هبة الكرامة.. طارق كيوان يشكو ظروف اعتقاله السيئة

لم تتمالك والدة المعتقل طارق، جيهان كيوان، نفسها حين رأت ابنها في جلسة المحكمة قبل أيام من خلال تطبيق (زوم)، وبعد انقطاع أربعة أشهر عن رؤيته، على الرغم من صلابتها لتبدو أمامه قوية ومتماسكة.

هبة الكرامة.. طارق كيوان يشكو ظروف اعتقاله السيئة

المعتقل طارق كيوان في المحكمة (أرشيف "عرب 48")

يواجه معتقلو "هبة الكرامة" التي وقعت أحداثها في شهر أيار/ مايو 2021، احتجاجا على العدوان الإسرائيلي على غزة، واقتحام المسجد الأقصى، ومحاولات تهجير سكان حي الشيخ جراح في القدس، واعتداءات المستوطنين على مواطنين عرب في البلاد، كسائر الأسرى الفلسطينيين، تضييقات وتقييدات مشددة وغير مسبوقة في السجون الإسرائيلية، منذ اندلاع الحرب على غزة في أعقاب عملية "طوفان الأقصى" التي شنتها "كتائب القسام"، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023.

ومن أبرز إجراءات التصعيد ضد الأسرى حرمانهم من زيارة العائلة لهم، ومنع استخدام حسابات "الكنتينا" الخاصة بالأسرى.

باتت الصدمة واضحة على وجوه عائلات معتقلي هبة الكرامة، عند رؤيتهم لأبنائهم خلال جلسات المحاكمة، التي غالبيتها تتم من خلال تطبيق (زوم)، آخرها كانت جلسة المعتقل طارق كيوان (20 عاما) من جديدة المكر، والذي تم اعتقاله يوم 23 تشرين الأول/ أكتوبر 2022، ونسبت إليه تهمة المشاركة في أحداث هبة الكرامة.

"يما فش أكل".. بهذه الكلمات القليلة استرق طارق كيوان الدقيقة التي سمح القاضي له بالتحدث خلالها مع عائلته، خلال جلسة محاكمته عبر (زوم) الأسبوع الأخير في المركزية بمدينة حيفا، ليخبر أمه عن سبب الحالة التي بدت عليه.

سأله والده أكرم: "هل تتعرض للضرب يابا؟"

"لا اتعرض للضرب".. أجاب طارق.

"أظنه أنه لم يخبرنا بالحقيقة، خشية من أن أقلق عليه"، قالت الأم لـ"عرب 48".

لم تتمالك والدة المعتقل طارق، جيهان كيوان، نفسها حين رأت حالة ابنها في جلسة المحكمة قبل أيام من خلال تطبيق (زوم)، وبعد انقطاع أربعة أشهر عن رؤيته، على الرغم من صلابتها لتبدو أمامه قوية ومتماسكة، كما كانت خلال جلسات المحكمة والزيارات سابقا، إذ اختلف الأمر هذه المرة، فانهمر الدمع على وجنتيها أمام الحاضرين، فشد زوجها أزرها وطلب بأن تكَفْكَفَ دمعها بالصبر، ليقر قلب طارق ولا يحزن.

ظهر طارق في حالة صعبة، وقد ضعُف جسده، قال "أريد مقابلة المحامي في أسرع وقت ممكن.. ضروري جدا".

قالت الوالدة: "استعنت بأمومتي لأتماسك وأحبس الحزن في قلبي حتى تنتهي الجلسة، لكن الدهشة والصدمة لحالة ابني غلبتني، بالكاد عرفته، فلقد أصبح نحيلاً، وكأنه هيكل عظمي قد كساه قليل من اللحم. كان شعره طويلاً، لحيته كثة، وكان يرتدي ملابس السجن (الشاباس)، وبرزت عظام وجهه. شعرت بالصدمة البالغة، لم أتوقع رؤيته على هذا النحو، حينها فقدت القدرة على التركيز، ولم أتمالك نفسي فأجهشت بالبكاء في زاوية من قاعة المحكمة حتى لا أظهر من خلال الشاشة فيراني ابني طارق. بدأت الأسئلة تحاصرني: ماذا عساهم فعلوا بولدي؟ طارق لم يظهر بهذه الحالة حتى في أسوء لحظاته خلال التحقيق عندما تم تكبيل يديه أكثر من ثماني ساعات على الرغم من الإعاقة في إحدى يديه، لكنه بدا حينها قويا وشامخا".

جيهان كيوان (عرب 48)

وأضافت أنه "تلقينا أخبارا كثيرة من معتقلين أنهوا محكوميتهم في السجن، آخرها وصلتنا عبر أسير تحرر حديثا، فقد أبلغني عن صعوبة الوضع داخل السجن، فالبرد والجوع يفتكان بالمعتقلين، حيث لا طعام يكفي لسد رمق المعتقلين، ولا ملابس دافئة في ظل البرد القارس، حتى أن السجانين قد خلعوا نوافذ السجن الداخلية، ليدخل الهواء البارد، ولم يقدموا للأسرى سوى أغطية رقيقة لا تُقيهم شدة البرد. أما عن وجبات الطعام فقد خصصوا وجبة خفيفة من الأرز لكل عشرة سجناء، بالكاد تكفي لشخص أو شخصين، كما صادروا ملابسهم، إلا أنهم قدموا ملابس من السجن للمعتقلين عندما اشتد البرد".

ومضت الوالدة بالقول إن "طارق كان يمدني بالقوة، فقد رفع من معنوياتي وهو خلف القضبان، واليوم أشعر أن السجن غيّر ملامح ابني وبدا لي أكبر سنا من عمره الحقيقي، لقد تغيرت ملامحه، وتبلورت شخصيته، وهو مختلف عما كان عليه في الجلسة السابقة قبل بدء الحرب، اليوم معنوياته منهارة، لا بسمة تعتلي شفتيه، حيث كان فيما سبق يحضر جلسة الاستماع بابتسامة ويخرج بابتسامة، اليوم هو إنسان حزين، خائر القوى، معنوياته منهارة، والقهر يأخذ منه كل مأخذ، فيما سبق كان يقول لي (مصيرنا الخروج من غياهب السجن إلى عالم الحرية)، وهذا كان يرفع من معنوياتي".

تقف الكلمات حائرة أمام وجه أم طارق كيوان، ولكنها تصّر على توجيه رسالة الأسرى لكافة القيادات والأطر وهيئات حقوق الإنسان، فتقول إن "معتقلينا وأسرانا ليسوا بخير، هم يعانون الأمرّين في السجن، الجوع، والبرد، والعنف، والخوف، ومن رأى ليس كمن سمع. لقد تغيرت لدي الصورة النمطية لطارق، والذي كان يتمتع بقوة الشخصية، واليوم هو في أسوء حالاته مع الأسف، وأنا الآن لا أستطيع الخروج من دوامة القلق والقهر، نتيجة لما رأيته".

ووجهت كيوان كلمة لذوي المعتقلين بـ"الاكتفاء بتلقي أخبار أبنائهم، بدلا من رؤيتهم في هذه الحالة البائسة، لأنهم يعيشون المأساة والصدمة في آن واحد".

وختمت والدة المعتقل طارق بالقول إن ابني دخل عامه العشرين في الثالث والعشرين من شهر آب/ أغسطس الماضي. وهو في السجن، طارق صغير العائلة المدلل، الذي لم يرتكب جرما، حتى أنه أثناء أحداث هبة الكرامة كان في المنزل ولم يخرج، ولم يقم بأي فعل يجرّمه القانون، قدمنا كافة الأدلة التي تؤكد براءته، من مقاطع فيديو وصور تثبت بأنه تواجد في البيت، لكننا نخشى من الأحكام الجائرة، فحتى المحامين فوجئوا من شدة وقساوة الأحكام ضد معتقلي هبة الكرامة. بات الصيام حالنا نحن أهالي معتقلي هبة الكرامة، فلا يطيب لنا طعام أو شراب في ظل ما يمر به أولادنا خلف القضبان، دون جهة حقوقية تساندهم، باتوا لوحدهم يطالبون بأبسط حقوقهم الإنسانية، وخصوصا المأكل والمشرب".

التعليقات