31/01/2010 - 10:02

تحريض صهيوني ودونية عربية../ ناصر السهلي*

تحريض صهيوني ودونية عربية../ ناصر السهلي*
(1)
ليس سرا بأن ثقافة تدريسية وإعلامية ولغوية جديدة باتت مقدمة للكثير من السياسات والتحركات الثقافية والدبلوماسية والإعلامية التي تضع العرب والفلسطينيين في قفص الاتهام، وحتى في العلاقات الثقافية العادية، في زمن العولمة، يمكن لمسلسل تركي أن يثير زوبعة تستدعي كل هذا الهرج والمرج الإسرائيلي، والاحتجاج على مادة منشورة أو رسما كاريكاتيريا عربيا بحجة " معاداة السامية".. والتعبير الأخير هو الأكثر رواجا في عملية قفص الاتهام المعد للعرب والمسلمين عموما..

في الدانمرك أثارت إشارة عضو برلمان عن حزب الشعب اليميني بعض ردود الأفعال حين وصف المسلمين بأنهم "يقتلون أطفالهم ويغتصبون بناتهم".. تدخلت زعيمة الحزب بياكيرسغوورد منددة بتصريحات عضو البرلمان، رغم كل مواقفها اليمينية المتطرفة ورغم كل الأحكام المسبقة والتعميمية التي تطالب مواربة بإبعاد المهاجرين.. لم يتردد رئيس الوزراء لوكا راسمسون بمؤتمر صحفي بأن وصف تلك التصريحات بأنها غبية ومرفوضة تماما.. ولم تمر أيام حتى تصدرت الأخبار الدانمركية يوم الجمعة 29 يناير واليوم السبت 30 يناير قيام دانمركي بقتل طفليه (9 و13 سنة) قبل أن يحاول قتل نفسه في منزلهما الكائن في منطقة راقية..

هل من الممكن التعامل مع ذلك الخبر الذي هز المجتمع الدنمركي باعتباره نموذجا، أو استغلاله لبث نوع من التعميم عن المجتمع الدانمركي؟.. أي عاقل لابد أن يقرأ التصريح السابق وممارسة القتل بعقل أوسع، وخصوصا إذا ما أخذنا الأمرين في سياقهما الفردي والتنديد الإعلامي والسياسي لهذا الجهل العنصري..

ليس هذا ما يحدث في دولة الاحتلال ولا في الفكر الصهيوني بضلعيه الديني والعلماني، فالعلاقة بين السياسي والديني أوثق من أن يجري تمويهها أو الإدعاء بأنها مجرد تعبير عن رأي بحرية وديمقراطية.. الغباء الوحيد الذي تتسم بها سياسات التحريض المنهجية في الجانب الصهيوني، رغم وجود شخصيات يهودية تندد بها وتعتبرها كارثية على مستقبل إسرائيل، هي في اعتبار المروجين لها بأن العالم لم يتغير ولا يتابع تفاصيل ما تقوم به المؤسسات الدينية والسياسية والعسكرية..

*التحريض نهجا.. و"العدالة عمياء"
كان مائير كهانا وموشيه ليفينغر واضحين في لغتهما وإشارتهما التحريضية على الفلسطينيين والعرب، ولم يخفي الاثنان دلالات تحريضهما الذي يجب أن ينتهي بالقتل وبالذبح كما كان كهانا يؤشر بيده على الرقبة مع كل تظاهرة تهتف بالموت للعرب.. فماذا فعل "القضاء" ضد مستعمرين يرون القتل سبيلا وأيديهم ملطخة بدماء الفلسطينيين؟

نعم، كان موشيه ليفينغر يجد نفسه معتقلا لأيام بعد جرائم القتل قبل أن يصدر عفوا حكوميا عنه، بينما استمرت حركة كهانا حي، رغم اعتبارها حركة غير شرعية، في بث تعاليمها وتحريضها وممارساتها الإرهابية على الأرض..

ربما تكون حالة عوباديا يوسيف الأكثر وضوحا فيما تعنيه عمليات التحريض وتفاهة "العدالة".. يوسيف ليس بشخص عادي يعبر عن رأيه لتقول وزارة القضاء "ليس هناك تعليمات واضحة تدعو مستمعيه للقيام بعمل ما، لذا لا يوجد أساس لإجراء تحقيق".

يوسيف، الذي يدعو جنود الاحتلال إلى عدم تطبيق الأوامر التي تطالبهم بإجلاء المستوطنين، هو الأب الروحي لكل مستويات التحريض والفاشية العنصرية وهو صاحب السجل الطويل في تعزيز النظرة الدونية لغير اليهود.. أختار هنا بعض التصريحات والمواعظ الدينية والآراء السياسية ليوسيف لنرى ما تعنيه:

- "صب غضبك على الأغيار"
- ادعوا الله إلى أن «ينتقم من العرب ويبيد ذرّيتهم ويسحقهم ويخضعهم ويمحوهم عن وجه البسيطة». وأوصى اليهود بالشدة مع العرب «ممنوع الإشفاق عليهم، يجب قصفهم بالصواريخ بكثافة وإبادتهم. إنهم لشريرون».
- يجب ألا نرأف بهم، ولا بد من قصفهم بالصواريخ وإبادة هؤلاء الأشرار والملعونين.
- "العرب يتكاثرون في المدينة المقدسة كالنمل". وقال "إن عليهم أن يذهبوا إلى الجحيم".
- وفي أغسطس/ آب 2004 قال عوفاديا يوسف في خطبة بثتها الفضائيات الإسرائيلية إن "اليهودي عندما يقتل مسلما فكأنما قتل ثعبانا أو دودة ولا أحد يستطيع أن ينكر أن كلاّ من الثعبان أو الدودة خطر على البشر، لهذا فإن التخلص من المسلمين مثل التخلص من الديدان أمر طبيعي أن يحدث
- مايو/ أيار 2000 قال "إن العرب صراصير يجب قتلهم وإبادتهم جميعا"، ووصفهم بأنهم أسوأ من الأفاعي السامة.
- وفي يوليو/ تموز 2001 دعا الحاخام اليهودي إلى "إبادة العرب بالصواريخ على القناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي وأعاد كلامه مع تأصيله من وجهة النظر اليهودية، زاعما أن الدين اليهودي يحث على التخلص من كل من يسكن فلسطين، وأنه جاء في التلمود "إذا دخلت المدينة وملكتها فاحرص على أن تجعل نساءها سبايا لك ورجالها عبيدا لك أو قتلى مع أطفالهم".
- في انتفاضة الأقصى لم يتردد يوسيف في مسلسل التحريض داعياً الله (( أن يرد الصاع صاعين على العرب ، وأن يقطع نسلهم ويبيدهم ويذلهم ويمحو أثرهم عن وجه البسيطة ))، مضيفاً إلى ذلك قوله : (( يجب عدم الرأفة بهم ، يجب توجيه الصواريخ باتجاههم على كيف كيفك [ يقولها بالعربية ]، يجب إبادة هؤلاء الماكرين والملاعين ( ترجمة ونشر موقع عرب 48)
- اشتراك باراك في مفاوضات مع الجانب الفلسطيني بغية إيجاد تسوية سلمية للمشكلة الفلسطينية. مما دفع الحاخام يوسيف إلى انتقاده قائلاً: (( هذا البني آدم لا عقل له ؟ إنه يركض خلفهم بجنون فقط ليصنع سلاماً، أهذا سلام؟))، مؤكداً القول إن باراك يريد بحماقته أن يصنع سلاماً مع أفعى )). فمن تكون تلك (الأفعى)؟ هذا ما سنجد جوابه في الفقرة الآتية.. حيث قال مثلاً : (( إن العرب أنجاس وأفاع))، (( إن الله يجب أن يدمر العرب ))،(( إن الله يندم كل يوم أن خلق ذرية لإسماعيل))، ((إن العرب يتكاثرون كالنمل… تباً لهم فليذهبوا إلى الجحيم)).
- وعن شعوب العالم تساءل الحاخام يوسف مستهزئاً: ((من تكون تلك الأمم في العالم ؟ سيأتي المسيح ولن يلقوا سوى الاحتقار والإدانة والتشرذم )). ومن هنا لم يتردد عن أن يطلب من مريديه أن يرددوا وراءه الدعاء الآتي: صب غضبك على الأغيار.
- في 2009 و أثناء درس ديني ألقاه بعد انتهاء يوم السبت. وبحسب الصحيفة، قال يوسف إن المسلمين «أغبياء، دينهم بشع مثلهم».
- لا يوجد حيوان أكثر سوءاً من العرب
- حتى الولايات المتحدة لم تسلم من تحريض عوباديا يوسيف على خلفية المطلب الأمريكي بوقف الاستيطان، وتساءل «هل يحكموننا؟ لا تبني هنا، لا تبني هناك. كأننا عمال لديهم . سيأتي المسيح المخلص ويبددهم

ووصف الزعيم العنصري الفلسطينيين الذي يسكنون في القدس القديمة، أو كما أسماها «جبل الهيكل» بأنهم شريرون. وتساءل في الخطبة الدينية الأسبوعية: أين هيكلنا المقدس؟ يسكن عرب هناك. ونحن ماذا لدينا؟ فقراء ومساكين. سيأتي المسيح المخلص صدّيقنا ويبدد كل أبناء الأشرار هؤلاء، ويطرد هذه الأمة".

(2)

تلك مجرد أمثلة على العقل الذي ينصب نفسه حتى مكان الخالق في "الندم" على خلق العرب.. ونحن لسنا أمام إنسان معزول في المجتمع الصهيوني، بل أمام حاخام وزعيم روحي لحزب ممثل في الكنيست إلى جانب مكانة فتاويه ومواعظه الدينية لكيفية التعامل مع الآخر الفلسطيني والعربي وغير العربي.. الجنود الذين يتم إرسالهم إلى الحواجز والضفة وحرب غزة ليسوا جنودا بدون حاخامات ترافقهم وتضع لهم مبررات "دينية" صارمة لا تأخذ بقوانين الحروب ولا القانون والمواثيق الدولية.. هذا المرجع الديني ليس دينيا فحسب، فالتزلف السياسي لعوباديا يوسيف لا يتوقف عند نتنياهو بل يتسع إلى معظم الطيف السياسي المشكل للخارطة الإسرائيلية.. ويجد هؤلاء في التحريض العلني وسيلة لتجييش المجتمع للتملص من أية التزامات قانونية والإمعان الواضح في الرفض العملي لوجود الآخر..

• دونية عربية
أمام الوضوح فيما تحمله تصريحات العديد من المراجع الدينية والسياسية والإعلامية الإسرائيلية يتسابق بعض الرسميين العرب والفلسطينيين تحت تهمة " التحريض" لإثبات أنهم ليسوا "محرضين".. ولا يكترث الإعلام العربي في معظمه إلا لإظهار ما يقوله هذا الشيخ أو ذاك بحق التخاذل الرسمي، بل ويهتم الإعلامي والسياسي العربيين أكثر فأكثر بتكميم الأفواه تحت وابل من الضغوط الانتهازية والمنافقة الصادرة عن دوائر سياسية وإعلامية متصهينة.. فلا يمر وقت إلا ونسمع عن فرمانات بحق هذه الفضائية وتلك بحجة أنها محرضة أو تدعم العنف.. ( السياسي والمعلق الإسرائيلي يجد نفسه أمام فسحة كبيرة في وسائل الإعلام العربية، بينما أظهرت القناة الثانية الإسرائيلية حقيقة "الإعلام الحر" في اللقاء الشهير مع جمال زحالقة حيث كشف هذا الإعلام عن وجهه القبيح في ادعاء احترام وجهات النظر والحيادية).

عندما قام مستوطن من كريات أربع قرب الخليل بإطلاق النار على يافع فلسطيني وقام بدهسه مرات عدة أمام جنود الاحتلال ومجموعة أخرى من المستوطنين وافتضاح هذه الفعلة عبر الشريط الذي تم بثه.. قامت إحدى القنوات الإسرائيلية ببث شريط تابع لكاميرات مراقبة الجيش من حاجز الإذلال في قلندية قرب رام الله تظهر فيه فتاة فلسطينية تحاول طعن أحد رجال الأمن الإسرائيليين! الحادثة تمت قبل أسابيع من دهس المستوطن للشاب الفلسطيني، ويمكن أن نسأل: كيف تم تسريب شريط لكاميرا تابعة للجيش بنفس اليوم الذي عُرض فيه شريط الدهس.. ثم ما هو المقصود من بث شريط قلنديا؟ أهي محاولة لشرعنة قتل الفلسطينيين سياسيا وإعلاميا و أخلاقيا؟؟

يتسابق البعض وبدونية واضحة وعبر خطوات لا نجد مثيلا لها في الطرف الصهيوني باتخاذ مواقف تحت مسمى "الاعتدال" والانجرار الواضح للتأكيد بأن ما يقوله الحاخام يوسيف ليس صحيحا.. فالدعوة مثلا إلى مقاومة الاحتلال تتحول إلى مادة إعلامية تهكمية.. وإبراز حقيقة السياسات الإسرائيلية في الموقف من "عملية السلام" يعتبر تطرفا ويجب حجبه ومنعه من الوصول إلى الجمهور العربي..

التعامل مع عمليات الطرد والتهويد وتدمير منازل العرب في القدس وغيرها واعتبار نتنياهو لمستعمرة أرئيل "عاصمة لنابلس" والقدس هيكلا وانهيارات سلوان كما لو أنها دليل على التوجه السلمي لإسرائيل، يعني خللا حقيقيا في فهم ما يدور على خلفيات التحريض اليومية ضد العرب والفلسطينيين.

ليس سرا أن المحاولات العربية الرسمية والنخبوية للظهور بمظهر المتهم المظلوم تتسم بكثير من الخطورة والترجل، فعلى سبيل المثال كل الحديث عن تعديل المناهج التعليمية بفعل الضغط الدائم للسياسات الإسرائيلية وتحالفاتها الغربية وعلى رأسها الأميركية، لا يقابله محاولات جدية للتوقف أمام ما تحمله المناهج التعليمية الإسرائيلية ( خذ مثلا عنصرية أكاديمي جامعي يقول لطلابه أن أكبر اختراعات العرب هي في صحن حمص جديد).. إضافة للصورة النمطية عن العربي المتوحش في المواد التدريسية للنشء..

لم يسلم الرئيس الراحل ياسر عرفات من التحريض الممنهج حتى تمت تصفيته.. واليوم، حين تريد المؤسسة السياسية والعسكرية في إسرائيل الخروج من مأزق توقف "العملية السياسية" نجدها لا تتوانى عن التحريض ضد السلطة الفلسطينية التي لبت معظم الشروط الأمنية والسياسية المطلوبة منها..

إذن، نحن أمام سياسة منظمة ومبرمجة بدقة وحرفية لوضع الضحية دوما في حالة من الاتهام والدفاع عن النفس، ومع وجود سياسات عربية إعلامية تعيش "ملحمة" رصد الحالات العربية التي تتعارض وسياسات الظهور كالحمل الوديع والاستجداء ومخاطبة المجتمع الصهيوني بصورة دونية لا تنتبه كثيرا للإيديولوجية الناظمة لكل الممارسات الصهيونية..

بشكل عام فإن دروس التحريض الصهيونية والتدخل بتسمية شارع هنا أو كاريكاتير أو تحليل وبرنامج هناك لا يقابلها موقف عربي واضح، لأنه هناك انشغال عربي كما ذكرنا برفع التهمة عن الذات وقمع ما يعكر توجهات رسمية بعينها..

لنا أن نتخيل مثلا قيام صحف عربية بما تقوم به صحف إسرائيلية بنشر صور مطلوب اغتيالهم ووضع إشارة "X" بعد الإعدام الميداني داخل فلسطين المحتلة أو خارجها، فلو نشرت صحيفة عربية صورا لمجرمي حرب إسرائيليين بنفس الطريقة كيف يمكن أن يكون الموقف؟

لنتخيل الوقاحة في التحريض بعد اغتيال محمود المبحوح في دبي ( ليس فقط لجهة تشجيع اختراق المدن العربية من عملاء الموساد وقتل الفلسطينيين هناك، ولو فعلها الفلسطينيون بحق إسرائيليين لفتحت نار جهنم السياسية والإعلامية على الكل الفلسطيني)، بل في سماح الإعلام الصهيوني بالتفاخر بمثل هذا الاغتيال والذهاب نحو التحريض على قتل سمير القنطار.. وإذا تجرأ طرف عربي على التساؤل سيكون الرد الإسرائيلي "هذه حرية تعبير ورأي".. ولماذا لا يكون لدى العرب حرية تعبير ورأي في الوقوف مع الحق الفلسطيني والعربي بدلا من التهمة السخيفة: " التحريض على العنف!".. بل وصل الأمر ببعض الصحف ووسائل الإعلام العربية إلى غربلة واضحة للمواد المنشورة بما يتوافق ونهج الدونية!

التعليقات