صراعٌ على الهوية: تحذير من جعل يافا "غرفة نوم" لتل أبيب

يشكك رئيس مؤسسة الرابطة لرعاية شؤون عرب يافا، الكاتب والباحث د. عبد القادر سطل من سكان حي العجمي في يافا، بنوايا بلدية تل أبيب، بادعاء تطوير الحي، ويقول إن "هذا الشارع لم يخطط من أجل سكان يافا العرب".

صراعٌ على الهوية: تحذير من جعل يافا

سطل يتفقد آثار بيوت مهدمة في يافا (عرب 48)

تحت الركام وأكوام القمامة المتكدّسة على شواطئ مدينة يافا، وتحديدا في حي العجمي، يرقد تاريخ طويل يمتد إلى مئات السنين، بقايا من آثار 3126 منزلا لسكان يافا العرب الفلسطينيين، والتي هدمتها بلدية تل أبيب والسلطات الإسرائيلية بين الأعوام 1970 و1985، بدأت تنكشف في الآونة الأخيرة.

أظهرت عمليات حفر نفذتها بلدية تل أبيب لشق شارع طويل في داخل حي العجمي، بادعاء تطوير الحي وتسهيل التنقل فيه، ركام البيوت المهدّمة، ومن المزمع أن يمتد الشارع الطويل إلى جانب شارع العجمي التاريخي، إذ سيشكل الخط الفاصل بين حي العجمي وشاطئ البحر.

قبيل شق الشارع بشكل رسمي، شرعت بلدية تل أبيب في عمليات حفر في المناطق التي طُمرت فيها البيوت العربية في يافا بعد العام 1970، يرى ناشطون سياسيون من يافا أن عمليات الحفر هذه تهدف إلى أمرين، أولا، البحث عن آثارٍ طُمرت مع البيوت، وثانيا، طمس معالم البيوت العربية الفلسطينية والتأكيد على محو جميع آثارها بشكل نهائي.

يشكك رئيس مؤسسة الرابطة لرعاية شؤون عرب يافا، الكاتب والباحث د. عبد القادر سطل من سكان حي العجمي في يافا، بنوايا بلدية تل أبيب، بادعاء تطوير الحي، ويقول في حديث خاص لـ"عرب 48" إن "هذا الشارع لم يخطط من أجل سكان يافا العرب، إنما من أجل السكان اليهود أو المستثمرين الذين سكنوا الحي واستوطنوا فيه في الأعوام الأخيرة".

ويؤكد مؤلف كتاب "عاشق البيارة" أن "حي العجمي سيتحوّل بعد أعوام قليلة إلى أغلبية يهودية، وهو الحي العربي التاريخي الفلسطيني في هذه المدينة، الشاهد الأول على النكبة، سيكون نقمة على السكان الأصليين لأن الأغلبية اليهودية ستغيّر من هوية الحي كما فعلت في أماكن أخرى".

ويرى السطل أن "هناك محاولة لتوسيع الحي وجلب مستثمرين جدد، فضلا عن الذين يتواجدون الآن هنا، والذين قد يفوق عددهم عدد سكان الحي العرب. هذا الواقع يحول دون منح فرصة لأهالي يافا العرب امتلاك شقق سكن في الحي، والأمر الذي يسرع من حالات إخلاء البيوت المهددة".

يمر الكاتب اليافاوي على شاطئ العجمي، وهو ينظر إلى ما تبقى من بيوت الحي التابعة للسكان العرب الفلسطينيين، مستذكرا اللحظات الجميلة التي عاشها قبل أن تقرر السلطات الإسرائيلية تحويل جزء كبير من بيوت الحي، وخاصة التي كانت في الصف الأول أمام الشاطئ، إلى ركام.

من يتجوّل في حي العجمي في يافا، يلاحظ الطبيعة الجميلة والأجواء الهادئة التي تحيط بمتنزه كبير مَلِيء بألعاب الأطفال، وفيه العشب الأخضر الذي نُثر بصورة جميلة. في داخل المتنزه الضخم الذي هُندس بصورة دقيقة، مسارات للمشي والرياضة، وكذلك للدراجات الهوائية، ولكن يخفى عن الكثيرين أن تحت هذا المتنزه، طُمر حي كامل، مئات من البيوت العربية دفنت معها أحلام وآمال أصحابها.

تأبى الأمواج المتلاطمة على شاطئ العجمي إلا أن تكشف الظلم الذي وقع على سكان الحي آنذاك، فقد لفظت الأمواج ركام البيوت التي هدمتها السلطات الإسرائيلية وبلدية تل أبيب، والتي كانت قد دفنتها على شاطئ العجمي في سنوات ما بين 1970 و1985 لإخفاء الجريمة.

يمسك السطل في يده قطعة من الرخام الملوّن، من أحد البيوت المهدمة، والتي نُبشت في الأسبوع الأخير وظهرت أنقاضها، ولا تزال جدران البيت وبلاط الأرضية قائمة على الرغم من مرور أكثر من 40 عاما عليها، "هذا الحجر شاهد على الظلم الذي وقع على أهالي يافا وبحق تاريخ يافا" - يقول السطل.

وعن نوعية المنازل التي هدمت أوضح أن "هذه البيوت كانت من طراز عال ومتطورة وفخمة، وبنيت في مراحل مختلفة، جميع هذه البيوت في حي العجمي القريبة من الشاطئ بُنيت في المراحل الأخيرة من تطوير يافا، بعد أن أُزيل السور في سنة 1872 من قبل السلطان عبد الحميد".

ويوّضحُ السطل حول الحفريات، بأنها "تُنفّذُ لخدمة السكان الجُدد (اليهود) الذين جاءوا على حساب العرب، حتى من تبقى من السكان العرب مهدد بالإخلاء بسبب السياسات الإسرائيلية لصالح مشاريع جديدة. وهناك أراض فارغة في الحي أيضا تدخل في مرحلة التخطيط لبناء مشاريع جديدة فخمة، أهالي يافا العرب لن يستطيعوا المشاركة بها لأن الأسعار الباهظة لا تلائم قدراتهم، والنتيجة، مزيدا من اليهود على حساب الفلسطينيين".

ويرى أن أهالي يافا العرب، لا يستطيعون العيش في ريشون لتسيون أو بات يام أو في أي بلد يهودي مجاور، "لأننا نحتاج إلى الجو العربي، نحتاج لمدارسنا ومساجدنا وكنائسنا للحفاظ على هويتنا. من مصلحة سياسة السلطات الإسرائيلية إخلاء العرب من هنا، لأن أرض يافا، اليوم، هي أفضل وأهم مكان استثماري عقاري للأثرياء، والتي يصفونها بأنها غرفة نوم لتل أبيب".

ويشير ابن يافا إلى أن "ما يحصل في العجمي هو ما كنا نخشاه، وهو أن كل العادات والتقاليد التي اعتدنا عليها منذ آلاف السنين باتت، الآن، تضايق السكان الجُدد، بل تقض مضاجعهم، حتى ممن يُحسبون على ما يسمى اليسار الإسرائيلي باتوا يقدمون شكاوى ضد رفع الأذان وصوت أجراس الكنائس، وحتى صياح الديك في يافا".

وإجابة عن سؤال كيف سيبدو حي العجمي مع هذه المخططات بعد عشر سنوات، يقول بقلق وصوت مرتعش إن "حي العجمي سيتغير تماما، سيفوق عدد اليهود عدد العرب بكثير، المعادلة كانت 80% عرب و20% يهود، أما بعد أعوام قليلة فسيكون العكس، وسيتغير طابع الحي. قبل سنوات قلت إن يافا بدون عرب ليست يافا، وفي حال أن السلطات الإسرائيلية بالتعاون مع بلدية تل أبيب ستنفذ مخططها وهو بناء 5 آلاف وحدة شرقي المدينة فإن هذا يعني طمس الهوية العربية ليافا، وطمس المعالم المهمة لهذه الأحياء، وحتى منع الأذان وأجراس الكنائس".

وختم الكاتب السطل بالقول: "نحن لا نتحدث عن التهويد، فقد وقع التهويد على يافا منذ مدة طويلة. نتحدث اليوم عن استمرار المخطط لمحو ما تبقى من معالم المجتمع العربي الفلسطيني لهذه المدينة، وهذا جزء من كارثة نواجهها، وسنبقى نواجهها، وهي أحد أهداف الرابطة للحفاظ على الوجود العربي الفلسطيني في يافا".

التعليقات