16/06/2022 - 16:16

الجيش والمستوطنون والتماهي في الأهداف والمعتقدات

عندما سُئل قائد ما يسمى بوحدة "السامرة" في الجيش الإسرائيلي، الكولونيل عومري تسويغ عن سبب قيام قواته بمساعدة المستوطنين في ترميم "قبر يوسف" في نابلس، أجاب بشكل قاطع بأن الجيش والمستوطنين واحد، وزيادة في التأكيد، كتب يقول كأي مستوطن مشبع

الجيش والمستوطنون والتماهي في الأهداف والمعتقدات

المستوطنون بحماية جيش الاحتلال بالضفة (geety images)

عندما سُئل قائد ما يسمى بوحدة "السامرة" في الجيش الإسرائيلي، الكولونيل عومري تسويغ عن سبب قيام قواته بمساعدة المستوطنين في ترميم "قبر يوسف" في نابلس، أجاب بشكل قاطع بأن الجيش والمستوطنين واحد، وزيادة في التأكيد، كتب يقول كأي مستوطن مشبع بالتطرٌّف الديني: "في هذا المكان وعد الرب أبانا إبراهيم بهذه الأرض، بقوله امنَح هذه الأرض لذريّتك... وختم يقول، في هذا اليوم نعيد الاحترام لأرض وشعب إسرائيل".

وحظي الكولولنيل تسويغ بلقب "قائد وحدة المستوطنين" في افتتاحية خصّصتها له صحيفة "هآرتس"، وعدّدت خلالها قائمة طويلة من الاعتداءات التي يقوم بها المستوطنون ضد الفلسطينيين، تحت مرأى ومسمع من جنوده في القطاع الواقع تحت مسؤوليته، حيث تحوّلت حوّارة وقرى فلسطينية أخرى، إلى مسرح لعربدات المستوطنين وانفلاتهم، في حين لم تقصِّر قواته في توفير الغطاء للمستوطنين من جهة، وفي محاولتها البائسة في فرض منع رفع العلم الفلسطيني ومطاردة رافعيه من جهة ثانية.

اللافت في الموضوع أن الكولونيل تسويغ ليس حالة شاذة في جديد العلاقة الآخذة في التبلور بين المستوطنين وجيش الاحتلال الإسرائيلي الذي وإن كان قد عمل دائما على حراستهم والسهر على أمنهم، وتوفير وسائل الراحة لهم، إلا أنه انتقل في الآونة الأخيرة إلى حالة من التماهي التامّ مع أهدافهم ومعتقداتهم، وهو أمر لا رجعة فيه، إذ إن التحولات السياسية تحدث في إسرائيل فقط، بل إنّ مردّها إلى تحولات اجتماعية وأيديولوجية تجري عميقا في بنية الجيش الإسرائيلي ومركباته البشرية، الأمر الذي حوله كما يقول الكاتب أوري كلاين، من "جيش الشعب" إلى جيش "الحردليم" (تزاوج تيار "الحريديين" المتزمِّت دينيًّا، وتيار الصهيونيّة الدينيّة المتطرّف قوميا).

كلاين يورد في مقاله جملة من حالات الاعتداء التي ينفذها المستوطنون ضد الفلسطينيين تحت مظلة الجيش الإسرائيلي، بينها اعتداء مستوطن على متظاهرتين يجري تحت أنظار قائد وحدة "يهودا"، يشاي روزيليو، الذي يظهر في شريط الفيديو وهو يشاهد بهدوء، دون أن يحاول منع الاعتداء.

وهو يلفت إلى أن قنوات التلفزة الإسرائيلية لم تبثّ الشريط، لأن مسألة لامبالاة الجيش باعتداءات المستوطنين باتت شائعة وغير مثيرة بما فيه الكفاية، كما يقول، في حين أن بعض من شاهدوا الشريط وجدوا أنهم محظوظون لأنه "ليس منهم" فـ"هم" (ويقصد الأشكناز من سكان تل أبيب وضواحيها الذي شكلوا في السابق عماد الوحدات القتالية في الجيش) اليوم في وحدة 8200... بعد أن أصبح الجيش الإسرائيلي ينقسم إلى قسمين، "الجيدون" الذين يذهبون إلى وحدات السايبر والتكنولوجيا، والآخرون للأراضي المحتلة.

وبطبيعة الحال، فإن الآخرين الذين باتوا يحتلون الوحدات القتالية هم الشرقيون وسكان الضواحي، "الأقل جودة"، بينما أصبح "المتدينون القوميون" يحتلون المراتب القيادية. وتكفي الإشارة في هذا السياق إلى أن ثلثي الذين أنهوا دورة الضباط في السنة الماضية، كانوا ممن يعتمرون "الكيباه".

كما تشير نتائج بحث أجراه بروفيسور يغيل ليفي الباحث في قضايا المجتمع والجيش، إلى أن حصة الطبقة الوسطى وما فوق، والتي تتمركز إثنيًّا في الأشكناز وجغرافيا في منطقة تل أبيب والمركز، قد هبطت حصتها من مجموع قتلى الجيش الإسرائيلي من 68% إلى 45%، بينما ارتفعت حصة الشرقيين والمتدينين من الذين يتمركزون في الطبقات الدنيا وفي الضواحي من 32% إلى 55%، مشيرا إلى تعاظم هذه الظاهرة بعد الانتفاضة الثانية، حيث تبلغ حصة هذه الفئات اليوم 78% من قتلى العمليات الجارية في الضفة الغربية وقطاع غزة.

ومن الجدير ذكره أن تعاظُم قوة التيار الديني في صفوف الجيش الإسرائيلي، ليس قصرا على هروب أبناء النخب الاقتصادية إلى وحدات السايبر التي احتلت مكان الوحدات القتالية وتركت هذه الوحدات للطبقات الأقل حظا، بل هي تعكس أيضا عملية التطرف القومي الديني في المجتمع الإسرائيلي المتعاظمة في السنوات الأخيرة.

اقرأ/ي أيضًا | "فشل التجربة"

التعليقات