10/11/2022 - 14:47

نحو إعادة بناء الحركة الجماهيريّة

لا يتمّ بناء مجتمع من خلال النجومية في الكنيست فقط، وترك الشارع لعصابات الإجرام، بل يجب إعادة هيكلة شاملة تأخذ الأحزاب فيها الدور الأساسي في كلّ مواقع القرار والفعل الاجتماعي والثقافي والسياسي في مجتمعنا

نحو إعادة بناء الحركة الجماهيريّة

مظاهرة في أم الفحم (Getty Images)

لم نتجنَّ على أحد عندما كنا نقول: "وهم التأثير"، و"نهج النكوص"، وغيرها من الأوصاف التي نعتنا بها القائمة المشتركة من اليوم الأول لتأسيسها، فقد قرأنا المكتوب من عنوانه، كما يقولون، ورفضنا أن يُحمل على ظهر قائمة انتخابية أُقيمت لتجاوز نسبة الحسم، ما لا تحتمله من شعارات إستراتيجية كبيرة، ثبت اليوم بُطلانها بالملموس.

لكن وكعادتنا نحن العرب، لن يقف أحد ويقول أخطأت، ويعتذر من تلقاء نفسه عن المنزلق الذي أوصل إليه "السياسة العربية في إسرائيل"، ولن يقف الكثيرون كذلك مطالبين قياداتهم بالاعتراف بخطئها والاعتذار عنه، ليس بهدف إنزال العقاب، بل لغرض تفقُّد "لمركبة" وفحص الأضرار وتصحيح المسار، قبل الانطلاق مجددا.

ويخطئ من يظنّ أن السنوات السبع التي "عيّشتنا (أحيتنا)" فيها المشتركة على تحالف أصرّ البعض أنه "إستراتيجي"، وعلى وحدة اعتُبرت عنوة تجسيدا لـ"وحدتنا الوطنية"، وعلى قائمة انتخابية نجح أصحابها في محاولة جعلها تنافس لجنة المتابعة كهيئة تمثيلية للداخل الفلسطيني.

يخطئ من يظنّ أن سنوات الوهم تلك لم تترك أضرارا على ساحتنا السياسية، فقيادتنا التي "شمّرت قبل أن تصل إلى المياه"، بنت لنا قصورا في الخيال على أنقاض أو ما سببته من أضرار بنياننا السياسي القائم في الواقع، وهو أمر لم يتجلَّ في تعظيم المشتركة وتقزيم المتابعة، وفي تقديم العمل البرلماني وتهميش النضال الجماهيري على مدى سنوات طويلة فقط، بل تمثَّل كذلك في المسّ بالبُعد الوطني لنضالنا المتمثّل بقضايا الاحتلال والاستيطان، والحصار الذي يتعرض له شعبنا في غزة والضفة، وبحقوقنا الجماعية في الداخل الفلسطيني.

لقد سبق أن تساءلتُ في مقال سابق؛ متى كانت المرة الأخيرة التي زار فيها عضو كنيست عربي أسيرا في السجون الإسرائيلية، أو خيمة عزاء لشهيد في القدس أو في الضفة؟ ومتى كانت المرة الأخيرة التي دخلوا فيها إلى المسجد الأقصى وتصدّوا لبن غفير في ساحاته؟ وهي أمثلة تدلِّل على الثمن الذي جباه منا "نهج التأثير"، والحديث ليس عن قائمة منصور عباس التي تجلس في الائتلاف الحكومي، بل يطال جميع أعضاء الكنيست العرب.

المعادلة كانت واضحة لمن سعوا للتأثير بواسطة دعم حكومة ترأسها رئيس مجلس المستوطنات السابق، وراهنوا على معسكر لا يعتبر حتى الطرف الفلسطيني المتورط بالتنسيق الأمني، شريكا لمفاوضات وتسوية سياسية، واستعملوا اعتباطا، تجربة الجسم المانع في عهد حكومة رابين نموذجا، فقد اقتضت المعادلة التنازل عن البُعد الفلسطيني، الذي رأينا كيف أنه سقط سهوا أو عمدا من خطاب أعضاء الكنيست العرب، بمن فيهم قادة المشتركة، قبل أن تتفكَّك نهائيًّا أيضا.

وعندما نقول تغليب البرلماني على الجماهيري، والقائمة الانتخابية على الهيئة التمثيلية الأعلى لدى جماهير الداخل الفلسطيني، والجسم الجامع لقواه السياسية وهيئاته المحلية، فإننا نلحظ ذلك في تقلُّص النشاطات الجماهيرية والمشاركة في المناسبات الوطنية، على غرار إحياء ذكرى يوم الأرض، ويوم القدس والأقصى، والمشاركة في مسيرة العودة وغيرها، كما نشهد ذلك في تدني مكانة لجنة المتابعة، وتضاؤل نشاطها وتضعضُع هيبتها السياسية.

كما إننا عندما نقول إعادة بناء الحركة الجماهيرية، لا نبتغي الانتقاص من العمل البرلماني، وإنما وضعه في نصابه الصحيح، من خلال العودة للتعامل مع تمثيلنا في الكنيست، بوصفه تمثيل أقلية قومية في برلمان الدولة اليهودية، التي قامت على أنقاض شعبنا، وما تزال بكافة قواها وأحزابها الصهيونية، تتنكّر لحقوق شعبنا الوطنية، وتطارده في كل المواقع، بهدف منعه من ترجمة هذه الحقوق على أرض الواقع.

إعادة بناء الحركة الجماهيرية يتطلب معالجة الأضرار التي تسببت بها السنوات العجاف للمشتركة، ومن الجدير التنويه بأن أسوأ القوانين العنصرية التي شرّعها الكنيست، وهي "قانون القومية" و"قانون كامينتس"، سُنَّت في عهد المشتركة، أو عهد نتنياهو، بدون أن تتمكن المشتركة من إحباطها أو إلغائها لاحقا. أما معالجة الأضرار فتتمّ بالعودة للشارع وللقواعد الشعبية، وبإعادة الاعتبار للحزب كأداة للتنظيم والفعل السياسي، القادر على إحداث التغيير.

إعادة البناء تتمّ بالعودة إلى هيئاتنا التمثيلية والشعبية، وبتنظيف مجالسنا من المنتفعين والمرتشين والعملاء من كبار الموظفين، والرؤساء، وبتنظيف مدارسنا من الخاملين والعاجزين والفاسدين من مدراء ومعلمين، وبتنظيف جمعياتنا ومؤسساتنا من الهيمنة والاستحواذ والأجندات الخارجية.

لا يتمّ بناء مجتمع من خلال النجومية في الكنيست فقط، وترك الشارع لعصابات الإجرام، بل يجب إعادة هيكلة شاملة تأخذ الأحزاب فيها الدور الأساسي في كلّ مواقع القرار والفعل الاجتماعي والثقافي والسياسي في مجتمعنا، ويجري خلالها إعادة بناء مجالس الطلبة، ولجان الإباء، ولجان الطلاب العرب، واتحادات المرأة والشبيبة والنوادي الحزبية، والنقابات القطاعية من أطباء ومهندسين وعمال، وصولا إلى إعادة بناء لجنة المتابعة وانتخابها من الناس بشكل مباشر.

التعليقات