02/11/2023 - 17:27

غزّة لا ترفع الراية البيضاء!

الحرب أثبتت لإسرائيل والمطبّعين العرب أنّ القضيّة الفلسطينيّة الّتي كانت سببًا في حالة القطيعة والعداء والحرب بين العرب وإسرائيل، ما زالت قائمة وتنبض بالحياة، ومن غير الممكن إنهاء حالة العداء والقطيعة وتطبيع العلاقات مع إسرائيل دون حلّها

غزّة لا ترفع الراية البيضاء!

أثر الدمار إثر غارة جويّة إسرائيليّة في غزّة (Getty)

من الصعب التنبّؤ بنتائج الحرب الّتي تدخل يومها الـ27، إلّا أنّنا نستطيع أن نجزم أنّها من أكثر الحروب الّتي شهدها الصراع الفلسطينيّ العربيّ - الإسرائيليّ دمويّة ومفصليّة في تاريخه، حيث يجري تشبيه الفعل الإسرائيليّ خلالها بنكبة 48، لما يطغى عليه من عمليّات إبادة وتهجير وتطهير عرقيّ.

ومن المعلوم أنّ قرار الحرب وأهدافها العسكريّة الّتي علت بالتهديد بـ"سحق حماس" و"محوها عن الوجود"، ثمّ هبطت بالدعوة إلى تقويض أركانها وإنهاء وجودها العسكريّ والسلطويّ في قطاع غزّة، لم ينتج عن تقييم سياسيّ وعسكريّ يستند وينسجم مع إستراتيجيّة إسرائيل تجاه القضيّة الفلسطينيّة والمنطقة عمومًا، بل جاءت كردّ فعل على الضربة المفاجئة والموجعة الّتي تلقّتها إسرائيل في السابع من أكتوبر.

من هنا، فإنّ أهمّ الاستنتاجات المترتّبة على هذه الحرب هي عودة القضيّة الفلسطينيّة الّتي حاولوا تهميشها وإزاحتها عن بساط البحث الإقليميّ والدوليّ، إلى احتلال رأس سلّم أولويّات الأجندة المحلّيّة والإقليميّة والدوليّة بوصفها القضيّة المركزيّة، الّتي لا يمكن إهمالها وتجاوزها والقفز عنها نحو تطبيع العلاقات مع العالم العربيّ، كما سعت إسرائيل.

الحرب أثبتت لإسرائيل والمطبّعين العرب أنّ القضيّة الفلسطينيّة الّتي كانت سببًا في حالة القطيعة والعداء والحرب بين العرب وإسرائيل، ما زالت قائمة وتنبض بالحياة، ومن غير الممكن إنهاء حالة العداء والقطيعة وتطبيع العلاقات مع إسرائيل دون حلّها، عبر اعتراف الأخيرة بحقوق الشعب الفلسطينيّ والتوصّل إلى تسوية سياسيّة تضمن الحدّ الأدنى من حقوقه التاريخيّة.

كما أثبتت أيضًا فشل إستراتيجيّة تفكيك القضيّة الفلسطينيّة عبر تفتيت الوحدة الجغرافيّة والسياسيّة للفلسطينيّين، من خلال عزل غزّة وتقطيع أوصال الضفّة وتحويلها إلى معازل، بعد أن جرى ضمّ القدس واستبعاد اللاجئين وتحويل قضيّة الـ48 إلى قضيّة إسرائيليّة داخليّة.

إسرائيل الّتي قامت بنفسها بتنفيذ خطّة "فكّ الارتباط" مع غزّة عام 2005 لهدف واضح وهو التخلّص من عبئها الأمنيّ والاقتصاديّ من جهة، وفصلها جغرافيًّا وسياسيًّا عن الضفّة الغربيّة لمنع إمكانيّة إقامة دولة فلسطينيّة قابلة للحياة في الأراضي المحتلّة عام 1967، ولهذا السبب رفضت التفاوض مع السلطة الفلسطينيّة حول ترتيبات هذا الانسحاب، هي الّتي تعود اليوم برجليها إلى غزّة، وتعيد احتلالها وتطرح إمكانيّة إعادة السلطة الفلسطينيّة، إليها كأحد السيناريوهات المستقبليّة.

الحرب أكّدت سقوط الاستراتيجيّة الإسرائيليّة الّتي بناها شارون عبر "السور الواقي" وخطّة "فكّ الارتباط" وصانها وعزّزها نتنياهو خلال 14 عامًا من حكمه، وتلخّصت بحبس الفلسطينيّين خلف الجدران بعد تفكيك كيانهم وتفتيتهم جغرافيًّا وسياسيًّا، وبذلك تحقيق الهدف الصهيونيّ في الاستيلاء على فلسطين من البحر إلى النهر والهيمنة على المنطقة العربيّة من النيل إلى الفرات.

هذه الاستنتاجات صحيحة بغضّ النظر عن نتائج الحرب، علمًا أنّ الجيش الإسرائيليّ يتكبّد خسائر يصفونها بأنّها مؤلمة في عمليّة تقدّمه البطيء على أبواب غزّة، كما يقول، وهو إنّ دخلها، فإنّه لا يعرف كيف سيخرج منها، ولا وماذا سيفعل بعد الخروج منها. إنّه يعرف فقط كيف يقصف ويدمّر ويرتكب المجاز وعمليّات الإبادة الجماعيّة والتطهير العرقيّ، في عالم يحكمه الغرب المصاب بعقد الذنب والفصام والمثقل بتاريخ طويل من الاستعمار والاستكبار والاستعلاء العنصريّ.

وأمام عالم عربيّ يحكمه العجز والإعياء وطأطأة الرأس والاذدناب، وتغيب عنه الكرامة والنخوة والتضامن القوميّ، حتّى بحدّه الإنسانيّ الّذي يتيح إدخال الدواء والوقود لمسشفيّات عزّة المكتظّة بالجرحى والغذاء والماء لأهلها الواقعين تحت القصف والحصار.

بالرغم من كلّ ذلك تصمد غزّة وأهلها، ولا ترفع الراية البيضاء، وهي الّتي أعلنت على لسان الناطقين باسمها، أنّها في معركة جهاد، نصر أو استشهاد، وحتّى المحلّلون الإسرائيليّون يستبعدون سيناريو خروج مقاتلي حماس والجهاد على غرار ما حدث في بيروت 82، الّذي يكثر الحديث عنه في اليوم الأخير، أوّلًا لأنّهم بين أهلهم وفي مدينتهم؛ وثانيًا، لأنّ مدينتهم هي غزّة ولأنّ أهلهم هم الغزّاويّة.

التعليقات