هل يمكن إبطال الاتفاقيات بسبب الحرب؟

المبدأ الأساسي لفكرة الاتفاقيّات هو احترامها وتنفيذ ما اتّفق عليه بين أطرافها. بالتالي، فإنّ الإخلال بالاتفاقيّة وعدم تنفيذها، بغضّ النظر إذا كانت اتفاقية لشراء عقار أو لاستئجار عقار أو أي اتفاقية أخرى، يتبعه عقوبات مختلفة بحسب قانون الاتفاقيات.

هل يمكن إبطال الاتفاقيات بسبب الحرب؟

(أرشيف Getty Images)

نظرا لأهميّة الموضوع والكثير من التوجّهات حول إمكانية إبطال اتفاقيات موقّعة بسبب الحرب، أودّ أن أضع أمامكم هذا المُرشد القانونيّ المختصر الذي يهدف إلى شرح الجوانب القانونية لموضوع إلغاء اتفاقيات بسبب حالة الحرب وكيفيّة التعامل معه.

الأساس القانوني

المبدأ الأساسي لفكرة الاتفاقيّات هو احترامها وتنفيذ ما اتّفق عليه بين أطرافها. بالتالي، فإنّ الإخلال بالاتفاقيّة وعدم تنفيذها، بغضّ النظر إذا كانت اتفاقية لشراء عقار أو لاستئجار عقار أو أي اتفاقية أخرى، يتبعه عقوبات مختلفة بحسب قانون الاتفاقيات والمفروض بحسب الاتفاقيّة نفسها أيضا. بما في ذلك، يمكن إلزام الطرف المخلّ بالاتفاقية دفع تعويضات للطرف المتضرّر أو حتى يمكن أحيانا إجباره على تنفيذ ما اتفق عليه حرفيّا، بالكامل أو بشكل جزئي.

المحامي نضال داود

في مقابل ذلك، يمكن، بحسب قانون الاتفاقيات نفسه، إعفاء طرف من تنفيذ الاتفاقية وإلغائها في حالات معيّنة فقط. هذه الحالات تتضمّن: ارتكاب خطأ في توقيع الاتفاقيّة (البند 14 من القانون)، المغالطة (البند 15 من القانون)، الإكراه في التوقيع على الاتفاقيّة (البند 17 من القانون) أو الابتزاز (البند 18 من القانون). في هذا المرشد لن نتطرّق إلى هذه الحالات التي فيها تلغى الاتفاقيّة من أساسها بسبب عدم قانونيّتها، ولن ندخل في شروط إثباتها. فقط نؤكد أنّ من يدّعي حصول واحدة من هذه الحالات، يتوجّب عليه إثبات هذه الشروط.

الحالة التي نناقشها هنا هي مختلفة تماما عن الحالات السابقة وهي: الإعفاء من تنفيذ اتفاقية قانونيّة. بمعنى، أنّه بعد التوقيع على اتفاقيّة ملزمة بين الأطراف والتي لا يدّعي أي طرف انعدام قانونيتها، يأتي أحد الأطراف ويطلب إعفاؤه من تنفيذها وإلغائها (كليّا أو جزئيّا) بسبب وقوع ظروف جديدة تمنعه من إخراجها إلى حيّز التنفيذ. هذه الحالة تطرّق إليها قانون آخر يدعى: قانون الاتفاقيات (الانتصاف نتيجة لخرق الاتفاقيات) في البند 18 منه.

بحسب البند 18 من هذا القانون، يمكن لأحد أطراف الاتفاقية الادعاء أنه معفيّ من تنفيذ استحقاقاته المتّفق عليها في الاتفاقية، وذلك باكتمال الشروط التالية معا:

حصول حدث أو أحداث تمنعه من تنفيذ الاتفاقية.

لم يكن يعلم مسبقاّ ولم يتوقّع حصول هذا الحدث أو الأحداث.

لا يمكنه منع حدوث هذا الحدث أو الأحداث.

هذا يعني أنه في حال حصول حدث ما يمنع أحد أطراف الاتفاقية من تنفيذ الاتفاقيّة، وهو لم يتوقّع حدوث هذا الحدث أبدا ولم يستطع حتى أن يمنع حدوثه، فحينها يمكنه الادعاء بأنه معفيّ من تنفيذ استحقاقاته بحسب الاتفاقيّة وأن يطلب حتى إلغائها.

كيف تفسّر المحاكم البند 18 من قانون الاتفاقيات؟

التوجّه العام للمحكمة العليا في تفسير البند 18 لقانون الاتفاقيات (الانتصاف نتيجة لخرق الاتفاقيات) هو الامتناع من توسيع إمكانيات الإعفاء وتطبيقه في حالات نادرة جدا. عمليّا، المحكمة لم تسمح بسهولة إبطال اتفاقيات موقّعة وقانونيّة بحالات الحرب. فعلى سبيل المثال، في حرب لبنان من العام 2006، قرّرت المحكمة بأن حالة الحرب هي ليست حدث غير متوقّع في البلاد (!). لذلك، طالما لم يتمّ التوقيع على معاهدات سلام، فإنّ حالة الحرب هي حدث يجب توقّعه دائما. بناءً على ذلك فإنّ الشرط الثاني من البند 18 لم يتحقّق، وبالتالي لا يمكن الإعفاء من استحقاقات الاتفاقيات الموقّعة.

في الحقيقة، هذا التوجّه قائم في المحكمة العليا منذ سنوات طويلة. ولكن يجب التنويه هنا إلى أن القرارات ليست ثابتة أو موحّدة في هذا النوع من القضايا. كما أنه لا يمكن تطبيق التوجّه العام الذي كان قائما حتى الآن، على الظروف الحالية للحرب الذي فيها خرج عشرات آلاف السكان من بيوتهم وأفرغت قرى ومدن عديدة من سكانها في شمالي البلاد وجنوبها. ولذلك، على سبيل المثال، من استأجر شقّة سكنية في مدينة أفرغت بالكامل من سكانها لا يمكنه الاستمرار في السكن فيها بسبب حالة الحرب وهذا قد يؤثّر على توجّه المحكمة للموضوع.

على الرغم من التفسير الضيّق للحالات التي تسمح الإعفاء من تنفيذ الاتفاقيات إلّا أنه كانت بعض الحالات التي فيها وافقت المحكمة على الإعفاء لفترة مؤقتة. بمعنى أنّ المحكمة سمحت الامتناع عن تنفيذ الاتفاقية لفترة زمنية مؤقتة. وبعدها، يتوجّب على الأطراف العودة وتنفيذ الاستحقاقات المتّفق عليها بحسب الاتفاقية.

حالات إبطال الاتفاقيات أو تأجيلها نتيجة الحرب تتراكم كل يوم وحتى الآن لا توجد قرارات جديدة واضحة للمحاكم بهذا الشأن. لذلك الوضع القانوني حول إمكانية الإعفاء من استحقاقات الاتفاقيات لم يتبلور حتى الساعة، وبرأيي لا يمكن تطبيق السوابق القانونية على ظروف الحرب الحالية لأنها استثنائية نسبة لما كان قائم في السابق.

الخاتمة

لقاعدة تنفيذ الاتفاقية، هناك استثناءات. في حالات معيّنة، القانون يسمح إلغاء أو إعفاء من تنفيذ الاتفاقيات الموقّعة بعد إثبات ثلاثة شروط مجتمعة: أولا، حصول أحداث جديدة تؤثّر على تنفيذ الاتفاقية. ثانيا، لم يكن معلوم مسبقا ولم يكن متوقّعا أيضا حصول هذه الأحداث. وثالثا، لا يمكن منع حدوث هذه الأحداث. المحكمة العليا فسّرت هذه الحالات بشكل ضيّق نسبيا ولم تسمح بسهولة، حتى في حالات الحرب، إعفاء طرف من استحقاقاته المتّفق عليها. حتى الآن لا يوجد قرار موّحد بهذا الصدد والذي يمكن تطبيقه بكل الحالات وخصوصا على ظروف الحرب الحاليّة. لذلك من الصعب تطبيق القرارات السابقة والتي صدرت في ظروف مختلفة تماما، على الظروف الاستثنائية الحالية.

بكل الأحوال، على الأطراف السلوك بحسن نيّة بهدف تنفيذ استحقاقات الاتفاقيّات الموقّعة، ولكن عند الضرورة، وبوجود ظروف تمنع كليّا (أو جزئيّا) تنفيذ الاتفاقيات، يجب استشارة محام مختصّ في المجال المتعلّق بالاتفاقيّة.

تنويه: المعلومات المذكورة في هذا المُرشد هي للتوعية والانتباه فقط وليست بديلا عن الاستشارة القانونيّة المهنيّة.


*مختصّ في مجال الأراضي والعقارات

التعليقات