27/05/2022 - 10:16

الطلاب الجامعيون العرب وخط المواجهة المحتدم

التمييز العنصري تجاه الطلاب العرب هو شأن بنيوي ويدار في أعلى مواقع اتخاذ القرار. وهو يستهدف المستقبل وليس فقط الوضع الراهن

الطلاب الجامعيون العرب وخط المواجهة المحتدم

إحياء ذكرى النكبة في جامعة بئر السبع

يبدو أن الجامعات الإسرائيلية ستكون حلبة مواجهة كبرى، بعد أن أعلنت المؤسسة الصهيوينة الحاكمة عدوانيتها العنصريّة متعدّدة الأذرع على الوجود الطلابي العربي فيها. وليس مثل الطلبة العرب أنفسهم في حمل هذا التحدّي وتحقيق الإنجازات الوطنية والعلمية والنهضويّة معا.

قد يتراءى للوهلة الأولى، أن المسألة الحارقة هي تهديدات كل من يسرائيل كاتس القيادي في الليكود وأحد أبرز قادة اليمين الدموي الفاشي في الجامعات، ما بين أواخر السبعينيات وبداية الثمانينيات، والجنرال السابق يوآف غالانت، وتهديدهما بنكبة جديدة، غير قادرين عليها، ثم لحق بهما ليبرمان وزير المالية الحالي ومن عصابات يسرائيل كاتس وتساحي هنغبي في الجامعة العبرية في حينه، والذي أعلن عن نيته قطع الدعم الحكومي عن جامعة بئر السبع، والتي أتاحت للطلاب العرب تنظيم مظاهرة النكبة وتحت أعلام فلسطين. يعرف كاتس وكل قيادات اليمين الدموي في الجامعات طوال عقود طويلة، بأن الطلاب العرب من خلال لجانهم المنتخبة واتحادهم القطري، لم يكونوا يوما الطرف الأضعف في الجامعات التي تحالفت إداراتها مع أقطاب النهج الدموي وأجهزة الاستخبارات والشرطة، وذلك ليس لأن الطلبة العرب يملكون قدرات جسدية أقوى، وإنما لأنهم دافعوا عن أنفسهم وعن حقوقهم وحقوق شعبهم، وحتى عن مجرد وجودهم موحّدين، بينما الطرف الآخر، تعامل من منطلق السطوة الدموية والاعتداء على العرب. وإذ يجري الحديث اليوم عن تسليح المواطنين اليهود للاعتداء على العرب وإقامة ميليشيات دموية رسمية، أو شبه رسمية؛ فإن هذا النموذج قد جرى تجريبه في الجامعات ولم يسقط إلا بنضال الطلاب العرب رغم الثمن الباهظ للموقف وللتصدي، والذي وجد تعبيرا عنه في الاعتداءات والإصابات ومحاولات الاغتيال في مساكن الطلبة وفي الاعتقالات والقمع الشرطوي، وفي ملاحقة الشاباك والمحاكم التأديبية التي لم يحصل لها أن عاقبت طالبا يهوديا واحدا على مظاهرة أو اعتداء، بينما كل انشغالها كان بالطلبة العرب، وهي في ذلك لا تختلف عن روح المحاكم الإسرائيلية.

إلا أنّ ما يفوق -من حيث الأثر- التحريض الدموي على الطلبة العرب ومن خلالهم على جماهير شعبنا، هو قانون "مِمَديم لليموديم (من الجندية إلى التعليم)" والمعروف إعلاميا بقانون وزير الحرب بيني غانتس، والذي حظي بأوسع إجماع قومي صهيوني لتزول الحدود والعداوات بين الائتلاف والمعارضة، ولتعارضه فقط القائمة المشتركة. ليس من المبالغ القول إنه قانون تطهير عرقي بنيوي للطلبة العرب في الجامعات، فهو يمنح الطلاب الذين خدموا في الجيش أو أذرع الأمن تخفيضا قانونيا تلقائيا بنسبة 75% من القسط الدراسي ومن ميزانية الدولة، ناهيك عن المنح المقدّمة من الصناديق والمنظمات والجاليات اليهودية في العالم، وبالذات من الولايات المتحدة، ليبقى أمام الطلاب العرب أن ينافسوا على ما يتبقى من المِنح المتاحة.

اقرأ/ي أيضًا | عن مصيَدة التحقيق

من شأن التطبيق الفعلي للقانون أن يجعله أكثر قسوة وعنصرية، إذ سوف تدّعي الجامعات بأن هذه المنح من الدولة، بينما هي معاهد أكاديمية "لا تتدخل بالسياسة"، وبذلك تُحرِّر نفسها من أي مسؤولية تجاه التمييز العنصري الصارخ. أما الجانب الآخر فهو يذكّر بلجنة تحديد القسط الدراسي الجامعي في أوائل سنوات الثمانين والتي حملت اسم لجنة "قصاب" على اسم عضو الكنيست موشي قصاب، والذي شغل في ما بعد منصب رئيس إسرائيل، ومنه إلى السجن بتهمة الاغتصاب. وقد حددت اللجنة في توصياتها عام 1983 حجم القسط الدراسي العالي بـ700 دولار لمدة خمس سنوات، لكن في التطبيق بلغ حوالي الألف دولار بأسعار تلك الفترة، كما شطبت أي إمكانية لاعتماد قسط دراسي تدريجي بحسب معايير اقتصادية اجتماعية، بينما رسّخت التمييز العنصري باعتماد الخدمة العسكري أساسا في التخفيضات. لقد اعتمدت الحكومة المعايير التمييزية، بينما رفعت القسط أكثر مما رفعته اللجنة.

كانت النتيجة في ظل هذا التمييز العنصري، وارتفاع القسط الدراسي في ما بعد، بأنّ الطلبة العرب تضرّروا أضعاف الضرر الذي لحِق بالطلبة اليهود، في حين أن تكلفة التعليم لا تنحصر في القسط، وإنما بمعايير تفضيل قبول الجنود في مساكن الطلبة في الجامعات، وامتناع أوساط واسعة من المجتمع الإسرائيلي تأجير الدور للطلبة العرب، مؤكدين اللّازمة المعهودة: "نحن لسنا عنصريين وإنما الجيران".

كما استُخدِمَت منظومة التمييز سعيا للحد من تدفّق الطلاب العرب للجامعات، بالذات في مرحلة النهضة الوطنية والتحوّلات الاجتماعية التي حصلت في أعقاب مصادرة الأراضي والتوجه إلى الدراسة، ففي جامعة حيفا على سبيل المثال، تم التعامل مع الكم الكبير في حينه للطلبة العرب والذي بلغ نحو الألف من أصل أربعة آلاف، كمشكلة ديمغرافية ينبغي علاجها للحيلولة دون تسارع تزايد العرب وأنشطتهم، وعزوف اليهود عن الجامعة، وكان هذا من دوافع إقامة "كلية الأمن القومي" في الجامعة، لجذب الطلبة اليهود، وبالذات الجنود وتغيير طابع الجامعة.

لكن جذور التعامل تعود إلى فترة سابقة، فقد اعتبرت المؤسسة الصهيونية بأن التحاق الطلاب العرب بالجامعات الإسرئيلية وبالذات في سنوات الخمسين المبكرة في الجامعة العبرية، بمثابة تجاوز خطوط صهيونية حمراء، واعتداء على المشروع الصهيوني، بل إنّ الجامعات رسخت ضمن أهدافها خدمة المشروع الصهيوني واعتبارها لذاتها جزءا منه. لقد استخدمت الدولة من خلال الجامعات سياسة التقنين وتحديد عدد المقبولين، وقد وصلت الأمور لأن يطرح هذا الأمر "الخطير" في العام 1958 على جدول أعمال مكتب رئيس الحكومة ومستشاره للشؤون العربية، بصفته منسق أعمال الأذرع الأمنية والحكم العسكري في ديوان رئاسة الحكومة، وذلك من باب المساعي إلى الضبط السياسي والرقابة والهيمنة في مرحلة بدايات تبلور فكرة تنظيم الطلاب العرب في الجامعة العبرية في القدس.

التمييز العنصري تجاه الطلاب العرب هو شأن بنيوي ويدار في أعلى مواقع اتخاذ القرار. وهو يستهدف المستقبل وليس فقط الوضع الراهن. والمشهد المتوقع هو أن الدولة وحكومتها ستقوم في أعقاب "قانون غانتس"، برفع القسط الدراسي في الجامعات، فمهما ارتفع فإنه لن يؤثر على الطلاب الإسرائيليين، ولو افترضنا حسابيّا بأنّه سيرتفع بأربعة آلاف شيكل، فإنه سيكلّف الطالب العربي أربعة آلاف شيكل ومرفقاتها، بينما سيكلّف الطالب الإسرائيلي (وبالمجمل من خلفية اقتصادية اجتماعية أفضل من العرب)، فقط ألف شيكل يحصل عليها من مصادر المنح اليهودية الصهيونية في العالم. أي أن الأخير لن يشعر بالارتفاع، بينما يتحمّل الطالب العربي كامل مضاعفات الارتفاع. وهذا يندرج على مجمل القسط. في السياسات طويلة الأمد، لا تتضح تداعياتها في المرحلة الأولى من إقرارها، وإنما بعد سنوات، ولن يكون مفاجئا إذا اكتشفنا لاحقا زيادة ملحوظة في هجرة الطلاب والطالبات العرب إلى خارج البلاد للدراسة في جامعات العالم، أو العزوف عن الدراسة، ويمكن أيضا أن نرى مساعي صهيونية (بما فيها الصهيونية الناعمة من خلال منظومات "التعايش") إلى الدفع نحو مشاريع الخدمة المدنية والقومية، أو للتجنّد في جيش الاحتلال.

لا أعتقد أن هذه المشاريع الصهيونية ستنجح بالضرورة، وهذا القرار سيتخذه أولا الأجيال العربية الفلسطينية الصاعدة والحركات والحراكات الطلابية، التي وإن لم تَعُد منظّمة على أساس لجان طلابية واتحاد قطري منتخبين، إلا أنها ستجد الصيَغ الملائمة لها ولروحها المتجدّدة لمواجهة هذا التحدي على جهتيه: التحريض العنصري الدموي، والعنصرية البنيوية بعيدة المدى، ففي جامعة تل أبيب وجامعة بئر السبع رفرفت مؤخرا أعلام فلسطين، وكانت أعلى من حملة أعلام اسرائيل، وهو المؤشر بأن الجيل الصاعد يستلهم من تاريخه ويشقّ طريقه نحو الأفق.

التعليقات