفعل قبل استشهاده، ويحاول انتزاع ألم فراقه من قلبها، فيطبطب على لوعة اشتياقها له ثم يعود إلى غيابه عن قلب أمه.

أحمد حجازي قُتل برصاص الشرطة الإسرائيلية، يوم 2 شباط/ فبراير 2021، عندما كان يدرس في بيت صاحبه د. أحمد عرموش، سمعا صوت إطلاق نار في الخارج، فخرجا، إذ بعناصر شرطة تطلق عليهما الرصاص، فتصيب الرصاصة الأولى قلب أحمد وتقتله، وعندما يخرج د. عرموش بهدف المساعدة كطبيب وإذا بعنصر من الشرطة يطلق عليه النار فيصيبه بقدميه، ويحاول قتله لولا أنه صرخ مرارا بوجهه قائلا له "أنا طبيب".

ألم والدة الشهيد كبير ومصابها جلل، تصف ابنها بـ"قطعة من كبدي، وشذرة رقأت في خملة العينين، وسكنت الفؤاد، فالقلب يرى الابن قبل أن تراه العين".

وقالت والدة الشهيد أحمد حجازي لـ"عرب 48" إنه "على الرغم من أنني فقدت والديّ، وتوفي شقيقي في ريعان الشباب، وشقيقتي في ربيع العمر، ولكن فقدانهم جميعا لم يُحدث في قلبي ما أحدثه فقداني لفلذة كبدي، مع أنني وشقيقتي كنا قلبين في جسد واحد. لقد كان أحمد مؤدبا للغاية، ومحترما، ومطيعا. عندما كنت أطلب منه طلبا قبل الخروج من المنزل كان يلبي طلباتي في أسرع وقت ممكن، وقبل استشهاده بأربعة أيام شعرت بألم في قدمي، وكان لدي حرق، وطلبت منه دواء لعلاج الألم والحرق، كان وقتها في زيارة لصديقه الطبيب أحمد عرموش، وكانت الساعة حينها الثانية عشرة بعد منتصف الليل، فأحضر لي الدواء وقام بعلاجي".

ترنو أم الشهيد أحمد إلى أصدقائه وأحبته الذين لم يقطعوا زيارتهم لمنزله حيث سكن مع أمه وأخوته للاطمئنان عليهم، فترى في عيونهم وقلوبهم عزيزها أحمد.

الوالدة الثاكل لا تنسى ابنها الشهيد (عرب 48)

في زيارة لـ"عرب 48" إلى منزل عائلة الشهيد رأينا جدرانه المتواضعة وقد زينتها صور تجسد ذكريات طفولة أحمد، ولحظات عمله في "سوبر ماركت" العائلة، وتعلمه لموضوع التمريض في مستشفى "روتشيلد".

استوقفتنا الأم الثاكل عند صورة لابنها الشهيد، وقالت إنه "رأيت ابني أحمد في المنام تزامنا مع ذكرى واستشهاده الثانية، كان مرتديا قميصه الأخضر الذي يظهر في هذه الصورة، يمازحني في المنام وأنا أبكي، ويسألني عن سبب حزني، بعدها لم أره، حيث أصبح أثرا، فاستيقظت أصرخ أريد الماء في محاولة لأروي عطشي، لكنني أعلم أن ظمأ اشتياقي له لن يرتوي إلا بصبر حتى ألقاه، فأجلس وأدعو الله له بالرحمة. وفي رؤية أخرى، كنت أوزع الماء بقوارير صغيرة كما أفعل أسبوعيا بالتوزيع عن روحه للمصلين بالمسجد الأقصى، إلا أنني رأيت ابني يوزع الماء، لكن بقوارير كبيرة، ويضخ الماء من خرطوم كبير، وعندما فسرت هذه الرؤية تبين لي أنها فأل خير وحسن خاتمة ووصول أجر الماء لصفحات ابني في الجنة. أيضا اعتاد طير أن يقرع باب منزلي بمنقاره، لمدة عام ونصف العام، ويوقظني، وعندما أفتح له الباب كان يحوم حولي، ريشه بين أخضر اللون وأزرق وأبيض وأسود، كنت أشعر أنه روح أحمد رحمه الله تعالى، الذي أكرمني الله بميلاده وأكرمني بحسن خاتمته شهيدا للعلم، والذي حزن لفراقه الجميع، حتى أن السماء أمطرت لثلاثة أيام متتالية حزنا عليه، وأنا لم أنسه من الدعاء والرضا إلى جانب أخوته، فأحمد لي بمثابة القلب، والمُتّكأ الذي كنت أتكئ عليه، والذي كان يقول لي إنه لن يجعلني أذهب إلى دار المسنين وأنه سيعتني بي وأنه لن يسمح لأحد بأن يتحكم في حياتي وأنه سيضعني في عيونه. الفراق صعب، لكن ما يعزيني بفراقه هو حسن خاتمته ولله الحمد والمنة".

الشهيد أحمد حجازي كان يريد أن يصبح طبيبا

في صحوتها وخلال عملها في البيت، قالت أم الشهيد إنه "أسمع صوت شهيدي فجأة يناديني.. يمّا، كما كان يناديني في حياته فأرد عليه وأقول يرضى عليك يمّا. الجميع أحب أحمد، كبيرهم قبل صغيرهم، وحتى رب العالمين أحبه، ولذلك اصطفاه واختاره ليكون في جنته. لقد عاش حياته بشرف ونزاهة وبقي هكذا حتى لحظة استشهاده. ينتابني شعور بالسعادة لأن ابني نال الشهادة، وشعور بالحزن لفراقه. كان يحن عليّ كثيرا، يرعاني ويشعرني بالسعادة، ويقدم كل ما بوسعه من أجلي، وأنا أقول إنه اشتقت لك يا أحلى شهيد، أيها الحنون، أيها المميز، يا من نلت حبي ورضاي، رحمك الله تعالى. كثير من الأشخاص يترددون بكثرة حتى اليوم على السوبر ماركت حيث كان يعمل أحمد، ويظنون أن شقيقه عماد هو أحمد لمحبتهم بأحمد. كان ولدي شابا عصاميا، وخلوقا، وقنوعا، ويؤثر غيره على نفسه ولو به خصاصة، كان سباقا للخير، ومعطاءً، وكان يساعد الكثير من الطلاب الذين لا يملكون المال لاستكمال تعليمهم في الجامعة، ولم يصل إلى علمي ذلك حتى علمت بذلك بعد استشهاده رحمه الله تعالى. كان يعمل ويتعلم في آن واحد، وأنا التي ألحت عليه ليكمل تعليمه بعد أن انقطع عن التعليم لمدة خمس سنوات، وفعلا قام بالتسجيل في الجامعة وتم قبوله، ونسب القبول إليَّ، فقلت له: أتمنى أن أراك طبيبا في المستقبل القريب، وفعلا تعلم في 11 شهرا ما كان يجب أن يتعلمه في ثلاث سنوات، وعندما بدأ التدريب في المستشفى كان يومه الأول هناك هو اليوم الأخير، وكان سعيدا بذلك، وقام بطي بدلته البيضاء النظيفة وحذائه، ووضعهما في الحقيبة، وأخبرني أنه سيذهب إلى منزل صديقه الطبيب أحمد عرموش لمدة ساعة ثم يعود للدوام في المستشفى، وكان هذا آخر عهدي به، إذ أن استشهاده كان قد سبق عودته".

تعتبر أم الشهيد ولادة ابنها هدية من الله، وشهادته كرامة من كراماته كذلك، وذكرت أن "أحمد كان حنونا وطموحا، وكان جبر (ابني الأكبر) يكبر شقيقه أحمد بأربعة عشر عاما، ولقد أهداني الله إياه لثلاثة وعشرين عاما ثم اصطفاه شهيدا، كان يرعاني كثيرا، ويقدم لي فروض الطاعة، من فرط حبه وطاعته لي اعتقدت أن عمره ثمانية عشر عاما لأنه لا يرفض لي أي طلب، ولكن رفاقه ذكروني خلال طريقنا للصلاة في الأقصى بأن ذكرى ميلاده الثالثة والعشرين قد حلت. شهيدي أحمد كان خفيف الظل، يدخل إلى أعماق القلب بسهولة، وعلاقتي بأبنائي وثيقة للغاية، ولا يرفضون لي طلبا مهما كانت درجة صعوبته، فلطالما سهرت ألبي جميع طلباتهم في الصغر. لقد تعلموا الجود والكرم مني. كنت أخاف على أبنائي كثيرا، أمسك بأيديهم في طريقهم إلى المدرسة وفي إيابهم خوفا عليهم عندما يعبروا الشارع الرئيسي، فنحن نسكن في منطقة بير الطيرة غربي مدينة طمرة، كنت أذهب معهم سيرا على الأقدام إلى المدرسة وأنتظرهم تحت أشعة الشمس الملتهبة، حتى ينتهي دوامهم، فحتى الآن أنا شغوفة بهم للغاية".

لم يولد الشهيد أحمد حجازي وأخوته الثلاثة جبر، وعمار، وعماد وفي فمهم ملعقة من ذهب، بل شقت والدتهم الصخر صبرا لتُنبت أبناء عصاميين نجحوا في شق طريقهم للحياة، ليسجلوا إنجازاتهم ويقيموا المحال التجارية وشراء العقارات وإنهاء الدراسة الأكاديمية.

الوالدة خافت على أولادها والشرطة قتلت ابنها (عرب 48)

وأضافت أم الشهيد: "الحمد لله الذي اختار أحمد شهيدا، وهذه كرامة من الكرامات التي حباني بها، فعلى الرغم من صبري لمدة سبعة عشر عاما على ضنك العيش في بيت من ألواح التُوتياء لا تصل لمنطقته الكهرباء والماء، كانت تخرج الأفاعي من سقفه، وكنا نعيش أنا وأبنائي الأربعة تحت سقفه، على أمل أن نجد الراحة. وبعد أن بلغ أبنائي أشدهم، حيث درس عمار إدارة الأعمال والحسابات ورأيته يكوّن أسرته، وتمت خطبة ابني جبر، قال لي أحمد إنه سيتخرج طبيبا بعد عامين، وبعد أن شعرت بأنه ينبغي لي أن آخذ قسطا من الراحة بعد عناء كل هذه السنوات، فإذا بفاجعة استشهاد ولدي أحمد تصعقني، أحمد أغلى أبنائي، سندي الذي كان يعينني على صروف الدهر، وكان عيني التي أرى بها، وقلمي الذي أكتب به، وكتابي الذي أقرأ فيه، إذ أنني أمية لا أقرأ ولا أكتب، كان ينام أحمد إلى جواري، ومن شدة حبي له وتعلقي به لم أستطع النظر في سريره أو إخراجه من المنزل، إذ يتفطر قلبي لذلك ألما".

تستقبل والدة الشهيد برقيات تصفها ببرقيات التهنئة لشهادة ابنها يوميا، ومن مختلف البلدان والدول حول العالم.

عن ذلك ختمت والدة الشهيد بالقول إنه "زارنا في العائلة محاميا بعد ثلاثة أيام من استشهاد ابني ليقوم بواجب العزاء كما ذكر، إلا أنني نهرته وقلت له يجب أن تقوم بتهنئتي باستشهاد ولدي لا أن تقوم بالتعزية".

(عرب 48)

وعن المسار القضائي لملف استشهاد أحمد حجازي فقال شقيقه جبر حجازي لـ"عرب 48" إن "المسار القضائي مشوب بالظلم في ما يتعلق بملف استشهاد أخي أحمد، فكل فلسطيني يُقتل يتم تسجيله كرقم لدى السلطات الإسرائيلية".

وأضاف أنه "ستعقد جلسات قضائية في محكمة لاهاي الدولية، السنة المقبلة أو السنة التي تليها، وسيقود فريق الادعاء المحامي الأستاذ محمد صبحي من أم الفحم، ومع أن القضايا انتهت بحلول الثاني من شباط/ فبراير 2021 لدى السلطات القضائية الإسرائيلية إلا أننا متمسكون بالأمل بانعقاد الجلسات القضائية في لاهاي."

وختم شقيق الشهيد بالقول إنه "تأكيدا على ضلوع السلطات الإسرائيلية بمسألة العنف وتواطئها الملحوظ، فقد ورد في الإعلام الاسرائيلي بأنه تم ترقية عنصرين من الشرطة الإسرائيلية لقتلهما عربي".

التعليقات