15/12/2020 - 19:12

لامبالاة...

هذه تدفع باتجاه عدم الثقة بالعمل الجماعي المنظم لحماية أنفسنا من وابل القوانين والسياسات العنصرية، والذي يعتبر أساس كل نجاح لتحقيق المطالب المشروعة، وانشغال كل فرد في البحث عن خلاصه الشخصي، ولكنه حتمًا سيفشل في الخلاص

لامبالاة...

توضيحية (pixabay)

اللامبالاة جميلة ومريحة إذا ما كانت في مكانها وتوقيتها، فهي تعمل كالصّاعق، تمتص الغضب في لحظة أو موقف ما، قد يكون موقفًا ابن لحظته ويمضي، وهنا تكون اللامبالاة خشبة نقفز عليها كي لا تتبلل أقدامنا بمياه آسنة أو وحول.

ولكن إذا تحوّلت اللامبالاة إلى نهج حياة يومي، فهي تصبح خطيرة ولها ضحاياها، وإسقاطاتها الاجتماعية.

اللامبالاة واضحة في ورشات العمل، وهي خطيرة، إذ إنها أدت وتؤدي إلى سقوط ضحايا نتيجة لعدم اتخاذ الحيطة الضرورية للأمن، وعدم استعمال أحزمة الأمان في الأمكنة المرتفعة، والتأكد من سلامة السقالات، والتدخين وإشعال النار في الأمكنة التي قد تسبب اشتعالا وكوارث.

نسبة إصابة العمال العرب في إصابات عمل قاتلة أعلى من نسبتنا العامة من السكان، ليس فقط لأن طبيعة عمل أخوتنا العمال أكثر خطورة من غيره مثل ورشات البناء، بل لأن هناك استهتارًا ولا مبالاة، حتى عندما يكون حزام الأمان موجودًا ومتوفّرًا، فكثيرًا ما يُلقى به جانبًا لأسباب لا يمكن وصفها، سوى أنها لا مبالاة واستهتار بقيمة الحياة نفسها.

كذلك واضح أن نسبتنا من المتورطين في حوادث الطرق القاتلة أكبر بكثير من نسبتنا من عدد السكان، وهذا ما يصرح به مسؤولون سنويًا عند تلخيص حوادث الطرق.

كذلك فإن نسبتنا من المصابين بمرض كورونا، أعلى من النسبة العامة وهذا يشمل الوفيات طبعًا، وهنا نرى بلا مواربة أن اللامبالاة هي السّبب، خصوصًا ما نراه في تجمعات مثل بيوت العزاء، حيث يمارس كثيرون المصافحات والعناق وعدم الالتزام باستخدام الكمامات، لهذا فإن معظم البلدات المصنّفة حمراء أو على حافة الأحمر هي بلدات عربية، وهذا يؤدي إلى خسائر مادية ومعنوية إضافة إلى المعاناة النفسية والجسدية لمن يصاب بالمرض.

إضافة لهذا فالمجتمع العربي أعلن إفلاسه أمام ظاهرة جرائم القتل، حيث يقترب عدد الضحايا إلى المئة منذ بداية العام.

هذ العنف يدمّر العلاقات بين الناس ويخرّب حياة أسر وعائلات، ويبقيها في حالة توتّر وحزن وخوف، ويدمّر اقتصادها، وقد يفكّك أُسرًا نتيجة الجريمة.

نضيف إلى هذا حوادث الدهس في ساحة البيت، وهي مآسٍ تلقي بظلها على الأسر التي تصاب بها، وكثرة مخالفات السير، وتلقّي الغرامات مرة تلو الأخرى بعدم اكتراث، الأمر الذي يؤدي إلى إرغام السائق على دخول دورة قيادة آمنة، وهذا يستهلك وقته وماله، وأي مكان مثل هذا يقدم الدورات ستجد أن العرب هم الأكثرية، في الجليل مثلا ستجد قلائل من غير العرب في هذه الدورات.

هذه الحالة من اللامبالاة تعتبر مثالية بالنسبة إلى سلطة نظام عنصري تجاه أقلية، أو أي نظام قمعي آخر، لأن اللامبالاة تبعد الناس عن القرار، وعن السياسة، وعن أخذ مصيرهم بأيديهم، وتجعلهم يسلّمون قضاياهم إلى كل راغب في التلاعب والتجارة بها.

اللامبالاة لها من يغذّيها، وهو يستعمل كافة الوسائل لدفع مجتمعنا إلى هذا الوضع المنحدر إلى الحضيض.

إضافة لما يعرفه الجميع عن عدم جدية السلطات في العمل على محاربة العنف والجريمة، هناك حسابات لمجموعات على مواقع التواصل الاجتماعي مثل "فيسبوك"، لا تقدّم ولا تنشر سوى التفاهات والسطحية التي تدفع باتجاه احتقار الذات والآخرين وكل السياسيين ورجال الدين والمجتمع والأحزاب، وهذا ليس جلدَ ذاتٍ فقط، فقد ينبع جلد الذات من ألم ورغبة في التغيير، ولكن احتقار الذات يعني ترسيخ الشعور بالدونية أمام الآخر، ومن ثم القبول والرضوخ أمام كل ما يُخطَّط ويُرسَم لهذه المجموعة البشرية، والاقتناع بأننا لا نستحق الكرامة الإنسانية، ولا المساواة التي نطالب بها، ولا الحرية التي نحلم بها.

هذه تدفع باتجاه عدم الثقة بالعمل الجماعي المنظم لحماية أنفسنا من وابل القوانين والسياسات العنصرية، والذي يعتبر أساس كل نجاح لتحقيق المطالب المشروعة، وانشغال كل فرد في البحث عن خلاصه الشخصي، ولكنه حتمًا سيفشل في الخلاص، لأن مشاكل الفرد هي جزء من المشكلة العامة، ومثال ذلك مسطحات البناء والترخيص، وقضايا العنف وجرائم القتل.

احترام الذات يعني احترام العمل الجماعي، ومحاربة ظاهرة تبخيس واحتقار القيم، وهذه مسؤولية وواجب، خصوصًا على الكبار تجاه فئة الشباب، وعدم السماح للشعور بالضِّعة وفقدان القيم أن يتغلب على المزاج العام، هذا الشعور الذي تفاقم مؤخرًا بسبب تهافت بعض الأنظمة على التطبيع مع الاحتلال، بلا أي مقابل، ودون أية شروط، بل بالعكس، بشروط أملاها نتنياهو وترامب.

التعليقات