12/10/2010 - 12:18

عبث بعبث../ ناصر السهلي

-

عبث بعبث../ ناصر السهلي

هل يكفي وصف ما يجري على الساحة الفلسطينية بالفعل العبثي؟ سؤال مستحق منذ سنوات وتأتاة وقياس للمصالح الضيقة فرضت صورة ضبابية لتكون الإجابة عملية حسابية عبثية وعدمية في آن معا، بكل ما حملته حالة التمويه والكذب باسم الثوابت والقرار الفلسطيني المستقل، فما عدنا نفهم التناقض المفروض بين عمق وأبعاد قضية الشعب الفلسطيني على الصعيدين العربي والإنساني وكذبة القرار المستقل، الذي أصبح في عهدة لجنة متابعة عربية تمارس السياسة كالتجارة في بازار للتوابل الشرقية.

 

منذ سنوات وهذه الصورة العبثية المفروضة بأدواتها الجهنمية تعيد إنتاج ذاتها بذات الشخوص والأدوات، بل الأنكى أن تجري عملية تظهير الصورة بأيد وعقول فلسطينية مناقضة تماما لما يعايشه الإنسان الفلسطيني العادي.. الثوابت تصير إلى حكاية سمجة عن وقف الإستيطان.. و ذعر من أن "يحملنا" العالم مسؤولية انهيار "المفاوضات".. ومناكفة داخلية تفضي إلى تذكر أن المشروع الوطني مهدد في 2010 وليس منذ بداية الإصرار على ديكورات للتخندق خلفها، وكله باسم القضية.

 

متى توقفنا وقفة جدية لنسأل السؤال المصيري: هل يستحق المشروع الوطني أن يبقى أسيرا للعقليات والأدوات إياها؟ ماذا ينفع أن تكون لدينا ثوابت وطنية وهناك من يرسل "نيات" و"إشارات" طيلة 17 عاما عن إمكانية القبول باسم الواقعية بما هو أدنى كثيرا من تلك الثوابت..

 

لم تتردد ليفني باقتباسات لجيبوتنسكي، كما لم يتردد نتنياهو من فعل الأمر إياه لبن غوريون بينما يخجل بعض قادتنا من اقتباس ما كانوا يرددونه بأنفسهم، عن الحق التاريخي لهذا الشعب الذي يدعون تمثيل مصالحه الوطنية، فما بالك بالإرث الفكري والنضالي لهذا الشعب.. الإسرائيلي يلتقط الإشارات ويمحص جيدا فيما تفعله "قياداتنا" حتى وصلنا إلى مسخرة استجداء وقف الاستيطان، غير الشرعي أصلا قانونا وتاريخا، وقفا مؤقتا "ولو لشهرين أو ثلاثة" كماعبر "رئيسنا" من على منبر الأمم المتحدة..

 

 وعلى ذكر "رئيسنا"، فقد أشبعنا وهو يرسل إشارات الإرهاق والتعب والرغبة في التنحي ووضع الشروط ثم الاستجداء في الطريق نحو التراجع عنها.. حين كانت م.ت.ف، بعد أوسلو، تشعر بالإحراج من مسألة ترابط قضية الشعب الفلسطيني أينما كان، كنتيجة على الأقل لما فرضه جذر القضية الأساس منذ النكبة، وتحديدا فيما يتعلق بفلسطينيي الداخل، وجد الإسرائيلي فرصته في التعامل مع هؤلاء تعاملا ايديولوجيا صهيونيا بقرارات وتشريعات تمارس بحقهم ممارسة علنية أبشع أنواع العنصرية تمهيدا لمشهد التهجير من أرضهم التاريخية.. (قضية اللاجئين في الداخل والشتات والعلاقة مع فلسطينيي 48 مثلان صارخان على ذلك التوجه..) ليس مجرد شعارات أو مزايدات حزبية داخلية خطاب نتنياهو عن شرطه بالاعتراف بيهودية الدولة ليتوقف الاستيطان مؤقتا، بل سياسة متدرجة قائمة على ما أُنتج طيلة سنوات تفكيك القضية الوطنية بذات الأدوات والشخوص.. دعونا نقرأ قليلا ما يفكر به الإسرائيلي: أنا أمام قيادة ومشروع يدعي بأنه يريد عودة اللاجئين وفقا للقرار 194 ويطالبني بوقف الاستيطان ويرفض الاعتراف بيهودية مشروعي الصهيوني وشرعيته التاريخية.. لكنني أمام قيادة تقبل بما تضمنته وثيقة جنيف، بل تتفهم في الأروقة والنقاشات الداخلية بأنه لا يمكن تطبيق القرار الدولي بشأن حق العودة، ويطالبون بوقف الاستيطان في ذات الوقت الذي يقبلون فيه تبادل الأراضي، وربما السكان، واستمروا في اللعب داخل الحيز الذي وضعته منذ أوسلو مع استمرار الاستيطان وإرسال الإشارات عن قبول بضم الكتل الاستيطانية،.

 

ويذهب هؤلاء للاعتراف في نيويورك وهرتسيليا إلى حد تفهم حقي التارخي وحاجاتي الأمنية، ويستمر هؤلاء بالتنسيق الأمني معي ويتهكمون على فكر ومعاني المقاومة ويتحدثون عن غاندية فلسطينية.. أمام هذا وغيره ما الذي يجبر الإسرائيلي للتفكير مليا بالثمن الذي سيدفعه طالما أن أحدا لا يكترث للمساهمة في تعميق مأزق المشروع الصهيوني..

 

يقول أصحاب نظرية تفكيك القضية والإمعان في الخيار التفاوضي الأوحد بأن "شعبنا تعب" ويريد الحفاظ على منجزاته، وعليه يستمر هؤلاء بما يسمى "العملية السياسية"،لأنها " حاجة دولية".. نعم حاجة دولية وفق.. ولا تمحيص معمق لتلك المنجزات الوطنية الفلسطينية التي يتلطى خلفها أصحاب الرتب والامتيازات ممن يعرفون بأن الطرف الآخر لا يأخذهم على نحو جدي لأنهم في الواقع مكشوفون تماما أمامه. ولا يكفي كل هذا الصراخ عن التمسك بالثوابت والرفض اللفظي ليقتنع المحتل بأنه أمام قيادة تاريخية جادة فيما تقوله وتعنيه وتمارسه..

 

يكفي النظر إلى حالة التهويد وحرق الأرض والسطو والعربدة بأيدي المستوطنين المحميين بجيش الاحتلال والاجتياح والهدم والقتل اليومي فيما السلطة السياسية لقيادة الشعب الفلسطيني تضع الأمن والملاحقة نصب عينيها في علاقاتها بمجتمعها وشعبها على أساس إظهار الجدية والمسؤولية والإلتزام أمام القوى الكبرى الممولة وأمام المحتل، لنكتشف ماهية العبثية التي نشعر ونشهد على شيوعها في هذه التركيبة القيادية الرسمية التي حاولت جاهدة الإنتقال تفكيكا وتدميرا لمفاهيم التحرر الوطني واسقطا الانجازات بالتجزئة المناطقية على أنها بدائل للمشروع المتكامل لكل الشعب الفلسطيني.

 

ربما آن الأوان للنظر بجدية وعمق لأدوات هذا المشروع الوطني برمته، لا يحتاج هذا المشروع الوطني- التاريخي لعملية تفكيك وإعادة تركيب كالتي تمت ممارستها على مدى عقدين، هذا المشروع يحتاج لبرنامج وأدوات تعيد له شموليته الوطنية التي لا تكرس الفصل بين مكوناته ولا تسحبه من عمقه العربي والإنساني العالمي، فلسطنة المشروع لا تتناقض مع تجذير العمقين المذكورين، وكما لا يكفي ممارسة الشعوذة السياسية في استحضار مؤسسة اللجنة التنفيذية وفق أهواء وتوجهات "القيادة" للادعاء بأن "المؤسسات الفلسطينية" تتخذ القرارات، لأننا بذلك نكون أمام حالة من الصمت المريع على كذبة كبيرة ومكشوفة للعدو والصديق.

 

ما يحتاجه المشروع الوطني الفلسطيني بعض الجرأة والشجاعة لمواجهة هذه التركيبة القيادية التي تشيع اليأس توطئة لفرض ما هو متاح/ مفروض، أي كان باسم الواقعية والعقلانية، ويحتاج للإقلاع عن لعبة الولاء للمال السياسي عند بعض الفصائل التي تتلعثم كثيرا في مواجهة حقيقية لهذا الاندفاع الذي تمارسه الطبقة السياسية التي أضحت أكثر تمسكا بالمناصب والامتيازات، تبريرا كأدوات للوصول إلى الحقوق (...)كالاختباء وراء خديعة بناء مؤسسات الدولة..

 

لا يخفي اليوم على أصحاب المشروع السلطوي بأنهم في العقل الإسرائيلي ليسوا أكثر من أدوات وبأن الاحتلال نزع عنهم أية صلاحيات، على سخافتها، والأهم أنهم يعرفون ماهية الوظيفة التي أرادها الاحتلال لهم، ربما أقل من روابط القرى.. وإذا كان ذلك لم يعد خافيا فمن الكارثي أن لا نعترف بأنه هناك من يقبل هذه الوظيفة ويدافع عنها باسم "المصلحة الوطنية العليا"..

 

باختصار، من يحتكر المسميات وقد تسلل الرعب واليأس إلى عقله وقلبه لا يستحق أن يكون على رأس هذه القضية، ومن يمارس السياسة كمهنة للمنفعة الضيقة للمريدين والمحازبين لا يستحق سوى أن يقال لهم: كفوا عن هذا الهراء و الطمأنينة العبثية في رحم الاحتلال. الطريق واضح..لا يحتاج لندوات وتنظيرات، لقد بات الشعب الفلسطيني سباقا لقراءة الواقع والمستقبل أكثر من جل هؤلاء الذين يعاملونه على أنه قاصر، ولا أعتقد أن هذا الشعب الذي واجه المشروع الصهيوني أصبح عاجزا عن فرز قيادة عمل وطني غير تلك التي تعيش خيبة أخرى من خيباتها الكثيرة والمتكررة.

التعليقات