معتقلو هبة الكرامة: ظروف اعتقال قاسية لانتزاع اعترافات باطلة

وفقا لشهادات عدد من معتقلي هبة الكرامة فإن الشاباك يستخدم أساليب تحقيق قاسية تتضمن تنكيلا وإهانات وإبقاء المعتقلين في ظل ظروف صعبة داخل المعتقل، وتعريضهم لضغط نفسي، في محاولة لانتزاع اعترافات باطلة منهم.

معتقلو هبة الكرامة: ظروف اعتقال قاسية لانتزاع اعترافات باطلة

قوات من الشرطة في اللد خلال أحداث هبة الكرامة (Gettyimages)

تواصل الشرطة الإسرائيلية وجهاز الأمن العام (الشاباك) تنفيذ حملات الاعتقال ضد شبان من المجتمع العربي على خلفية هبة الكرامة التي وقعت أحداثها في شهر أيار/ مايو 2021، احتجاجا على العدوان الإسرائيلي على غزة، واقتحام المسجد الأقصى، ومحاولات تهجير سكان حي الشيخ جراح في القدس المحتلة، واعتداءات المستوطنين على مواطنين عرب في البلاد.

واعتقلت الشرطة والشاباك، حديثا، الشاب حسن نداف من عكا، والذي برز نشاطه في الحراك الداعم لمعتقلي هبة الكرامة.


ووفقا لشهادات عدد من معتقلي هبة الكرامة فإن الشاباك يستخدم أساليب تحقيق قاسية تتضمن تنكيلا وإهانات وإبقاء المعتقلين في ظل ظروف صعبة داخل المعتقل، وتعريضهم لضغط نفسي، في محاولة لانتزاع اعترافات باطلة منهم.

إحدى هذه الشهادات، أدلى بها آسي حوراني من عكا، في حديث خاص لـ"عرب 48"، وهو الآن قيد الحبس المنزلي والإبعاد عن مدينته، لغاية الانتهاء من المداولات القضائية في ملفه بتهم عديدة بينها "محاولة قتل مواطن يهودي، وتحطيم كاميرات مراقبة، وإشعال حرائق، ورشق حجارة في عكا" خلال أحداث هبة الكرامة.

آسي حوراني بالمحكمة في حيفا (أرشيف "عرب 48")

وقال حوراني إن "الاتهامات آنفة الذكر هي الأبرز في لائحة الاتهام ضدي. حاول المحققون انتزاع اعترافات مني بارتكاب جرائم لم أرتكبها، تحت الضغط النفسي. داهم الشاباك منزلي بحثا عني في كانون الأول/ ديسمبر 2022، أي بعد مضي عام على أحداث هبة الكرامة، لم أكن في البيت، فسلمت نفسي بعد ثلاثة أيام وتحديدا يوم 27 كانون الأول 2022 للشرطة، وبقيت رهن الاعتقال لغاية 29 أيار/ مايو 2023، لأنتقل بعدها للحبس المنزلي".

وعن ظروف التحقيق، أوضح أنه "جرى التحقيق معي لمدة 15 يوما تقريبا، مورست ضدي أبشع أنواع الضغوط النفسية وحتى الجسدية، حيث تم تكبيل يديّ وقدميّ لفترات طويلة وصلت إلى 15 ساعة متواصلة، والبصق في وجهي، وشتمي وعائلتي، وتهديدي باعتقال أبنائي فلذات كبدي، وكل هذا كان أحد أنواع الضغط النفسي لإجباري على الاعتراف بارتكابي الجرائم المنسوبة ضدي زورا وبهتانا، وظلما وعدوانا".

تحقيق مع الأبناء لإرغامهم على الاعتراف بتهم موجهة ضد والدهم

أشار حوراني إلى أن "الشاباك لم يكتفِ بالتحقيق مع أبنائي، وتهديدي بقطع مصدر رزق ابني علي، بل ادعى أن أمي تُوفيت، فطلبوا مني الاعتراف مقابل مشاركتي في الجنازة المزعومة، وهذا كان بعد مرور ثلاثة أيام فقط من اعتقالي، وللأسف أنا صدقت هذا الادعاء كون والدتي مصابة بأمراض القلب والشرايين، وفعلا تم إسعافها ونقلها للمشفى في ذات اليوم الذي اعتُقلت فيه، كنت على وشك الانتحار أو الاعتراف بما لم أفعل قبل أن يتبين لي كذب هذا الادعاء، حيث شعرت بتأنيب للضمير ولو كان الأمر حقا قد حصل وأن أمي فارقت الحياة بعد تعرضها للوعكة الصحية لكنت قتلت نفسي في السجن".

آسي حوراني ووالدته

وأكد أنه "لم يسمح المحققون بأن التقي مع محام لمدة 15 يوما، والتقيت بعدد من معتقلي هبة الكرامة داخل المعتقل، والذين أبلغوني لاحقا أنهم تعرضوا للتعذيب على يد الشاباك، واعترفوا بتهمٍ باطلة تحت وطأة التهديدات والتنكيل التي تعرضوا لها. لا أنسى الفترة الأولى من اعتقالي، حيث تم حبسي في غرفة مساحتها 1.5 متر مربع وبداخلها مرحاض، لم يكن داخل الزنزانة مكان لأضع رأسي عليه بسبب ضيق المساحة ووجود المرحاض داخلها، كذلك تم تخفيض درجة حرارة المكيف لتصبح باردة خلال فصل الشتاء القارس، وتركوا المصابيح الكهربائية مضاءة طيلة 24 ساعة ولعدة أيام، مما سبب لي ضعفا في البصر، والآن وبسبب الحبس المنزلي لا يمكنني الخروج من الحبس المنزلي لعلاج عيوني بسبب القيود المفروضة عليَّ".

وختم حوراني حديثه بالقول إنه "تقدمت بشكوى بواسطة محامي الدفاع، ماهر تلحمي، ضد ممارسات الشاباك خلال التحقيق، وما تسبب من أضرار نفسية وجسدية لي. أناشد عائلات معتقلي هبة الكرامة برفع شكوى قضائية ضد الشاباك جراء ما تعرض له أولادهم لإرغامهم على الاعتراف باتهامات باطلة تحت التهديد والضغط النفسي والتنكيل بهم".

المحامي تلحمي: الصمت على ممارسات الشاباك خطأ فادح

قال المحامي ماهر تلحمي المتخصص في القضايا الأمنية والجنائية، والذي رافع عن عدد من معتقلي هبة الكرامة والموكل بالدفاع عن آسي حوراني، لـ"عرب 48" إن "حالة موكلي حوراني كانت في سياق مختلف عن باقي المعتقلين، حيث أنه بالعادة لا يرى المعتقل أي محام في المحكمة عندما يتم اعتقاله على يد الشاباك، في حين يطرح القاضي عدة أسئلة عليه، ثم تتم إعادته إلى الزنزانة. لاحقا يدخل المحامي ويسأل عدة أسئلة ليتمكن من التعرف على ماهية التهمة ومسار القضية، ثم يطلب بناءً على ذلك تخفيف مدة الاعتقال أو إطلاق سراح المعتقل، أما عندما دخل آسي حوراني إلى قاعة المحكمة وسأله القاضي عن حالته الصحية، فقد أجاب على الفور بأنه مكبل اليدين منذ 12 ساعة، لم يأكل أو يشرب لفترة طويلة، ويتم تهديده وتعرضه لضغوطات نفسية وتنكيل جسدي".

وبيّن أنه "في الوقت الذي يمتنع باقي المعتقلين عن ذكر أي شيء مما حدث أمام القاضي خوفا من المخابرات، وهذا خطأ فادح، إذ يترتب على الصمت عن هذه الممارسات تثبيت التهمة بحق المعتقل كون الاعترافات تمت بدون إكراه أو ضغط. قام القاضي حينها بتمديد فترة التحقيق لآسي حوراني لمدة أسبوع، ثم بعد تقديم الاستئناف تم تخفيض فترة التمديد لثلاثة أيام".

المحامي ماهر تلحمي

وأضاف أنه "أبلغني موكلي آسي حوراني بأن المعاملة اختلفت معه بعد تقديم الشكوى ضد الشاباك على الانتهاكات التي مورست ضده خلال التحقيق، وأؤكد بأن موكلي ينكر جميع التهم الموجهة ضده، ولدينا أمل كبير بإثبات براءته، على الرغم من أنه وللأسف لم يتم التحقيق في الإفادات التي قالها موكلي، والتي من الممكن جدا أن تثبت براءته، حيث أن النيابة العامة تعتمد على رسائل صوتية وتسجيل المكالمات بهاتفه، عدا عن شهادتي متهميّن في نفس القضية، والذين اعترفوا بأنهم ذكروا اسم حوراني ضمن قائمة أسماء للتخلص من التنكيل والتعذيب النفسي الذي تعرضوا له خلال التحقيق. لم تقم المخابرات بالاطلاع على الصور والفيديوهات التي رصدتها الكاميرات كما تقوم الشرطة عادةً، بل إنها أحضرت المعتقلين حسب لائحة أعدها لها أحد المخبرين الذي يتعامل معها، ويتم التحقيق بداية حسب مزاجها الخاص، حيث تنتقي المتهم الأضعف بنية وإرادة والوارد اسمه في اللائحة حتى تجبره على الاعتراف بجرائم لم يقم بها مستغلة ضعفه ووضعه الصحي أو بنيته الجسدية".

دولة لا تحمي حقوق الأقليات.. الشاباك يتدخل في كل القضايا

وعن ممارسات الشاباك ضد معتقلي هبة الكرامة خاصة، قال الحقوقي تلحمي، إنه "ليس من مهمة الشاباك التحقيق في قضايا ذات طابع جنائي بشكل عام، بل إن الشاباك هو جهاز أمن مهمته الرئيسية منع وقوع الجرائم دون التحقيق فيها، لكن مع مرور الوقت ولأننا نعيش في دولة لا تحمي حقوق الأقليات، أصبح الشاباك يتدخل في كل القضايا الجنائية منها والأمنية (قضايا الإرهاب). عندما يُعرف الشاباك أي قضية جنائية على أنها قضية إرهابية، فإنه يتدخل بمجريات التحقيق بها".

آسي حوراني وأسرته

وأشار إلى أن "الصلاحيات والإمكانات المتاحة للمخابرات الإسرائيلية أكبر بكثير مما هي لدى الشرطة، ونحن لا نعرف عنها الكثير، كونها تندرج تحت إطار الملف السري، غير المتاح الاطلاع عليه، وبالتالي ليس بإمكاننا التعرف على ما لديهم من معلومات. في حين يملك كل معتقل أو سجين حقا أساسيا، يتمثل في توكيل محام، وتتأتى أهمية هذا الحق من كون المعتقلين بحاجة لمعرفة حقوقهم، وكيفية المضي في الدعوى، وللتأكد من عدم وجود انتهاكات بحقهم مثل التهديد، بشقيه المادي والمعنوي".

"اختطاف" المعتقل من حيز الزمان والمكان

وصف المحامي تلحمي عملية الاعتقال من قبل الشاباك بالقول إن "الاعتقال يشبه عملية الاختطاف. تتم العملية عبر وحدات خاصة، عناصرها ملثمون، بالتالي لا يعلم المعتقل ماذا يدور خارج المعتقل، وماذا ينتظره داخل المعتقل! والظروف داخل المعتقل بالغة السوء، حيث تكون الزنازين في أقبية تحت الأرض، وتبلغ مساحتها نحو متر مربع واحد، بما في ذلك المرحاض، وهناك مكيف ينفث هواءً باردا، والأنوار لا تُطفأ أبدا، وتستغرق التحقيقات ساعات طويلة، ويمنع المعتقل من النوم، بالإضافة لتكبيله وهو جالس، ويداه وراء ظهره، حتى يضطر للاعتراف بالتهم الموجهة له".

الوالدة تحتضن ابنها آسي حوراني بعد تحويله للاعتقال البيتي

وأكد الحقوقي "إن اختطاف المعتقل من المكان الذي اعتاد عليه، وفصله عن الحيز الزماني، حيث لا يمكنه معرفة نهاره من ليله داخل الأقبية المظلمة، جراء الضغط النفسي والتحقيق المستمر من قبل ثلاثة محققين في الوقت عينه، وعدم استطاعته النوم، مع الصراخ المستمر، وعدم رؤية محام، كل هذه الظروف تؤدي لدمار نفسي هائل للمعتقل تجبره على الإدلاء باعترافات مغلوطة وتحت الإكراه النفسي".

وختم المحامي تلحمي بسرد تفاصيل إضافية لممارسات التحقيق التي يمارسها الشاباك، كتلك التي تعرض لها المعتقل في أحداث هبة الكرامة، أدهم بشير من عكا، والذي فرضت عليه المحكمة السجن الفعلي لمدة 10 أعوام، قائلا إن "المعتقل أدهم بشير خضع لظروف اعتقال قاسية، حيث أُجبر على الاعتراف بجرائم لم يقم بها، وسبب له هذا الأمر أزمة نفسية بالغة الصعوبة، وهو الآن بحاجة لعلاج، ووضعه يتأزم من يوم إلى آخر. مع أن التحقيق، اليوم، لا يوجد فيه عنف جسدي بشكل معلن، إلا أن التكبيل والتنكيل والشتائم والإهانات وتوجيه أقذع العبارات تسبب أذى نفسيا للمعتقل".

التعليقات